1. النظرية العامة للدولة و الدساتير

المحور الأول: مفهوم الدولة و الدستور

المطلب الأول: نظرية الدولة

ظهرت ثلاث نظريات هي: الدينية و القوة و الديمقراطية.

أولا: النظريات الدينية :

يكون أصل الدولة و ظهور السلطة لله الذي يمنحها لمن يشاوره و الحاكم يستمد سلطته من الله و هو بذلك يسهر على المحكومين و قد شاعت هذه النظرية عند المسحيين في القرون الوسطى و قد مرت بثلاثة أطوار

أ‌-     نظرية تأليه الحاكم فالحاكم اله يعبد يتسم بطبيعة الهية كما تشاع في الحضارات القديمة الفرعونية مثلا

ب-نظرية الحق الالهي : بعد دعوة الديانة المسيحية الى تجنب عبادة الملوك و الفصل بين صفة المواطن و صفة الانسان الذي يفكر يجدية و عقيدة له كرامة و بالتالي خلع صفه الاله عن الملك و ان العبادة و الدين لله وحده لكن طاعة الحاكم واجبة و مطلقة لأنه يستمدها من الاله مباشرة

ج-نظرية التفويض الإلهي غير المباشر : حسب هذه النظرية فان الله لا يتدخل مباشرة في اختيار الحاكم و إنما يوجه الأحداث بطريقة غير مباشرة بشكل يساعد الناس على اختيار نظام الحكم الذي يرتضونه و الحاكم الذي يتقبلون الخضوع لسلطانه و قد عززت هذه النظرية من سلطة الكنيسة عموما و البابا في روما خصوصا باعتباره ممثل الشعب المسيحي و هو صاحب السلطة في منح السلطة وسحبها .

ثانيا : نظرية القوة و الغلبة :

يعود أصل نشأة الدولة إلى عامل القوة و السيطرة و التسلط فالدولة هي نظام فرضه المنتصر على المهزوم و القانون هو حكم القوي على الضعيف من أنصارها بلوتارك و ابنها يمر.

أ‌-     نظرية ابن خلدون تعود نشأة الدولة حسبه إلى عامل القوة و سيطرة القوى على الضعيف و الدولة تقوم على أساس الحاجة إلى الاجتماع لسد حاجتي الغذاء و الدفاع و كذا أساس النزاع الناتج عن الطعم و الظلم و العدوان المصاحب للإنسان و عدم تقييد هذا التنازع ينتج عنه الهرج و سفك الدماء و الفوضى فيقضي على البشر إلا إذا وجد نظام يفرض ملكه بالقوة و تتوفر فيه عوامل الزعامة مع وجود فكرة العصبية و عقيدة يكسب الدولة سيادة داخليا و خارجيا.

ب‌-النظرية الماركسية : نشأة الدولة حسبها تعود إلى صراع طبقي بزواله تزول الدولة التي هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية و هي في أساساها حسب هوريو تنظيم للطبقة السياسية الموجودة في الحكم بهدف إخضاع الطبقات الأخرى و فرع سيطرتها الاقتصادية .

ت‌-نظرية التضامن الاجتماعي حسب ليون دوجي فالدولة هي نتاج 4 عوامل أساسية عامل انقسام الجماعة الى أقوياء يفرضون أرادتهم على الضعفاء و بالتالي ظهور طبقتين حكام و محكومين و عامل الانقسام السياسي تستحوذ فيه إحدى الطبقات على السلطة و عامل الإكراه حيث تفرض الدولة سلطتها و إرادتها بالقوة و عامل الرابع هو التضامن الاجتماعي الذي يجمع بين الطبقتين القوية و الضعيفة تحت ظل دولة واحدة.

ثالثا : النظريات الديمقراطية                                                                  

ترجع أصل نشأة الدولة إلى الإرادة الشعبية و أن السلطة مصدرها الشعب و الحاكم لا تكون سلطته مشروعة إلا إذا استندت إلى رضا الشعب.

