1. المبحث الاول : الحقوق الغير مالية

1.3. المطلب الثالث : الحقوق العامة

سنتطرق في هذا المطلب إلى تعريف الحقوق اللصيقة بالشخصية وأنواعها وخصائصها.

أولا :  تعريف الحقوق اللصيقة بالشخصية ( أو بما تعرف كذلك بالحقوق الملازمة للشخصية أو حقوق الشخصية).

إن للحقوق اللصيقة بالشخصية عدة تعريفات . فقد عرفها الدكتور "حسن كيرة "بأنها: ( تلك الحقوق التي تنصب على مقومات الشخصية وعناصرها في مظاهرها المختلفة حيث تبين للشخص سلطاته المختلفة على هذه العناصر والمقومات، وذلك بهدف تنمية شخصية الإنسان وحمايتها في مواجهة اعتداء الآخرين". وكما عرفها الأستاذ "حسام الدين كامل الأهواني" :بأنها " الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره إنسانا وتثبت بالتالي لكل إنسان فهي لصيقة به لا تنفصل عنه". وكما عرفها الفقيه الفرنسي DABIN" بأنها " الحقوق التي يكون محلها العناصر المكونة  لشخصية الإنسان والتي تشمل عدة وجوه جسدية ومعنوية فردية واجتماعية".

ومن خلال هذا التعريف الأخير يتبين لنا بأن الحقوق اللصيقة بالشخصية يدخل في نطاقها عدة حقوق مادية ومعنوية وفردية واجتماعية، بحيث يدخل تحت نطاقها الملكات الطبيعية كحق إبرام عقد أم لا. وتشتمل كذلك على حقوق جسدية كالحق في الحياة وحق التكامل الجسدي. وكذلك الحقوق المعنوية للشخصية كالحق في الاسم والحق في السعادة والحشمة، والحياء والحق في العاطفة والمشاعر، وحق الشخص في المحافظة على مظهره الخارجي ، كذلك حقوق المؤلف المعنوية على إنتاجه الأدبي والفني ،وأخيرا الحق في الشخصية الاقتصادية كالحق في العمل وحرية الانتساب للنقابات.

ثانيا: أنواع الحقوق اللصيقة بالشخصية.

ليس من اليسير حصر الحقوق اللصيقة بالشخصية فهي كما تقدم " مجموعة القيم التي تكون شخصية الإنسان ". فهذه القيم تزداد كلما تقدم المجتمع، ومع ذلك يمكن رد هذه الحقوق إلى طوائف ثلاثة تمثل كل منها مظهر من مظاهر الشخصية، فمن هذه الحقوق ما يهدف إلى حماية الكيان المادي للإنسان ومنها ما يهدف إلى حماية كيانه الأدبي.ومنها ما يتعلق بحماية حرياته الشخصية.

-1 الحقوق التي تهدف إلى حماية الكيان المادي للإنسان ( الحق في التكامل الجسدي).

يقف في مقدمة هذه الحقوق حق الإنسان في الحياة والحق في سلامته البدنية أو الجسمية، فلكل إنسان الحق في المحافظة على حياته وأعضاء جسده ضد أي اعتداء من أي شخص آخر وهذا كأصل عام.

