2. المبحث الثاني: الحقوق المالية

2.1. المطلب الاول : الحقوق العينية الاصلية

الحقوق العينية الأصلية هي الحقوق التي تخول صاحبها سلطات استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه أو تخوله فقط جزء من هذه السلطات. ويقف على رأس هذه الحقوق (( حق الملكية)) لأنه الحق الذي يعطي صاحبه كافة السلطات التي يمكن ممارستها على الشيء، ويتفرع عن حق الملكية الحقوق العينية الأخرى. ولهذا سوف نتطرق أولا لحق الملكية ثم بعد ذلك نتعرض للحقوق المتفرعة عن حق الملكية.

حق الملكية.

أ- تعريف حق الملكية وعناصره: حق الملكية هو الذي يخول صاحبه الاستئثار بكل منافع شيء مادي معين(( عين)) فيحق له استعماله واستغلاله والتصرف فيه.  وهذا هو التعريف الذي ورد في القانون المدني المصري لحق الملكية في المادة ( 802 م م) كما عرفه القانون المدني الجزائري في نص المادة 674 بأنه: (( الملكية هي حق التمتع والتصرف في الأشياء، بشرط أن لا يستعمل استعمالا تحرمه القوانين والأنظمة)). ووفقا لهذا التعريف يمكن تقسيم حق الملكية إلى ثلاثة عناصر هي الاستعمال والاستغلال والتصرف.

  • عنصر الاستعمال: فاستعمال الشيء هو استخدامه بما يتفق مع طبيعته بغية الحصول على منافعه بطريقة مباشرة ،كزراعة الأرض وركوب السيارة،وسكن المنزل. ففي هذه الأمثلة ينتفع المالك بهذه الأموال بنفسه مباشرة عن طريق استخدامها بطريقة تتفق مع طبيعتها دون أدنى تغير فيها،مع مراعاة كذلك أن لا يستعمل الشيء استعمالا تحرمه القوانين والأنظمة.
  • عنصر الاستغلال: واستغلال الشيء يعني استثماره بغية الحصول على منافعه بطريقة غير مباشرة. فاستغلال الأرض يكون عن طريق تأجيرها والحصول على أجرتها أو زراعتها بقصد بيع ثمارها. واستغلال المنزل يكون عن طريق تأجيره للسكن أو تأجيره كشركة أو كمكتب بقصد ممارسة نشاط معين يدر دخلا معينا.واستغلال السيارة يكون عن طريق استغلالها كسيارة أجرة مثلا. ففي هذه الأمثلة السابقة يحصل المالك على منافع الشيء عن طريق جني ثماره أي بعد استعماله بنفسه أو عن طريق غيره.ولذلك فهو يحصل على منافع الشيء بطريقة غير مباشرة.
  • عنصر التصرف: أما التصرف فهو يشمل (( التصرف المادي)) وهو عبارة عن الأعمال التي تؤدي إلى التغيير في الشيء أو استهلاكه أو إعدامه ( كهدم منزل).  و(( التصرف القانوني)) الذي يعني نقل حق الملكية بأكمله إلى شخص آخر أو ترتيب حق عيني سواء كان هذا الحق أصليا أم تبعيا. ومثاله بيع المنزل أو رهنه.وسلطة التصرف هي التي تميز حق الملكية عن غيره من الحقوق العينية الأخرى سواء الأصلية أو التبعية، فالمالك وحده الذي يستطيع التصرف في الشيء محل حقه.

ب- خصائص حق الملكية:  لعل أهم الخصائص التي يتميز بها حق الملكية أنه حق دائم وحق مطلق.

حق الملكية حق دائم: يعني أن حق الملكية لا ينقضي لعدم استعماله مهما طالت مدة عدم · استعماله، فلا يرد عليه ما يعرف (( بالتقادم المسقط))  فالدوام صفة لصيقة بحق الملكية تسير معه أينما وجد. فحق الملكية حق دائم في ذمة صاحبه، وإذا انتقل إلى شخص آخر انتقل معه وصف الدوام. فالدوام صفة لصيقة بحق الملكية وليست لصيقة بصاحبه. وخاصية الدوام هي التي تميز حق الملكية عن غيره من الحقوق الأخرى العينية( الأصلية والتبعية) فكل هذه الحقوق مؤقتة تنقضي بعد مرور مدة معينة دون حاجة إلى انتقالها إلى شخص آخر.