أ‌-     نظرية العقد الاجتماعي : هو بزولوك و جون جاك روسو فظهور الدولة بمالها من القوة و سيادة يرجع إلى عقد اتفاق بين الأفراد الذين استبدلوا القانون الطبيعي بقانون وضعي ينظم حالتهم و ظهرت فيه حقوق مدنية و سياسية

ب-نظرية العقد لتوماس هوبز : إرادة الأفراد الانتقال من حياة القوة و الغاب إلى حياة يسودها الأمن و السلم و الاستقرار أدى إلى بروز فكرة العقد و تنازلهم عن حقوقهم و حرياتهم لشخص غير طرف في العقد يختارونه دون شرط من بينهم و تمنح له سلطة مطلقة يتمكن من خلالها فرض الأمن و الاستقرار و نتيجة هذا الاتفاق نشأت السلطة السياسية و الدولة.

ج-نظرية العقد السياسي لجون لوك صاحب كتاب الحكومة المدنية رغبة الأفراد في إنشاء مجتمع منظم يحترم حقوق و الحريات و ضرورة إنشاء هيئة تنفذ القانون الطبيعي بإبرام عقد بينهم يبرز سلطة مهمتها تحقيق العدالة و بالتالي أساس قيام الدولة عند لوك هو الرضا فالعقد عند لوك يتم بين الأفراد لا يتنازلون عن جميع حقوقهم و إنما عن جزء فقط ضروري لإقامة السلطة و الدولة و يكفل احترام حقوق الأفراد و عند إخلال الحاكم بالتزاماته يحق للأفراد فسخ العقد و تنحيته أو يثور ضده لعزله لأن إرادة الشعب تمثل السلطة العليا في الدولة.

د-نظرية الوحدة : الفقيه جيلنيك.

العقد هو توافق ارادات تريد كل منها الحصول على مصالح مختلفة في سبيل تحقيق هدف واحد مشترك هو انشاء دولة ذات حالة قانونية موضوعية .

 نظرية النظام القانوني  للفقيه النمساوي هانز كلسن :الدولة هي نظام قانوني تسلسلي للقواعد القانونية تستمد صحتها من قاعدة اساسية مفترضة فهي نظام قانوني مركزي هو من قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاعلى منها درجة الى ان تصل الى الدستور الذي يستمد صحته من دستور سبقه لكن نقدها هو قيامها على اساس قانوني و في شكل و افتراضي لا سند له.

ه-نظرية السلطة المؤسسة للفقيه جورج بيردو : تكون الدولة موجودة حين تنظم قانونا و تنتقل من سلطة سياسية يسيطر عليها شخص الى كيان هو الدولة و يكون ذلك بعمل قانوني هو الدستور .

نظرية المؤسسة للفقيه موريس هوريو: الدولة حسب هوريو هي جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من أفراد مسيرين من قبل حكومة تهدف إلى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي و يمر تشكيلها على مرحلتين:

-مرحلة تقبل الأفراد مشروع إقامة الدولة المعتمدة على فكرة مجموعة مثقفة و مرحلة ثانية دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة في تحقيق مشروع إقامة الدولة بعبارة أخرى مراحل قيام الدولة هي مرحلة الفكرة الموجهة و السلطة المنظمة في انضمام المنخرطين لانجاز المشروع التي تكلل بنشر الدستور الذي يكرس بشكل رسمي ما هو موجود فعلا من شروط سياسية و قانونية للدولة و يدلل الفقيه فكرته بطريقة قيام الدولة الجزائرية.

فالدولة حسب هوريو هي مؤسسة المؤسسات كونها تضم مجموعة من المؤسسات و تعتمد عليها.

 

المطلب الثاني:ماهية الدساتير

تكمن أهمية الدستور في تنظيم التعايش السلمي بين السلطة و الحرية في إطار الدولة بالتوفيق بين فردية الإنسان و حاجاته للجماعة عن طريق نصوص الدستور التي تبين حقوق الفرد و حرياته وواجبات الدولة اتجاه الجماعة ما جعل الأستاذ بريلو يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة و هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية و هو علم القواعد القانونية التي بموجبها تستقر السلطة السياسية و تعمل و تتنقل و لا يهم إذا كان الحكم ديمقراطيا أو غير ذلك يقول الأستاذ موريس ديفرجيه بأن كلمة دستوري تهدف في آن واحد إلى إعطاء المؤسسات السياسية بعض الشكل و بعض المحتويات بحيث يأخذ مفهوم الحرية نصيبا وافرا و يعتبر القانون الدستوري من فروع القانون العام و هو يحدد شكل النظام السياسي للدولة و يجد أهم قواعده في معاني الدستور الذي يحمل معاني مختلفة .

