مصادر الحق

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظرية الحق
Livre: مصادر الحق
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 09:34

1. مصادر الحق

يقصد بمصادر الحق المنابع التي تنبع منها الحقوق، سواء أكانت هذه الحقوق عامة أو خاصة، و سواء أكانت عينية أم شخصية أم معنوية. و مما لا شك فيه أن المصدر الأساس للحق هو القانون، لأن الحقوق تستند في وجودها إلى القانون. و لكن القانون على هذا النحو يعتبر المصدر البعيد للحق لأنه عندما يقرر حقاً من الحقوق، إنما يقره نتيجة وقائع و أحداث تسمى (الواقعة القانونية). و الواقعة القانونية قد تكون من عمل الطبيعة، فتسمى (وقائع طبيعية) و قد تكون من عمل الإنسان، فتسمى (وقائع اختيارية). فهذه الوقائع هي المصادر المباشرة للحق. أما الأعمال الإرادية أو التصرفات الإرادية التي يقوم بها الإنسان فتسمى بـ (الأعمال أو التصرفات القانونية)، لأنها هي أعمال إرادية بحتة تتجه الإرادة فيها إلى إحداث نتائج قانونية معينة. و لهذا فإن مصادر الحق اثنان هما:1- الواقعة القانونية Fait juridique. 2– التصرف القانوني Acte juridique. 

1.1. الواقعة القانونية

الواقعة القانونية هي كل عمل مادي يقع بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان و يترتب عليه الأثر القانوني، كإنشاء حق أو نقله أو تغييره أو زواله كلياً، فالواقعة التي تقع بفعل الطبيعة تسمى (واقعة طبيعية)، و الواقعة التي تقع بفعل الإنسان (واقعة اختيارية). .   

الفرع الأول: الواقعة الطبيعية

الواقعة القانونية هي التي تقع بفعل الطبيعة مستقلة عن نشاط الشخص و يترتب عليه الأثر القانوني، كإنشاء حق أو نقله أو تغييره أو زواله كليا، فالزلازل واقعة طبيعية قد تؤدي إلى نقل قطعة أرض من مكانها إلى مكان آخر، و قد تتكون الجزر بصورة طبيعية في مجرى الأنهار أو من انحسار ماء البحر مما قد ينجر عنه توسع في رقعة الأرض، فتعتبر جزءاً من أملاك الدولة الخاصة.

الفرع الثاني: الواقعة الاختيارية

هي التي تقع بفعل الإنسان سواء صدرت عنه بإرادته أم بدونها. أي التي تُرد إلى نشاط الشخص، سواء أكان نشاطاً مقصوداً لغرض ترتيب أثر قانوني معين و هذا هو (التصرف القانوني)، أم لم يكن مقصوداً وهو (العمل المادي).

أولا: العمل المادي Acte matériel.

العمل المادي هو الواقعة القانونية التي تقع بفعل الإنسان و يترتب عليها الأثر القانوني دون اعتبار لوجود الإرادة أو عدم وجودها في وقوعها (لأن العمل الإرادي هو أيضا العمل المادي). 

لأن القانون لا يعتد بالإرادة في ترتيب هذا الأثر، و إنما يعتد بالفعل الواقع و يرتب الأثر القانوني عليه بمجرد وقوعه ولو لم تقصد الإرادة هذا الأثر فعلاً. و هي: (الأفعال الضارة) و(الأفعال النافعة) و(الحيازة).

1 – الفعل الضار: و هو كل عمل مادي يقوم به الشخص و يلحق الضرر بشخص آخر، فيحق للمتضرر أن يطالب مرتكب الفعل بالتعويض عن الضرر الذي لحقه، سواء أكان الفعل الضار الذي سبب الضرر قد وقع عمداً أم نتيجة إهمال و تقصير. وتقوم مسؤولية الفعل الضار على ثلاثة أركان هي: الخطأ، الضرر، العلاقة السببية بينهما.