فالأصل أنه لا يجوز لأي شخص أيا كانت وظيفته الاعتداء على جسد شخص آخر ،وعلى أي عضو من أعضائه إلا بموافقته. فالجراح لا يستطيع إجراء أي عملية جراحية على جسد المريض إلا بعد موافقته باستثناء الحالات التي يتعذر فيها الحصول على هذه الموافقة من المريض أو من أحد ذويه، فيخشى على حياته الهلاك، إذا لم تجرى له هذه الجراحة.ففي هذه الحالة يمكن للجراح التدخل لحماية حياة المريض بإجراء هذه الجراحة دون الحصول على موافقة. كما قد يتدخل القانون لإجبار الناس على التطعيم من مرض معين أو إجراء فحوصات معينة، وهذا لا يعتبر استثناء من حق الإنسان في الحفاظ على حياته، بل هو إجراء يتفق معه،لأنه إذا رفض أحد من الناس هذا التطعيم أو تلك الفحوصات تحمل وحده مخاطر هذا الرفض. وقد يتطلب القضاء في حالات معينة من أحد الخصوم تقديم فحوصات طبية معينة لكشف حقيقة ما في الدعوى. عندئذ يجب على هذا الشخص الرضوخ لمطلب القضاء وإلا قد يستخلص القاضي من رفضه هذا قرينة قضائية تعزز دعوى خصمه. كما أنه لا يجوز للشخص أن يعتدي هو نفسه على حياته كالانتحار، أو أن يتصرف في أي جزء من أجزاء جسمه إذا كان هذا التصرف يعرض حياته للخطر، كالتبرع بالقلب أثناء الحياة فهذا غير ممكن لأن نتيجته الموت الحتمي. لأن الحق في الحياة لا يعني فقط حفظ حياة الإنسان ضد اعتداء الآخرين بل يعني أيضا حفظ حياته ضد اعتدائه هو. أما إذا كان هذا التصرف لا يعرض حياته للخطر فيصبح هذا التصرف صحيحا، فالقانون يجيز للإنسان التصرف في أعضائه بالتبرع قصد تحقيق فائدة علاجية لإنسان في حاجة ماسة لهذه

الأعضاء حال الحياة، إذا كانت هذه الأعضاء المتبرع بها لا تؤدي إلى هلاك المتبرع، مثل التبرع بالأعضاء المتجددة في جسم الإنسان كالدم مثلا، أو الأعضاء المزدوجة في جسم الإنسان التي تقوم بعضها مقام بعض في لعب الدور المنوط بها في جسم الإنسان كالكلى مثلا. وكذالك يمكن التعامل في الأعضاء البشرية حال الممات عن طريق الوصية كأن يوصي شخص بعينه لأحد بنوك العيون ، أو بنقل أي عضو من جسمه مباشرة بعد وفاته إلى جسم شخص حي في حاجة ماسة علاجيا لهذه الأعضاء من أجل تحقيق شفاء هذا الأخير، أو أن يوصي شخص بأعضائه بعد مماته لأغراض علمية قصد إجراء التجارب الطبية التي تعود بالنفع على المجتمع. فقد نظم المشرع الجزائري نقل الأعضاء حال الحياة وحال الممات ضمن قانون حماية الصحة 17 الموؤرخ في 31 جويلية - 05 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 90 - وترقيتها، قانون رقم 85 -1990  المنشور بالجريدة الرسمية رقم 35 لسنة 1990 .فالمادة 158 منه متعلقة بعمليات نقل الدم. والمواد من 161 إلى 168 منه متعلقة بنقل وزراعة الأعضاء عامة وقت الحياة وحال الممات.وقد أحاطها المشرع الجزائري بقدر من الضمانات اللازمة الكفيلة لإنجاح هذه العمليات حتى لا تصبح

حياة الأشخاص وسلامة أبدانهم عرضة للتلاعب خاصة في وقتنا الحاضر حيث طغت الماديات على القيم الإنسانية والأخلاق.

-2 الحقوق التي تهدف إلى حماية الكيان الأدبي ( المعنوي للإنسان).

فإذا كان للإنسان حق في حماية جسده، فإن له أيضا الحق في حماية مشاعره وكيانه الأدبي.ومن مظاهر هذه الحماية حقه في حماية شرفه وأسرته واسمه. وذلك مع التفصيل الآتي:

أ- للفرد الحق في الشرف: فالفرد له الحق في حماية كرامته وعرضه وسمعته من أن يمسه فيها إدعاء، وإذا وقع اعتداء كان له الحق في الذود عن كرامته وعرضه. بل إن هذا الاعتداء لا يعتبر اعتداء على الشخص فقط بل هو اعتداء على الجماعة بأسرها. ولذا يعاقب القانون الجنائي على مثل هذا الاعتداء. فيعاقب بذلك على جرائم القذف والبلاغ الكاذب والسب. وفي نفس الوقت يحفظ للمدعى حقه في مطالبة المعتدي بتعويض الأضرار الناجمة عن اعتدائه .

