المبحث الأول: المجلس الشعبي البلدي كهيئة مداولة

المطلب الثاني/ تشكيل المجلس الشعبي البلدي

يتألف المجلس الشعبي البلدي من عدد من الأعضاء المنتخبين، والذين يتم إختيارهم عن طريق الإنتخاب من قبل سكان البلدية، بموجب أسلوب الإقتراع العام والسري والمباشر وذلك لمدة خمس سنوات، وقد يزيد وينقص عدد الأعضاء المنتخبين حسب كل بلدية، وذلك حسب الكثافة السكانية لكل بلدية، وهذا طبقا للقانون العضوي (12/01) المؤرخ في 21 يناير 2012 المتعلق بقانون الإنتخابات والذي جاء في نص مادته (79) « يتشكل المجلس الشعبي كما يلي :

- 13 عضو في البلديات التي يقل عدد سكانها عن 10.000 نسمة.

- 15 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 10.000 و 20.000 نسمة.

- 19 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 20.001 و 50.000 نسمة.

- 23 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 50.001 و 100.000 نسمة.

- 33 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 100.001 و 200.000 نسمة.

- 43 عضو في البلديات التي يساوي عدد سكانها أو يفوق 200.000 نسمة.

وما يستشف من خلال نص المادة (79) من قانون الانتخابات (12/01) هو أن المشرع الجزائري قد زاد من عدد أعضاء المجالس الشعبية البلدية، كما كان عليه في قانون الانتخابات السابق (97/07) المؤرخ في 06/03/1997 حيث كان عدد أعضاء المجالس الشعبية البلدية يتراوح بين (07) و(33)عضوا، في حين أن في قانون الانتخابات الحالي    (12/01) أصبحت فيه أقل بلدية ممثلة بـ (13)عضوا وأقصاها (43) عضوا، وإن دل ذلك فإنه يدل على أن المشرّع الجزائري أخذ في الحسبان زيادة عدد السكان، كما فتح أكثر سبل المشاركة السياسية للإلتحاق بالمجالس المنتخبة، ويتماشى هذا ومبدأ توسيع المشاركة في تسيير الشؤون المحلية  وصنع القرار، كما يدعم نظام التعددية الحزبية مما يسمح للمجلس من إيجاد العدد الكافي لتشكيل لجانه.

وإذا رجعنا إلى بعض المجالس المحلية المنتخبة في بعض الدول العربية كالسعودية مثلا ودول الخليج، نجدها تأخذ بمبدأ التعيين الكامل لمجالسها فلا يتاح لسكان المنطقة من اختيار من يمثلهم في تسيير الشؤون المحلية، على غرار المشرع الجزائري الذي أخذ بمبدأ الانتخاب الكامل.

الفرع الأول/ كيفية إختيار أعضاء المجالس الشعبية البلدية

يتم اختيار أعضاء المجلس الشعبي البلدي عن طريق الإنتخاب، وينتخب هؤلاء الأعضاء بأسلوب الإقتراع العام السري المباشر، وفقا للأصول المتبعة في الإنتخابات المحلية، وذلك لمدة (05) سنوات قد تمدّد وجوبا، وقبل أن يخوض الشخص غمار الترشح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي، فإن هناك إجراءات ممهدة للعملية الإنتخابية نوضحها من خلال:

1- تقسيم الدوائر الإنتخابية

ويُقصد بالدائرة الإنتخابية الحيّز الذي ينتخب فيه المواطنين نوابا عنهم، وعليه فإن أول ما تقوم عليه العملية الإنتخابية هو تقسيم وتحديد الدوائر الإنتخابية، ويأخذ هذا التقسيم في الحسبان، الكثافة السكانية، والتواجد البشري المنظم، وتوافر الإمكانات المادية والبشرية ومدى توافر الحس السياسي لدى المواطنين، ومدى الوعي لديهم والتفكير في المشاركة السياسية.

2- إعداد القوائم الإنتخابية ومراجعتها

طبقا لنص المادة (50) من تعديل دستور1996 والتي جاء فيها « لكل مواطن تتوافر فيه الشروط القانونية أن ينتخب ويُنتخب».

وتعتبر القوائم الانتخابية قوائم دائمة، وتتم مراجعتها خلال الثلاثي الأخير من كل سنة، إلا أنه يمكن مراجعتها بصفة إستثنائية بمقتضى مرسوم رئاسي، يتضمن إستدعاء الهيئة الإنتخابية المتعلق بإقتراع ما، والذي يحدّد فترة إفتتاحها وإختتامها.

وعليه حسب نص المادة (15) من القانون العضوي (12/01) فإنه يتم إعداد القوائم الإنتخابية ومراجعتها في كل بلدية وتتم هذه العملية بمراقبة لجنة إدارية إنتخابية تُنصب لهذا الغرض وتتكون هذه اللجنة من:

- قاضي يعينه رئيس المجلس القضائي المختص إقليميا، رئيسا

- رئيس المجلس الشعبي البلدي، عضوا

- الأمين العام للبلدية، عضوا

- ناخبان اثنان من البلدية يعينهما رئيس اللجنة، عضوين.

وتجتمع هذه اللجنة بمقر البلدية بناءً على استدعاء من رئيسها.

ونظرا لأهمية هيئة الناخبين وحركيتها المستمرة فقد وقع على عاتق السلطة التنفيذية تسجيل كل من استوفى الشروط القانونية في القوائم الانتخابية، أو في القوائم المعدة لذلك، وشطب كل من فقدها، وقد وضع قانون الانتخابات شروط خاصة بالناخب كما وضع شروط خاصة بالمنتخب أو المترشح لاكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي.