2 – الفعل النافع: و هو كل عمل مادي يترتب عليه إثراء شخص على حساب شخص آخر دون سبب مشروع، فيرتب القانون لمن افتقرت ذمته حقاً في الرجوع على من أثرى على حسابه، و يطبق عليه قواعد الإثراء بلا سبب Enrichissement sans cause و نصت المادة 141 من القانون المدني أنه: "كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو الشيء، و كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده وهو ما يسمى بـ الدفع غير المستحق Le paiement de l’indu، أو أن يتولى شخص عن قصد القيام بالشأن لحساب شخص آخر، دون أن يكون ملزما بذلك وهو ما يسمى بـ الفضالة[1] Gestion d’affaire (و تصنف هذه الأعمال ضمن الفصل الخاص بـ "شبه العقود"). 

3 – الحيازة:  و هي وضع مادي، به يسيطر شخص بنفسه أو بواسطة غيره سيطرة فعلية على شيء أو حق يجوز التعامل فيه مدة مقررة في القانون، سواء أكان هذا الشخص هو صاحب الشيء أم لم يكن صاحبه. فالحيازة واقعة مادية تتكون من عنصرين هما: 1- عنصر مادي وهو وضع اليد على الشيء للمدة المقررة في القانون. 2 – عنصر معنوي وهو نية التملك. أما بالنسبة للمنقول فالقاعدة هي أن الحيازة في المنقول سند الملكية.



[1]المادة 150 من القانون المدني.

1.2. التصرف القانوني

التصرف القانوني هو العمل الإرادي المحض الذي يتوجه إلى إحداث أثر قانوني ما. أي اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين قد يكون إنشاء حق أو نقل أو تعديله أو إزالته. فالأثر القانوني يترتب في هذه الحالة بمقتضى إرادة الشخص و تسليم القانون بذلك في حدود احترام الناظم العام و الآداب العامة.  فالتصرف القانوني يختلف عن العمل المادي على أساس أن الأثر القانوني يترتب على التصرف القانوني، لأن الإرادة قد اتجهت غليه فينشأ الحق مستنداً إلى هذه الإرادة بحيث يكون المرجع إلى هذه الأخيرة وحدها في تحديد مضمون هذا الحق و مداه، في حين أن الأثر القانوني يترتب على العمل المادي بمجرد وقوع الفعل، سواء اتجهت الإرادة إلى إحداثه أم لا.

و التصرف القانوني قد يتم بإرادة منفردة. أي بتصرف صادر من جانب واحد و إرادة واحدة، كما في الإقرار، و الوصية التي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت من الموصي بدون عوض، أو كالوعد بالجائزة[1]، و قد لا يتم إلا بالتقاء و توافق إرادتين حريتين ببعضهما لإحداث الأثر القانوني. أي بتصرف من جانبين كما هو الحال في العقود، كعقد البيع و الإيجار و الرهن و القرض و جميع الالتزامات التعاقدية الأخرى الملزمة للجانبين. فآثار التصرف القانوني تحصل بإرادة الشخص لا بقوة القانون.  

1 التصرف القانوني الصادر من جانب واحد (الإرادة المنفردة).

وكما سبق ذكره هو عمل قانوني من جانب واحد، حيث يلزم الشخص نفسه بإرادته المنفردة دون أن تقترن هذه الإرادة بإرادة شخص آخر، كما في الوصية. و لا تحتاج في قيامها لقبول الجانب الأخر[2]. فمن المتصور أن تنتج الإرادة المنفردة بعض الآثار القانونية بالعمل القانوني الصادر من جانب واحد و تكون سبباً لإنشاء حق عيني مثلا الوصية بعقار أو انقضائه كالتنازل عن الرهن الرسمي. أو في إنهاء رابطة تعاقدية كما في الوديعة. فالتشريعات الحديثة تعترف بدور الإرادة المنفردة في إحداث آثار قانونية و إنشاء الحقوق كما هو الحال في القانون المدني الجزائري في المادة 123 مكرر منه.  

 

2 التصرف القانوني الصادر من جانبين (العقد).

