محتوى المحاضرة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: التنظيم الإداري
Livre: محتوى المحاضرة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 27 April 2024, 18:18

Description

كما سبق القول أن البلدية تعتبر إحدى وحدتي الجماعات المحلية ، ومن أهم الركائز التي تقوم عليها اللامركزية الإدارية الإقليمية بالجزائر،إذ تشكل هذه الأخيرة إطارًا مؤسساتي للمشاركة الشعبية من خلال المساهمة في صنع القرار المحلي، بمنأى عن السلطة المركزية ومن دون الخروج عن السياسة العامة للدولة ،إذ تقوم البلدية بالاختصاصات التي خولها إياها القانون عن طريق المجلس الشعبي البلدي وهو هيئة محلية تداولية تقريرية ،مهمته صنع القرار، وهو يجسد بذلك احد مظاهر الديمقراطية و تطبيقاتها، نظرا لأنه يتشكل من فئة منتخبة ، و يتمتع بإستقلالية في مواجهة السلطة المركزية ، إلا أن هذه الإستقلالية بكل مقوماته ليست مطلقة بل تبقى نسبية أي في حدود القانون و المشروعية، وبالإضافة إلى الهيئة التقريرية المتمثلة في المجلس الشعبي البلدي ،هناك هيئة تنفيذية تتمثل في رئيس المجلس الشعبي البلدي وهو الذي يعمل على تنفيذ مداولات المجلس فيخرجها بذلك من التقرير إلى التنفيذ، لذا أحاط المشرع هاتين الهيئتين بنسيج قانوني جعل منه الإطار العام الذي تمارس في ظله هاته الاختصاصات، وعليه سنحاول من خلال هذا المبحث تحديد الإطار القانوني للمجلس الشعبي البلدي من خلال توضيح مقومات إستقلاليته وكيفية إختيار أعضائه وسير أعماله و إختصاصاته سواء في ما يخص المجلس  كهيئة مداولة أو كهيئة تنفيذية و المتمثلة في رئيس المجلس الشعبي البلدي.

المبحث الأول: المجلس الشعبي البلدي كهيئة مداولة

يعتبر المجلس الشعبي البلدي هيئة تداولية، يشرف على تسيير شؤون البلدية، وإدارة الشؤون المحلية، كما يعتبر الجهاز الأساسي في البلدية وهو مظهر من مظاهر الممارسة الديمقراطية، وصورة من صور المشاركة الشعبية في صنع القرار و تسيير الشؤون المحلية للإقليم.

ونظرا للدور الذي يقوم به المجلس في تحقيق التنمية المحلية وإشباع حاجات سكان المنطقة، فإن الميزة التي تميزه أنه يدار عن طريق فئة منتخبة، يتم إنتخابهم من قبل سكان المنطقة كونهم أدرى بشؤون المنطقة إجتماعيا وإقتصاديا وثقافيا وسياسيا.

ويعد هذا الإشراك الفعلي للفئة المنتخبة في صنع القرار وإدارة وتنظيم الشؤون المحلية أصدق تعبير للديمقراطية والحكم السليم والتعبير عن نظام متحرر من الناحيتين السياسية والإدارية، كما يهدف ويؤكد ويضمن استعمال الحريات العامة للمواطنين، ويتفق مع مبدأ إشراك الشعب مع ممثليه بإدارة الشؤون العامة المحلية.

ونظرا لكيفية تشكيل المجلس الشعبي البلدي والإختصاصات المنظمة له فقد منحه القانون إستقلالية في إدارة شؤونه المحلية بعيدا عن السلطة المركزية دون الخروج عن الخطة أو الإستراتيجية العامة للدولة.

وقبل التعرض إلى تشكيل المجلس الشعبي البلدي وإختيار أعضائه وسير أعماله وإختصاصاته، إرتأينا أن نوضح مفهوم إستقلالية المجلس الشعبي البلدي ومقوماتها والنتائج المترتبة عن هذه الإستقلالية وسنبين ذلك من خلال:

 

 

 

المطلب الأول/ استقلالية المجلس الشعبي البلدي

أولا/ مفهوم الاستقلالية

ويقصد بهذا الاستقلال بأن يكون الادارة المحلية إختصاصات إدارية تباشرها بنفسها وتتولى إصدار القرارات المناسبة في شأنها، كما يعني هذا الإستقلال أيضا أن يكون لتلك الهيئة حرية إختيار أعضائها دون أن تخضع في ذلك لأوامر السلطة المركزية.

ويعني هذا أن يمارس المجلس الشعبي البلدي جميع إختصاصاته المخولة له بموجب القانون دون الرجوع في ذلك أو الخضوع للسلطة المركزية.

كما يعرف الدكتور "محمد علي الخلايلية" الاستقلالية بأنها تمتع المجلس المحلي بالحرية في ممارسة إختصاصاته وفي إنشاء وإدارة والإشراف على المرافق المحلية داخل حدود الوحدة المحلية التي يمثلها... وأن يكون لديه القدرة الذاتية ماليا وإداريا للقيام بالواجبات الموكلة إليه.

وقد ذهب الدكتور "صالح فؤاد" إلى تعريف هذه الاستقلالية على أنها تكمن في كيفية إختيار الهيئات التي تعبر عن إرادة الشخص اللامركزي، وعدم خضوع هذا الشخص اللامركزي إلى السلطة المركزية وخضوعه إلى وصاية إدارية.

أما الدكتور/ "عمار بوضياف" يرى أن إستقلالية المجالس الشعبية البلدية تتمثل في إستقلالها عن السلطة المركزية، حيث يخولها هذا الإستقلال اتخاذ القرارات وتسيير شؤونها بيدها دون التدخل من الجهاز المركزي، مما يتوجب مع هذا الإستقلال لهذه الوحدة الإدارية المحلية الاعتراف لها بالشخصية المعنوية، ليتم الإعلان الرسمي لفصلها عن الدولة إداريا.

 كما عرف آخرون الاستقلال البلدي بأنه حق القيام بنوع من الاختيار أو المبادرة وفي الحالة العكسية ترجيح حقوقها أي البلدية، وإنتزاعها ولو ضد سلطات الدولة، إلا أن هذه الاستقلالية التي تتمتع بها المجالس المحلية المنتخبة ليست مطلقة، بل تضل نسبية وتخضع عند ممارستها لاختصاصاتها إلى وصاية السلطة المركزية، وذلك حتى لا يؤدي إستقلال هذه الهيئات إلى المساس بوحدة الدولة وسياستها العامة، أو الإضرار بالمصالح المحلية.

ومن خلال هذه التعريفات للاستقلالية، يتبين أن مجملها يتفق في نقطتين أساسيتين هو أن قوام هذا الاستقلال للمجالس المحلية وعلى رأسها المجلس الشعبي البلدي، هما عنصران، الأول، عنصر الانتخاب وهو أن تكون الفئة التي تدير شؤون هذه الهيئة منتخبة، أما العنصر الثاني، هو أن تكتسب هذه الهيئة الشخصية المعنوية أو ما يسمى الشخصية الاعتبارية وما يترتب عنها من أثار ونتائج.

ثانيا/ مقومات الإستقلاليـة

1- مبدأ الإنتخاب بين مؤيد ومعارض

 لقد اختلف الفقهاء بشأن توافر عنصر الإنتخاب في المجالس المحلية كون هذا العنصر هو أساس الاستقلالية التي تتمتع بها هذه المجالس، فذهب إتجاه إلى القول بأن أساس الإستقلال هو أن تكون الهيئة المحلية منتخبة بكل ما يعنيه مفهوم الإنتخاب، فإستبعاد هذا المبدأ من المجالس المحلية يؤدي إلى عدم إستقلاليتها ويفتح الباب أمام السلطة المركزية للتدخل في الشؤون المحلية، مما يجعلها تابعة وخاضعة لسلطتها، لذا فإعتماد مبدأ الإنتخاب لهذه المجالس ركيزة الأمان في الحفاظ على إستقلاليتها، كما أن مبدأ الإنتخاب يحقق الديمقراطية ويجسد حق الشعب في الممارسة الديمقراطية، وتسيير شؤونه بيده، كما يمكن الفئة المنتخبة من التدريب على العمل الإداري.

كما يرى الدكتور "محمد علي الخلايلية" أنه لا يكفي أن تمنح المجالس المحلية الشخصية الإعتبارية حتى تحقق إستقلاليتها، بل لا بد أن تأخذ بمبدأ الإنتخاب.

كما أن مبدأ الإنتخاب ليست له أهداف إدارية فقط، كتقديم الخدمات للمواطنين بصورة جيدة ففي نفس الوقت له دور سياسيا يتمثل في ترسيخ النهج الديمقراطي، و منح الخيار للمواطنين بإختيار ممثليهم على المستوى المحلي، و من ثم يعتبر أسلوب الإنتخاب من أفضل الأساليب التي تؤدي و تحمي إستقلالية المجالس المحلية، و يجعل من إستقلاليتها أمرا واقعا و ملموسا لأنه لو تم تشكيل المجالس المحلية عن طريق التعيين لكانت هذه الأخيرة تحت سلطة من عينتها، و تمارس عليها السلطة الرئاسية، و بهذا التعيين الذي يؤدي إلى التبعية و الخضوع تنتفي عليها استقلاليتها. كما أن تسيير المجالس  المحلية عن طريق الفئة المنتخبة يؤدي إلى توثيق الرابطة بينها وبين ممثليها.

إلا أنه يوجد من الفقهاء من يفرق بين الإستقلالية و الإنتخاب، إذا الأولى أي إستقلالية المجالس المحلية هو الركن المتفق عليه حيث لا يمكن القول بوجود لا مركزية من دون التمتع بالإستقلالية لهذه الهيئات، بحيث تكون مستقلة عن السلطة المركزية أما مبدأ الإنتخاب لا يعدو إلا أن يكون الوسيلة و الطريقة و الأسلوب الأمثل والأفضل وضع لممارسة تلك الإستقلالية، وفي هذا الشأن يقول الفقيه "فالين" »إن الإنتخاب ليس عنصرا من عناصر المركزية، وليس أي قيمة مطلقة، إن الإستقلال أي إستقلال الهيئة المحلية في مواجهة الحكومة هو العنصر الذي يجب الإعتداد به، ومع ذلك فهو ينحط فيقول إن الانتخاب هو الوسيلة الأكثر ملائمة لتحقيق هذا الاستقلال».

كما أن الانتخاب من شأنه أن يحصن العضو المنتخب، ضد تدخلات السلطة المركزية، أو أي تأثيرات خارجية، في حين أن التعيين من قبل السلطة المركزية قد يؤدي إلى تسلطها على شخص وأعمال من عينته وربما إلى إنحرافهم عن الطريق الذي يجب أن يسلكه لأجل تحقيق أماني مجتمعهم، فعنصر الإنتخاب يُتيح للأفراد فرصة للمشاركة في الحياة السياسية والإدارية وقد تكون هذه  المشاركة إيجابية، وهو أسمى ما يهدف إليه النظام الديمقراطي حتى قيل " إن أهمية نظام الحكم المحلي بأنه يشعر المواطن بالمشاركة الفعلية في شؤون الحكم، في نطاقه المحلي وأنه يستطيع أن يؤثر تأثيرا مباشرا في المجتمع الذي نعيش فيه"،إذا فتوافر عنصر الإنتخاب في الهيئات والمجالس المحلية له عدة أهداف سياسية إدارية واجتماعية، ولقد تعرض مبدأ الإنتخاب للعديد من الإنتقادات من طرف العديد من الفقهاء، حيث يرون أن عنصر الإنتخاب لا يعد ركنا من أركان إستقلالية هذه الهيئات أو المجالس المحلية، إذ يمكن لهذه الهيئات أن تمارس اختصاصاتها وصلاحياتها في كنف الإستقلالية من دون أن تكون منتخبة.

حيث يرى جانب من الفقهاء أن عنصر الإنتخاب قد يهدد وحدة الدولة السياسية، إذ يخشى من تشكيل وتسيير الهيئات المحلية بواسطة أعضاء تم وضعهم عن طريق الإنتخاب مع إختلاف إنتماءاتهم السياسية قد يؤدي إلى تحول اللامركزية الإدارية إلى لا مركزية سياسية، وقد أرجعوا تخوفهم هذا إلى أن تلك الهيئات التي تم تشكيلها عن طريق الإنتخاب، قد تشارك الدولة في امتيازات السلطة العامة، الأمر الذي قد يدفع بأعضاء تلك الهيئة إلى نوع من المخاطر، كما قد ذهب جانب من الفقه إلى القول بالأخذ بالتعيين في الهيئات و المجالس المحلية إلى جانب الإنتخاب، ويتم تعيين هؤلاء الأعضاء من طرف الحكومة المركزية  بعد أن يتم تزكيتهم وإختيارهم من الإدارة المحلية بالنظر إلى خبرتهم وكفاءتهم وتخصصهم، لأن الأخذ بمبدأ الانتخاب لوحده كقاعدة عامة في تشكيل هذه المجالس المحلية قد يؤدي إلى منح بعض الأشخاص لعضوية المجلس وهم ناقصي الكفاءة والخبرة والدراية بالمسائل التي يناقشها المجلس، خاصة التي تتعلق بمسائل الصحة والتنمية والتعليم، وبذلك يقتصر دور هؤلاء الأعضاء على الموافقة على الأمور التي تفوق مداركهم، ومن ثمة تكون المجالس المحلية المنتخبة قد حرمت من بعض الأعضاء الأكفاء نتيجة فشلهم في المعارك الإنتخابية، أو بإحجامهم على الخوض في الدخول إلى معركة يعلمون سلفا أنهم سوف يخسرونها، ولذلك تعمل بعض الدول على تطعيم هذه المجالس المنتخبة ببعض القدرات والكفاءات عن طريق التعيين، على أساس أن تطعيم هذه المجالس بأشخاص معينين لا يهدم فكرة الديمقراطية في الإدارة ما دامت تبقى الأغلبية للعنصر المنتخب كما هو الحال مثلا في أنجلترا ، كما أن العمل بمبدأ التعيين في المجالس المنتخبة قد يأتي بنتائج أحسن من النتائج المحصلة عنها بالأخذ بمبدأ الإنتخاب، وإن القول بتعيينهم لا يتنافى مع إستقلالية الهيئة ولا أدل على ذلك أن الدولة تمنح الإستقلالية لبعض الهيئات على الرغم من أن كل الأعضاء معينين من طرف السلطة المركزية.      

