1. الرقابة على دستورية القوانين

المحور الثاني: الرقابة السياسية و القضائية على دستورية القوانين

أولا: الرقابة السياسية على دستورية القوانين

تتم الرقابة السياسية على دستورية القوانين بواسطة مجلس دستوري أو عن طريق هيئة نيابية.

أ-الرقابة بواسطة المجلس الدستوري

تطور الفكرة

يعتبر الفقيه الفرنسي سيبز sieyes أول من طالب بإنشاء هيئة سياسية تتولى حماية الدستور من التعدي عليه من طرف الحكام تكون و وظيفتها إلغاء القوانين المخالفة لأحكامه قبل صدورها و بالتالي هي رقابة وقائية. وكان دستور 1799 في فرنسا أول من تبنى هذه الفكرة في عهد نابليون حيث اسند مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور الذي يمكنه إلغاء القوانين المخالفة له قبل صدورها لكن المجلس كان خاضعا لسلطة نابليون كما انه لا يراقب إلا القوانين التي تحيلها إليه الحكومة ثم تطورت الفكرة مع الدستور 1946 تحت اسم اللجنة الدستورية لكن يشرط توجيه طلب من رئيس الجهورية و رئيس مجلس الجمهورية بموافقة أغلبيته المطلقة و يمس فقط الفصول 10 الأولى خاصة بتنظيم السلطات العمومية في الدولة ثم بصدور دستور 1958 اسند مهمة هذه الرقابة  القبلية على دستورية القوانين إلى لمجلس الدستوري الذي يتكون أعضاؤه من رؤساء الجمهورية السابقتين و تسعة 09 أعضاء آخرين يعين كل من رئيس الجمهورية و رئيس الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ 03 أعضاء و تعود لرئيس الجمهورية صلاحية اختيار رئيس المجلس من بين أعضائه و تكون مدة العضوية 09 سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدّد الثلث كل ثلاث سنوات.

الاختصاصات

يختص المجلس الدستوري في التحقق من مدى مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور بناءا على طلب من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائبا من أحد المجلس بعد التعديل 1974 المادة 61 منه فقرة 02 و في حال أعلن المجلس مخالفة قانون ما للدستور لا يتم إصدار هذا القانون لأن قرار المجلس نهائي لا يمكن الطعن فيه و ملزم لكل السلطات .

و قد تضمن التعديل الدستوري لسنة 1974 لعدد معين من نواب المعارضة في البرلمان طرح مسألة دستورية القوانين أمام المجلس ثم بموجب التعديل الدستوري لسنة 2008 تبنى فكرة الرقابة عن طريق الدفع م 16 لنصوص تشريعية بعد صدورها إذا كانت تمس بالحقوق و الحريات لكن بإحالة من مجلس الدولة أو محكمة النقض بموافقة المحكمة المرفوع أمامها النزاع.

أمثلة :

-إصدار المجلس الدستوري لحكم 16 جويلية 1971 يقضي بعدم دستورية قانون لمخالفة ديباجة الدستور التي تحوي أحكام إعلان حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 مما أعطى الديباجة قوة دستورية .

ب-حكم المجلس بتاريخ 06 نوفمبر 1962 الذي يؤكد أن الاستفتاء هو طريقة للتعديل الدستوري لأنه يعبر عن السيادة الوطنية و ما دام الدستور لم يمنع فهذا يعني منحه للشعب  بعد أن تقدم السيد Gaston Monnerville  بطلب إلى المجلس حول اعتماد أسلوب الاستفتاء الشعبي لإقرار التعديل الدستوري يوم 28 اكتوبر 1962 لأن أحكام الدستور المتعلقة بالتعديل الدستوري خاصة المادة 11 منه لا تشير إلى الاستفتاء كطريقة للتعديل الدستوري.

ملاحظة : يعود تفضيل الرقابة السياسية على القضائية حسب الفقيه سيبز لأسباب قانونية تعود لمبد الفصل بين السلطات و اعتبار تكفل القضاء بهذه الرقابة و الغائه لقوانين تعدي على اختصاصات السلطات الأخرى التشريعية و لتنفيذية و لأسباب سياسية حسب هو تعبير عن إرادة الأمة التي هي اسمي من القضاء و لأسباب تاريخية أيضا بعد أعمال العرقلة التي كانت تقوم بها المحاكم و إلغائها لقوانين ما أدى برجال الثورة إلى تقييد سلطاتها و منعها التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية.