أ- الشروط الخاصة بالناخب

يعتبر ناخبا ويكون له حق التصويت في إنتخاب ممثليه في المجلس الشعبي البلدي، كل جزائري وجزائرية سجّل بالقائمة الإنتخابية والتي تتضمن أسماء جميع الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة العملية الإنتخابية من خلال حق التصويت والإقتراع، وهذا من خلال مجموعة من الشروط التي حدّدها القانون وهذا ما كرّسه القانون العضوي للإنتخابات (12/01) في نص مادته (03) ، وكذلك ما نصت عليه المادة (04) من نفس القانون، وعليه فمن بين أهم الشروط التي يجب أن تتوافر في الشخص لممارسة حقه الانتخابي هو:

1/- التمتع بالجنسية الجزائرية

على إعتبار أن الإنتخاب هو حق من الحقوق السياسية المكفولة لكل مواطن، وهذا ما نصت عليه المادة (50) من تعديل دستور 1996 والتي جاء فيها «لكل مواطن تتوافر فيه الشروط القانونية أن ينتخب ويُنتخب» وعليه فالمشرّع الجزائري إشترط في كل من يريد أن يمارس حقه الإنتخابي، أن يكون متمتعا بالجنسية الجزائرية، ويبدو واضحا من خلال إشتراط المشرع الجزائري للجنسية الجزائرية، أنه لم يميّز بين الرجل والمرأة بل كفل حق الإنتخاب للجنسين على السواء، من دون أن يقصي المرأة من هذا الحق، فحرمان الفئة النسوية من ممارسة هذا الحق يعدّ منافيا للديمقراطية في نظرية الأغلبية.

2/- بلوغ سن 18 سنة

لقد أبقى المشرع الجزائري على سن 18 سنة كحد أدنى وشرط لمن يريد ممارسة حق الإنتخاب، وهذا ما نصت عليه المـادة الثالـثة من القانـون العضوي المتعلّق بالإنتخابات (12/01)، وهو بذلك أبقى على نفس السنّ التي قد كان منصوصا عليها من قبل في قانون الإنتخابات (97/07)، ولعل العبرة التي توخاها المشرّع من ذلك حتى يوسّع من دائرة المشاركة الشعبية في العملية الإنتخابية، خاصة وأن المجتمع الجزائري تمثّل فيه فئة الشباب نسبة (75)% وهي بذلك تعكس طموحاته وآماله من خلال ممثليه.

3/- التمتع بالحقوق المدنية والسياسية

لا يمكن إعتبار أن كلّ من بلغ سن 18 سنة له الحق في المشاركة في الحياة السياسية أو في ممارسة العملية الإنتخابية أو يعدّ ناخبا، فحتى يمارس الشخص العملية الإنتخابية يجب أن يكون متمتّعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن لا يكون قد عوقب بالحرمان منها، وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة (03) من القانون العضوي المتعلق بالإنتخابات (12/01)، حيث إستبعدت طائفة من الأشخاص وحرموا من ممارسة حق الإنتخاب وذلك نظرا لعدم تمتعهم بالحقوق المدنية والسياسية، فالحرمان من الحقوق المدنية يتمثل مثلا في الحرمان من حق الملكية، أما الحرمان من الحقوق السياسية فمثلا كالحرمان من حق الانتخاب والترشح، وهذا كأن يُحكم عليه بعقوبات تبعية في بعض الجرائم.

4/- عدم الوجود في إحدى حالات فقدان الأهلية الإنتخابية

حتى يمارس الشخص حقه الإنتخابي يجب أن لا يكون ضمن إحدى حالات فقدان الأهلية الانتخابية، وهذا ما كرّسه نص المادة (03) من قانون الإنتخابات (12/01)، حيث يعود فقدان الأهلية الإنتخابية لعدة أسباب وعوامل، كالإدانة الجزائية للمحكوم عليهم بجناية، وعليه فأي شخص ثبت أنه حكم عليه في جريمة تشكّل جناية يجعله غير آهل لممارسة الحياة السياسية، ومن بينها الإنتخاب، وكذلك المحكوم عليهم في مادة الجنح والتي يُحكم فيها بالحرمان من ممارسة الحياة السياسية وهذا طبقا لنص المواد (09) و(09/مكرر) من قانون العقوبات حيث جاء في نص المادة (14) منه «يجوز للمحكمة عند قضائها في جنح وفي الحالات التي يحدّدها القانون أن تحضر على المحكوم عليه ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المشار إليها في المادة (08) لمدة لا تتجاوز (05) سنوات». وجاء في الفقرة الثانية من نص المادة (08) من قانون العقوبات أن من بين هذه الحقوق هو حق الإنتخاب أو الترشح، كذلك من ضمن حالات فقدان الأهلية الإنتخابية هو أن يكون الشخص قد ثبت في حقه أنه قد سلك سلوكا مشينا أثناء الثورة التحريرية ويكون مضادا لمصالح الوطن، وهذا ما يعبّر عنه بعدم الثقة في الاعتداد برأيهم، كذلك الإفلاس شريطة عدم رد الإعتبار بالنسبة للتجار وفقا لأحكام القانون التجاري، كذلك الحجر وهذا ما نصت عليه المادة (101) من قانون الأسرة رقم (84/11) المعدّل والمتمّم والتي جاء فيها«من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه أو طرأت عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشده يُحجر عليه».

 كذلك من ضمن الحالات الحجز لضرورة أمنية وبشروط ووفق إجراءات محدّدة، حيث يمكن حجز أي شخص بصورة إدارية (الإعتقال الإداري) أو قضائيا كالحبس الاحتياطي مما لا يسمح له بمباشرة حقه الانتخابي، وإن فقدان الأهلية الإنتخابية ليست حالة دائمة بل حالة عرضية، حيث يمكن للشخص أن يسجّل من جديد بالقائمة الإنتخابية بإسترجاعه للأهلية الإنتخابية كرد الاعتبار أو رفع الحجر أو بأن يشمله العفو.

5/- التسجيل بالقائمة الإنتخابية

يجب على الشخص أن يسجّل بالقائمة الإنتخابية بالبلدية التي بها موطنه حتى يستطيع أن يمارس حقه الإنتخابي، ويُقصد بالموطن ما ورد في المادة (36) من القانون المدني والتي تنص على أن موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكنه الرئيسي، وعند عدم وجود سكن يحل محلها مكان الإقامة العادي، كما كرسته نص المادة (44) من الدستور والتي جاء فيها«يحق لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن يختار بحرية موطن إقامته وأن ينتقل عبر التراب الوطني» على اعتبار أن الموطن من الحقوق والحريات الأساسية للفرد، كما يُعتبر التسجيل في القوائم الإنتخابية واجب على كل مواطن ومواطنة.

 غير أن الجزائريين المقيمين بالخارج والمسجلين لدى الممثليات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية يمكنهم طلب التسجيل في القوائم الإنتخابية عندما يتعلق ذلك بالإنتخابات البلدية بإحدى البلديات التالية:

- بلدية مسقط رأس المعني.