حق الملكية حق مانع: ويقصد بهذه الخاصية معنيان: ·

الأول:أن حق الملكية يحتج به على الكافة:  فيجب على الجميع احترام حق الملكية لصاحبه بعدم الاعتداء عليه أو حتى مشاركته في ممارسة سلطاته على محل هذا الحق. وهذا المعنى ليس قاصرا على حق الملكية فحسب فجميع الحقوق تعتبر حقوقا مانعة_ وفق هذا المعنى _ يجب على الجميع احترامها وعدم الاعتداء عليها أو مشاركة صاحبها في التمتع بما تخوله من مزايا.

الثاني:أن حق الملكية حق يخول صاحبه جميع السلطات التي يمكن تصورها على شيء مادي. فسلطات المالك على الشيء الذي يملكه لا حدود لها. فله وحده حق استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه. و( المنع) وفق هذا المعنى قاصر على حق الملكية، لا يشترك معه حق آخر في هذه الخاصية.

ج. طرق اكتساب الملكية:يكتسب الشخص المالك حق الملكية بعدة طرق سوف نذكر ها حسب الترتيب الذي جاء به القانون المدني وما جاء في أحكام قانون الأسرة الجزائري وهي كالاتي:

1-   الاستلاء: عرفته المادة 773 ق.م.ج بقولها(  تعتبر من أملاك الدولة جميع الأموال الشاغرة التي ليس لها مالك وكذلك أموال الأشخاص الذين يموتون عن غير وارث أو الذين تهمل تركتهم).

2-  الميراث: وفيه يحل الوارث محل المورث بشأن حق الملكية ويتطلب انتقال ذلك شهادة توثيقية( الفريضة) تنقل المال إلى الوارث وذلك حسب أحكام الميراث المنظمة في قانون الأسرة( الكتاب الثالث المواد من 126-183 ق.أ.ج)

3-   الوصية:  والوصية هي تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت( المواد 755-757  ق.م.ج)  وبموجبها يوصي شخص بمال معين بالذات لفائدة شخص آخر موصى له ولا وصية لوارث وتكون الوصية دائما في حدود الثلث وذلك حسب ما جاء في قانون الأسرة المنظم

للوصية في الكتاب الرابع المعنون باسم التبرعات( المواد من184- 201 ق.أ.ج ).

4-  الالتصاق بالعقار: ويقصد به تملك الملاكين المجاورين لقطعة أرض تشكلت نتيجة طمي جلبه النهر بطريقة تدريجية( المادة 778 ق.م.ج)  باستثناء الأراضي التي ينكشف عنها البحر فإنها تعد ملك للدولة.

5-  عقد البيع:  بحيث يكتسب المشتري ملكية شئ معين بالذات عن طريق عقد البيع.وتنتقل هذه الملكية في الأصل بطريق رضائي واستثناءا عن طريق التوثيق إذا تعلق الأمر بالعقارات.

6-  الشفعة:  وهي طريق لحصول الشفيع على المال المشفوع فيه وبالتالي طريقة لكسب ملكيته تجيز له الحلول محل البائع في حق الملكية محل عقد البيع.

7-  الحيازة:  فهي واقعة مادية تخول صاحبها سلطة فعلية على الشئ ويترتب عليها آثار قانونية قد تؤدي إلى كسب الملكية ذاتها عن طريق التقادم المكسب حسب المواد( 827 و 878 ق.م.ج)

8-  الهبة:  وهي أن يهب شخص لآخر حقا عينيا معينا بالذات والهبة تعد عقدا عينيا أي يشترط فيه التسليم بالاضافة إلى توفر الشكلية إذا تعلق الأمر بالعقارات.

د. نطاق حق الملكية.

