2. المبحث الثاني: الحقوق المالية

2.3. المطلب الثالث : الحقوق الشخصية ( حقوق الدائنية)

حق الدائنية هو قدرة شخص معين على اقتضاء أداء معين من شخص يلتزم به.ومن يتقرر له هذه القدرة يسمى( الدائن) ومن يلتزم بتقديم الأداء يسمى (المدين) والدائن لا يستطيع ان يصل إلى حقه إلا بواسطة المدين. فمثلا المقرض له حق دائنية على الشيء المبيع لا يستطيع الوصول غليه إلا بواسطة البائع، والبائع له حق دائنية على الثمن لا يستطيع الوصول إليه إلا بواسطة المشتري.

ويختلف حق الدائنية عن الحق العيني في أن الحق العيني سلطة مباشرة لشخص على شئ معين وبالتالي يستطيع صاحبه الوصول إليه دون وساطة أحد، لكنهما يتفقان انهما حقان ماليان أي يمكن تقويم محليهما بالنقود.

أولا : أنواع حق الدائنية.

حقوق الدائنية لا تقع تحت حصر .وإذا كان هناك خلاف في الفقه حول حصر الحقوق العينية، فإن معظم الفقهاء أجمعوا على عدم حصر حقوق الدائنية، فالأفراد لهم مطلق الحرية في إنشاء حقوق الدائنية التي تحقق مصلحتهم، وذلك تطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة والقيد الوحيد الوارد على حريتهم في إنشاء هذه الحقوق هو عدم جواز اتفاقهم على انشاء حق دائنية مخالف للنظام العام أو الآداب فمثلا الاتفاق على تأجير مسكن لاستخدامه محلا للدعارة اتفاق ينشئ حق دائنية مخالف للآداب العامة وبالتالي فهو اتفاق باطل.وعلى الرغم من عدم تحديد حقوق الدائنية إلا أنه يمكن القول إن محل حق الدائنية هو عمل ما يقوم به المدين لصالح الدائن، وهذا العمل قد يكون إجابيا وهو ما يطلق عليه الفقه اصطلاح( الالتزام بالقيام بعمل) وقد يكون عملا سلبيا وهو ما يطلق عليه القفه اصطلاح ( الالتزام بالامتناع عن عمل).

ويدخل أيضا ضمن العمل الايجابي التزام شخص معين بنقل أو إنشاء حق عيني لشخص آخر وهو ما يسميه الفقه ( الالتزام باعطاء) فمحل حق الدائنية ينقسم إلى :التزام اجابي (التزام بعمل والقيام باعطاء و( التزام سلبي(التزام بامتناع عن عمل) ، وذلك على النحو التالي:

1-  الالتزام الاجابي. وهذا الالتزام له صورتان.

أ‌-الالتزام بالقيام بعمل: ويتضمن قيام المدين بعمل ايجابي معين لمصلحة الدائن كالتزام المحامي برفع الاستئناف في ميعاده.والتزام المقاول ببناء مسكن، والتزام الطبيب بعلاج المريض .

ب‌-الالتزام باعطاء: وهو التزام شخص بنقل أو إنشاء حق عيني على شئ معين( عقار أو منقول) لمصلحة شخص آخر. والالتزام بإعطاء يتضمن إما التزام بنقل حق عيني مثل التزام البائع بنقل ملكية الشئ المبيع إلى المشتري أو بإنشاء حق عيني أصلي كحق الارتفاق على عقار معين أو الالتزام بإنشاء حق عيني تبعي على شئ معين كحق الرهن الرسمي وحق الرهن الحيازي. وما يجب ملاحظته أن الملكية حق عيني لكن الالتزام بنقلها حق دائنية ( شخصي)  فالالتزام بنقل حق ملكية هو التزام البائع بإتمام إجراءات التسجيل مع المشتري إذا كان محل البيع عقارا أو القيام بعملية الفرز في حالة بيع المنقول ،لكن بعد تنفيذ هذا الالتزام يكون للمشتري حق ملكية على الشيء المبيع وهو حق عيني وليس حق دائنية.

2- الالتزام السلبي ( الالتزام بالامتناع عن عمل) .

يعني هذا الالتزام امتناع شخص معين عن القيام بعمل معين لتحقيق مصلحة شخص آخر ماكان ليمتنع عن القيام به لولا وجود هذا الالتزام .وهو التزام سلبي لأنه لا يتضمن نشاطا معينا من المدين يقوم به لتحقيق مصلحة الدائن بل على العكس فإن قيامه بهذا النشاط يعتبر إخلالا بالتزام لأن مصلحة الدائن تتحقق في هذا الحق عند عدم قيام المدين بعمل معين. ومن أمثلته التزام بائع المحل التجاري بعدم فتح محل تجاري يمارس نفس نشاط المحل المبيع في المنطقة التي يوجد فيها هذا المحل والتزام العامل بعدم العمل لدى رب عمل منافس لرب العمل الذي يعمل عنده والتزام المستأجر بعدم تأجير العين المؤجرة من الباطن طالما أن عقد الإيجار لا يسمح بذلك.

ثانيا: مصادر حق الدائنية.

تستمد حقوق الدانية مصادرها من نفس مصادر الالتزام وتقرر مديونة الشخص بمقتضى مصدر من مصادر الالتزام كما وردت في القانون المدني الجزائري والمتمثلة في: القانون ، العقد، الارادة المنفردة ، الفعل الضار( المسؤولية التقصيرية )، شبه العقود ( الإثراء بلا سبب،الدفع غير المستحق، الفضالة).

وتترتب هذه المصادر إما على وقائع طبيعية لا دخل للإنسان فيها وإما على وقائع إنسانية أي بتدخل من الإنسان وكمثال عن الوقائع الطبيعية الالتزام بالنفقة، وعدم الإضرار بالجار ومصدر هذه الالتزامات القانون وحده.

أما الوقائع الإنسانية فهي تلك الوقائع التي يتدخل فيها الإنسان وهي نوعان:

-1  تصرفات قانونية ترتب التزامات مصدرها إرادة الشخص إذا اقترنت بإرادة أخرى سميت عقدا وإذا لم تقترن بإرادة أخرى سميت إرادة منفردة.

 -2  وقائع قانونية وهي أعمال مادية قد تكون ضارة ترتب المسؤولية التقصيرية لكونها أعمالا غير مشروعة تستوجب التعويض لفائدة المتضرر وقد تكون نافعة في صورة إثراء بلا سبب أو دفع غير مستحق أو فضالة.

ويعتبر العقد المصدر الرئيسي لحقوق الدائنية وهذا ما يستخلص من التعريف التشريعي للعقد حيث قضت المادة 54 من القانون المدني( أن العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما) وهي نفسها الصور الأساسية التي يتخذها حق الدائنية.