- بلدية آخر موطن للمعني.

-بلدية مسقط رأس أحد أصول المعني.

وهذا طبقا لنص المادة (09) من القانون العضوي المتعلق بالإنتخابات (12/01)، كما يمكن لأعضاء الجيش الشعبي الوطني، والأمن الوطني، والحماية المدنية، وموظفي الجمارك الوطنية، ومصالح السجون، والحرس البلدي، الذين لا تتوافر فيهم الشروط المحدّدة في المادة (09) أعلاه، أن يطلبوا تسجيلهم في القائمة الإنتخابية لإحدى البلديات المنصوص عليها في المادة (09) من القانون العضوي للانتخابات (12/01).

ب- الشروط الخاصة بالمترشّح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي (المنتخب)

بالإضافة إلى الشروط المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون الانتخابات (12/01) فقد أضاف نفس القانون، مجموعة من الشروط الواجب توافرها فيمن يترشح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي، فبالإضافة إلى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وأن لا يكون المترشح ضمن إحدى حالات فقدان الأهلية الإنتخابية، كما يجب أن يكون المترشح قد بلغ سن 23 سنة على الأقل يوم الاقتراع، غير أنه بالرجوع إلى القانون العضوي (97/07) نجد أن المشرّع الجزائري قد خفض سن الترشّح من 25 سنة إلى 23 سنة، ولعل الحكمة من ذلك تعود إلى كون الجزائر تزخر بالفئة الشبابية، لذا إرتأى المشرع أنه لابد من تخفيض السن إلى 23 سنة حتى يُسهم في تشبيب المجالس المحلية، وإتاحة الفرصة للشباب ليتحمل المسؤولية والمشاركة في صنع القرار المحلي، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، وإن كان تخفيض السن قد يُسهم في تحقيق بعض النتائج ، إلا أنه من ناحية أخرى قد لا يؤتي أكله كون أن عضوية المجلس وتسييره تتطلب بعض الخبرة والحنكة السياسية، بالإضافة إلى التعقل والتبصر والتريث في إتخاذ القرار هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن تخفيض السن من الناحية العملية إن كان يصلح لمن لم يكمل دراسته فإنه لا يصلح لمن أكمل دراسته وذلك من خلال شرط أداء الخدمة الوطنية.

1/- أداء الخدمة الوطنية أو الإعفاء منها

فقد اشترط المشرّع فيمن يترشّح لعضوية المجلس أن تكون وضعيته إزاء أداء الخدمة الوطنية مسوية، فمن غير المعقول أن يبدأ العضو في ممارسة نشاطه ثم تزول عنه العضوية لأجل أداء واجب الخدمة الوطنية، لأن ذلك يسبب عدم إستقرار الوضعيات في المجلس.

2/- التسجيل بالقائمة الانتخابية

يجب على كل مترشّح أن يكون مسجلا بالقائمة الإنتخابية للدائرة الإنتخابية التي يترشّح فيها.

 

3/- أن يكون ذا جنسية جزائرية أصلية أو مكتسبة منذ 05 سنوات على الأقل

 وهذا شرط طبيعي لأنه يتعلق بحق سياسي ألا وهو حق الترشح، فيكون من المنطق قصره على حامل جنسية تلك الدولة دون سواها، فلا يُتصور أن يمتد هذا الحق للأجانب إلا أن المشرّع لم يتشدّد كثيرا بخصوص شرط الجنسية، حيث أتاح الفرصة لمكتسب الجنسية الجزائرية منذ 05 سنوات لأن يترشّح لعضوية المجلس الشعبي البلدي، وذلك حتى تتاح سُبل الترشح لجميع الجزائريين. 

 

  

4/-أن لا يكون محكوما عليه في الجنايات والجنح

وهي الحالة المنصوص عليها في المادة (05) من القانون العضوي للإنتخابات (12/01) وهو أن لا يكون محكوما عليه بسبب جنحة أو جناية ولم يُرد إعتباره، وأن لا يكون محكوما عليه بحكم نهائي بسبب تهديد النظام العام أو الإخلال به.

فهذه الشروط التي فرضها المشرّع الجزائري لمن يريد التّرشح لعضوية المجلس الشعبي البلدي إضافة إلى بعض الشروط الأخرى التي تتمثل في:

5/- أن يكون الترشّح تحت غطاء حزب سياسي أو عدة أحزاب سياسية

وفي حالة ما إذا كان المترشح لا ينتمي لأي حزب سياسي أن يترشح في قائمة حرة مستقلة، فيجب أن تدعم هذه القائمة الحرة بتوقيع (5) % من ناخبي الدائرة الإنتخابية على أن لا يقل هذا العدد عن 150 ناخبا ولا يزيد عن 1000 ناخبا.

كما لا يمكن للمترشح الواحد أن يوقع في أكثر من قائمة واحدة لأن ذلك سوف يعرّضه للعقوبات المنصوص عليها في القانون العضوي للإنتخابات.

ويتم التوقيع المدعم للترشح في إستمارات خاصة، تسلّمها الإدارة أمام ضابط عمومي، وتحتوي القائمة على إسم ولقب الناخب، الموقع وعنوانه، ورقم بطاقة التعريف الوطنية، أو أي وثيقة تثبت الهوية، وكذلك رقم التسجيل في القائمة الانتخابية، ويتم إرسال هذه القائمة لرئيس اللجنة الانتخابية المختصة إقليميا وهذا بغرض إعتمادها.

والملاحظ أن الجزائر قد غيّرت من نهجها السياسي، وذلك بالدخول في مسار التعددية الحزبية، مما جعل من الإنتخابات المحلية أكثر ديمقراطية، على غرار ما كانت عليه في السابق، لأن جعل الإنتخابات المحلية على أساس القوائم الحزبية وإستبعاد الترشيحات غير الحزبية هو أمر غير دستوري ومناف للديمقراطية، لأن من حق أي مواطن أن يرفض الإنتماء إلى أي حزب من الأحزاب القائمة إذا لم يقتنع بالفلسفة التي تعتنقها هذه الأحزاب، ومن ثمة فإن ظاهرة الأعضاء المستقلين جعلت من الإنتخابات المحلية أكثر ديمقراطية وزادت في المشاركة السياسية من أجل صنع القرار، كما يجب أن تقدم التصريحات بالترشح قبل 50 يوما كاملة من تاريخ الاقتراع، كما أنه لا يمكن إضافة أو إلغاء  أو تغيير الترتيب بعد إيداع الترشيحات، إلا في حالات أقرّها القانون، كحالة الوفاة،  أو حصول مانع قانوني.