أولا: معاني الدستور

أ‌-     المعنى اللغوي يقابله باللغة الانجليزية constitution  الذي يعني تأسيس أي النظام أو القانون الأساسي و الدستور لغة هو مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين و تنظيم الجماعة و لا يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا كما يعني أيضا الوثيقة المنظمة للدولة و شؤون الحكم.

ب-المعنى السياسي أو المذهب الدستوري : كان المذهب الدستوري يدعو إلى التوفيق بين السلطة و الحرية لذا جاء إعلان حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 يضع شروطا معينة يحب أن تتضمنها الدساتير في جانب حقوق الإنسان و حرياته و ضمانات ممارستها إلى جانب الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل اختصاصاتها و تقضي بذلك على السلطة المطلقة، تنص المادة 16 من هذا الإعلان " كل مجتمع لا تتوافر فيه ضمانات كافية لحماية حقوق و لا وجود لفصل بين السلطات ليس له دستور".و المذهب الدستوري كان يدعو إلى حكم منظم في إطار محدد ضمن قواعد تهدف إلى تقييد حكومة دولة ذات سيادة في حدود قانونية.

أما المعنى السياسي للدستور فهو تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات و تتضمن حقوق و حريات الأفراد و ضمانات ممارستها باعتبارها قيودا على سلطة الحكام يجب عليهم احترامها و عدم الاعتداء عليها.

ج – المعنى القانوني للدستور: له مفهومان شكلي و موضوعي .

أما مفهومه الشكلي : هو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية الموضوعية من طرف جهة مختصة وفق إجراءات خاصة تختلف عن القوانين العادية لكن النقد الموجه هو انه ينكرون وجود دساتير عرفية كدستور بريطاني كما أنه توجد قواعد دستورية بطبيعتها لا تتضمنها الوثيقة الدستورية كقوانين الانتخابات.

المفهوم الموضوعي هو مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة و نظام الحكم و طبيعة العلاقة بين السلطات و اختصاصاتها إلى جانب تلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد و حرياتهم و ضماناتها بغض النظر عما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية او في وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها و تدرجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية.

ثانيا:علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى

يتصل القانون الدستوري بالقانون الإداري رغم سمو القانون الدستوري الذي يتناول النشاط السياسي في الدولة في حين القانون الإداري يتناول التنظيم و النشاط الإداري فيها و الوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية معتمدا على قواعد و مبادئ الدستور.

كما أن للقانون الدستوري علاقة بالمالية العامة الميزانية العامة للدولة قوانين المالية و بالقانون الجنائي تحديد الجرائم و العقوبات و القانون الدولي العام مكانة المعاهدات الدولية.

ثالثا:طبيعة قواعد القانون الدستوري

حول مدى إلزامية القواعد الدستورية ظهرت مدرستان انجليزية و فرنسية.

المدرسة الانجليزية و تعتمد على توفير عنصر الجزاء الذي يظهر في الإكراه المادي الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بمالها من وسائل و يقول استن  زعيم هذه المدرسة أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد و آداب تحميها جزاءات أدبية بحته و الحاكم عند مخالفته للقانون بالمعنى الصحيح مما يعني عدم وصفه بغير القانون لكن هذه النظرية اعتمدت على الحاكم الذي يضفي صفة الإلزامية على القانون العادي بتوقيع الجزاء على مخالفيه و هي منعدمة في القانون الدستوري لكن حتى بعد القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاء ماديا يترتب على عدم احترامها لكونها مفسرة كما أنها لا تعطي أهمية للقواعد الدينية التي هي جزء مهم من القواعد القانونية لبعض الدول الإسلامية.