ونضرب مثالا على ذلك السلطة القضائية فان القضاة مستقلين في أداء وظيفتهم بالرغم من أنهم معينين من طرف السلطة التنفيذية، وفي هذا يقول الدكتور "فؤاد العطار":«وإذا كانت وسيلة الانتخاب قد سادت حتى غدت ركنا أساسيا للامركزية من جانب رجال الفقه، فإن مرد ذلك إلى ما وقع فيه رجال الفقه من مزج بين الهدف الذي يرمي النظام اللامركزي إلى تحقيقه وهو إستقلال الهيئات اللامركزية في مباشرة أعمالها والوسيلة التي تتلاءم وتحقيق هذا الهدف أي تلك التي تضمن إستقلالها، وما تفرع عن هذا المزج من إدماج اصطلاحين وإستعمال احدهما مكان الأخر في حين كان ينبغي التفرقة بين الهدف والوسيلة فلا يعتبر الإنتخاب ركنا من أركانها، ما دام تحقيق إستقلال الأعضاء في مباشرة إختصاصهم ميسور لوسائل أخرى».

و من خلال ما سبق ذكره، يتبن لنا أن مبدأ الإنتخاب في تشكيل المجالس المحلية، لا يعد ركنا من أركان اللامركزية الإدارية على قدر ما يعتبر وسيلة وأسلوب من أساليب تسيير هذه المجالس المنتخبة، من خلال فنح المجال أمام المشاركة الشعبية في صنع القرار وتسيير الشؤون المحلية.

  • ·       موقف المشرع الجزائري

مما لا شك فيه أن المشرع الجزائري قد تبنى إختيار مبدأ الإنتخاب كأساس وكقاعدة عامة في تشكيل المجالس سواء المحلية أو الوطنية، ولعل إختيار المشرع الجزائري لمبدأ الإنتخاب يعود لعدة أسباب من بينها فتح المجال للمشاركة الشعبية في تسيير الشؤون المحلية على أساس أن سكان المنطقة يكونون أدرى بشؤونها وإحتياجاتها، وحتى تكون المجالس المحلية أكثر ديمقراطية وإستقلالية، وحتى لا تكون خاضعة وتابعة للسلطة المركزية، حتى وإن كانت هذه الإستقلالية غير مطلقة ونسبية، فمنذ استقلال الجزائر والمشرع الجزائري يكرس مبدأ الانتخاب في تشكيل وتسيير المجالس المحلية المنتخبة، ذلك أن النظام السياسي في الجزائر مستمد من الإرادة الشعبية التي تفرض مشاركة الشعب في تسيير جميع المجالس المنتخبة سواء المحلية أو الوطنية، ويجد مبدأ الإنتخاب في التشريع الجزائري أساسا دستوريا وذلك أن جميع الدساتير المتعاقبة سواء دستور1963 ودستور 1976 و1989 وحتى تعديل دستور 1996 قد كرست مبدأ الإنتخاب في تشكيل هذه المجالس، وهذا ما أقرته العديد من المواد في تعديل دستور1996 كالمادة (06) و(07) و(10) و(11) و(14) و(15) و(16).

حيث نصت المادة (14) منه «المجلس المنتخب الإطار، الذي يعبّر فيه الشعب عن إرادته ويراقب عمل السلطات العمومية»، كما جعلت منه المادة (16) «قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية».

كما جاءت القوانين الأخرى لتجسد هذا المبدأ فنجد قانون البلدية (90/08) في نص مادته الثانية، والتي جاء فيها « يدير البلدية مجلس منتخب و هو المجلس الشعبي البلدي و هيئة تنفيذية» و هذا ما كرسه كذلك قانون البلدية (11/10) في العديد من مواده.

كما نصت المادة (11) منه « تشكل البلدية الإطار المؤسساتي لممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي و التسيير الجواري» و كذلك نصت المادة (02) منه « البلدية هي القاعدة الإقليمية اللامركزية ومكان لممارسة المواطنة، وتشكل إطار مشاركة المواطن في تسيير الشؤون العمومية» ومن خلال هذه المواد سواء في الدستور أو في القوانين تبين مدى احترام المشرع لمبدأ الإنتخاب والعمل على تجسيده و تكريسه.

كما جاء القانون العضوي (12/01) المؤرخ في 12 جانفي 2012 والمتعلق بنظام الإنتخابات، لينظم ويحكم العملية الإنتخابية ويؤكد على احترام مبدأ الإنتخاب، حيث جاء في نص المادة (65) منه « ينتخب المجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الولائي لمدة (05) خمس سنوات بطريقة الإقتراع النسبي على القائمة»، وتعتبر المجالس الشعبية البلدية هي الأكثر عددا، حيث بلغ عددها في الجزائر1541 مجلس بلدي، كون أن البلدية في التنظيم الإداري أهم إدارة جوارية، كون المواطن كثير الإحتكاك بها لتلبية حاجياته، بالإضافة إلى تعدد إختصاصات المجلس الشعبي البلدي سواء في المجال التنموي أوالإقتصادي أو الإجتماعي أو الثقافي وغيرها من المجالات الأخرى.

وفي إعتقادنا أن أسلوب الإنتخاب الذي إتخذه المشرع الجزائري كقاعدة عامة في تشكيل المجلس الشعبي البلدي، إن كان قد حقق بعض النتائج الإيجابية، إلا أنه قد فشل في تحقيق بعضها الآخر، حيث نشهد إلى يومنا هذا أن العديد من البلديات مازالت تعاني من الكثير من المشاكل ولم تحقق التنمية المحلية التي كان يصبو إليها المشرع، بالإضافة إلى الديون التي تتخبط فيها، ويعود السبب في ذلك إلى أن العديد ممن تم إكتسابهم لعضوية المجلس الشعبي البلدي يفتقدون للكفاءة وعدم اكتمال الوعي السياسي لديهم، بالإضافة إلى تدني المستوى التعليمي وعدم التخصص أضف إلى ذلك ما قد ينجم عن عنصر الانتخاب من ممارسات سلبية كتوظيف العشائرية والقبلية والتي تؤدي إلى تغليب المصلحة الشخصية  أو مصلحة العشيرة على حساب المصلحة المحلية، وعلى حساب المصلحة العامة والقومية وهذا ما يكثر في الدول النامية.

لذا نأمل أن تدعم المجالس الشعبية البلدية بأشخاص يتم تعيينهم سواء من السلطة المركزية أو المحلية يكونون ذوي كفاءة وتخصص في شتى المجالات الإقتصادية والإجتماعية والقانونية والسياسية حتى يستفيد منهم المجلس، نظرا لكفاءتهم ومستواهم العلمي ومداركهم العلمية، وإن أسلوب التعيين هذا لا يتنافى وديمقراطية الإدارة خاصة وأن الأغلبية ستكون للمنتخبين، ولعل أبرز مثال على ذلك هو مجلس الأمة، ولقد اتبعت مثل هذا الأسلوب العديد من الدول كبريطانيا والعراق.

2- الشخصية المعنوية

يقصد بالشخصية المعنوية مجموعة من الأشخاص والأموال تتحد من أجل تحقيق غرض معين ومعترف لها بالشخصية القانونية.

كما تعرف الشخصية المعنوية أو كما يطلق عليها بعض الفقهاء بالشخصية الاعتبارية، وهي الصلاحية لإكتساب الحقوق وللإلتزام الواجبات.

وكأصل عام إن الشخصية القانونية لا تنسب إلا إلى شخص طبيعي لأنه هو الذي بإستطاعته الإفصاح عن إرادته والقيام بالتصرفات القانونية بالإضافة إلى أن نشاطه لا يستهدف غرض معين.

إلا أن ضرورات الحياة الإجتماعية فرضت الإعتراف لمجموعة من الأفراد أو تجمع من الأموال المرصودة لغرض معين بكيان مستقل عن الأفراد المكونين لها والمنتفعين المقررة، حيث ينظر إليها القانون ويعاملها كما لو كان شخص طبيعي وبذلك يصبح عليها إلتزامات وبالمقارنة تكتسب حقوقا ومن أمثال ذلك الدولة، الولاية، والبلدية، بالإضافة إلى أن الأشخاص المعنوية توجد في كل من القانون العام والقانون الخاص، فممارسة البلدية مثلا لنشاطاتها وإختصاصاتها التي خولها إياها القانون يفرض الإعتراف لها بالشخصية القانونية لممارسة نشاطاتها، وذلك ما يجعلها تكتسب مجموعة من الحقوق كما يفرض عليها في نفس الوقت مجموعة من الإلتزامات، وعليه لم يكن أمام المشرع سوى الإعتراف لها بهذه الشخصية المعنوية أو القانونية، كما تتميز الأشخاص المعنوية العامة بميزات تجعلها تختلف عن المميزات التي تتمتع بها الأشخاص المعنوية الخاصة، كما عرفت كذلك الشخصية المعنوية على أنها مجموعة من الأشخاص تستهدف تحقيق غرض معين حيث يعترف القانون لهذه المجموعة بالشخصية القانونية المقررة للأفراد فتصبح أهلا لاكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات.

ومن خلال هذا التعريف للشخصية المعنوية نستنتج أن من أهم مقومات الشخصية القانونية هما مقومتان أساسيتان يجب أن تتوفر في هذا التجمع حتى يعترف لها بالشخصية المعنوية

- لا تثبت الشخصية المعنوية إلا بنص القانون.

- أن هذه الشخصية المعنوية لا تنشأ إلا لتحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله.  

وقد عرفت كذلك الشخصية المعنوية بأنها كيان له أجهزة خاصة وأن لها حقوقا وعليها إلتزامات.

كما ذهب بعض الفقهاء بإعتبار الشخصية المعنوية على أنها مجموعة أشخاص أو أموال تتكاتف أو ترصد لغرض تحقيق هدف مشروع بموجب إكتساب الشخصية القانونية، إذ هي القدرة أو المكنة على إكتساب الحقوق، وبالمقابل تحمل الإلتزامات.

وعليه فالشخصية المعنوية تعتبر السند القانوني لتوزيع الوظيفة الإدارية.

وعرفت كذلك بأنها إضفاء الشخصية القانونية على الأشخاص غير الطبيعيين بذات مقوماتها ونتائجها التي تستتبعها بالنسبة للآخرين في مجال العلاقات القانونية، لإعتبارات معينة مستدعية لذلك ولكن في النهاية بقدر دواعيها وفي حدودها بما لا يتخلف فيه الشخص المعنوي عن الشخص الطبيعي.

ومن خلال هذه التعريفات للشخصية المعنوية، يتبين أن الشخص المعنوي ما هو إلا تجمع لمجموعة من الأشخاص أو الأموال، والتجمع وحده لا يكفي للقول بأنه شخص معنوي بل يجب أن يهدف هذا التجمع إلى هدف أو إلى تحقيق عرض معين، سواء كان هذا الهدف تحقيق ربح أو كان هدف إجتماعي أو صناعي.

وعليه فإنشاء هذا الشخص المعنوي يجب أن يلازمه تحقيق غرض من إنشائه، ولا يمكن له أن يتحرك إلا في سبيل تحقيق هذا الغرض دون سواه، كما يجب أن يكون لهذا التجمع إدارة داخلية يتولاها أشخاص طبيعيون ونشاطات يمثلها هؤلاء الأشخاص.

وبالإضافة إلى وجود هذا التجمع والأشخاص الذين يمثلونه، لابد له من وجود أدوات ووسائل تجعله قادرا على القيام بمهامه، أضف إلى ذلك أن الشخص المعنوي لا يمكن أن يكتسب الشخصية القانونية إلا إذا تم النص عليه قانونا.

وبتوافر هذه المقومات يصبح هناك شخص معنوي يتمتع بمجموعة من الحقوق التي تولدت من خلال اكتسابه لهذه الشخصية القانونية، وفي نفس الوقت عليه إلتزامات مقابل الحقوق، والتي تنتج عن ما يقوم به من نشاطات.

ونخلص إلى أن الشخص المعنوي يشبه في الأخير الشخص الطبيعي من حيث خضوعه للقوانين والتحصن بها.

كما أسندت فكرة وجود الشخصية المعنوية إلى مبدأ هام وهو دائمية الدولة، كما أن فكرة الشخصية المعنوية توجد في القانون العام والقانون الخاص، وعلى هذا الأساس كانت هناك أشخاص القانون العام كالدولة والولاية والبلدية والمؤسسات العامة، وفي المقابل أشخاص القانون الخاص كالشركات والجمعيات وغيرها.

كما أن لفكرة الشخصية المعنوية أهمية خاصة في مجال القانون الإداري، ذلك أن روابط القانون الإداري يكون أحد أطرافها شخص معنوي عام بينما لا يلزم ذلك حتما في علاقات القانون الخاص.

وإذا كان القانون قد إعترف لبعض الهيئات المحلية أو الوحدات الإدارية بالشخصية المعنوية، أي قيام هيئة محلية معترف لها بالشخصية القانونية بجوار الدولة ومنحها في نفس الوقت إستقلاليتها إلا أن هذا الإستقلال يبقى نسبيا.