ويقصد بالمانع القانوني هو أن يفقد أحد المترشحين الأهلية الإنتخابية، وفي هذه الحالة يُضاف شهر آخر لتقديم ترشيح جديد على أن لا يتجاوز الشهر السابق لتاريخ الإقتراع، وفي حالة ما إذا تعلّق الأمر بقائمة حرّة، فإن إكتتاب التوقيعات المحددة يبقى صالحا، ولعل منح المشرّع هذه المهلة والمحدّدة بـ 50 يوما لإيداع الترشيحات، هي مدة جد معقولة لتقديم الاختيارات التي سوف يتشكّل منها المجلس الشعبي البلدي.

 والجدير بالذكر أن المشرّع عند حظره لتغيير أو إضافة في قائمة الترشيحات، كان الغرض منه المحافظة على الأمور التنظيمية لأن أي تغيير أو تعديل في الترتيب سوف يُحدث نوع من الفوضى.

كما لا يمكن لأي شخص أن يكون مترشحا أو إضافيا في أكثر من قائمة واحدة، وإلا تعرّض للعقوبات المنصوص عليها في قانون الإنتخابات.

 كما لا يمكن أن تتضمن قائمة الترشيحات، لأكثر من مرشحين اثنين ينتميان لأسرة واحدة سواء بالقرابة أو المصاهرة من الدرجة الثانية، وحسنًا فعل المشرّع ذلك حتى لا تكون هناك قوائم عائلية تنعكس فيما بعد على تشكيلة المجلس وسير أعماله.

 وعند رفض الترشيحات فقد أوجب المشرّع أن يكون الرفض بموجب قرار معلل تعليلا قانونيا واضحا، ويبلغ هذا القرار تحت طائلة البطلان خلال 10 أيام كاملة يبدأ حسابها من تاريخ إيداع الترشيح.

 ويكون المشرع بذلك قد وضع ضمانة من خلال فرض تعليل القرار وتبليغه وحسنًا فعل المشرّع.

وقد أتاح المشرّع لمن تم رفض ترشيحه أو إستبعاده حق الطعن في قرار الرفض أمام المحكمة الإدارية المختصة، وذلك خلال (03) أيام من تاريخ تبليغ القرار، على أن تفصل المحكمة بالطعن في مدّة لا تتجاوز(05) أيام من تاريخ رفع الطعن، ويكون حكمها غير قابل لأي شكل من أشكال الطعن، ويُبلّغ هذا الحكم تلقائيا إلى الأطراف وإلى الوالي قصد تنفيذه.

 إلا أن ما يستشف من خلال قراءة هذه المادة، أن المشرّع إن كان قد وضع ضمانة لمن تم استبعاده من قائمة الترشيحات، أو من خلال وضع ضمانة لقائمة الترشيحات نفسها التي تم رفضها بقرار مسبب ومعلل، إلا أنه ومن جهة أخرى قد أخل بمبدأ عام ألا وهو حق التقاضي على درجتين، حيث جعل من حكم المحكمة غير قابل لأي طعن، وحبذا لو أن المشرّع جعل قرار المحكمة قابل للطعن بالاستئناف أمام مجلس الدولة.

ولقد نصّت المادة (70) من قانون الإنتخابات (12/01) على أنه يجب أن تتضمن قائمة الترشيحات للمجالس الشعبية الولائية والبلدية عددا من المترشحين يساوي عدد المقاعد المطلوب شغلها، وعدد من المستخلفين لا يقل عن (30) %من عدد المقاعد المطلوب شغلها، وذلك تفاديا لأي طارئ كالإنسحاب أو الوفاة أو فقدان أهلية الإنتخاب.

وقد أضاف المشرّع شرطا آخر لم يكن في قانون الانتخابات (97/07) ويتمثل في تعزيز حظوظ المرأة في المجالس المنتخبة، حيث أوجب على كل قائمة تمثيل ترشيحات سواء كانت قائمة حزبية أو قائمة حرة، أن تشتمل على عدد من النساء وأن لا يقلّ هذا العدد عن النسب المحدّدة بحسب عدد المقاعد المتنافس عليها، وهذه النسب تكون متفاوتة حيث حدّد المشرّع نسبة تمثيل المرأة في المجالس البلدية بـ (30)% في البلدية التي يزيد عدد سكانها عن 20.000 نسمة، ويرجع وضع هذا الشرط إلى أن المشرّع الجزائري إستوحاه من نص المواد (31) و(31/مكرر) من الدستور دون أن يتنافى ذلك مع نص المادة (29) من الدستور.

وعلى الرغم من أن الدستور فتح المجال أمام جميع الطوائف للترشح على إختلاف إنتماءاتهم السياسية أو الحزبية ، إلا أن القانون إستبعد بعض الطوائف من الترشّح للإنتخابات لمدة معينة وذلك لأجل المحافظة على العملية الإنتخابية ونزاهتها حيث صنفهم القانون في خانة عدم القابلية للانتخاب، وهذه الحالات إنما تمثّل في حقيقتها شروطًا سلبية أي يجب عدم توافرها في المترشح، وقد حظر المشرّع على هذه الفئات الترشح أثناء ممارستهم للعمل أو لمدة سنة بعد التوقف عن العمل، وذلك في دائرة إختصاص ممارسة وظائفهم وهم:

- الولاة.

- رؤساء الدوائر.

- الكتّاب العامون للولايات.

- أعضاء المجالس التنفيذية للولايات.

- القضاة.

- أفراد الجيش الشعبي الوطني.

- موظفو أسلاك الأمن.

- محاسبو أموال البلدية.

- الأمناء العامون للبلدية.

والجدير بالذكر أن المشرّع الجزائري قد أضاف الأمناء العامون للبلديات كفئة محظور عليها الترشح حيث لم يشملهم القانون (97/07) وقد تمّ استدراكهم في القانون العضوي للانتخابات (12/01).