المدرسة الفرنسية : يرى دوجي بضرورة الأخذ بالجزاء المعنوي لأن كل لها جزاؤها رغم تباينه و تدرجه من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العادية في الدولة لذا يرى أصحاب هذه النظرية بأن القواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بمعنى الصحيح للكلمة يجب أن تحترم من طرف ممارسة السلطة و مؤسسات الدولة التي يحق لها أن توقف غيرها حدود اختصاصاتها عند تجاوز الاختصاص و عدم الاحترام للدستور الذي قد يصل حد تدخل الشعب صاحب السيادة لإجبار مؤسسة ما على احترام أحكام الدستور بالوسائل مختلفة .

رابعا: مصادر القانون الدستوري

يقصد بالمصادر منبع القواعد القانونية و هو إما رسمي يضيف على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية و موضوعي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطاها أو موضوعها مما يعني أن المصدر الرسمي يأتي بعد المصدر الموضوعي. وتتمثل مصادر القانون الدستوري في التشريع و القضاء و العرف و الفقه.

التشريع:législation

و هو مجموعة النصوص القانونية المدونة و الصادرة عن هيئة خاصة وفقا لإجراءات معينة و هذه الهيئة هي السلطة التشريعية و يحتل الدستور المرتبة الأولى ضمن مصادر القانون الدستوري ثم تأتي التشريعات العادية.

القضاء : و هو مجموعة الأحكام التي تصدرها المحاكم عند تطبيق القانون على المنازعات المعروضة أمامها و إن كانت أحكام القضاء لا تعد أن تكون تطبيقا للقانون أحكام العادية فان هناك أحكام أخرى تتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون و تضع حدا للخلاف فيه تسمى أحكام أساسية و يختلف القضاء كمصدر للقانون الدستوري بين الدول ذات الدساتير العرفية كانجلترا أين يعتبر مصدرا رسميا لما يولده من سوابق قضائية عند طرح القضايا أمامية حيث تطبق لاحقا على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات درجة الواحدة أو الأدنى حتى الدول أخرى أخذت بالسوابق القضائية كالولايات المتحدة الأمريكية و استراليا أما الدول ذات الدساتير المكتوبة كفرنسا و الجزائر فيعتبر القضاء مصدرا ضعيف جدا للقانون الدستوري كما أن المحاكم ليست مقيدة بأحكامها السابقة و لا بالتي تصدرها الأعلى منها درجة.

العرف : العرف ركنان مادي بإتباع الأفراد سلوكا معينا في موضوع معين في تصرفاتهم بصفة مطرودة ولمدة طويلة و ركن معنوي و هو استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بإلزاميته. ويشترط في العرف أن يكون عاما و قديما ثابتا و لا يخالف القوانين و الآداب العامة. و قد اختلف الفقه حول الزاميته بين أنصار المذهب الشكلي كاري ديمالبارغ أن العرف لا قيمة له إلا إذا اقره التشريع أو القضاء قبل أن يعترف بالزاميته بعض المعتدلين من هذا المذهب أما أنصار المذهب الموضوعي ديجي فيرون أن القانون هو تعبير عن ضمير الجماعة الذي يمثل العرف و هو مصدر رسمي للقانون. و قد يكون العرف مفسرا أو مكملا أو معدلا.

العرف المفسر: لا ينشئ و لا يعدل قاعدة دستورية و إنما يفسر نصا في الدستور غامضا و يبين كيفية تطبيق قاعدة منه الإلزام و من أمثلة ذلك جريان العرف في فرنسا طبقا للدستور 1875 لرئيس الجمهورية إصدار لوائح استناد إلى المادة 03  منة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين و قد اتفق الفقه على القوة الإلزامية للعرف المفسر كونه جزء من الدستور.

العرف المكمل: يسد الفراغ الدستوري و ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور و لا يستند على نص دستوري في ظهوره مثلا بعد نشوى قاعدة في فرنسا تمنع إبرام عقد قرض عمومي إلا بصدور قانون يأذن بذلك و التي تضمنها دستور 1815 و القانون الصادر في نفس هذه السنة لكن الدساتير اللاحقة لم تنص على هذه القاعدة و مع ذلك استمر تطبيقها عرفيا فاعتبرت عرف دستوريا مكملا .