نطاق حق الملكية هو أوسع الحقوق العينية نطاقا، فهو يشمل كافة العناصر المكونة للشيء محله.مما يمكن المالك من ممارسة سلطاته على جميع العناصر. فإذا كان محل ملكيته أرضا جاز له استعمالها بزراعتها كلها أو بعضها. واستغلالها بتأجيرها كلها أو بعضها لمدة طويلة أو قصيرة،

والتصرف فيها بتغير شكلها أو بيعها بمقابل أو بدون مقابل. ولا تمتد سلطاته على العناصر الظاهرة فقط لهذه الأرض بل تمتد أيضا لما يعلوها من فضاء، وما يدنوها من طبقات.فيجوز للمالك بناء ناطحات سحاب على أرضه كما يجوز له عمل أنفاق أو مرآب أو أن يحفر بئر في هذه الأرض. ولكن السؤال المطروح : هل يمتد نطاق الملكية إلى مالا نهاية ؟ وهل يستطيع المالك أن يمارس سلطاته على محل حقه دون حدود؟. الحقيقة أنه بالرغم من أن حق الملكية يعد من أوسع الحقوق العينية نطاقا إلا أنه له وظيفة اجتماعية يدور في فلكها، بمعنى أن صاحب الملكية يجب عليه عند ممارسة سلطاته ألا يضر بمصلحة المجتمع، والقانون هو الذي يحدد متى يضر المالك بمصلحة المجتمع ، عن طريق رسم حدود يمارس من خلالها المالك سلطاته . فإذا لم يتعداها فمصلحته جديرة بالرعاية، وبالتالي تفضل على مصالح الآخرين وبالتالي يستحق حماية القانون. أما إذا تجاوز هذه الحدود أصبحت مصلحة الآخرين هي الجديرة بالرعاية وتستحق بذلك حماية القانون،وبالتالي يجب على المالك ألا يضر بها. مثال: إذا كان محل ملكية المالك أرضا فهو لا يستطيع أن يستأثر بكل ما يعلوا هذه الأرض من فضاء إلى مالا نهاية، وإلا أدى ذلك إلى منع الآخرين من الانتفاع بالفضاء الخارجي لهذه الأرض ، فلا يحق له مثلا أن يمنع مرور الطائرات فوق أرضه، أو أن يمنع مرور أسلاك الكهرباء والهاتف فوقها. ومن جهة أخرى لا يستطيع المالك أن يستأثر بكل ما تحت هذه الأرض من طبقات إلى ما لا نهاية. فهو لايستطيع أن يمنع مثلا مرور أنابيب الماء تحت أرضه. ولكن متى تنتهي حدود حق الملكية ؟ يمكن القول أن حدود حق الملكية تنتهي عند الحد الذي تنتهي فيه مصلحة المالك وتبدأ فيه مصلحة الآخرين. ومصلحته تنتهي عند الحد المفيد بالنسبة له في التمتع بالأرض علوا وعمقا وهذا ما نصت عليه المادة 675 فقرة ثانية من القانون المدني الجزائري بقولها: (( وتشمل ملكية الأرض ما فوقها وتحتها إلى الحد المفيد من التمتع بها علوا وعمقا)).

ه - قيود حق الملكية:

القيود التي ترد على حق الملكية نوعان:  قيود قانونية وأخرى اتفاقية.

1القيود القانونية:  يقرر القانون قيودا معينة على المالك عند ممارسته لسلطاته تحقيقا .لمصلحة عامة أو خاصة. ومثال ذلك سلطة الدولة في نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة.وسلطاتها في فرض اللوائح الخاصة بتنظيم البناء داخل سياج داخل المدينة، أو حظرها البناء داخل الأراضي الزراعية، والقيود التي تفرضها لإنشاء المحلات المقلقة للراحة والمضرة بالصحة...الخ. وهذه الأمثلة تعبر عن سلطات الدولة في فرض قيود قانونية على المالك تحقيقا لمصلحة عامة. أما سلطات الدولة في فرض قيود قانونية لتحقيق مصلحة خاصة فهي مثل القيود التي تفرضها عند البناء في المجمعات العمرانية الجديدة من ترك مساحات خالية لاستغلالها كمساحات خضراء، والقيود التي تفرضها في بناء المطلات والمناور.

2-  القيود الاتفاقية: هي القيود التي تحد من سلطات المالك على محل ملكيته بالاتفاق .معه ومع ذوي الشأن تحقيقا لمصلحة خاصة، مثلا قد يتفق المالك لعقار على منح حق ارتفاق يثقل محل ملكيته لصالح عقار مملوك لشخص آخر، وقد يتفق المالك مع من يتنازل له عن حق ملكيته لشيء معين أن يمتنع هذا الأخير عن التصرف في هذا الحق لمدة معينة.