 

 

الفرع الثاني/ توزيع المقاعد داخل المجلس الشعبي البلدي

يتم إجراء الانتخابات المحلية وذلك خلال الأشهر الثلاثة التي تسبق إنقضاء المدة النيابية الجارية، إلا أنه يمكن أن تمدّد المدة النيابية تلقائيا وذلك في حالة ما إذا كانت هناك ظروف استثنائية كحالة الحصار والطوارئ، طبقا لما هو منصوص عليه في المواد (90) و(93) و(96) من الدستور ففي هذه الظروف يتعذّر إجراء الإنتخابات المحلية.

وطبقا لنص المادة (66) من القانون العضوي (12/01) يتم توزيع المقاعد المطلوب شغلها بين القوائم بالتناسب حسب عدد الأصوات التي تحصّلت عليها كل قائمة، مع تطبيق قاعدة الباقي للأقوى، كما تُحسب القوائم التي لم تحصل على نسبة (07)% على الأقل من الأصوات المعبّر عنها، ولقد بيّن المشرّع كيفية حساب المعامل الإنتخابي الذي هو ناتج قسمة نسبة الأصوات المعبّر عنها في كل دائرة إنتخابية، ناقص عند الإقتضاء عدد الأصوات التي لم تتحصل على (07)% على عدد المقاعد المطلوب شغلها.

  • ·       مدة العضوية بالمجلس الشعبي البلدي

لقد حدّد المشرّع الجزائري مدّة العضوية بالمجلس الشعبي البلدي بـ 05 سنوات، وهذا طبقا لنص المادة (65) من القانون العضوي للإنتخابات (12/01)، وقد أبقى المشرّع على نفس المدّة التي كان منصوصا عليها في المادة (75) من الأمر (97/07) وهي مدّة كفيلة لأجل أن يقوم المجلس بتنفيذ برامج التنمية والقيام بإختصاصاته، فلا هي بالمدة القصيرة ولا هي بالمدّة الطويلة.

كما أجازت المادة (65) من القانون العضوي (12/01) تمديد الفترة النيابية وهذا نظرا لعدّة أسباب من بينها وفاة رئيس الجمهورية، أو إستقالته، طبقا لنص المادة (90) من الدستور، أو في الحالة الاستثنائية، وهو موضوع نص المادة (93) من الدستور، أوفي حالة الحرب وهو ما نصت عليه المادة (96) من الدستور.

الفرع الثالث/ سير أعمال المجلس الشعبي البلدي وإختصاصاته.

أولا/ سير أعمال المجلس

يسير المجلس الشعبي البلدي عن طريق آليات قانونية وقواعد خاصة مملوكة له، لأجل تحقيق الغرض الذي انتُخِب من أجله، وذلك من خلال بعض الآليات القانونية والتي تتمثل في:

1- نظام الدورات والجلسات

يُعقد المجلس الشعبي البلدي ست (06) دورات عادية في السنة، أي دورة كل شهرين، ومدة كل دورة (05) أيام، كما يعمل على إعداد نظامه الداخلي ويصادق عليه في أول دورة له، وهذا ما نصت عليه المادة (16) من قانون البلدية (11/10).

 إلا أنه وبالرجوع لقانون البلدية (90/08) من خلال نص مادته (14) نجد أن المشرّع في قانون البلدية (11/10) قد خفض من مدة الدورة من (03) أشهر إلى (02) شهرين، ولعل الحكمة في ذلك حتى يستطيع المجلس التكفل بأكبر قدر ممكن من إنشغالات سكان المنطقة ، والتداول بشأنها.

كما يمكن للمجلس الشعبي البلدي أن يجتمع في دورة غير عادية كلما إقتضت الضرورة، ويكون ذلك بطلب من رئيسه أو ثلثي الأعضاء (2/3) أو بطلب من الوالي، أما في الحالات والظروف الإستثنائية والتي تكون مرتبطة بخطر وشيك، أو كارثة كبرى، فإن المجلس في مثل هذه الحالات يجتمع بقوة القانون، على أن يتم إخطار الوالي فورا بذلك، وحسن فعل المشرّع عندما ألزم المجلس الشعبي البلدي على الإجتماع بقوة القانون  في الظروف الإستثنائية، وذلك حتى يكون المجلس مسايرا لوضع الإستثنائي، ولأجل أن يتدخل في الوقت المناسب لمواجهة هذا الوضع.

ويعقد المجلس الشعبي البلدي إجتماعاته بمقرّ البلدية، إلا أنه في حالة القوة القاهرة والتي تحول دون إمكانية انعقاد الدورة بمقر البلدية، فقد أجاز القانون في هذه الحالة للمجلس عقد الدورة خارج مقر البلدية.

كما أجاز أيضا قانون البلدية للمجلس أن يعقد دوراته خارج إقليم البلدية في مكان يعيّنه الوالي بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي البلدي.

 إلا أن ما يؤخذ على هذه الفقرة أنها لم تبيّن سبب إنعقاد المجلس الشعبي البلدي خارج إقليم البلدية، وإن كان ذلك إجراء جوازي، خلافا للفقرة التالية من نفس المادة والتي نصّت صراحة على أن سبب انعقاد الدورة في غير مقرّ البلدية هو القوّة القاهرة، وهذا سبب وجيه، لذا يُطرح التساؤل عن سبب انعقاد الدورة خارج إقليم البلدية، ومن هنا فإن هذه الفقرة من نص المادة (19) من قانون البلدية (11/10) تحتاج إلى ضبط على نحو يُبيّن فيه سبب إنعقاد المجلس خارج إقليم البلدية.

ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي على تحديد تاريخ إنعقاد دورات المجلس ويحدّد كذلك جدول أعمال دوراته، ويكون ذلك بالتنسيق والتشاور مع الهيئة التنفيذية للمجلس الشعبي البلدي.

إذا فتحديد تاريخ انعقاد المجلس وجدول أعماله منوط برئيس المجلس بالتشاور مع الهيئة التنفيذية للمجلس.

وبعد تحديد تاريخ إنعقاد الدورة ووضع جدول الأعمال، يوجّه رئيس المجلس الشعبي البلدي  لكل عضو من الأعضاء إستدعاء لحضور الدورة، ويسجّل ذلك في سجل مداولات البلدية، ويرسل هذا الاستدعاء إلى مقر سكن العضو قبل (10) أيام من إنعقاد الدورة، وهذا طبقا لنص المادة (21/1،2،3) من قانون البلدية (11/10).