العرف المعدل: هذه القواعد العرفية التي تغير في أحكام الدستور إضافة أو حذف مثلا جرى به العمل في زيادة سلطات الحكومية المركزية على حساب السلطات المحلية في الاتحادات الفدرالية أو تولي رئاسة الدولة في لبنان ماروني و الوزارة رئيس البرلمان شيعي رغم أن الدستور اللبناني لم ينص على الطائفية لكن جاء بها العرف مكملا للدستور .

ود اختلف الفقه حول القوة الإلزامية للعرف المكمل بين من ينكر عليه قوة نصوص الدستور لان العرف حسبهم يمثل إرادة المشرع و بالتالي يأخذ درجة التشريع العادي و لا يرقى إلى مرتبة الدستور الذي تضعه سلطة تأسيسه في حين يرى البعض الآخر بقوته الإلزامية كالأستاذ ديفرجيه. نفس الشيء بالنسبة للعرف المعدل بين من يرى بأن له نفس القوة التي تكتسبها النصوص الدستورية لأن العرف يمثل إرادة الأمة صاحبة السيادة في وضع الدساتير و رأي أخر من الفقه لا يعترف للعرف المعدل بقوة النصوص الدستورية لان الأمة حسبهم لا تمارس سيادتها إلا وفق إجراءات خاصة بواسطة سلطة تخلف عن السلطة التشريعية و هي السلطة التأسيسية في حين أن العرف تصدر السلطة التشريعية و التنفيذية.

الفقه : يقصد به دراسات و أبحاث فقهاء القانون و يعتبر الفقه مصدر تفسيري و ليس رسميا للقانون الدستوري يستأنس به في تفسير الدساتير و أحكامها و شرح محاسن و عيوب هذه الدساتير و تحليل قواعدها التي تؤثر على مسار القواعد الدستورية و إن كانت آراء الفقهاء غير ملزمة في القانون الدستوري إلا أنها مصدر الهام للمشرعين أثناء سنن القواعد الدستورية كما حدث لكتاب روح القوانين لمونتسكيو أو كتاب العقد الاجتماعي جون جاك روسو أو العقد السياسي لجون لوك كما يتأثر بها القضاء عند إصدار أحكامه.

خامسا: أساليب نشأة الدساتير

عرفت نشأة الدساتير تطورا في مسيرتها التي كانت في البداية منحة من الملك ثم إلى عقد بين الحاكم و الرعية إلى نشوء هيئات تأسيسية تختص بوضعه دون عرضه على الشعب وصول إلى مرحلة الاستفتاء الشعبي.

أ-أسلوب المنحة : دفعت الأفكار المنادية بتقييد بسلطة الملك هذا الأخير الى منح دستور للشعب بغرض وقف المد الثوري و من أمثلة ذلك الدستور الفرنسي 04 جوان 1814 الذي منحه لويس الثامن عشر لأمة بعد سقوط نابليون الأول.

ب-أسلوب العقد و الاتفاق : ينشأ هذا الدستور عادة بعد الثورات و تأثير الشعوب على الملوك الذين يخضعون لإرادة الشعب خوفا من فقدان ملكهم بالكامل فيكون هذا الدستور و ليد تعاقد بين الحاكم و الشعب و الذي تكون فيه الغلبة للشعب الذي يضعه بواسطة ممثليه و تكون سلطة الملك مقيدة و من أمثلة ذلك دستور فرنسا لسنة 1830 و دستور الكويت 1962 و البحرين 1973 .

ج-الدستور الموضوع من طرف جمعية تأسيسية : ظهرت هذه الطريقة في الو م أ بعد استقلالها لسنة 1787 و انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية حيث ينفرد الشعب بوضع الدستور بواسطة هيئة تأسيسية منتخبة من طرفه بطريقة ديمقراطية.

د-أسلوب الاستفتاء: يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يعطي رأيه فيه و لا يصبح نافذا إلا بعد موافقته عليه بعد أن تعده و تضعه جمعية منتخبة أو لجنة معينة من الحكومة أو البرلمان و قد اتبع هذا الأسلوب في وضع دساتير 1976- 1989 و 1996 في الجزائر.