لقد أثارت مسألة الشخصية المعنوية جدلا وخلافا في أوساط الفقهاء، فمنهم من عارض فكرة وجود الشخصية المعنوية ومنهم من أيّد وجودها.

حيث ذهب فريق إلى القول بأن الشخصية المعنوية ما هي إلا إفتراض إبتدعه المشرع، في حين رأى جانب آخر أن الشخصية المعنوية فكرة منعدمة وغير موجودة، وأنكروا تماما وجودها.

وقد تباينت وجهات النظر بين مؤيد ومعارض، وسنحاول أن نبين وجهات النظر هذه وتبيان موقف المشرع الجزائري منها:

أ- النظريات المؤيدة لوجود الشخصية المعنوية

1/- الشخصية المعنوية مجاز أو إفتراض

يرى أصحاب هذه النظرية أن الشخصية المعنوية ما هي إلا مجرد إفتراض أو مجاز، لا وجود لها في الواقع، وأسّس أصحاب هذا الإتجاه فكرتهم على مجموعة من الأسانيد والأسباب، ويتزعم هذا الاتجاه الفقيه "سافيني" وسانده في ذلك كل من الفقيه "ليون دوجي" و"جيز بورنارد"، حيث يؤسس وجهة نظره في أن الشخص الطبيعي هو صاحب الإرادة الحقيقية، حيث يستطيع تحمل الالتزامات كما له القدرة على إكتساب الحقوق.

ومن ثمة فهذا التجمع المنظم الذي من أجله تم منح الشخصية المعنوية ما هو إلا مجاز أو إفتراض وذلك من أجل إكتساب الشخصية القانونية.

وإن القول بهذا يترتب عليه مجموعة من النتائج أهمها:

- أنه لا يمكن أن تمنح هذه التجمع الشخصية القانونية إلا بموجب نص القانون، وبما أن هذا المنح مجرد إفتراض أو مجاز أضفاه المشرع على هذا التجمع، فإنه يترتب على ذلك أن للمشرع سلطة إلغائه أو إزالته.

- كذلك من النتائج المترتبة على إضفاء صفة الشخصية القانونية على هذه التجمعات هو أنه لا يجوز التوسع في تفسيرها، بل تتحدد بما يقرره القانون، حتى أن الفقيه "جيز" سخر من فكرة الشخص المعنوي أو الاعتباري فقال:"لم أتناول على الإطلاق طعام أو غداء مع شخص معنوي".

إذا فإن الشخصية المعنوية التي منحت لهذه الهيئات إنما تم منحها على أساس أن تكون هذه الهيئات قادرة على تحمل الإلتزامات وتستطيع أن تكتسب الحقوق.

حيث ذهب الفقيه "دوجي" إلى القول بأن فكرة الشخصية المعنوية هي فكرة خاطئة وهي فكرة ميتافيزيقية وكتب عنها قائلا:"إن الإعتقاد باللاهيات والكائنات الماورائية الميتافيزيقية هو من شؤون الضمير الفردي، إني أحترم بعمق هذا الإعتقاد ويمكنني القول بأنني أرغب به ولكني أؤكد بأنه لا يجب أن يدخل المجال العلمي".

  • ·       النقــد

لقد وجهت لهذه النظرية العديد من الإنتقادات، مفادها أنه إذا كانت الشخصية القانونية لا تكون إلا للشخص الطبيعي أو الآدمي، في حين أن الواقع العملي يؤكد ويثبت أن الشخصية القانونية في نظر القانون تعني الصلاحية لإكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات، وعليه فإنه يمكن الإعتراف لكيانات معينة بهذه الصلاحية أي الشخصية القانونية دون الحاجة لتشبهها مجازا بالشخص الآدمي.

كما أن أصحاب هذه النظرية قد أسسوا نظريتهم على مبدأ خاطئ، يتمثل في أنه من لا إرادة له لا حق لديه، غير أنه وفي الكثير من الأحيان، نكون أمام حق من دون إرادة.

هذا بالإضافة إلى أنها بنت فكرتها على الإفتراض أو المجاز، في حين أن الإفتراض عدم والعدم لا يولد شخصا ولا ينشئ حقا.

وأيضا من بين الإنتقادات التي وجهت لهذه النظرية، أنها انطلقت من أن الشخصية المعنوية هي مجرد إفتراض، وهذا الإفتراض منحته الدولة لهذه الهيئات، ومن هنا نطرح السؤال، من الذي منح الدولة الشخصية القانونية؟

إلا أن أصحاب هذه النظرية ردوا على هذا بإستثنائهم الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام، وأطلقوا عليها وصف الشخصية الحقيقية، لأن هؤلاء الأشخاص العامة يعتبرون ضرورة اجتماعية.

2/- الشخصية المعنوية فكرة حقيقية

أمام هذه الإنتقادات التي وجهت لهذه النظرية، ظهر اتجاه يقرّ بوجود الشخصية المعنوية ويستند في ذلك إلى:

- أن الشخصية المعنوية هي فكرة حقيقية وأمر واقع لا يمكن تجاهله، ولعل من أنصار هذا الاتجاه كل من "جيراك"، و"كاري ديملبرج" و"جيريليك"، حيث ذهبوا إلى القول بأن الشخصية المعنوية ليست شخصا من صنع المشرع، بل هي حقيقة قانونية تفرض نفسها على المشرع الذي لا يملك إلا أن يعترف بها، فتجمع الأشخاص أو الأموال يؤدي إلى وجود إرادة مشتركة بين هؤلاء، ومن ثمة يأتي المشرع ليس لينشأ هذه الشخصية المعنوية، وإنما لا يتعدى دوره سوى أن يعترف بها، أي يعترف بوجودها قانونيا.

وقد تعددت وجهات النظر حول هذه الفكرة نبينها فيما يلي:

  • الإتجاه الأول

يرى أن الشخص المعنوي لا يختلف عن الشخص الطبيعي، بمعنى أن الشخص المعنوي له إرادة قانونية، وهذه الإرادة تنشأ بتجمع مجموعة من الإرادات المكونة لهذا الشخص المعنوي، فمتى تجمعت هذه الإرادات وإرتبطت برابطة المصلحة المشتركة تظهر هذا الشخص المعنوي للوجود.

  • ·       الإتجاه الثاني

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الشخص القانوني، هو كل من جاز أن يكون صاحب حق، أو مكلف بإلتزام، أي أن الشخص القانوني هو من له القدرة والمكنة على تحمل الالتزامات وإكتساب الحقوق، وقد استندوا في ذلك على أنه في العصور القديمة، عرفت ما يسمى بالعبيد وكانت تعتبرهم القوانين آنذاك من قبيل الأشياء على الرغم من آدميتهم، إذ لا يحق لهم أن يكتسبوا حقوق أو يتحملوا إلتزامات، أي بمعنى أنه ليس لهم شخصية قانونية على الرغم من آدميتهم.

كما ذهبو إلى القول بأن في فرنسا عرفوا نظام يعرف بنظام الموت المدني، وهو يقضي بحرمان كل من حكم عليه به من الشخصية القانونية، أضف إلى ذلك أن هناك من التشريعات الحديثة من يعترف بنوع من الشخصية القانونية المحدودة للجنين، والصبي غير المميز، والمجنون.

ب- النظريات التي تنكر الشخصية المعنوية

أمام وجود النظريات المؤيدة لفكرة وجود الشخصية المعنوية ظهرت اتجاهات تنكر وجود فكرة الشخصية مستندين في ذلك إلى أن الشخصية القانونية لا تنسب إلا إلى الشخص الطبيعي، ومن ثمة فلا وجود للشخص المعنوي، ولا ضرورة للقول بفكرة الشخصية المعنوية، لما تحدثه هذه الفكرة من تعقيدات لا طائل منها وأنه يمكن إستبدالها بعدة أفكار.

ولعل من بين هذه الأفكار فكرة التخصيص وفكرة الملكية المشتركة.

1/- فكرة ذمة التخصيص

لقد ذهب أصحاب هذه الفكرة إلى القول بأنه طالما أن فكرة الشخصية المعنوية لا تنسب إلا إلى الشخص الطبيعي فإنه لا وجود للشخصية المعنوية، ويعني هذا أن الذمة المالية ومجموع الحقوق والإلتزامات قد خصصت لغرض معين، وبذلك يتحقق الهدف من تجمع مجموعة من الأفراد أو مجموعة من الأموال ويعني ذلك أن الهدف الذي تجمع من أجله الأفراد أو الأموال هو الذي يؤدي بالقول إلى وجود الشخصية القانونية.

إن ما أخذ على هذه النظرية أنها إذا كانت صدقت أحيانا فإنها لا تصدق أحيانا أخرى، أي أن فكرة ذمة التخصيص قد لا تصدق على الدولة و بعض الأشخاص المعنوية الأخرى.

2/- فكرة الملكية المشتركة

 يرى أصحاب هذه النظرية أن الشخصية المعنوية ليست وهما ولا خيالا، و أن ما ينسب إليها من أموال هي في الحقيقة مملوكة ملكية مشتركة أو أنها تحتية بما يستتر وراءها من أشخاص طبيعيون أي أن الأصحاب الحقيقيون كما نسب إليها من حقوق هم أفراد مكونين لها أو المنتفعين بنشاطها، فهؤلاء  وحدهم هم الأشخاص الحقيقيين.

قد وجهت لهذه الفكرة إنتقادات على أساس أنها لا ترى في الهيئة من الهيئات الاجتماعية ذات الكيان المستقل إلا أن المال الذي تملكه بالرغم أن المال ليس إلا مجرد وسيلة لتحقيق الأهداف المشتركة وقد لا يكون هو الوسيلة الوحيدة بل قد يكون وسيلة لازمة كما ليس من المقبول إعتبار الدولة بصفة خاصة مجموعة من الأموال يمتلكونها المواطنون.                       من كل ما تقدم نخلص إلى أن الشخصية المعنوية أصبحت في ظل القانون الحديث أمرا واقعا ومسلما به لا يمكن إنكاره، على الرغم من جميع النظريات التي حاولت أن تستبعد فكرة الشخصية المعنوية، وعدم الإقرار بها حيث أصبح مثل هذا الجدل لا طائل منه وذلك على أساس أن فكره الشخصية المعنوية أخذت بها جميع التشريعات.

ج- النتائج المترتبة على إكتساب الشخصية المعنوية

يترتب على إكتساب الهيئات الإدارية للشخصية المعنوية العديد من النتائج يمكن إجمالها فيما يلي:

1/- إستقلال الذمة المالية

إن الإعتراف لهيئة معينة بالشخصية المعنوية يترتب عليه أن يكون لهذه الهيئة ذمتها المالية المستقلة ويعني ذلك أن يكون لها أموالها الخاصة سواء كانت هذه الأموال عقارات أو منقولات كما أن هذه الأموال لا تعد ملكا لأعضائها بل ملكا لها وحدها و الحقوق التي تكتسبها لا تنصب إلا في ذمتها المالية ولا تختلط بحقوق أعضائها.

وكذلك يعني بإستقلال الذمة المالية لهذه الهيئة هو أن تسحب من ميزانية الدولة كل أو جزء من إيرادات أو نفقات الهيئة وأن يترك تحت تصرفها ما قد يزيد عن إيرادات محققة، كما أن الأموال التي تحققها المؤسسة ستشكل فيما بعد ذمتها المالية، فمثلا إذا وضعت أحد الأبنية تحت تصرفها فإنها تصبح ملكا لها مع كل ما يترتب عنها من حقوق. 

2/- ثبوت أهلية التقاضي

ويعني ثبوت أهلية التقاضي للهيئة هو أنه يجوز لها أن تلجأ للقضاء، بمعنى يثبت لها حق التقاضي، كما يجوز مقاضاتها أي أن ترفع دعوى قضائية ضد هذه الهيئات دون الرجوع على الدولة، فمثلا للشخص أن يرفع دعوى ضد البلدية ممثلة في شخص رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعتباره الممثل القانوني، ومن ثمة يترتب على الإعتراف بالشخصية المعنوية لهذه الهيئة حق اللجوء إلى القضاء بصفتها مدعية أو مدعى عليها، فيجوز لممثل الهيئة اللامركزية طلب إلغاء القرارات المخالفة للقانون والصادرة عن ممثل السلطة المركزية.

ويترتب على هذه النتيجة عدم قبول الدعاوي التي ترفع من أو على غير الممثل القانوني للشخص المعنوي.

3/- نائب قانوني يعبر عن الهيئة

على اعتبار أن الهيئة التي إعتُرف لها بالشخصية القانونية، هي في الحقيقة ليس لها وجود مادي ملموس، ومن ثمة كان لزاما من أن يمثلها شخص طبيعي يتحدث بإسمها ولحسابها، ويعتبر هذا الشخص الطبيعي نائب قانوني لهذا الشخص المعنوي يعبر عن إرادته ويمثله في جميع التصرفات القانونية، فيتقاضى بإسمه ولحسابه، فنجد مثلا أن الوالي هو النائب القانوني الذي يمثل الولاية، ورئيس المجلس الشعبي البلدي هو النائب القانوني للبلدية، وهكذا لكل شخص معنوي شخص طبيعي ينوب عنه ويمثله قانونا وعليه وجب أن يعين لكل شخص معنوي نائب يمثله ويعبر عن إرادته، ويكون هذا النائب شخصا طبيعيا.

4/- تمتع الشخص المعنوي بموطن خاص ومستقل

إن الإقرار لهيئة معينة بالشخصية المعنوية أو القانونية يترتب عليه أن يكون لهذا الشخص المعنوي موطن خاص ومستقل، والموطن يكون عادة المكان الذي يوجد به مركز إدارة تلك الهيئة، وللموطن أهمية خاصة وذلك فيما يتعلق بتحديد الإختصاص الإداري   أو القضائي، سواء من حيث الحدود الإقليمية ورسم المجال الجغرافي، وممارسة حق التقاضي أمام الجهات القضائية، وممارسة إختصاصاتها الإدارية.