ومن إستقراءنا لنص المادة نجد أن المشرّع جعل وسيلة التبليغ هي البريد، على الرغم من وجود أكثر من وسيلة تكون أسرع من البريد كالبريد الالكتروني مثلاً.

أمّا عن تحضير جدول أعمال الدورة الذي يتم بالتشاور مع الهيئة التنفيذية من خلال تحديد مجموعة النقاط التي سوف يتداول بشأنها المجلس فيعقّب عليها الدكتور/"عمار بوضياف": «ومن باب تفعيل مبدأ المشاركة وهو من مؤشرات الحكم الراشد كما رأينا، كان حليا بالمشرّع أن يُلزم رئيس المجلس الشعبي البلدي بأن ينشر مشروع جدول أعمال المجلس المعدّ تشاركيا مع الهيئة التنفيذية ويطلع سكان البلدية عليه بغرض تمكين خاصة المجتمع المدني بإضافة نقطة معينة في جدول أعمال المجلس.

حيث إن الجمعيات المحلية كثيرا ما وُجّهت لها أصابع الاتهام على أن نشاطاتها موسمية ولا تظهر إلا نادرا، فحتى نحفزها أكثر على النشاط والعمل وحتى نفتح لها سبل المشاركة في تسيير الشأن المحلي كان من المفروض أن لا يتمّ وضع جدول الأعمال ضمن دائرة المجلس المغلقة، وإنما يتم وضعها بمساهمة المجتمع المدني».

كما يجوز تخفيض آجال تبليغ الأعضاء لحضور الدورة وذلك في حالة الإستعجال على أن لا يقل عن (01) يوم واحد ، وفي هذه الحالة يتّخذ رئيس المجلس الشعبي البلدي كافة التدابير لتسليم الإستدعاءات.

كما يتمّ إلصاق جدول الأعمال بمدخل قاعة الإجتماعات، وبالأماكن المخصصة لإعلام الجمهور بمجرد إستدعاء أعضاء المجلس الشعبي البلدي.

ويُشترط لإنعقاد دورة المجلس الشعبي البلدي، حضور الأغلبية المطلقة للأعضاء الممارسين للدورة، وفي حالة عدم حضور الأغلبية المطلقة، يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعادة إستدعاء الأعضاء في أجل (05) أيام، وتكون مداولات المجلس الشعبي البلدي صحيحة في هذه الحالة، مهما كان عدد الأعضاء.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) نجد أن المشرّع الجزائري في قانون (11/10) قد جعل من إجتماعات المجلس صحيحة بعد الإستدعاء الثاني، في حين كان في قانون البلدية (90/08) ثلاثة إستدعاءات، ولعل العبرة في ذلك هو عدم التماطل في عقد الدورة وعدم تعطيل المصالح المحلية.

وتكون جلسات المجلس الشعبي البلدي علنية ومفتوحة للجميع، ولا تكون مغلقة إلا في الحالة التي يتداول فيها المجلس في:

-       دراسة الحالة التأديبية لأحد المنتخبين.

-       التداول في مسائل المحافظة على النظام العام.

كما يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بترأس الجلسة وحفظ نظامها، كما له صلاحية طرد أي شخص غير منتخب يُخل بنظام سير الجلسة وذلك بعد إنذاره.

كما اشترط القانون لصحة المداولات أن تُجرى وتُحرر باللغة العربية، وهذا ما نصّت عليه المادة (53) من قانون البلدية (11/10)، كذلك حظر المشرّع منع كل عضو أن يحضر الجلسة التي يتداول فيها حول موضوع يخصّه أو له فيه مصلحة، وهذا بموجب أحكام المادة (60) من قانون البلدية (11/10)، وعلى رئيس الجلسة أن يتأكّد من ذلك.

أما فيما يخص نظام التصويت فقد إشترط المشرّع نِصابًا قانونيا معينا، وهذا حتى تكون مداولات المجلس صحيحة من الناحية الشكلية، ويتمثل في توافر نصاب الأغلبية البسيطة لأعضاء المجلس الحاضرين، غير أنه وفي حالة التعادل في الأصوات يكون صوت الرئيس مرجّحا.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) نجد أن المشرّع الجزائري قد إشترط لصحة المداولات أن يتمّ التصويت عليها بالأغلبية المطلقة، في حين أن قانون (11/10) قد إشترط فيها الأغلبية النسبية وذلك حتى يتسنّى للمجلس القيام بالشؤون المحلية في أسرع وقت وحتى لا تتعطّل الأعمال، لأنه في المجلس كثيرا ما تتكرّر الغيابات، ممّا يؤدّي إلى عدم توافر الأغلبية المطلقة.

وبعد الإنتهاء من إجراء المداولات تُنشر هذه المداولات في جميع الأماكن المخصّصة لإعلام الجمهور، ويكون ذلك تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي، وذلك في غضون (08) الثمانية أيام الموالية لدخول المداولات حيّز التنفيذ، وهذا حتى يكون هذا الإجراء أكثر ديمقراطية ويعكس شفافية سير أعمال المجلس من خلال إعلام الجمهور بكل القرارات التي يتّخذها المجلس هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى يمكّن المشرّع المواطنين من ممارسة الرقابة الشعبية.

ولأجل السير الحسن للمجلس الشعبي البلدي، فقد خوّل له القانون تشكيل لجان دائمة للمسائل التابعة لمجال إختصاصه، وتتشكّل هذه اللجان من الأشخاص المنتخبين تُسند إليهم مهمة دراسة مواضيع معينة، ويترأس كل لجنة رئيس يُنتخب من بين أعضائها ومن ثم إبداء الرأي فيها ومساعدة المجلس البلدي في الإدارة والتحضير والترتيب، ويتم تنصيب هذه اللجان بموجب مداولة من طرف المجلس الشعبي البلدي، ويُراعى في تشكيلها توافر أكبر عدد ممكن من التوازن السياسي داخل المجلس، وعند تنصيب هذه اللجان يتم اختيار رئيسها من طرف المجلس.

 تقوم اللجان بعد ذلك بإعداد نظامها الداخلي والمصادقة عليه، أما عن إختصاصات اللجان الدائمة فتشمل المجالات التالية:

-       الإقتصاد والمالية والإستثمار

-       الصحة والنظافة وحماية البيئة.