ب-الرقابة السياسية على دستورية القوانين بواسطة هيئة نيابية

أخذت به دول ذات النظام الاشتراكي كالاتحاد السوفيتي الذي انشأ هيئة رئاسة السوفيات الأعلى الجهاز الدائم حسب  نص المادة 121 من الدستور 1977 هيئة رئاسة السوفيات الأعلى في الاتحاد السوفيتي تمارس الرقابة  على التقيد بدستور الاتحاد السوفيتي و تؤمن مطابقة الدساتير و قوانين الجمهوريات المتحدة لدستور و قوانين الاتحاد السوفيتي كما تقوم الهيئة بتفسير قوانين الاتحاد و تلغي قرارات و أوامر مجلس وزراء الجمهورية غير المطابقة للدستور كما اسند دستور ألمانيا الشرقية لسنة 1968 مهمة الرقابة إلى مجلس الدولة الذي يدرس مشاريع القوانين و يتأكد من دستوريتها لكن العيب هو أن نفس الهيئة التي تشرع هي من يراقب .

ثانيا : الرقابة القضائية على دستورية القوانين

تتم الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي تتولاها هيئات قضائية عن طريق الدعوى الأصلية أو عن طريق الدفع

أ-الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الأصلية

تقوم بهذا النوع من الرقابة جهة قضائية معينة دستوريا التي تنظر في صحة القوانين المطعون فيها من طرف الإفراد بعدم دستوريتها ثم تحكم بعد دراستها له بتثبيت هذا القانون أو إلغائه إذا رأته مخالفا للدستور و لا تمارس هذه الرقابة أي محكمة بل تختص بها المحاكم قضائية عليا كسويسرا في دستور 1874 أو محكمة دستورية خاصة كايطاليا في دستور 1947 و ألمانيا في دستور 1949 و دستور الكويت 1962.

و تتيح هذه الآلية من الرقابة الأفراد رفع دعوى أمامها لإلغاء القانون قبل تطبيقه عليه إذا كان سيمس بمصلحته أو يحتمل ذلك حيث ينظر القاضي في الأمر و مدى مطابقة أو مخالفة هذا القانون للدستور فإذا تبين له انه مخالف حكم بإلغائه هذه الحكم يعتبر نهائي و لا يمكن الطعن فيه حجية مطلقة مما يسمح بتوحيد الرأي القضائي في مجال دستورية القوانين .

ب- الرقابة القضائية عن طريق الدفع

كانت الو م أ أول دولة ظهرت فيها الرقابة القضائية عن طريق الدفع سنة 1787 بعد رفض محكمة مقاطعة روجا ايزلندا تطبيق قانون صدر عن السلطة التشريعية لهذه المقاطعة بعد أن رأت انه مخالف للدستور ثم أصبحت المحكمة العليا الاتحادية تمارس هي الأخرى هذه الرقابة اثر قضية مار بوري ضد مادسون و دور القاضي مارشال في معالجة المشاكل القانونية التي تضمنتها الدعوى كما أخذت بها الدول كأستراليا و كندا و البرتغال في دستور 1949 .

و تمارس هذه الرقابة عند تطبيق قانون على أحد الأفراد فيمتنع عن الخضوع له فيقدم إلى محكمة بتهمة عدم الخضوع للقانون فيدفع أمام القضاء بعدم دستورية هذا القانون لمخالفته الدستور من حقه عدم الخضوع له و هنا تفحص المحكمة مدى دستورية هذا القانون فإذا تبين للقاضي عدم دستوريته امتنع عن تطبيقه في هذه الدعوى دون الحكم بإلغائه ، غير أن المحاكم الأخرى ليست ملزمة بهذا الحكم إلا إذا كان صادر عن المحكمة الاتحادية العليا و بالتالي تبدو هذه الرقابة أكثر احترام و انسجاما مع مبدأ الفصل بين السلطات مقارنة بسابقتها. و الجدول التالي يبرز أهم الفرو قات بين الدعوتين:

المعيار

الرقابة عن طريق دعوى أصلية

الرقابة عن طريق الدفع

زمن رفع الدعوى

يطالب الفرد القضاء بإلغاء القانون بمجرد صدوره إذا توقع أن يمس بمصلحته

ينتظر إلى أن يراد تطبيق القانون عليه فيدفع بعدم دستوريته

نتيجة رقابة القاضي إذا رأى عدم دستورية هذا القانون

لا يطبق القاضي القانون و يحكم بإلغائه

لا يلغي القاضي القانون لكن لا يطبقه على القضية المعروضة أمامه و يبقى القانون ساريا إلى حين صدور قانون أخر يلغيه