يعتبر العقد الصورة الأكثر وقوعاً في الحياة العملية للتصرف القانوني الصادر من جانبين، و يعرف البعض أن العقد هو توافق إرادتين حريتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، كإنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إزالته. أما المشرع الجزائري عرفه في المادة 54 من القانوني المدني بأنه:"اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما".

فالأصل في العقود مبدأ سلطان الإرادة، لأن "العقد شريعة المتعاقدين"، بحيث يكون بمقدور الأشخاص أن يعقدوا بإرادتهم الحرة كافة التصرفات القانونية ما دامت منسجمة مع الأسس العامة و الضوابط التي يقرها النظام القانوني في المجتمع. كون أن العقد يقوم أساساً على التراضي وتوافق المتعاقدين بحيث يعتبر شريعة المتعاقدين Loi des Partie و لكن نطاق حرية الإرادة مقيدة باحترام النظام العام و الآداب العامة و ذلك لأن القانون يحد من مبدأ سلطان الإرادة بمجموعة من القواعد الآمرة أو الناهية المتعلقة بالنظام العام التي لا يجوز للأشخاص أن يتفقوا على خلافها و استبعاد تطبيقها.

كما أن القانون قد يفرض شكلية معينة يجب مراعاتها لاستعمال الصيغة النهائية لبعض العقود بحيث لا تكفي في تكوينها مجرد توافق الإرادة بل لا بد من صب الإرادة في شكل يتطلبه القانون، كالعقود المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية التي لا تنتج أثرها ما لم يتم توثيقها في قالبها الرسمي و شهرها أمام مصلحة الشهر العقاري (المحافظة العقارية)، و هذه الشكلية جعلها المشرع ركنا من أركان العقد[3] الخاصة بالحقوق العينية الأصلية.

استعمال الحق: و رغم عدم تناول (بالتفصيل) عنصر استعمال الحق و إثباته لا بد لنا من بيان مدى استعماله و إثباته بصفة وجيزة. الأصل هو أن لصاحب الحق أن يستعمل حقه بالطريقة التي يراها ضمن الحدود المقررة في القانون. ولكن أصبح استعمال الحق في الوقت المعاصر مقيداً بضوابط تختلف باختلاف كل نوع من أنواع الحقوق التي تؤكد في مجملها أن الحقوق ليست مطلقة. فصاحب الحق الذي يغالي في استعمال حقه بحيث يتعمد الضرر بغيره دون أن تكون له أدنى مصلحة في هذا الاستعمال أو كانت مصلحته في ذلك قليلة بالقياس إلى مصالح الغير، أو للحصول على فائدة غير مشروعة، فيجب أن يكون معرضاً لوسائل تحد من هذه الاستعمالات التعسفية لتحقيق العدل و التوازن اللازم لإيجاد مجتمع متناسق و لذا وجدت نظرية التعسف في استعمال الحق[4] التي حددت شروط قيام مسؤولية من يتعسف في استعمال حقه، و يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ يرتب المسؤولية اللازمة التعويض في الحالات التي: 1-إذا وقع بقصد الإضرار بالغير، 2-إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة غلى الضرر الناشئ للغير، 3 – إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة[5].



[1]  المادة 123 مكرر 1 من القانون المدني.

[2]  المادة 123 مكرر من القانون المدني.

[3] المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني/ بحيث جعل المشرع الجزائري من عقد بيع الحقوق العينية الأصلية عقدا شكليا ومنه ركنا من أركان العقد وهو ما لا يتوافق مع تطور مبدأ الشكلية إلى الرضائية.

[4]  تقوم نظرية التعسف في استعمال الحق من حيث الأساس على فكرة وسط بين المذهب الفردي المطلق (يجعل تحقيق مصلحة الفرد هو الهدف الأسمى للقانون و أن مصلحة الجماعة لا تتحقق إلا بتحقيق مصالح الأفراد. لأن مصلحة الجماعة ما هي ألا مجموع المصالح الفردية) و المذهب الاجتماعي الذي يلغي الحقوق أساساً و يجعل للملكية وظيفة اجتماعية.

[5]  المادة 124 مكرر من القانون المدني.