-       تهيئة الإقليم والسياحة والصناعات التقليدية.

-       الرّي والفلاحة والصيد البحري.

-       الشؤون الاجتماعية والصناعية والثقافية والشباب.

أما بالنسبة لعدد اللجان فقد ضبطه المشرّع في قانون البلدية (11/10) بحسب الكثافة السكانية لكل بلدية، وقد إستند المشرّع في ذلك إلى معيار موضوعي، أي بمعنى كلما كان عدد السكان أكثر كان عدد اللجان أكبر، حيث وبالرجوع إلى القانون العضوي للإنتخابات (12/01) نجده قد حدّد عدد اللجان بحسب عدد السكان، حيث جاء في نص المادة (31) من القانون البلدي (11/10)

-       ثلاث لجان في البلديات التي يبلغ عدد سكانها 20.000 نسمة أو أقل.

-       أربعة لجان في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 20.000 و 50.000 نسمة.

-       خمسة لجان بالنسبة للبلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 50.000 و 100.000 نسمة.

-       ستة لجان بالنسبة للبلديات التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة.

والأصل في هذه اللجان أنه يمكن أن يشارك فيها الأحزاب غير الأعضاء بالمجلس بالأصوات الإستشارية، وقد يكون هؤلاء الأشخاص الذين تستعين بهم اللجان في أداء أعمالها أو في الإستنارة برأيهم أو إستشارتهم من الموظفين، أو أعوان الدولة والمؤسسات العمومية، الذين يمارسون نشاطهم في مجال تخصصهم، كما يمكن لسكان البلدية أن يساهموا بما لديهم من معلومات نظرا لمهامهم ونشاطهم، حيث يمكن لأي شخص أن يقدّم أي استشارة قد تطلبها منهم اللجان ويكون ذلك في مجال إختصاصه.

وإلى جانب اللجان الدائمة للمجلس الشعبي البلدي، فقد أجازت المادة (63) من قانون البلدية للمجلس من إنشاء أو تشكيل لجان خاصة من بين أعضائه، وذلك لدراسة موضوع محدّد أو معيّن يدخل في مجال إختصاصه، وتتشكل هذه اللجان الخاصة بناء على إقتراح من رئيس المجلس الشعبي البلدي، ويتمّ ذلك بموجب مداولة ويصادق عليها بأغلبية الأصوات وبعد أن تقوم هذه اللجنة الخاصة بأداء وظيفتها أو عملها تُقدّم نتائج هذه الأعمال إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي.

 ويرى الدكتور/ "عمار بوضياف" أنه كان من الأفضل أن تقدّم اللجنة تقرير نهاية عملها إلى المجلس الشعبي البلدي وليس إلى رئيسها طالما أنه تمّ تشكيل هذه اللجنة بموجب مداولة، كما أنه ما الفائدة من أن يُصادق المجلس الشعبي البلدي بموجب مداولة على هذه اللجنة الخاصة وتكون المهمّة واضحة ومحدّدة من دون عرض هذا التقرير على المجلس، وعليه فإنه لاشك من أن هذه المادة لا تعكس الطابع التشاوري لتسيير شؤون المجلس، كما يبرز تناقض المشرّع إذ من جهة  منح المجلس سلطة المصادقة على تشكيل اللجنة الخاصة وتحديد مهامها، إلا أنه ومن ناحية أخرى جعل اللجنة لا تتعامل في تقريرها إلا مع رئيس المجلس، وهذا ما يُقلل من شأن المجلس مما يُضعف الرقابة.

وعلى الرغم من أن اللجان تُعتبر أدوات مساعدة تُساهم في تجسيد قاعدة توزيع العمل وتساعد على توفير الجهد والوقت، إلا أنّ جُلّ أعمال هذه اللجان إستشارية وغير ملزمة للمجلس، حيث بإمكان المجلس الأخذ بما توصلت إليه اللجان، كما له أن لا يأخذ به، إذ هي لا تعدو إلا أن تكون جهات إستشارية.

2- الوضعية القانونية للمنتخب

بالرجوع إلى نص المادة (37) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد جعل من عضوية المجالس الشعبية البلدية مجانية، أي أن المترشّح لعضوية المجلس الشعبي البلدي سيمارس مهامه مجانا بدون مقابل، إلا أن مسألة مجانية العضوية للمجالس المحلية قد أثارت جدلا بين الفقهاء.

 حيث يرى جانب من الفقه أن عدم دفع مستحقات أعضاء المجالس المحلية لقاء ما يقومون به من أعمال يؤدي بطبيعة الحال إلى إحجام الكثير عن المشاركة في الإنتخابات المحلية خاصة أصحاب الكفاءات، كما يؤدي إلى عدم الجدية في ممارسة العضوية، مما يؤدي إلى عدم وجود كفاءات بالمجلس و ينعكس سلبا على أعماله.

 كما يذهب اتجاه آخر من الفقهاء إلى القول بأن أداء العضو المنتخب للمجلس الشعبي المحلي لعهدته الإنتخابية مجانا، إنما هو شكل من أشكال التمثيل الشعبي من دون مقابل منفعة مادية وإلا فقد التمثيل جوهره، كما قيل بأن منح مقابل مادي للأعضاء المنتخبين قد يؤدي إلى تكليف خزينة الدولة نفقات ترهقها خاصة في الدول التي تفتقد للموارد المالية، كما أن ممارسة العضو للعهدة الانتخابية في المجالس المحلية بصفة مجانية يبدو هذا الأمر في غاية طبيعته طالما أنه يدخل في النشاط السياسي للفرد أو الشخص، فلا يُتصور أن يستفيد من تعويض أو تبعة مالية على نشاط يقوم به يتمثّل في ممارسة سياسية.

 كما ذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن عضوية المنتخب بصفة مجانية يؤدي إلى عزوف فئة كبيرة من المجتمع ذات كفاءة ومؤهلات عالية كالأطباء والمحامين إلى عدم الترشح، وفتح المجال أمام فئات أخرى أقلّ كفاءة لعضوية المجلس ممّا ينعكس فيما بعد على أعماله سلبا.