5/- أهلية التعاقد وإصدار القرارات

يصبح للشخص المعنوي بموجب منحه الشخصية القانونية أهلية التعاقد، فيجوز له إبرام الصفقات باسمه ولحسابه الخاص، كما يؤول إليه سلطة إصدار القرارات الإدارية، كما تكون له آليات إستخدام وسائل القانون العام بما فيها السلطة العامة.

6/- إمكانية قبول الهبات والوصايا

بموجب إكتساب الهيئة للشخصية المعنوية يمكن لها تلقي الهبات والتبرعات مباشرة، وذلك وفق إجراءات بسيطة، وبالعكس فالهيئات التي لا تتمتع بالشخصية الإعتبارية لا يمكن لها تلقي الهبات إلا بواسطة تجمع إقليمي ترتبط به، وعليه فإن الشخصية المعنوية تجعل من الهيئة قادرة على قبول الوصايا والهبات، وهذه ميزة تميز الشخص المعنوي عن بقية التجمعات التي لا تكتسب الشخصية القانونية.

المطلب الثاني/ تشكيل المجلس الشعبي البلدي

يتألف المجلس الشعبي البلدي من عدد من الأعضاء المنتخبين، والذين يتم إختيارهم عن طريق الإنتخاب من قبل سكان البلدية، بموجب أسلوب الإقتراع العام والسري والمباشر وذلك لمدة خمس سنوات، وقد يزيد وينقص عدد الأعضاء المنتخبين حسب كل بلدية، وذلك حسب الكثافة السكانية لكل بلدية، وهذا طبقا للقانون العضوي (12/01) المؤرخ في 21 يناير 2012 المتعلق بقانون الإنتخابات والذي جاء في نص مادته (79) « يتشكل المجلس الشعبي كما يلي :

- 13 عضو في البلديات التي يقل عدد سكانها عن 10.000 نسمة.

- 15 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 10.000 و 20.000 نسمة.

- 19 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 20.001 و 50.000 نسمة.

- 23 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 50.001 و 100.000 نسمة.

- 33 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 100.001 و 200.000 نسمة.

- 43 عضو في البلديات التي يساوي عدد سكانها أو يفوق 200.000 نسمة.

وما يستشف من خلال نص المادة (79) من قانون الانتخابات (12/01) هو أن المشرع الجزائري قد زاد من عدد أعضاء المجالس الشعبية البلدية، كما كان عليه في قانون الانتخابات السابق (97/07) المؤرخ في 06/03/1997 حيث كان عدد أعضاء المجالس الشعبية البلدية يتراوح بين (07) و(33)عضوا، في حين أن في قانون الانتخابات الحالي    (12/01) أصبحت فيه أقل بلدية ممثلة بـ (13)عضوا وأقصاها (43) عضوا، وإن دل ذلك فإنه يدل على أن المشرّع الجزائري أخذ في الحسبان زيادة عدد السكان، كما فتح أكثر سبل المشاركة السياسية للإلتحاق بالمجالس المنتخبة، ويتماشى هذا ومبدأ توسيع المشاركة في تسيير الشؤون المحلية  وصنع القرار، كما يدعم نظام التعددية الحزبية مما يسمح للمجلس من إيجاد العدد الكافي لتشكيل لجانه.

وإذا رجعنا إلى بعض المجالس المحلية المنتخبة في بعض الدول العربية كالسعودية مثلا ودول الخليج، نجدها تأخذ بمبدأ التعيين الكامل لمجالسها فلا يتاح لسكان المنطقة من اختيار من يمثلهم في تسيير الشؤون المحلية، على غرار المشرع الجزائري الذي أخذ بمبدأ الانتخاب الكامل.

الفرع الأول/ كيفية إختيار أعضاء المجالس الشعبية البلدية

يتم اختيار أعضاء المجلس الشعبي البلدي عن طريق الإنتخاب، وينتخب هؤلاء الأعضاء بأسلوب الإقتراع العام السري المباشر، وفقا للأصول المتبعة في الإنتخابات المحلية، وذلك لمدة (05) سنوات قد تمدّد وجوبا، وقبل أن يخوض الشخص غمار الترشح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي، فإن هناك إجراءات ممهدة للعملية الإنتخابية نوضحها من خلال:

1- تقسيم الدوائر الإنتخابية

ويُقصد بالدائرة الإنتخابية الحيّز الذي ينتخب فيه المواطنين نوابا عنهم، وعليه فإن أول ما تقوم عليه العملية الإنتخابية هو تقسيم وتحديد الدوائر الإنتخابية، ويأخذ هذا التقسيم في الحسبان، الكثافة السكانية، والتواجد البشري المنظم، وتوافر الإمكانات المادية والبشرية ومدى توافر الحس السياسي لدى المواطنين، ومدى الوعي لديهم والتفكير في المشاركة السياسية.

2- إعداد القوائم الإنتخابية ومراجعتها

طبقا لنص المادة (50) من تعديل دستور1996 والتي جاء فيها « لكل مواطن تتوافر فيه الشروط القانونية أن ينتخب ويُنتخب».

وتعتبر القوائم الانتخابية قوائم دائمة، وتتم مراجعتها خلال الثلاثي الأخير من كل سنة، إلا أنه يمكن مراجعتها بصفة إستثنائية بمقتضى مرسوم رئاسي، يتضمن إستدعاء الهيئة الإنتخابية المتعلق بإقتراع ما، والذي يحدّد فترة إفتتاحها وإختتامها.

وعليه حسب نص المادة (15) من القانون العضوي (12/01) فإنه يتم إعداد القوائم الإنتخابية ومراجعتها في كل بلدية وتتم هذه العملية بمراقبة لجنة إدارية إنتخابية تُنصب لهذا الغرض وتتكون هذه اللجنة من:

- قاضي يعينه رئيس المجلس القضائي المختص إقليميا، رئيسا

- رئيس المجلس الشعبي البلدي، عضوا

- الأمين العام للبلدية، عضوا

- ناخبان اثنان من البلدية يعينهما رئيس اللجنة، عضوين.

وتجتمع هذه اللجنة بمقر البلدية بناءً على استدعاء من رئيسها.

ونظرا لأهمية هيئة الناخبين وحركيتها المستمرة فقد وقع على عاتق السلطة التنفيذية تسجيل كل من استوفى الشروط القانونية في القوائم الانتخابية، أو في القوائم المعدة لذلك، وشطب كل من فقدها، وقد وضع قانون الانتخابات شروط خاصة بالناخب كما وضع شروط خاصة بالمنتخب أو المترشح لاكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي.

أ- الشروط الخاصة بالناخب

يعتبر ناخبا ويكون له حق التصويت في إنتخاب ممثليه في المجلس الشعبي البلدي، كل جزائري وجزائرية سجّل بالقائمة الإنتخابية والتي تتضمن أسماء جميع الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة العملية الإنتخابية من خلال حق التصويت والإقتراع، وهذا من خلال مجموعة من الشروط التي حدّدها القانون وهذا ما كرّسه القانون العضوي للإنتخابات (12/01) في نص مادته (03) ، وكذلك ما نصت عليه المادة (04) من نفس القانون، وعليه فمن بين أهم الشروط التي يجب أن تتوافر في الشخص لممارسة حقه الانتخابي هو:

1/- التمتع بالجنسية الجزائرية

على إعتبار أن الإنتخاب هو حق من الحقوق السياسية المكفولة لكل مواطن، وهذا ما نصت عليه المادة (50) من تعديل دستور 1996 والتي جاء فيها «لكل مواطن تتوافر فيه الشروط القانونية أن ينتخب ويُنتخب» وعليه فالمشرّع الجزائري إشترط في كل من يريد أن يمارس حقه الإنتخابي، أن يكون متمتعا بالجنسية الجزائرية، ويبدو واضحا من خلال إشتراط المشرع الجزائري للجنسية الجزائرية، أنه لم يميّز بين الرجل والمرأة بل كفل حق الإنتخاب للجنسين على السواء، من دون أن يقصي المرأة من هذا الحق، فحرمان الفئة النسوية من ممارسة هذا الحق يعدّ منافيا للديمقراطية في نظرية الأغلبية.

2/- بلوغ سن 18 سنة

لقد أبقى المشرع الجزائري على سن 18 سنة كحد أدنى وشرط لمن يريد ممارسة حق الإنتخاب، وهذا ما نصت عليه المـادة الثالـثة من القانـون العضوي المتعلّق بالإنتخابات (12/01)، وهو بذلك أبقى على نفس السنّ التي قد كان منصوصا عليها من قبل في قانون الإنتخابات (97/07)، ولعل العبرة التي توخاها المشرّع من ذلك حتى يوسّع من دائرة المشاركة الشعبية في العملية الإنتخابية، خاصة وأن المجتمع الجزائري تمثّل فيه فئة الشباب نسبة (75)% وهي بذلك تعكس طموحاته وآماله من خلال ممثليه.

3/- التمتع بالحقوق المدنية والسياسية

لا يمكن إعتبار أن كلّ من بلغ سن 18 سنة له الحق في المشاركة في الحياة السياسية أو في ممارسة العملية الإنتخابية أو يعدّ ناخبا، فحتى يمارس الشخص العملية الإنتخابية يجب أن يكون متمتّعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن لا يكون قد عوقب بالحرمان منها، وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة (03) من القانون العضوي المتعلق بالإنتخابات (12/01)، حيث إستبعدت طائفة من الأشخاص وحرموا من ممارسة حق الإنتخاب وذلك نظرا لعدم تمتعهم بالحقوق المدنية والسياسية، فالحرمان من الحقوق المدنية يتمثل مثلا في الحرمان من حق الملكية، أما الحرمان من الحقوق السياسية فمثلا كالحرمان من حق الانتخاب والترشح، وهذا كأن يُحكم عليه بعقوبات تبعية في بعض الجرائم.

4/- عدم الوجود في إحدى حالات فقدان الأهلية الإنتخابية

حتى يمارس الشخص حقه الإنتخابي يجب أن لا يكون ضمن إحدى حالات فقدان الأهلية الانتخابية، وهذا ما كرّسه نص المادة (03) من قانون الإنتخابات (12/01)، حيث يعود فقدان الأهلية الإنتخابية لعدة أسباب وعوامل، كالإدانة الجزائية للمحكوم عليهم بجناية، وعليه فأي شخص ثبت أنه حكم عليه في جريمة تشكّل جناية يجعله غير آهل لممارسة الحياة السياسية، ومن بينها الإنتخاب، وكذلك المحكوم عليهم في مادة الجنح والتي يُحكم فيها بالحرمان من ممارسة الحياة السياسية وهذا طبقا لنص المواد (09) و(09/مكرر) من قانون العقوبات حيث جاء في نص المادة (14) منه «يجوز للمحكمة عند قضائها في جنح وفي الحالات التي يحدّدها القانون أن تحضر على المحكوم عليه ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المشار إليها في المادة (08) لمدة لا تتجاوز (05) سنوات». وجاء في الفقرة الثانية من نص المادة (08) من قانون العقوبات أن من بين هذه الحقوق هو حق الإنتخاب أو الترشح، كذلك من ضمن حالات فقدان الأهلية الإنتخابية هو أن يكون الشخص قد ثبت في حقه أنه قد سلك سلوكا مشينا أثناء الثورة التحريرية ويكون مضادا لمصالح الوطن، وهذا ما يعبّر عنه بعدم الثقة في الاعتداد برأيهم، كذلك الإفلاس شريطة عدم رد الإعتبار بالنسبة للتجار وفقا لأحكام القانون التجاري، كذلك الحجر وهذا ما نصت عليه المادة (101) من قانون الأسرة رقم (84/11) المعدّل والمتمّم والتي جاء فيها«من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه أو طرأت عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشده يُحجر عليه».

 كذلك من ضمن الحالات الحجز لضرورة أمنية وبشروط ووفق إجراءات محدّدة، حيث يمكن حجز أي شخص بصورة إدارية (الإعتقال الإداري) أو قضائيا كالحبس الاحتياطي مما لا يسمح له بمباشرة حقه الانتخابي، وإن فقدان الأهلية الإنتخابية ليست حالة دائمة بل حالة عرضية، حيث يمكن للشخص أن يسجّل من جديد بالقائمة الإنتخابية بإسترجاعه للأهلية الإنتخابية كرد الاعتبار أو رفع الحجر أو بأن يشمله العفو.

5/- التسجيل بالقائمة الإنتخابية

يجب على الشخص أن يسجّل بالقائمة الإنتخابية بالبلدية التي بها موطنه حتى يستطيع أن يمارس حقه الإنتخابي، ويُقصد بالموطن ما ورد في المادة (36) من القانون المدني والتي تنص على أن موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكنه الرئيسي، وعند عدم وجود سكن يحل محلها مكان الإقامة العادي، كما كرسته نص المادة (44) من الدستور والتي جاء فيها«يحق لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن يختار بحرية موطن إقامته وأن ينتقل عبر التراب الوطني» على اعتبار أن الموطن من الحقوق والحريات الأساسية للفرد، كما يُعتبر التسجيل في القوائم الإنتخابية واجب على كل مواطن ومواطنة.

 غير أن الجزائريين المقيمين بالخارج والمسجلين لدى الممثليات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية يمكنهم طلب التسجيل في القوائم الإنتخابية عندما يتعلق ذلك بالإنتخابات البلدية بإحدى البلديات التالية:

- بلدية مسقط رأس المعني.

- بلدية آخر موطن للمعني.

-بلدية مسقط رأس أحد أصول المعني.