ج / الحقوق المتفرعة عن حق الملكية:

هي الحقوق التي تخول صاحبها جزءا من السلطات التي تكون لمالك الشيء وهي تختلف باختلاف القوانين.وهي تنقسم إلى حق الانتفاع، وحق الاستعمال وحق السكنى ، وحق الحكر وحق الارتفاق.ويأتي تفصيلها في الآتي:

أ - حق الانتفاع : ( المواد من 844- 854 ق.م.ج)

*تعريف حق الانتفاع: هو حق عيني أصلي يخول صاحبه سلطتين مباشرتين على شيء مادي معين، وهي سلطة الاستعمال والاستغلال. وهذا يعني أن المال المحمل بحق انتفاع تتجزأ السلطات عليه بين شخصين يكون لأحدهما وهو المالك الأصلي سلطة التصرف في المال بكافة أنواع التصرف ويطلق عليه اصطلاح (( مالك الرقبة)) فمثلا إذا كان المال أرضا زراعية وتصرف المالك في منفعتها لشخص آخر فيكون للمالك بعد هذا التصرف سلطة التصرف في هذه الأرض بكافة أنواع التصرف. ويكون للآخر وهو صاحب حق المنفعة (المنتفع) سلطتا الاستغلال والاستعمال.فاذا كان حق الانتفاع منصب على أرض زراعية، فللمنتفع أن يزرعها كما له أن يؤجرها.

*خصائص حق الانتفاع:

-1 حق الانتفاع حق عيني أصلي: لأنه يخول صاحبه سلطتين مباشرتين على شيء مادي معين

وهما سلطتا الاستعمال والاستغلال، وهو بذلك مختلف عن حق المستأجر على العين المؤجرة ،لأن حق المستأجر أقرب إلى حق الدائنية منه إلى الحق العيني، لأن المستأجر لا يستطيع أن ينتفع بالعين المؤجرة إلا عن طريق شخص آخر وهو المؤجر الذي يلتزم بتمكين المستأجر من هذا الانتفاع وأن

ييسره له.

-2 حق الانتفاع حق مؤقت: فحق الانتفاع يجب أن يقترن بمدة معينة إما أن تكون مدة محددة ينتهي بعدها، وإما ينتهي بوفاة المنتفع إذا لم تحدد له مدة وينتهي حق الانتفاع دائما بأقرب الأجلين.وهناك حق الانتفاع المؤبد المقرر بموجب نص خاص تضمنته المادة 23 من القانون رقم 87-19 المتعلق بالمستثمرات الفلاحية وهذا الحق منحه المشرع الجزائري للمنتجين الفلاحيين للانتفاع بالأراضي الفلاحية المملوكة للدولة كما أنه يورث لورثة المستثمر الفلاحي . وكذلك ينتهي حق الانتفاع بترك المنتفع لحقه، وذلك بعدم استعماله مدة 15 سنة، وأيضا بهلاك الشيء الوارد عليه الحق ( محل الانتفاع ) وهذا ما أكده المشرع المصري في المواد 933-994-995 من القانون المدني المصري و الجزائري في المواد 852-853-854 من القانون المدني الجزائري. وهذه الخاصية تميز حق الانتفاع عن حق الملكية الذي يتصف كما رأينا سابقا بالدوام.

-3 حق الانتفاع مرتبط بشخص المنتفع:  فهو يعطى لشخص تقديرا لشخصيته بغض النظر عن مقابله المادي، لذلك فهو لا ينتقل إلى ورثة المنتفع، وإنما ينتهي بوفاته.

* مصادر حق الانتفاع: ينشأ حق الانتفاع بمقتضى العقد كما يمكن أن يكون مصدره الشفعة أو الوصية أو التقادم.

*موازنة بين حق المنتفع و حق المستأجر :

يلتقي حق المنتفع و حق المستأجر من حيث أن كلاً منهما ينتفع بشيء لا يملكه و لمدة معينة.ولكنهما يفترقان في عدة أمور نلخصها فيما يلي :

أولاً : إن حق المنتفع هو حق عيني ، في حين أن حق المستأجر هو حق شخصي.و يترتب على هذا الفارق الأساسي في الطبيعة القانونية نتائج مهمة ، نورد فيما يلي أهمها :

-1  يستطيع المنتفع أن يباشر سلطة مباشرة على الشيء المنتفع به ، دون وساطة مالك الرقبة ، فكل ما يطلب من مالك الرقبة هو أن يترك المنتفع يباشر حقه دون أن يلتزم في مواجهته بأي التزام إيجابي في حين أن المستأجر  بسبب أن حقه يتعلق بذمة المؤجر  لا يستطيع أن يباشر حقه على العين المؤجرة إلا عن طريق المؤجر.فالمؤجر ملزم بمقتضى عقد الإيجار بالتزام إيجابي هو أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة .و تبعاً لذلك يلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر في حالة صالحة للانتفاع ، و أن يقوم بواجب صيانتها طوال مدة الإيجار .

