1. مصادر الحق

1.2. التصرف القانوني

التصرف القانوني هو العمل الإرادي المحض الذي يتوجه إلى إحداث أثر قانوني ما. أي اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين قد يكون إنشاء حق أو نقل أو تعديله أو إزالته. فالأثر القانوني يترتب في هذه الحالة بمقتضى إرادة الشخص و تسليم القانون بذلك في حدود احترام الناظم العام و الآداب العامة.  فالتصرف القانوني يختلف عن العمل المادي على أساس أن الأثر القانوني يترتب على التصرف القانوني، لأن الإرادة قد اتجهت غليه فينشأ الحق مستنداً إلى هذه الإرادة بحيث يكون المرجع إلى هذه الأخيرة وحدها في تحديد مضمون هذا الحق و مداه، في حين أن الأثر القانوني يترتب على العمل المادي بمجرد وقوع الفعل، سواء اتجهت الإرادة إلى إحداثه أم لا.

و التصرف القانوني قد يتم بإرادة منفردة. أي بتصرف صادر من جانب واحد و إرادة واحدة، كما في الإقرار، و الوصية التي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت من الموصي بدون عوض، أو كالوعد بالجائزة[1]، و قد لا يتم إلا بالتقاء و توافق إرادتين حريتين ببعضهما لإحداث الأثر القانوني. أي بتصرف من جانبين كما هو الحال في العقود، كعقد البيع و الإيجار و الرهن و القرض و جميع الالتزامات التعاقدية الأخرى الملزمة للجانبين. فآثار التصرف القانوني تحصل بإرادة الشخص لا بقوة القانون.  

1 التصرف القانوني الصادر من جانب واحد (الإرادة المنفردة).

وكما سبق ذكره هو عمل قانوني من جانب واحد، حيث يلزم الشخص نفسه بإرادته المنفردة دون أن تقترن هذه الإرادة بإرادة شخص آخر، كما في الوصية. و لا تحتاج في قيامها لقبول الجانب الأخر[2]. فمن المتصور أن تنتج الإرادة المنفردة بعض الآثار القانونية بالعمل القانوني الصادر من جانب واحد و تكون سبباً لإنشاء حق عيني مثلا الوصية بعقار أو انقضائه كالتنازل عن الرهن الرسمي. أو في إنهاء رابطة تعاقدية كما في الوديعة. فالتشريعات الحديثة تعترف بدور الإرادة المنفردة في إحداث آثار قانونية و إنشاء الحقوق كما هو الحال في القانون المدني الجزائري في المادة 123 مكرر منه.  

 

2 التصرف القانوني الصادر من جانبين (العقد).

يعتبر العقد الصورة الأكثر وقوعاً في الحياة العملية للتصرف القانوني الصادر من جانبين، و يعرف البعض أن العقد هو توافق إرادتين حريتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، كإنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إزالته. أما المشرع الجزائري عرفه في المادة 54 من القانوني المدني بأنه:"اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما".

فالأصل في العقود مبدأ سلطان الإرادة، لأن "العقد شريعة المتعاقدين"، بحيث يكون بمقدور الأشخاص أن يعقدوا بإرادتهم الحرة كافة التصرفات القانونية ما دامت منسجمة مع الأسس العامة و الضوابط التي يقرها النظام القانوني في المجتمع. كون أن العقد يقوم أساساً على التراضي وتوافق المتعاقدين بحيث يعتبر شريعة المتعاقدين Loi des Partie و لكن نطاق حرية الإرادة مقيدة باحترام النظام العام و الآداب العامة و ذلك لأن القانون يحد من مبدأ سلطان الإرادة بمجموعة من القواعد الآمرة أو الناهية المتعلقة بالنظام العام التي لا يجوز للأشخاص أن يتفقوا على خلافها و استبعاد تطبيقها.

كما أن القانون قد يفرض شكلية معينة يجب مراعاتها لاستعمال الصيغة النهائية لبعض العقود بحيث لا تكفي في تكوينها مجرد توافق الإرادة بل لا بد من صب الإرادة في شكل يتطلبه القانون، كالعقود المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية التي لا تنتج أثرها ما لم يتم توثيقها في قالبها الرسمي و شهرها أمام مصلحة الشهر العقاري (المحافظة العقارية)، و هذه الشكلية جعلها المشرع ركنا من أركان العقد[3] الخاصة بالحقوق العينية الأصلية.

استعمال الحق: و رغم عدم تناول (بالتفصيل) عنصر استعمال الحق و إثباته لا بد لنا من بيان مدى استعماله و إثباته بصفة وجيزة. الأصل هو أن لصاحب الحق أن يستعمل حقه بالطريقة التي يراها ضمن الحدود المقررة في القانون. ولكن أصبح استعمال الحق في الوقت المعاصر مقيداً بضوابط تختلف باختلاف كل نوع من أنواع الحقوق التي تؤكد في مجملها أن الحقوق ليست مطلقة. فصاحب الحق الذي يغالي في استعمال حقه بحيث يتعمد الضرر بغيره دون أن تكون له أدنى مصلحة في هذا الاستعمال أو كانت مصلحته في ذلك قليلة بالقياس إلى مصالح الغير، أو للحصول على فائدة غير مشروعة، فيجب أن يكون معرضاً لوسائل تحد من هذه الاستعمالات التعسفية لتحقيق العدل و التوازن اللازم لإيجاد مجتمع متناسق و لذا وجدت نظرية التعسف في استعمال الحق[4] التي حددت شروط قيام مسؤولية من يتعسف في استعمال حقه، و يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ يرتب المسؤولية اللازمة التعويض في الحالات التي: 1-إذا وقع بقصد الإضرار بالغير، 2-إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة غلى الضرر الناشئ للغير، 3 – إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة[5].



[1]  المادة 123 مكرر 1 من القانون المدني.

[2]  المادة 123 مكرر من القانون المدني.

[3] المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني/ بحيث جعل المشرع الجزائري من عقد بيع الحقوق العينية الأصلية عقدا شكليا ومنه ركنا من أركان العقد وهو ما لا يتوافق مع تطور مبدأ الشكلية إلى الرضائية.

[4]  تقوم نظرية التعسف في استعمال الحق من حيث الأساس على فكرة وسط بين المذهب الفردي المطلق (يجعل تحقيق مصلحة الفرد هو الهدف الأسمى للقانون و أن مصلحة الجماعة لا تتحقق إلا بتحقيق مصالح الأفراد. لأن مصلحة الجماعة ما هي ألا مجموع المصالح الفردية) و المذهب الاجتماعي الذي يلغي الحقوق أساساً و يجعل للملكية وظيفة اجتماعية.

[5]  المادة 124 مكرر من القانون المدني.