وهذا طبقا لنص المادة (09) من القانون العضوي المتعلق بالإنتخابات (12/01)، كما يمكن لأعضاء الجيش الشعبي الوطني، والأمن الوطني، والحماية المدنية، وموظفي الجمارك الوطنية، ومصالح السجون، والحرس البلدي، الذين لا تتوافر فيهم الشروط المحدّدة في المادة (09) أعلاه، أن يطلبوا تسجيلهم في القائمة الإنتخابية لإحدى البلديات المنصوص عليها في المادة (09) من القانون العضوي للانتخابات (12/01).

ب- الشروط الخاصة بالمترشّح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي (المنتخب)

بالإضافة إلى الشروط المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون الانتخابات (12/01) فقد أضاف نفس القانون، مجموعة من الشروط الواجب توافرها فيمن يترشح لإكتساب عضوية المجلس الشعبي البلدي، فبالإضافة إلى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وأن لا يكون المترشح ضمن إحدى حالات فقدان الأهلية الإنتخابية، كما يجب أن يكون المترشح قد بلغ سن 23 سنة على الأقل يوم الاقتراع، غير أنه بالرجوع إلى القانون العضوي (97/07) نجد أن المشرّع الجزائري قد خفض سن الترشّح من 25 سنة إلى 23 سنة، ولعل الحكمة من ذلك تعود إلى كون الجزائر تزخر بالفئة الشبابية، لذا إرتأى المشرع أنه لابد من تخفيض السن إلى 23 سنة حتى يُسهم في تشبيب المجالس المحلية، وإتاحة الفرصة للشباب ليتحمل المسؤولية والمشاركة في صنع القرار المحلي، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، وإن كان تخفيض السن قد يُسهم في تحقيق بعض النتائج ، إلا أنه من ناحية أخرى قد لا يؤتي أكله كون أن عضوية المجلس وتسييره تتطلب بعض الخبرة والحنكة السياسية، بالإضافة إلى التعقل والتبصر والتريث في إتخاذ القرار هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن تخفيض السن من الناحية العملية إن كان يصلح لمن لم يكمل دراسته فإنه لا يصلح لمن أكمل دراسته وذلك من خلال شرط أداء الخدمة الوطنية.

1/- أداء الخدمة الوطنية أو الإعفاء منها

فقد اشترط المشرّع فيمن يترشّح لعضوية المجلس أن تكون وضعيته إزاء أداء الخدمة الوطنية مسوية، فمن غير المعقول أن يبدأ العضو في ممارسة نشاطه ثم تزول عنه العضوية لأجل أداء واجب الخدمة الوطنية، لأن ذلك يسبب عدم إستقرار الوضعيات في المجلس.

2/- التسجيل بالقائمة الانتخابية

يجب على كل مترشّح أن يكون مسجلا بالقائمة الإنتخابية للدائرة الإنتخابية التي يترشّح فيها.

 

3/- أن يكون ذا جنسية جزائرية أصلية أو مكتسبة منذ 05 سنوات على الأقل

 وهذا شرط طبيعي لأنه يتعلق بحق سياسي ألا وهو حق الترشح، فيكون من المنطق قصره على حامل جنسية تلك الدولة دون سواها، فلا يُتصور أن يمتد هذا الحق للأجانب إلا أن المشرّع لم يتشدّد كثيرا بخصوص شرط الجنسية، حيث أتاح الفرصة لمكتسب الجنسية الجزائرية منذ 05 سنوات لأن يترشّح لعضوية المجلس الشعبي البلدي، وذلك حتى تتاح سُبل الترشح لجميع الجزائريين. 

 

  

4/-أن لا يكون محكوما عليه في الجنايات والجنح

وهي الحالة المنصوص عليها في المادة (05) من القانون العضوي للإنتخابات (12/01) وهو أن لا يكون محكوما عليه بسبب جنحة أو جناية ولم يُرد إعتباره، وأن لا يكون محكوما عليه بحكم نهائي بسبب تهديد النظام العام أو الإخلال به.

فهذه الشروط التي فرضها المشرّع الجزائري لمن يريد التّرشح لعضوية المجلس الشعبي البلدي إضافة إلى بعض الشروط الأخرى التي تتمثل في:

5/- أن يكون الترشّح تحت غطاء حزب سياسي أو عدة أحزاب سياسية

وفي حالة ما إذا كان المترشح لا ينتمي لأي حزب سياسي أن يترشح في قائمة حرة مستقلة، فيجب أن تدعم هذه القائمة الحرة بتوقيع (5) % من ناخبي الدائرة الإنتخابية على أن لا يقل هذا العدد عن 150 ناخبا ولا يزيد عن 1000 ناخبا.

كما لا يمكن للمترشح الواحد أن يوقع في أكثر من قائمة واحدة لأن ذلك سوف يعرّضه للعقوبات المنصوص عليها في القانون العضوي للإنتخابات.

ويتم التوقيع المدعم للترشح في إستمارات خاصة، تسلّمها الإدارة أمام ضابط عمومي، وتحتوي القائمة على إسم ولقب الناخب، الموقع وعنوانه، ورقم بطاقة التعريف الوطنية، أو أي وثيقة تثبت الهوية، وكذلك رقم التسجيل في القائمة الانتخابية، ويتم إرسال هذه القائمة لرئيس اللجنة الانتخابية المختصة إقليميا وهذا بغرض إعتمادها.

والملاحظ أن الجزائر قد غيّرت من نهجها السياسي، وذلك بالدخول في مسار التعددية الحزبية، مما جعل من الإنتخابات المحلية أكثر ديمقراطية، على غرار ما كانت عليه في السابق، لأن جعل الإنتخابات المحلية على أساس القوائم الحزبية وإستبعاد الترشيحات غير الحزبية هو أمر غير دستوري ومناف للديمقراطية، لأن من حق أي مواطن أن يرفض الإنتماء إلى أي حزب من الأحزاب القائمة إذا لم يقتنع بالفلسفة التي تعتنقها هذه الأحزاب، ومن ثمة فإن ظاهرة الأعضاء المستقلين جعلت من الإنتخابات المحلية أكثر ديمقراطية وزادت في المشاركة السياسية من أجل صنع القرار، كما يجب أن تقدم التصريحات بالترشح قبل 50 يوما كاملة من تاريخ الاقتراع، كما أنه لا يمكن إضافة أو إلغاء  أو تغيير الترتيب بعد إيداع الترشيحات، إلا في حالات أقرّها القانون، كحالة الوفاة،  أو حصول مانع قانوني.

ويقصد بالمانع القانوني هو أن يفقد أحد المترشحين الأهلية الإنتخابية، وفي هذه الحالة يُضاف شهر آخر لتقديم ترشيح جديد على أن لا يتجاوز الشهر السابق لتاريخ الإقتراع، وفي حالة ما إذا تعلّق الأمر بقائمة حرّة، فإن إكتتاب التوقيعات المحددة يبقى صالحا، ولعل منح المشرّع هذه المهلة والمحدّدة بـ 50 يوما لإيداع الترشيحات، هي مدة جد معقولة لتقديم الاختيارات التي سوف يتشكّل منها المجلس الشعبي البلدي.

 والجدير بالذكر أن المشرّع عند حظره لتغيير أو إضافة في قائمة الترشيحات، كان الغرض منه المحافظة على الأمور التنظيمية لأن أي تغيير أو تعديل في الترتيب سوف يُحدث نوع من الفوضى.

كما لا يمكن لأي شخص أن يكون مترشحا أو إضافيا في أكثر من قائمة واحدة، وإلا تعرّض للعقوبات المنصوص عليها في قانون الإنتخابات.

 كما لا يمكن أن تتضمن قائمة الترشيحات، لأكثر من مرشحين اثنين ينتميان لأسرة واحدة سواء بالقرابة أو المصاهرة من الدرجة الثانية، وحسنًا فعل المشرّع ذلك حتى لا تكون هناك قوائم عائلية تنعكس فيما بعد على تشكيلة المجلس وسير أعماله.

 وعند رفض الترشيحات فقد أوجب المشرّع أن يكون الرفض بموجب قرار معلل تعليلا قانونيا واضحا، ويبلغ هذا القرار تحت طائلة البطلان خلال 10 أيام كاملة يبدأ حسابها من تاريخ إيداع الترشيح.

 ويكون المشرع بذلك قد وضع ضمانة من خلال فرض تعليل القرار وتبليغه وحسنًا فعل المشرّع.

وقد أتاح المشرّع لمن تم رفض ترشيحه أو إستبعاده حق الطعن في قرار الرفض أمام المحكمة الإدارية المختصة، وذلك خلال (03) أيام من تاريخ تبليغ القرار، على أن تفصل المحكمة بالطعن في مدّة لا تتجاوز(05) أيام من تاريخ رفع الطعن، ويكون حكمها غير قابل لأي شكل من أشكال الطعن، ويُبلّغ هذا الحكم تلقائيا إلى الأطراف وإلى الوالي قصد تنفيذه.

 إلا أن ما يستشف من خلال قراءة هذه المادة، أن المشرّع إن كان قد وضع ضمانة لمن تم استبعاده من قائمة الترشيحات، أو من خلال وضع ضمانة لقائمة الترشيحات نفسها التي تم رفضها بقرار مسبب ومعلل، إلا أنه ومن جهة أخرى قد أخل بمبدأ عام ألا وهو حق التقاضي على درجتين، حيث جعل من حكم المحكمة غير قابل لأي طعن، وحبذا لو أن المشرّع جعل قرار المحكمة قابل للطعن بالاستئناف أمام مجلس الدولة.

ولقد نصّت المادة (70) من قانون الإنتخابات (12/01) على أنه يجب أن تتضمن قائمة الترشيحات للمجالس الشعبية الولائية والبلدية عددا من المترشحين يساوي عدد المقاعد المطلوب شغلها، وعدد من المستخلفين لا يقل عن (30) %من عدد المقاعد المطلوب شغلها، وذلك تفاديا لأي طارئ كالإنسحاب أو الوفاة أو فقدان أهلية الإنتخاب.

وقد أضاف المشرّع شرطا آخر لم يكن في قانون الانتخابات (97/07) ويتمثل في تعزيز حظوظ المرأة في المجالس المنتخبة، حيث أوجب على كل قائمة تمثيل ترشيحات سواء كانت قائمة حزبية أو قائمة حرة، أن تشتمل على عدد من النساء وأن لا يقلّ هذا العدد عن النسب المحدّدة بحسب عدد المقاعد المتنافس عليها، وهذه النسب تكون متفاوتة حيث حدّد المشرّع نسبة تمثيل المرأة في المجالس البلدية بـ (30)% في البلدية التي يزيد عدد سكانها عن 20.000 نسمة، ويرجع وضع هذا الشرط إلى أن المشرّع الجزائري إستوحاه من نص المواد (31) و(31/مكرر) من الدستور دون أن يتنافى ذلك مع نص المادة (29) من الدستور.

وعلى الرغم من أن الدستور فتح المجال أمام جميع الطوائف للترشح على إختلاف إنتماءاتهم السياسية أو الحزبية ، إلا أن القانون إستبعد بعض الطوائف من الترشّح للإنتخابات لمدة معينة وذلك لأجل المحافظة على العملية الإنتخابية ونزاهتها حيث صنفهم القانون في خانة عدم القابلية للانتخاب، وهذه الحالات إنما تمثّل في حقيقتها شروطًا سلبية أي يجب عدم توافرها في المترشح، وقد حظر المشرّع على هذه الفئات الترشح أثناء ممارستهم للعمل أو لمدة سنة بعد التوقف عن العمل، وذلك في دائرة إختصاص ممارسة وظائفهم وهم:

- الولاة.

- رؤساء الدوائر.

- الكتّاب العامون للولايات.

- أعضاء المجالس التنفيذية للولايات.

- القضاة.

- أفراد الجيش الشعبي الوطني.

- موظفو أسلاك الأمن.

- محاسبو أموال البلدية.

- الأمناء العامون للبلدية.

والجدير بالذكر أن المشرّع الجزائري قد أضاف الأمناء العامون للبلديات كفئة محظور عليها الترشح حيث لم يشملهم القانون (97/07) وقد تمّ استدراكهم في القانون العضوي للانتخابات (12/01).

 

 

الفرع الثاني/ توزيع المقاعد داخل المجلس الشعبي البلدي

يتم إجراء الانتخابات المحلية وذلك خلال الأشهر الثلاثة التي تسبق إنقضاء المدة النيابية الجارية، إلا أنه يمكن أن تمدّد المدة النيابية تلقائيا وذلك في حالة ما إذا كانت هناك ظروف استثنائية كحالة الحصار والطوارئ، طبقا لما هو منصوص عليه في المواد (90) و(93) و(96) من الدستور ففي هذه الظروف يتعذّر إجراء الإنتخابات المحلية.

وطبقا لنص المادة (66) من القانون العضوي (12/01) يتم توزيع المقاعد المطلوب شغلها بين القوائم بالتناسب حسب عدد الأصوات التي تحصّلت عليها كل قائمة، مع تطبيق قاعدة الباقي للأقوى، كما تُحسب القوائم التي لم تحصل على نسبة (07)% على الأقل من الأصوات المعبّر عنها، ولقد بيّن المشرّع كيفية حساب المعامل الإنتخابي الذي هو ناتج قسمة نسبة الأصوات المعبّر عنها في كل دائرة إنتخابية، ناقص عند الإقتضاء عدد الأصوات التي لم تتحصل على (07)% على عدد المقاعد المطلوب شغلها.