حجية الحكم

الحكم يجوز حجية مطلقة و تتقيد به كل المحاكم

الحكم لا يحوز حجية مطلقة و يجوز تطبيق ذلك القانون مرة أخرى من طرف نفس المحكمة أو محكمة أخرى

مدى التطابق مع مبدأ الفصل بين السلطات

إلغاء القاضي للقانون هو تدخل في اختصاص السلطة التشريعية المختصة بسن و إلغاء القوانين

الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور هو حكم لا يمس باختصاص السلطة التشريعية

 

ج: الرقابة عن طريق الأمر القضائي أوامر المنع :

تختص به  المحكمة العليا و المحاكم  الاتحادية عن طريق إصدار أوامر قضائية بعد طلب احد الأفراد منها وفق تنفيذ قانون قد يمس بمصلحته لمخالفته الدستور و هنا تصدر المحكمة أمر إلى الموظف المختص بعدم تطبيقه لمخالفته الدستور و هو ملزم بعدم التنفيذ.

د- الرقابة عن طريق حكم تقريري: بعد لجوء الفرد إلى المحكمة بطلب إصدار حكم يقرر ما إذا كان القانون المراد تطبيقه عليه دستوري أم لا مع توقف الموظف المختص عن تطبيق القانون إلى أن تصدر المحكمة حكمها فان كان مخالفا للدستور امتنع الموظف عن تنفيذه .

ثالثا: موقف الفقه من فكرة الرقابة على دستورية القوانين

أ-الفقه المؤيد

-       وظيفة القاضي هو تطبيق القانون الذي تختلف قواعده من حيث درجة فعند حدوث تنازع يبعد القانون و يبقى الدستور

-       على السلطة التشريعية التي تسن القوانين احترام الدستور و مخالفته له يعني الامتناع عن تطبيق ما تصدره و بالتالي فقيام القضاء بالرقابة لا يتعارض و مبدأ الفصل بين السلطات لا سيما في الرقابة عن طريق الدفع أين القاضي يمتنع فقط عن تنفيذ القانون دون الحكم بإلغائه و حتى بالنسبة للدعوة الأصلية فان القاضي يحترم التشريعات المطابقة للدستور.

-       كون السلطة التشريعية تعبر عن الإرادة الشعبية بواسطة القانون لا يخولها الحق بالاحتجاج بفكرة السيادة الشعبية عند إصدارها لقانون يخالف أحكام الدستور مما يتطلب إيقافها عند حدود اختصاصاتها المحددة دستوريا .

ب-الفقه المعارض

-       الرقابة على دستورية القوانين من طرف القضاء يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات

-       الاعتراف بالرقابة معناه السماح لقضاة معينين مراقبة نواب منتخبين أي أن سلطة القضاء أسمى من سلطة ممثلي الإرادة الشعبية المنتخبين.

 

 

 

رابعا: الرقابة على الدستورية القوانين في الجزائر

نص دستور 1963 الذي اعتمد مبدأ وحدة السلطة على إنشاء هيئة بمهمة الرقابة على دستورية القوانين لكن دستور 1976 لم ينص صراحة على مبدأ الرقابة و على دستورية القوانين رغم انه اسند للقضاء الحفاظ على حقوق الأفراد و حرياتهم المادة 164 منه  و اعتمد مبدأ أن القاضي لا يخضع إلا لقانون م 172 منه ، إلى أن صدر دستور 1989 الذي نص على هذا المبدأ في المادة 155 منه التي نصت بفضل المجلس الدستوري إضافة إلى اختصاصات التي خولتها إياه الأحكام أخرى في دستورية المعاهدات و القوانين و التنظيمات إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية أي أن المؤسس الدستوري اخذ بفكرة الرقابة السابقة اللاحقة يقوم بها المجلس الدستوري الذي لا يتداخل إلا بإخطار من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني ، و بصدور دستور 1996 أضاف فكرة الرقابة المسبقة على دستورية القوانين العضوية من طرف المجلس الدستوري قبل إصدارها كما وسع مجال الإخطار ليشمل رئيس مجلس الأمة .