-2  إن حق الانتفاع العقاري يعد مالاً عقارياً .أما حق المستأجر فهو مال منقول ، ولو كان وارداً على عقار .

-3  إن حق الانتفاع العقاري لا يكون نافذا فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير، إلا بتسجيله وشهره في حين أن حق المستأجر لا يلزم تسجيله وشهره إلا استثناء .

ثانياً : ينقضي حق المنتفع بموت المنتفع ، في حين أن حق المستأجر لا ينقضي بموت المستأجر إلا استثناء .

ثالثاً : يكتسب حق المنتفع بأي سبب كان من أسباب كسب الحقوق العينية فيما عدا الميراث، في حين أن حق المستأجر لا يكتسب إلا بالعقد .

رابعاً : قد يكون حق المنتفع بعوض و قد يكون بغير عوض ، في حين أن حق المستأجر هو دائماً بعوض .

ب- حق الاستعمال وحق السكن: ( المواد  855-856-857 ق.م .ج )

-1 حق الاستعمال: هو حق عيني أصلي يخول صاحبه سلطة استخدام شيء مملوك لشخص آخر وفقا لما اعد له وبما يتفق مع طبيعته فإذا كان هذا الشيء أرضا زراعية مثلا وتنازل مالكها عن حق استعمالها لشخص آخر كان لهذا الأخير استخدامها فيما أعدت له، فله في سبيل ذلك زراعتها إذا كانت معدة للزراعة والاستفادة من ثمارها هو وأسرته لكن ليس له تأجيرها لأنه لا يملك بمقتض حق الاستعمال سلطة استثمارها، فهذه السلطة تدخل ضمن حق الانتفاع، فحق الاستعمال على هذا النحو أضيق من حق الانتفاع.

-2 حق السكنى: فهو حق عيني أصلي يخول صاحبه سلطة استعمال شيء معين يتمثل في عقار مملوكا لشخص آخر، ولكن بصورة محدودة هي سكناه،فإذا كان المال حق السكنى مسكنا مملوكا للغير كان لصاحب حق السكنى سكن هذا المنزل ولا يستطيع استخدامه في أي نشاط آخر كمكتب أو شركة ، وحق السكنى تبعا لذلك أضيق نطاقا من حق الاستعمال لأنه يقصر صور استخدام المال على السكن وهذا الأخير لاي يكون الا عقار معد للسكن دون المنقول، في حين أن حق الاستعمال يخول صاحبه حق استخدام الشيء فيما أعدله، وبما يتفق مع طبيعته مع ترك تحديد صورة هذا الاستخدام لصاحب حق الاستعمال وقد يكون الشئ المستعمل عقارا وقد يكون منقول. فحق الاستعمال وحق السكن حقان مرتبطان بشخص من يملكهما فنطاقهما يتحدد بمقدارما يحتاج إليه صاحب الحق هو وأسرته لخاصة أنفسهم وهذا ما أكدته المادة (996  ق م م) والمادة ( 855 ق.م.ج ) وكل من حق الاستعمال والسكنى حقان محددان بمدة معينة وينتهيان حتما بوفاة صاحبهما حتى ولو جاءت هذه الوفاة قبل انقضاء الأجل المعين لانقضاء هذين الحقين. كما ينقضيان أيضا مثل حق الانتفاع بترك صاحبيهما لهما مدة 15 سنة، أو بهلاك محليهما، وبانقضائهما يرتد الحق إلى المالك الأصلي. كما لا يمكن التنازل عنهما للغير إلا بناء على شرط صريح أو مبرر قوي وهذا ما أكدته المادة 856 ( 856 ق م ج). 