  • ·       مدة العضوية بالمجلس الشعبي البلدي

لقد حدّد المشرّع الجزائري مدّة العضوية بالمجلس الشعبي البلدي بـ 05 سنوات، وهذا طبقا لنص المادة (65) من القانون العضوي للإنتخابات (12/01)، وقد أبقى المشرّع على نفس المدّة التي كان منصوصا عليها في المادة (75) من الأمر (97/07) وهي مدّة كفيلة لأجل أن يقوم المجلس بتنفيذ برامج التنمية والقيام بإختصاصاته، فلا هي بالمدة القصيرة ولا هي بالمدّة الطويلة.

كما أجازت المادة (65) من القانون العضوي (12/01) تمديد الفترة النيابية وهذا نظرا لعدّة أسباب من بينها وفاة رئيس الجمهورية، أو إستقالته، طبقا لنص المادة (90) من الدستور، أو في الحالة الاستثنائية، وهو موضوع نص المادة (93) من الدستور، أوفي حالة الحرب وهو ما نصت عليه المادة (96) من الدستور.

الفرع الثالث/ سير أعمال المجلس الشعبي البلدي وإختصاصاته.

أولا/ سير أعمال المجلس

يسير المجلس الشعبي البلدي عن طريق آليات قانونية وقواعد خاصة مملوكة له، لأجل تحقيق الغرض الذي انتُخِب من أجله، وذلك من خلال بعض الآليات القانونية والتي تتمثل في:

1- نظام الدورات والجلسات

يُعقد المجلس الشعبي البلدي ست (06) دورات عادية في السنة، أي دورة كل شهرين، ومدة كل دورة (05) أيام، كما يعمل على إعداد نظامه الداخلي ويصادق عليه في أول دورة له، وهذا ما نصت عليه المادة (16) من قانون البلدية (11/10).

 إلا أنه وبالرجوع لقانون البلدية (90/08) من خلال نص مادته (14) نجد أن المشرّع في قانون البلدية (11/10) قد خفض من مدة الدورة من (03) أشهر إلى (02) شهرين، ولعل الحكمة في ذلك حتى يستطيع المجلس التكفل بأكبر قدر ممكن من إنشغالات سكان المنطقة ، والتداول بشأنها.

كما يمكن للمجلس الشعبي البلدي أن يجتمع في دورة غير عادية كلما إقتضت الضرورة، ويكون ذلك بطلب من رئيسه أو ثلثي الأعضاء (2/3) أو بطلب من الوالي، أما في الحالات والظروف الإستثنائية والتي تكون مرتبطة بخطر وشيك، أو كارثة كبرى، فإن المجلس في مثل هذه الحالات يجتمع بقوة القانون، على أن يتم إخطار الوالي فورا بذلك، وحسن فعل المشرّع عندما ألزم المجلس الشعبي البلدي على الإجتماع بقوة القانون  في الظروف الإستثنائية، وذلك حتى يكون المجلس مسايرا لوضع الإستثنائي، ولأجل أن يتدخل في الوقت المناسب لمواجهة هذا الوضع.

ويعقد المجلس الشعبي البلدي إجتماعاته بمقرّ البلدية، إلا أنه في حالة القوة القاهرة والتي تحول دون إمكانية انعقاد الدورة بمقر البلدية، فقد أجاز القانون في هذه الحالة للمجلس عقد الدورة خارج مقر البلدية.

كما أجاز أيضا قانون البلدية للمجلس أن يعقد دوراته خارج إقليم البلدية في مكان يعيّنه الوالي بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي البلدي.

 إلا أن ما يؤخذ على هذه الفقرة أنها لم تبيّن سبب إنعقاد المجلس الشعبي البلدي خارج إقليم البلدية، وإن كان ذلك إجراء جوازي، خلافا للفقرة التالية من نفس المادة والتي نصّت صراحة على أن سبب انعقاد الدورة في غير مقرّ البلدية هو القوّة القاهرة، وهذا سبب وجيه، لذا يُطرح التساؤل عن سبب انعقاد الدورة خارج إقليم البلدية، ومن هنا فإن هذه الفقرة من نص المادة (19) من قانون البلدية (11/10) تحتاج إلى ضبط على نحو يُبيّن فيه سبب إنعقاد المجلس خارج إقليم البلدية.

ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي على تحديد تاريخ إنعقاد دورات المجلس ويحدّد كذلك جدول أعمال دوراته، ويكون ذلك بالتنسيق والتشاور مع الهيئة التنفيذية للمجلس الشعبي البلدي.

إذا فتحديد تاريخ انعقاد المجلس وجدول أعماله منوط برئيس المجلس بالتشاور مع الهيئة التنفيذية للمجلس.

وبعد تحديد تاريخ إنعقاد الدورة ووضع جدول الأعمال، يوجّه رئيس المجلس الشعبي البلدي  لكل عضو من الأعضاء إستدعاء لحضور الدورة، ويسجّل ذلك في سجل مداولات البلدية، ويرسل هذا الاستدعاء إلى مقر سكن العضو قبل (10) أيام من إنعقاد الدورة، وهذا طبقا لنص المادة (21/1،2،3) من قانون البلدية (11/10).

ومن إستقراءنا لنص المادة نجد أن المشرّع جعل وسيلة التبليغ هي البريد، على الرغم من وجود أكثر من وسيلة تكون أسرع من البريد كالبريد الالكتروني مثلاً.

أمّا عن تحضير جدول أعمال الدورة الذي يتم بالتشاور مع الهيئة التنفيذية من خلال تحديد مجموعة النقاط التي سوف يتداول بشأنها المجلس فيعقّب عليها الدكتور/"عمار بوضياف": «ومن باب تفعيل مبدأ المشاركة وهو من مؤشرات الحكم الراشد كما رأينا، كان حليا بالمشرّع أن يُلزم رئيس المجلس الشعبي البلدي بأن ينشر مشروع جدول أعمال المجلس المعدّ تشاركيا مع الهيئة التنفيذية ويطلع سكان البلدية عليه بغرض تمكين خاصة المجتمع المدني بإضافة نقطة معينة في جدول أعمال المجلس.

حيث إن الجمعيات المحلية كثيرا ما وُجّهت لها أصابع الاتهام على أن نشاطاتها موسمية ولا تظهر إلا نادرا، فحتى نحفزها أكثر على النشاط والعمل وحتى نفتح لها سبل المشاركة في تسيير الشأن المحلي كان من المفروض أن لا يتمّ وضع جدول الأعمال ضمن دائرة المجلس المغلقة، وإنما يتم وضعها بمساهمة المجتمع المدني».

كما يجوز تخفيض آجال تبليغ الأعضاء لحضور الدورة وذلك في حالة الإستعجال على أن لا يقل عن (01) يوم واحد ، وفي هذه الحالة يتّخذ رئيس المجلس الشعبي البلدي كافة التدابير لتسليم الإستدعاءات.

كما يتمّ إلصاق جدول الأعمال بمدخل قاعة الإجتماعات، وبالأماكن المخصصة لإعلام الجمهور بمجرد إستدعاء أعضاء المجلس الشعبي البلدي.

ويُشترط لإنعقاد دورة المجلس الشعبي البلدي، حضور الأغلبية المطلقة للأعضاء الممارسين للدورة، وفي حالة عدم حضور الأغلبية المطلقة، يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعادة إستدعاء الأعضاء في أجل (05) أيام، وتكون مداولات المجلس الشعبي البلدي صحيحة في هذه الحالة، مهما كان عدد الأعضاء.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) نجد أن المشرّع الجزائري في قانون (11/10) قد جعل من إجتماعات المجلس صحيحة بعد الإستدعاء الثاني، في حين كان في قانون البلدية (90/08) ثلاثة إستدعاءات، ولعل العبرة في ذلك هو عدم التماطل في عقد الدورة وعدم تعطيل المصالح المحلية.

وتكون جلسات المجلس الشعبي البلدي علنية ومفتوحة للجميع، ولا تكون مغلقة إلا في الحالة التي يتداول فيها المجلس في:

-       دراسة الحالة التأديبية لأحد المنتخبين.

-       التداول في مسائل المحافظة على النظام العام.

كما يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بترأس الجلسة وحفظ نظامها، كما له صلاحية طرد أي شخص غير منتخب يُخل بنظام سير الجلسة وذلك بعد إنذاره.

كما اشترط القانون لصحة المداولات أن تُجرى وتُحرر باللغة العربية، وهذا ما نصّت عليه المادة (53) من قانون البلدية (11/10)، كذلك حظر المشرّع منع كل عضو أن يحضر الجلسة التي يتداول فيها حول موضوع يخصّه أو له فيه مصلحة، وهذا بموجب أحكام المادة (60) من قانون البلدية (11/10)، وعلى رئيس الجلسة أن يتأكّد من ذلك.

أما فيما يخص نظام التصويت فقد إشترط المشرّع نِصابًا قانونيا معينا، وهذا حتى تكون مداولات المجلس صحيحة من الناحية الشكلية، ويتمثل في توافر نصاب الأغلبية البسيطة لأعضاء المجلس الحاضرين، غير أنه وفي حالة التعادل في الأصوات يكون صوت الرئيس مرجّحا.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) نجد أن المشرّع الجزائري قد إشترط لصحة المداولات أن يتمّ التصويت عليها بالأغلبية المطلقة، في حين أن قانون (11/10) قد إشترط فيها الأغلبية النسبية وذلك حتى يتسنّى للمجلس القيام بالشؤون المحلية في أسرع وقت وحتى لا تتعطّل الأعمال، لأنه في المجلس كثيرا ما تتكرّر الغيابات، ممّا يؤدّي إلى عدم توافر الأغلبية المطلقة.

وبعد الإنتهاء من إجراء المداولات تُنشر هذه المداولات في جميع الأماكن المخصّصة لإعلام الجمهور، ويكون ذلك تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي، وذلك في غضون (08) الثمانية أيام الموالية لدخول المداولات حيّز التنفيذ، وهذا حتى يكون هذا الإجراء أكثر ديمقراطية ويعكس شفافية سير أعمال المجلس من خلال إعلام الجمهور بكل القرارات التي يتّخذها المجلس هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى يمكّن المشرّع المواطنين من ممارسة الرقابة الشعبية.

ولأجل السير الحسن للمجلس الشعبي البلدي، فقد خوّل له القانون تشكيل لجان دائمة للمسائل التابعة لمجال إختصاصه، وتتشكّل هذه اللجان من الأشخاص المنتخبين تُسند إليهم مهمة دراسة مواضيع معينة، ويترأس كل لجنة رئيس يُنتخب من بين أعضائها ومن ثم إبداء الرأي فيها ومساعدة المجلس البلدي في الإدارة والتحضير والترتيب، ويتم تنصيب هذه اللجان بموجب مداولة من طرف المجلس الشعبي البلدي، ويُراعى في تشكيلها توافر أكبر عدد ممكن من التوازن السياسي داخل المجلس، وعند تنصيب هذه اللجان يتم اختيار رئيسها من طرف المجلس.

 تقوم اللجان بعد ذلك بإعداد نظامها الداخلي والمصادقة عليه، أما عن إختصاصات اللجان الدائمة فتشمل المجالات التالية:

-       الإقتصاد والمالية والإستثمار

-       الصحة والنظافة وحماية البيئة.

-       تهيئة الإقليم والسياحة والصناعات التقليدية.

-       الرّي والفلاحة والصيد البحري.

-       الشؤون الاجتماعية والصناعية والثقافية والشباب.

أما بالنسبة لعدد اللجان فقد ضبطه المشرّع في قانون البلدية (11/10) بحسب الكثافة السكانية لكل بلدية، وقد إستند المشرّع في ذلك إلى معيار موضوعي، أي بمعنى كلما كان عدد السكان أكثر كان عدد اللجان أكبر، حيث وبالرجوع إلى القانون العضوي للإنتخابات (12/01) نجده قد حدّد عدد اللجان بحسب عدد السكان، حيث جاء في نص المادة (31) من القانون البلدي (11/10)

-       ثلاث لجان في البلديات التي يبلغ عدد سكانها 20.000 نسمة أو أقل.

-       أربعة لجان في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 20.000 و 50.000 نسمة.

-       خمسة لجان بالنسبة للبلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 50.000 و 100.000 نسمة.

-       ستة لجان بالنسبة للبلديات التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة.

والأصل في هذه اللجان أنه يمكن أن يشارك فيها الأحزاب غير الأعضاء بالمجلس بالأصوات الإستشارية، وقد يكون هؤلاء الأشخاص الذين تستعين بهم اللجان في أداء أعمالها أو في الإستنارة برأيهم أو إستشارتهم من الموظفين، أو أعوان الدولة والمؤسسات العمومية، الذين يمارسون نشاطهم في مجال تخصصهم، كما يمكن لسكان البلدية أن يساهموا بما لديهم من معلومات نظرا لمهامهم ونشاطهم، حيث يمكن لأي شخص أن يقدّم أي استشارة قد تطلبها منهم اللجان ويكون ذلك في مجال إختصاصه.

وإلى جانب اللجان الدائمة للمجلس الشعبي البلدي، فقد أجازت المادة (63) من قانون البلدية للمجلس من إنشاء أو تشكيل لجان خاصة من بين أعضائه، وذلك لدراسة موضوع محدّد أو معيّن يدخل في مجال إختصاصه، وتتشكل هذه اللجان الخاصة بناء على إقتراح من رئيس المجلس الشعبي البلدي، ويتمّ ذلك بموجب مداولة ويصادق عليها بأغلبية الأصوات وبعد أن تقوم هذه اللجنة الخاصة بأداء وظيفتها أو عملها تُقدّم نتائج هذه الأعمال إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي.