سادسا:نهاية الدساتير

الأسلوب العادي وفقا لما حدّده الدستور تتولى السلطة القائمة إلغاءه أو تعديله.

الأسلوب غير العادي : بعد قيام الثروات .

سابعا: أنواع الدساتير

من حيث الشكل: تقسم الدساتير إلى دساتير مدونة و دساتير عرفية.

أ-الدساتير المدونة: موجودة في اغلب دول العالم أين تدون الدساتير في وثيقة واحدة مكتوبة لبناء النظام يسوده الاستقرار و الوحدة.

ب-الدساتير العرفية : غير مدونة و تنشأ  عن طريق العرف نتيجة إتباع سلوكات معينة لفترة طويلة من طرف السلطات في الدولة تحولت إلى عرف دستوري ملزم للسلطات التي تأتي بعدها و من أمثالها الدستور الانجليزي الذي يضم قواعد عرفية كتلك الخاصة بتشكيل الوزارة ممارسة سلطاتها حيث يلتزم الملك بتعين رئيس الحزب الفائز في الانتخابات على رأس الوزارة لكن لا يعني هذا انعدام القواعد الدستورية المكتوبة في الأنظمة التي تبنى الدستور العرفي و هو ما يثير التساؤل حين يكون هناك نص قانوني مكتوب و تنشأ قاعدة عرفية مخالفة له فبأيهما نعبد ؟ الرأي الغالب لدى الفقه هو أن القاعدة العرفية أولى بالتطبيق من القاعدة المكتوبة التي هي استثناء من الأصل العام يلجأ إلى إصدارها خلال الأزمات الدستورية.

من حيث طريقة تعديلها تقسم إلى دساتير مرنة و جامدة.

أ-الدستور المرن : هو الذي يمكن تعديله بإتباع إجراءات محددة تشبه تلك المتبعة لتعديل قانون عادي و من طرف نفس السلطة التي تسن القوانين العادية أي السلطة التشريعية و ينطبق ذلك على غالبية القواعد الدستورية العرفية الانجليزية مثلا

ب-الدستور الجامد : هو الذي لا تعدل أحكامه أو جزء منها إلا بإتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية حفاظا على استقراره و التي تمر عادة باربع مراحل و هي مرحلة الاقتراح التعديل ثم إقراره مبدئيا ثم إعداده و أخيرا إقراره نهائيا .

و قد يكون حضر تعديل الدستور زمانيا بالنص على عدم إجراء أي تعديل على الدستور لمدة زمنية معينة دستور  الكويت لسنة 1962 نص على عدم تعديله لمدة 05 سنوات و قد يكون حضر التعديل مطلقا كما نص على ذلك دستور ألمانيا الغربية لسنة 1949 الذي يمنع إجراء أي تعديل على التنظيم الفدرالي للدويلات و الدستور المغربي لسنة 1970 الذي يمنع إجراء أي تعديل على التنظيم و دساتير الجزائر لسنة 2016 الذي يمنع المساس بالنظام الجمهوري و بدين الدولة و غيرها من المبادئ .و يترتب على الدساتير الجامدة آثار منها مبدأ سمو الدستور.

ثامنا:مبدأ سمو الدستور و تدرج القوانين 

يعني مبدأ سمو الدستور أن هذا الأخير يحتل المرتبة الأولى في قوانين الدولة كما ينبغي التقييد بمبدأ تدرج القواعد القانونية حيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأدنى منه درجة فلا يجوز أن يتعارض قانون عادي مع أحكام الدستور أو يتعارض تشريع فرعي تنظيم صدر من السلطة التنفيذية مع تشريع عادي أو دستوري .

و يترتب على ذلك ما يلي:

  • ثبات القوانين الدستورية مقارنة بالقوانين العادية 
  • القوانين الدستورية لا تلغي إلا بقوانين دستورية أخرى،
  • تقرير مبدأ دستورية القوانين ،
  • تقرير الرقابة على دستورية القوانين .