 ج- حق الحكر:عرفه المشرع الجزائري في المادة 26 مكرر من قانون رقم 01-07 المعدل والمتمم لقانون الاوقاف رقم 91 -10 المؤرخ في 27/04/1991 التي تنص على انه : "يمكن أن تستثمر،عند الاقتضاء الأرض الموقوفة العاطلة بعقد الحكر الذي يخصص بموجبه جزء من الأرض العاطلة للبناء و/أو للغرس لمدة معينة مقابل دفع مبلغ يقارب قيمة الأرض الموقوفة وقت ابرام العقد ،مع التزام المستثمر بدفع ايجار سنوي يحدد في العقد مقابل حقه في الانتفاع بالبناء و/أوالغرس وتوريثه خلال مدة العقد

،مع مراعاة أحكام المادة 25 من القانون رقم 91- 10 المؤرخ 12 شوال عام 1411 الموافق لــ 27/ 04 /1991 والمذكور أعلاه.". وهذا الحق لم يرد ضمن القانون المدني الجزائري عكس المشرع المصري الذي تطرق له في القانون المدني في المادة  1002، وهو بذلك حق عيني أصلي استمده المشرع المصري والجزائري من الشريعة الإسلامية، وهو يخول صاحبه الانتفاع بأرض موقوفة وذلك بالبناء أو الغرس عليها أو غيره ،في مقابل أجرة سنوية تحدد في العقد وذلك بعد أن يدفع في الأول مبلغ يقارب قيمة الأرض الموقوفة. ويكون المحتكر بذلك مالكا لما يحدثه من بناء أو غراس أو غيره. وبمقتضى حق الحكر يحق للمحتكر إقامة منشآت على الأرض محل الحكر وأن يزرعها بنفسه أو بواسطة غيره ويمتلك وفقا لنص القانون هذه المنشآت وهذه الزروع ويجوز له التصرف فيها، ولكنه لا يستطيع التصرف في الأرض محل الحكر.كما يمكنه أن يتنازل عن هذا الحق بالبيع أو الهبة أو غيرذلك. وينتقل حق الحكر على خلاف حقوق الانتفاع والاستعمال والسكن إلى الورثة ولا ينقضي بوفاة المحتكر وإنما يحل محله فيه ورثته خلال مدة العقد. وحق الحكر وفق قانون الأوقاف لا يكون إلا على أرض موقوفة ،ويجب أن توجد ضرورة أو مصلحة تبرره مثل خراب هذه الأرض أومواتها فيكون في تحكيرها إصلاح لها. وينتهي حق الحكر بانقضاء مدته المحددة في عقد الحكر.

د-حق الارتفاق: تناولت أحكامه المواد من 867- 881 ق.م.ج فحق الارتفاق حق عيني أصلي بمقتضاه يتم استقطاع جزء من منفعة عقار مملوك لشخص ما لمصلحة عقار مملوك لشخص آخر، أو بمعنى آخر هو حق يجعل عقارا مملوكا لشخص ما في خدمة عقار مملوك لشخص آخر ويسمى العقار الخادم ( أي العقار المرتفق به) والعقار المخدوم ( وهو العقار المرتفق ). ولصاحب العقار المخدوم حق الارتفاق. ومن أمثلته حق المرور حيث يكون لصاحب العقار المرتفق أن يمر بالعقار المرتفق به. وكذلك حق المطل حيث يتمكن صاحب العقار المرتفق من فتح نافذة على ملك جاره.

ويكتسب حق الارتفاق عن طريق العقد أو الوصية أو بمقتضى نص في القانون وينتقل عن طريق الميراث. ويرتبط حق الارتفاق بالعقار وليس بصاحب العقار وبالتالي فهو لا ينتهي بوفاة صاحب العقار المرتفق ولا صاحب العقار المرتفق به، فهو يبقى ما بقي العقار المرتفق والعقار المرتفق به، إلا إذا كان هناك اتفاق بتوقيته لأجل معين فينتهي بانتهاء هذا الأجل مادة( 1026م مصري). وتقابلها المادة ( 878 ق م ج).وينقضي أيضا بهلاك العقار المرتفق به هلاكا كليا. وباجتماع العقارين في يد مالك واحد، وبعدم استعمال العقار المرتفق لمدة عشر سنوات وهذا ما أكدته المادة (  879 ق م ج.) كما ينتهي بعدم استعماله لمدة ثلاثة وثلاثين ( 33 ) سنة إذا كان الارتفاق مقرر لمصلحة مال موروث تابع لعائلة .