 ويرى الدكتور/ "عمار بوضياف" أنه كان من الأفضل أن تقدّم اللجنة تقرير نهاية عملها إلى المجلس الشعبي البلدي وليس إلى رئيسها طالما أنه تمّ تشكيل هذه اللجنة بموجب مداولة، كما أنه ما الفائدة من أن يُصادق المجلس الشعبي البلدي بموجب مداولة على هذه اللجنة الخاصة وتكون المهمّة واضحة ومحدّدة من دون عرض هذا التقرير على المجلس، وعليه فإنه لاشك من أن هذه المادة لا تعكس الطابع التشاوري لتسيير شؤون المجلس، كما يبرز تناقض المشرّع إذ من جهة  منح المجلس سلطة المصادقة على تشكيل اللجنة الخاصة وتحديد مهامها، إلا أنه ومن ناحية أخرى جعل اللجنة لا تتعامل في تقريرها إلا مع رئيس المجلس، وهذا ما يُقلل من شأن المجلس مما يُضعف الرقابة.

وعلى الرغم من أن اللجان تُعتبر أدوات مساعدة تُساهم في تجسيد قاعدة توزيع العمل وتساعد على توفير الجهد والوقت، إلا أنّ جُلّ أعمال هذه اللجان إستشارية وغير ملزمة للمجلس، حيث بإمكان المجلس الأخذ بما توصلت إليه اللجان، كما له أن لا يأخذ به، إذ هي لا تعدو إلا أن تكون جهات إستشارية.

2- الوضعية القانونية للمنتخب

بالرجوع إلى نص المادة (37) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد جعل من عضوية المجالس الشعبية البلدية مجانية، أي أن المترشّح لعضوية المجلس الشعبي البلدي سيمارس مهامه مجانا بدون مقابل، إلا أن مسألة مجانية العضوية للمجالس المحلية قد أثارت جدلا بين الفقهاء.

 حيث يرى جانب من الفقه أن عدم دفع مستحقات أعضاء المجالس المحلية لقاء ما يقومون به من أعمال يؤدي بطبيعة الحال إلى إحجام الكثير عن المشاركة في الإنتخابات المحلية خاصة أصحاب الكفاءات، كما يؤدي إلى عدم الجدية في ممارسة العضوية، مما يؤدي إلى عدم وجود كفاءات بالمجلس و ينعكس سلبا على أعماله.

 كما يذهب اتجاه آخر من الفقهاء إلى القول بأن أداء العضو المنتخب للمجلس الشعبي المحلي لعهدته الإنتخابية مجانا، إنما هو شكل من أشكال التمثيل الشعبي من دون مقابل منفعة مادية وإلا فقد التمثيل جوهره، كما قيل بأن منح مقابل مادي للأعضاء المنتخبين قد يؤدي إلى تكليف خزينة الدولة نفقات ترهقها خاصة في الدول التي تفتقد للموارد المالية، كما أن ممارسة العضو للعهدة الانتخابية في المجالس المحلية بصفة مجانية يبدو هذا الأمر في غاية طبيعته طالما أنه يدخل في النشاط السياسي للفرد أو الشخص، فلا يُتصور أن يستفيد من تعويض أو تبعة مالية على نشاط يقوم به يتمثّل في ممارسة سياسية.

 كما ذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن عضوية المنتخب بصفة مجانية يؤدي إلى عزوف فئة كبيرة من المجتمع ذات كفاءة ومؤهلات عالية كالأطباء والمحامين إلى عدم الترشح، وفتح المجال أمام فئات أخرى أقلّ كفاءة لعضوية المجلس ممّا ينعكس فيما بعد على أعماله سلبا.

ويتبيّن ممّا سبق أن المشرّع الجزائري قد أخذ بما ذهبت إليه أغلب التشريعات، حيث جعل عضوية المجالس المحلية مجانية، باستثناء من يتفرّغ لممارسة العهدة الإنتخابية بصفة كلية، أمّا بقية الأعضاء فإنهم يتلقّون علاوات ومنح بمناسبة انعقاد الدورات، حيث يتقاضى رئيس المجلس الشعبي البلدي ونوّابه والمندوبين، وعند الإقتضاء المتصرف منحة تحدّد عن طريق التنظيم، أمّا الأعضاء فلا يتقاضون إلا حقوق التنقل والسفر حتى يتمكّن العضو من حضور جلسات المجلس الشعبي البلدي وٍإجتماعاته، وقد منحه المشرّع رخصة حيث اعتبر الغياب مبررًا قانونا، وألزم الجهة المستخدمة السماح للأعضاء المنتخبين بحضور دورات المجلس وجلساته وممارسة مهامه الانتخابية، واعتبر استدعاءه لحضور الجلسات مبررًا للغياب.

ومن أجل تحسين مدارك الأعضاء المنتخبين والزيادة من فعّاليتهم والرفع من مستواهم، فقد ألزمهم المشرّع بمتابعة دورات تكوينية وتحسين المستوى المرتبط بالتسيير البلدي والمنظم لصالحهم.

 وقد أحسن المشرّع حين ألزم المنتخبين بمتابعة هذه الدورات التكوينية لأجل تحسين مستواهم وخاصة في مجال التسيير البلدي، لأنه قد يصل إلى المجلس الشعبي البلدي أشخاص لم يمارسوا العمل الإداري ممّا ينعكس ذلك على تسيير المجلس فيما بعد.

وتزول صفة العضوية للمنتخب في المجلس الشعبي البلدي وفقا لما حدّده القانون، وذلك إما بالوفاة أو الإستقالة أو الإقصاء أو حدوث مانع قانوني، ويقرّر المجلس الشعبي البلدي ذلك بموجب مداولة يخطر بها الوالي وجوبا.

 وفي هذه الحالات التي تتم فيها زوال صفة العضوية عن المنتخب البلدي يتم استخلافه بالمرشح الذي يليه في أجل (01) شهر واحد بموجب قرار من الوالي.

 والملاحظ في المواد (40) و(41) من قانون البلدية (11/10) والتي تُوجب إخطار الوالي بزوال صفة العضوية عن المنتخب البلدي، ويكون ذلك لأجل إعلامه وحتى يقرّر من سيخلف من زالت عضويته.

 إلا أننا نرى أن العضو الذي زالت عضويته بموجب مداولة لا يتمّ إستخلافه إلا بموجب مداولة وليس بقرار من الوالي كون أن إزالة العضوية تمّ بمداولة.

ثانيا/ إختصاصات المجلس الشعبي البلدي

إن المجلس الشعبي البلدي هو محور البلدية وقطب الرّحى التي تدور حوله الحياة العامة للبلدية، ويمثّل أبناء المنطقة، ويسهر على حسن سير الشؤون المحلية، لذلك نجد أن المشرّع في قانون البلدية قد وسّع من إختصاصات وصلاحيات المجلس الشعبي البلدي، خاصة أن إختصاصاته جاءت مطلقة وعلى نحو خطوط عريضة وعامّة، كما وردت متناثرة على أطراف المنظومة التشريعية والتنظيمية المختلفة، لتمس بذلك عدّة جوانب، وإن اتساع مجال اختصاصات المجلس الشعبي البلدي يعود إلى معطيات سياسية وإقتصادية تعود للدولة.

ولقد حدّد قانون البلدية (11/10) في الباب الثاني من الفصل الأول، صلاحيات المجلس الشعبي البلدي وتشمل العديد من المجالات، والتي تخص الشؤون المحلية أو حتى الشؤون الوطنية والتي تتمثّل في:

1- التهيئة والتنمية

 حيث تعدّ البلدية مخططها التنموي وتبادر وتشجع على الأنشطة الاقتصادية، كما تعمل البلدية على تطوير التنمية المستدامة للإقليم ويشارك المجلس الشعبي البلدي على تهيئة الإقليم وتطوير التنمية المستدامة وتنفيذها طبقا للتشريع، وذلك عن طريق حماية الأراضي الفلاحية والمساحات الخضراء وتهيئة النشاطات الاقتصادية التي تتلائم مع نشاطات البلدية ومخططها التنموي، ويتّخذ المجلس الشعبي البلدي كافة الإجراءات التي من شأنها جذب الإستثمار وترقيته، وكذلك تعمل البلدية على حماية التربة والموارد المائية وتسعى للإستغلال الأفضل لهما.

2- التعمير والهياكل القاعدية والتجهيز

وتعمل البلدية كذلك على رسم النسيج العمراني الخاص بها كما تقوم بمراقبة مطابقة عمليات البناء للتشريعات العقارية وخضوع هذه العمليات لترخيص مسبق من المصلحة التقنية بالبلدية مع تسديد الرسوم التي حددها القانون.

وتعمل البلدية على المحافظة على التراث العمراني، وتبادر بالعمليات المرتبطة بتهيئة الهياكل والتجهيزات الخاصة بالشبكات التابعة لإختصاصها.

وتسهر البلدية كذلك على المحافظة على وعائها العقاري ومنح الأولوية في تخصيص برامج التجهيزات والهياكل القاعدية.     

         

3- نشاطات البلدية في مجال التربية والحماية الاجتماعية والرياضة والشباب والثقافة والتسلية والسياحة

 تعمل البلدية على إنجاز مؤسسات التعليم الإبتدائي طبقا للخريطة المدرسية وضمان صيانتها وإنجاز المطاعم المدرسية.

ومن خلال استقرائنا للمواد بدءً من نص المادة (107) إلى غاية نص المادة (124) والتي تحدّد صلاحيات وإختصاصات البلدية يتبيّن أن المشرّع وإن كان حدّد الإطار العام لصلاحيات البلدية إلا أنه ترك لها حرّية المبادرة، وعليه يتبيّن أن المشرّع في تحديد صلاحيات البلدية قد وضع الإطار العام على غرار القانون الفرنسي، مع ترك التحديد الدقيق لتلك الإختصاصات للقوانين الخاصة أو إلى التنظيم سواء بموجب التنظيم  أو القرارات التنظيمية خاصة و أن قانون البلدية يحيل في مواطن عديدة إلى التنظيم.

 

المبحث الثاني رئيس المجلس الشعبي البلدي كهيئة تنفيذية للمجلس

بالإضافة إلى تمتع البلدية بجهاز تداولي يتمثل في المجلس الشعبي البلدي، والذي يتداول حول الشؤون المحلية التي تخص المواطنين، ويسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، فإنها تتمتّع كذلك بجهاز تنفيذي، يعمل على تنفيذ مداولات المجلس الشعبي البلدي ويرأس هذا الجهاز التنفيذي رئيس المجلس الشعبي البلدي، والذي يختار لهذه المهمّة عن طريق الإنتخاب وقد وضع المشرّع الإطار القانوني لرئيس المجلس الشعبي البلدي، سواء من حيث اختياره، أو من حيث تحديد صلاحياته، و إختصاصاته إلى غاية نهاية مهامه، وسيتم توضيح ذلك من خلال:

المطلب الأول/ كيفية إختياره

 خلافا للوضع الذي كان سائدا في نظام الأحادية السابق، وتماشيا مع النظام التأسيسي التعدّدي ينتخب المجلس الشعبي البلدي من بين أعضائه رئيسا ونائبين أو أكثر من نوابه.

وطبقا لنص المادة (65) من قانون البلدية (11/10) «يُعلن رئيس المجلس الشعبي البلدي متصدّر القائمة التي تحصّلت على أغلبية أصوات الناخبين، وفي حالة تساوي الأصوات، يعلن رئيسا المرشحة أو المرشح الأصغر سنّا».

وبالمقارنة مع قانون البلدية (90/08) نجد أن قانون البلدية (11/10) قد جاء أكثر دقة وذلك بذكر عبارة متصدر القائمة، وبالرجوع إلى نص المادة (80) من القانون العضوي (12/01) نجدها تحدّد كيفية إختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي وذلك خلال 15 يوما الموالية لإعلان النتائج تُجرى عملية إنتخابية وذلك لإنتخاب رئيس المجلس الشعبي البلدي من بين أعضائه، وذلك بتقديم مرشح من القائمة الفائزة بالأغلبية المطلقة للمقاعد، وفي حالة عدم حصول أي قائمة من القوائم على الأغلبية المطلقة من المقاعد، فإن المشرّع ومن خلال نص المادة (80) من القانون العضوي (12/01) أجاز للقوائم التي تحصّلت على (35)% على الأقل من المقاعد من أن تقدّم مرشحا لرئاسة المجلس الشعبي البلدي.

 إلا أنه عند تطبيق هذه المادة، وفي حالة عدم حصول أي قائمة على نسبة (35)%، ففي هذه الحالة أتاح المشرّع لجميع القوائم الإنتخابية الفائزة بمقاعد بالمجلس الشعبي البلدي، من أن تقدّم مرشحا لرئاسة المجلس، وتكون طريقة الإنتخاب هنا سرية، ويُعلن رئيسا للمجلس الشعبي البلدي المترشح  المتحصّل على الأغلبية المطلقة للأصوات، وفي حالة ما إذا لم يتحصّل أي مرشح على الأغلبية المطلقة فإنه يُعاد إجراء انتخابات أخرى خلال (48) ساعة بين المرشحين الأول والثاني، أي بين المترشح المتحصل على المرتبة الأولى والثانية، ويُعلن رئيسا للمجلس الشعبي البلدي في هذه الحالة المترشح المتحصل على أغلبية الأصوات وفي حالة تساوي هذه الأصوات بين المترشحين، فإنه يُعلن رئيسا للمجلس الشعبي البلدي المترشح الأصغر سنًّا.

 ونلاحظ أن المشرّع الجزائري، من خلال قانون البلدية (11/10) أنه في حالة تساوي الأصوات يُعلن المترشح الأصغر سنا رئيسا للمجلس الشعبي البلدي أي بمعنى أن المشرّع الجزائري أخذ بقاعدة الأصغر سنا خلافا لما كان عليه في قانون البلدية (90/08) الذي كان يأخذ بقاعدة الأكبر سنا، ولعلّ العبرة في ذلك هو أن يمنح الفرصة للشباب، وبذلك يسعى المشرّع إلى تشبيب المجلس الشعبي البلدي.