ويتبيّن ممّا سبق أن المشرّع الجزائري قد أخذ بما ذهبت إليه أغلب التشريعات، حيث جعل عضوية المجالس المحلية مجانية، باستثناء من يتفرّغ لممارسة العهدة الإنتخابية بصفة كلية، أمّا بقية الأعضاء فإنهم يتلقّون علاوات ومنح بمناسبة انعقاد الدورات، حيث يتقاضى رئيس المجلس الشعبي البلدي ونوّابه والمندوبين، وعند الإقتضاء المتصرف منحة تحدّد عن طريق التنظيم، أمّا الأعضاء فلا يتقاضون إلا حقوق التنقل والسفر حتى يتمكّن العضو من حضور جلسات المجلس الشعبي البلدي وٍإجتماعاته، وقد منحه المشرّع رخصة حيث اعتبر الغياب مبررًا قانونا، وألزم الجهة المستخدمة السماح للأعضاء المنتخبين بحضور دورات المجلس وجلساته وممارسة مهامه الانتخابية، واعتبر استدعاءه لحضور الجلسات مبررًا للغياب.

ومن أجل تحسين مدارك الأعضاء المنتخبين والزيادة من فعّاليتهم والرفع من مستواهم، فقد ألزمهم المشرّع بمتابعة دورات تكوينية وتحسين المستوى المرتبط بالتسيير البلدي والمنظم لصالحهم.

 وقد أحسن المشرّع حين ألزم المنتخبين بمتابعة هذه الدورات التكوينية لأجل تحسين مستواهم وخاصة في مجال التسيير البلدي، لأنه قد يصل إلى المجلس الشعبي البلدي أشخاص لم يمارسوا العمل الإداري ممّا ينعكس ذلك على تسيير المجلس فيما بعد.

وتزول صفة العضوية للمنتخب في المجلس الشعبي البلدي وفقا لما حدّده القانون، وذلك إما بالوفاة أو الإستقالة أو الإقصاء أو حدوث مانع قانوني، ويقرّر المجلس الشعبي البلدي ذلك بموجب مداولة يخطر بها الوالي وجوبا.

 وفي هذه الحالات التي تتم فيها زوال صفة العضوية عن المنتخب البلدي يتم استخلافه بالمرشح الذي يليه في أجل (01) شهر واحد بموجب قرار من الوالي.

 والملاحظ في المواد (40) و(41) من قانون البلدية (11/10) والتي تُوجب إخطار الوالي بزوال صفة العضوية عن المنتخب البلدي، ويكون ذلك لأجل إعلامه وحتى يقرّر من سيخلف من زالت عضويته.

 إلا أننا نرى أن العضو الذي زالت عضويته بموجب مداولة لا يتمّ إستخلافه إلا بموجب مداولة وليس بقرار من الوالي كون أن إزالة العضوية تمّ بمداولة.

ثانيا/ إختصاصات المجلس الشعبي البلدي

إن المجلس الشعبي البلدي هو محور البلدية وقطب الرّحى التي تدور حوله الحياة العامة للبلدية، ويمثّل أبناء المنطقة، ويسهر على حسن سير الشؤون المحلية، لذلك نجد أن المشرّع في قانون البلدية قد وسّع من إختصاصات وصلاحيات المجلس الشعبي البلدي، خاصة أن إختصاصاته جاءت مطلقة وعلى نحو خطوط عريضة وعامّة، كما وردت متناثرة على أطراف المنظومة التشريعية والتنظيمية المختلفة، لتمس بذلك عدّة جوانب، وإن اتساع مجال اختصاصات المجلس الشعبي البلدي يعود إلى معطيات سياسية وإقتصادية تعود للدولة.

ولقد حدّد قانون البلدية (11/10) في الباب الثاني من الفصل الأول، صلاحيات المجلس الشعبي البلدي وتشمل العديد من المجالات، والتي تخص الشؤون المحلية أو حتى الشؤون الوطنية والتي تتمثّل في:

1- التهيئة والتنمية

 حيث تعدّ البلدية مخططها التنموي وتبادر وتشجع على الأنشطة الاقتصادية، كما تعمل البلدية على تطوير التنمية المستدامة للإقليم ويشارك المجلس الشعبي البلدي على تهيئة الإقليم وتطوير التنمية المستدامة وتنفيذها طبقا للتشريع، وذلك عن طريق حماية الأراضي الفلاحية والمساحات الخضراء وتهيئة النشاطات الاقتصادية التي تتلائم مع نشاطات البلدية ومخططها التنموي، ويتّخذ المجلس الشعبي البلدي كافة الإجراءات التي من شأنها جذب الإستثمار وترقيته، وكذلك تعمل البلدية على حماية التربة والموارد المائية وتسعى للإستغلال الأفضل لهما.

2- التعمير والهياكل القاعدية والتجهيز

وتعمل البلدية كذلك على رسم النسيج العمراني الخاص بها كما تقوم بمراقبة مطابقة عمليات البناء للتشريعات العقارية وخضوع هذه العمليات لترخيص مسبق من المصلحة التقنية بالبلدية مع تسديد الرسوم التي حددها القانون.

وتعمل البلدية على المحافظة على التراث العمراني، وتبادر بالعمليات المرتبطة بتهيئة الهياكل والتجهيزات الخاصة بالشبكات التابعة لإختصاصها.

وتسهر البلدية كذلك على المحافظة على وعائها العقاري ومنح الأولوية في تخصيص برامج التجهيزات والهياكل القاعدية.     

         

3- نشاطات البلدية في مجال التربية والحماية الاجتماعية والرياضة والشباب والثقافة والتسلية والسياحة

 تعمل البلدية على إنجاز مؤسسات التعليم الإبتدائي طبقا للخريطة المدرسية وضمان صيانتها وإنجاز المطاعم المدرسية.

ومن خلال استقرائنا للمواد بدءً من نص المادة (107) إلى غاية نص المادة (124) والتي تحدّد صلاحيات وإختصاصات البلدية يتبيّن أن المشرّع وإن كان حدّد الإطار العام لصلاحيات البلدية إلا أنه ترك لها حرّية المبادرة، وعليه يتبيّن أن المشرّع في تحديد صلاحيات البلدية قد وضع الإطار العام على غرار القانون الفرنسي، مع ترك التحديد الدقيق لتلك الإختصاصات للقوانين الخاصة أو إلى التنظيم سواء بموجب التنظيم  أو القرارات التنظيمية خاصة و أن قانون البلدية يحيل في مواطن عديدة إلى التنظيم.