 وبالرجوع إلى قانون البلدية (11/10) مقارنة بالقانون العضوي للإنتخابات (12/01)، نجد أن القانون العضوي للإنتخابات جاء أكثر تفصيلا وتحديدا لكيفية انتخاب رئيس المجلس الشعبي البلدي، وإن كان هناك إختلاف بين أحكام القانون العضوي وقانون البلدية من حيث تحديد طريقة إنتخاب رئيس المجلس الشعبي البلدي، خاصة لما جاء في نص المادة (65) من قانون البلدية، والملاحظ من خلال نص المادة أنها لم تحسم بدقة مجال الصدارة، هل العبرة تكون بمتصدر القائمة والقائمة الأخرى المتساوية في حصصها مع القائمة الأولى أم أن مجال المنافسة يمتد إلى كل الفائزين بمقاعد في القائمتين حيث أن هذه الفقرة من المادة جاءت مطلقة ولم تحسم الأمر، بالإضافة إلى أن نص المادة (80) من القانون العضوي للإنتخابات (12/01)، والتي فتحت المجال لجميع المرشحين في القوائم لتقديم مرشح لرئاسة المجلس وذلك في حالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة، والتي تحصّلت على (35)% من المقاعد على أن تقدّم مرشح، وبذلك تكون قد فتحت الباب أمام جميع القوائم ونظرا لهذا الاختلاف بين أحكام القانون العضوي (12/01) من خلال نص مادته (80) وقانون البلدية (11/10) من خلال نص المادة (65)، ومن هنا يُطرح السؤال: أيُّ النصين واجب التطبيق؟

إلا أننا نرى أن النص الواجب التطبيق هو نص القانون العضوي وذلك يعود إلى:

- إن القانون العضوي أعلى درجة من قانون البلدية أي أن المادة (80) تحجب وتنسخ المادة (65) المذكورة.

- إن قانون البلدية صدر في شهر جوان 2011 بينما صدر القانون العضوي للانتخابات (12/01) في شهر جانفي 2012 وجاء بذلك تاليا للأول ناسخا له وبالتالي فهو الأولى بالتطبيق.

- إن القانون العضوي هو القانون الخاص وبذلك تُطبق القاعدة المعروفة الخاص يقيّد العام، ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه الدكتور/ "عمار بوضياف" في هذا المنحى من خلال الإعتبارات المذكورة آنفا.

ويُنصّب رئيس المجلس الشعبي البلدي خلال 15 يوما الموالية لإعلان النتائج بمقرّ البلدية، وبحضور أعضاء المجلس الشعبي البلدي، في جلسة علنية يترأسها الوالي.

 إلا أنّه وفي حالة الظروف الإستثنائية، أو ظهور مانع يجعل من تنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي غير ممكن فإنه يُنصب خارج مقر البلدية في مكان يحدّده الوالي، وبعد تنصيبه يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بتشكيل هيئة تنفيذية، وذلك بتعيينه لعدد من النواب وذلك حسب عدد أعضاء المجلس الشعبي البلدي وتتراوح ما بين (2) و(6) أعضاء، وبعد ذلك يعمل رئيس المجلس الشعبي البلدي المنتهية عهدته على إعداد محضر رسمي بينه وبين الرئيس الجديد، وذلك في غضون 08 أيام التي تلي تنصيبه، وتُرسل نسخة من هذا المحضر إلى الوالي، أما في حالة ما إذا تمّ تجديد العهدة الإنتخابية لرئيس المجلس الشعبي البلدي، فقد ألزمه المشرّع بأن يقدّم عرض حال عن وضعية البلدية أمام أعضاء المجلس الشعبي البلدي من خلال هيئته التداولية أو التقريرية، والهيئة التنفيذية شبيهة إلى حد التطابق بين البرلمان والحكومة، بالرغم ما يوجد بينهما من إختلاف، فالبرلمان هو سلطة تشريعية وظيفته التشريع، والحكومة هي سلطة تنفيذية وظيفتها التنفيذ، والأصل إستقلال كل من السلطتين، وأن تمارس كلا منهما إختصاصاتها بكل إستقلالية في حين أن المجلس الشعبي البلدي والمجلس التنفيذي يمارسان وظيفة واحدة وهي وظيفة إدارية على المستوى المحلّي.  

 

المطلب الثاني/ إختصاصات وصلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعتباره هيئة تنفيذية للمجلس

يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بدور مزدوج بإعتباره ممثلاً للدولة تارة، وبإعتباره ممثلاً للبلدية تارة أخرى، ومن حيث الرقابة يخضع رئيس المجلس الشعبي البلدي إلى رقابة وصائية من طرف الوالي حينما يمثّل البلدية، أمّا حينما يُمارس صلاحياته بإعتباره ممثلا للدولة فإنه يخضع إلى السلطة الرئاسية للوالي بكل ما يترتّب عنها من نتائج للتمييز بين السلطة الرئاسية والوصائية، وهذه الإزدواجية التي يتمتّع بها رئيس المجلس الشعبي البلدي كونه تارة يرتدي قبعة الدولة وتارة أخرى يرتدي قبعة البلدية فهذه الإزدواجية لا تنفي عنه الإستقلالية كونه أولا وأخيرا يُنتخب من طرف الشعب، فمنح المشرّع لرئيس المجلس الشعبي البلدي هذه الصفة كونه يمثّل البلدية في جميع أعمالها وتصرفاتها إنما يعود إلى فكرة الشخصية المعنوية، حيث أن البلدية ولكونها تتمتع بالشخصية المعنوية، فإنها تحتاج إلى من يعبّر عن إرادتها، لذا أسند قانون البلدية مهمّة تمثيل البلدية إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي وذلك حتى يُمارس مجموعة إختصاصات، ونظرا لأنه محور دراستنا لكون مجموع الإختصاصات التي يتمتّع بها رئيس المجلس الشعبي البلدي كونه يمثّل الهيئة التنفيذية للمجلس الشعبي البلدي، ، وبالرغم من أن معظم الإختصاصات التي يمارسها رئيس المجلس الشعبي البلدي سواء بإعتباره ممثّلا للدولة أو ممثلا للبلدية، يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة سواء أكانت محلية أو وطنية، ولعلّ من أهم الإختصاصات التي يمارسها بإعتباره هيئة تنفيذية للمجلس هو:

أنه يرأس هذه الهيئة التنفيذية ويمثّل البلدية في جميع أعمالها، وفق الشروط والأشكال التي ينصّ عليها القانون.

ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي كذلك بترؤس المجلس الشعبي البلدي ويقوم بإستدعائه ويعرض عليه المسائل التي تدخل في إختصاصاته، كما يعمل على إعداد جدول مشروع أعمال المجلس.

كما يسهر رئيس المجلس الشعبي البلدي على تنفيذ مداولات المجلس الشعبي البلدي بالإضافة إلى أنّه يعمل على تنفيذ ميزانية البلدية، ويُعتبر هو الآمر بالصرف، وفي جميع الحالات يتّخذ جميع الإجراءات التي من شأنها أن تسهل عملية تنفيذ مداولات المجلس، ويقدّم تقرير منظم حول الوضعية العامة للبلدية، ومدى تنفيذها للمداولات، كما يعمل رئيس المجلس الشعبي البلدي على تحرير جلسات ودورات المجلس وتنظيمها، بالإضافة إلى أنه يقوم بإستدعاء الأعضاء لحضور دورات وجلسات المجلس، ويترأس الجلسات ويُدير النقاشات، ويعمل كذلك على حفظ النظام العام داخل المجلس، ويقوم بتعيين كاتب الجلسة، كما يعمل على تطبيق محاضر المداولات.

وحتى يقوم رئيس المجلس بما أنيط به من اختصاصات فقد أجاز له القانون، أن يختار نوّابًا يساعدونه في إدارة شؤون المجلس، ومن الناحية النظرية يظهر أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يقوم بأعماله مستعينا بذلك بنواب، إلا أنه من الناحية الواقعية أو العملية فهو صاحب السيطرة الفعلية، ويقوم بالأعمال بصفة انفرادية دون مشاركة النواب.

المطلب الثالث/ إنهاء مهامه

 خلافا للأوضاع العادية التي تنتهي بها مهام رئيس المجلس الشعبي البلدي والتي تتمثّل في حالة الوفاة أو في حالة إنتهاء العهدة الانتخابية (05 سنوات) إلا أنه هناك حالات أخرى تنتهي بها مهام رئيس المجلس الشعبي بصفته رئيسا، والتي تتمثّل في الاستقالة أو التخلي عن المنصب.

أولا/ الإستقالـة

 لرئيس المجلس الشعبي البلدي، الحق في تقديم إستقالته من رئاسة المجلس، وتتمثّل الإستقالة في تعبير رئيس المجلس الشعبي البلدي صراحة وكتابة في التخلّي إراديا عن رئاسة المجلس.

 وجدير بالذكر أن إستقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي في هذه الحالة إنما هي استقالة من رئاسة المجلس أي بمعنى تزول عنه صفة الرئاسة مع بقاء صفة العضوية بالمجلس، وهذا ما نصّت عليه المادة (73) من قانون البلدية (11/10)، وبحسب ما جاء في قانون البلدية (11/10) حيث أوجب المشرّع على رئيس المجلس الشعبي البلدي، الذي يريد أن يستقيل أن يدعو المجلس للإنعقاد من أجل أن يقدّم أمام الأعضاء إستقالته حيث يثبت المجلس هذه الإستقالة بموجب مداولة بإعتباره هيئة تداولية، وتُرسل هذه المداولة إلى الوالي، ولا تُعتبر إستقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي نافذة أو سارية المفعول إلا إبتداء من تاريخ إستلامها من طرف الوالي، حيث يتم إلصاق المداولة التي يتم إثبات إستقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي بلوحة الإعلانات بمقر البلدية، وذلك حتى يتسنّى للجمهور العلم بها، وهذا ما يُجسّد مبدأ الشفافية.

وبالرجوع إلى نص المادة (44) من قانون البلدية (90/08) نجد أنّها قد حدّدت مدّة سريان أو نفاذ إستقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي لمدة (01) شهر واحد، وهي مدّة طويلة إذ يتذرّع رئيس المجلس الشعبي البلدي بتقديم إستقالته ويتنصّل من مهامه ويقلّل من نشاطه مما يعود بالسلب على أعمال المجلس، والتي تؤدي بدورها إلى تعطيل مصالح المواطنين، لذلك جاء قانون البلدية (11/10) ليُعالج مثل هذه الوضعية، حيث إعتبر إستقالة رئيس المجلس الشعبي البلدي نافذة منذ تاريخ إستلامها من طرف الوالي وهذا تفاديا لأي إشكال قد يُطرح في هذا الشأن، إلا أنه ما يُلاحظ من نص المادة (73) من قانون البلدية (11/10) أن المشرّع لم يُلزم رئيس المجلس الشعبي البلدي عند تقديم استقالته من ذكر الأسباب التي دفعته لذلك.

ثانيا/ التخلي عن المنصب بسبب الإستقالة

جاء في نص المادة (74) من قانون البلدية (11/10):«يُعدُّ متخليًا عن منصب رئيس المجلس الشعبي البلدي المستقيل الذي لم يُجمع المجلس طبقا لنص المادة (76) أعلاه بتقديم إستقالته أمامه كما هو محدّد في نص القانون».

ومن خلال نص المادة يتبيّن أن المشرّع الجزائري قد جاء بحالة جديدة لم تكن موجودة ولم يكن منصوص عليها في قانون البلدية (90/08)، وهي أن يتخلّى رئيس المجلس الشعبي عن المنصب بسبب الإستقالة، حيث إذ لم يجمع رئيس المجلس الشعبي البلدي أعضاء المجلس من أجل تقديم استقالته يعد ذلك تخليا عن المنصب، ويُثبت المجلس ذلك في أجل 10 أيام بعد (01) شهر من غيابه خلال دورة غير عادية للمجلس وبحضور الوالي وممثليه، إذ بذلك يكون المشرّع قد ألزم المجلس الشعبي البلدي بالإنعقاد في دورة غير عادية لإثبات تخلي رئيس المجلس الشعبي البلدي عن منصبه وذلك خلال 10 أيام بعد (01) شهر من غياب الرئيس، حيث يتم إستخلاف رئيس المجلس الشعبي البلدي المتخلي عن منصبه وذلك عملا بنص المادة (65) من قانون البلدية (11/10)، كما يتم إلصاق المداولة بمقر البلدية، حتى يتمّ إعلام الجمهور بذلك.

ثالثا/ التخلي عن المنصب بسبب الغياب غير المبرّر

طبقا لنص المادة (75) من قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها: «يُعتبر في حالة تخلّي عن المنصب الغياب غير المبرر لرئيس المجلس الشعبي لأكثر من (01) شهر، ويُعلن ذلك من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي...» من خلال نص المادة فإن رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي يتغيّب عن المجلس لمدة أكثر من (01) شهر من دون أن يقدم مبررًا لغيابه، يعتبر في حالة تخلي عن المنصب، وفي حالة ما إذا مرّت أكثر من 40 يومًا عن غياب رئيس المجلس الشعبي البلدي من دون أن يبادر المجلس من خلال أعضائه إلى الإنعقاد في جلسة إستثنائية، فيقوم الوالي بإستدعاء المجلس للإنعقاد وهذا لأجل إثبات غياب رئيس المجلس الشعبي البلدي، ومن ثمة إعتباره متخلٍ عن منصبه، ويتم بعد ذلك إستخلافه طبقا لأحكام المادة (72)، ويُعوّض رئيس المجلس المتخلي عن منصبه برئيس آخر وفقا للشروط والأشكال المنصوص عليها في المادة (65) من قانون البلدية (11/10).