ب - للفرد الحق في السرية: لكل شخص الحق في الخصوصية على أسرار حياته، في أن تظل أسراره بعيدة عن العلانية، مصونة من النشر واستطلاع الغير، ومن ثم يمنع عن الغير إفشاء أسرار شخص دون إذنه، لاسيما لو أطلع شخص على هذه الأسرار بحكم وظيفته كالطبيب أو المحامي، أو بحكم صلة القرابة كالزوج. إلا في الأحوال التي يرخص فيها القانون بذلك. كما أن القانون يعتبر إفشاء أصحاب المهن ( الطبيب، المحامي) الأسرار التي يؤتمنون عليها جريمة معاقب عليها جنائيا( المادة 301 من قانون العقوبات الجزائري).

ت - للفرد الحق في الاسم:  فلكل فرد الحق في اسم يميزه عن غيره من الأشخاص. ويمنع غيره من انتحال شخصيته. فسوف نتعرض بالتفصيل لهذه النقطة عند تطرقنا لدراسة(  أركان الحق صاحب الحق).

ث - للفرد الحق في الصورة: فالصورة ما هي إلا انعكاس للإنسان وبالتالي فإن حق نشرها علانية على الناس حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية، يلزم حمايته، فلكل إنسان الحق في الخصوصية على صورته. فلا يجوز نشر صورة شخص دون إذنه إلا إذا كان شخصية عامة، كرئيس الجمهورية مثلا.أو حتى غير عامة وأخذت له صورة بصدد مناسبة عامة أو بمناسبة حوادث وقعت علنا وهذا استثناء من الاستثناءات الواردة على مبدأ الحق في الخصوصية،وإلا كان هذا الحق قيدا كبيرا على الناس في معرفة حقيقة ما يحدث حولهم من قضايا عامة.

ج - الحق المعنوي للمؤلف. من الحقوق اللصيقة بالشخصية ما للمؤلف من حق على نتاج ذهنه وحصيلة فكره التي تتجلى في صورة مصنفات ((مؤلفات)) سواء كانت كتابا أو رواية أو غير ذلك. فله وحده حق تعديله بما يتماشى مع ما أصاب فكره من تعديل وتغير. فالمصنف انعكاس لشخصية مؤلفه وبالتالي له الحق في حمايته كما يحمي كافة الحقوق الأخرى اللصيقة بشخصيته.

ح - الحريات الشخصية.تعتبر الحريات الشخصية من الحقوق اللصيقة بالشخصية لانها ترمي إلى تمكين الشخص من مزاولة نشاطه الذي يتماشى مع رغباته. ومن أمثلة هذه الحريات حرية الانتقال. حرية العمل، حرية التعاقد، حرية الزواج...الخ.

ثالثا: خصائص الحقوق اللصيقة بالشخصية.

الحقوق اللصيقة بالشخصية هي حقوق غير مالية فهي مرتبطة بشخص صاحبها لا تنفصل عنه فهي تخرج بذلك عن دائرة التعامل.فلا يجوز التصرف فيها ولا يرد عليها التقادم ، ولا تنتقل إلى الورثة. ويترتب على الاعتداء عليها الحق في تعويض الضرر الناتج عن هذا الاعتداء.

-1 الحقوق اللصيقة بالشخصية لا يجوز التصرف فيها. الحقوق اللصيقة بالشخصية تخرج عن دائرة التعامل، وبالتالي لا يجوز تصرف صاحبها فيها إلى الغير بأي شكل من أشكال التصرف ( البيع مثلا ، الهبة ، الوصية)، وقد عني المشرع الجزائري بالنص على هذه الخاصية فيما يتعلق بالتصرف في الحريات الشخصية كمثال بارز لهذه الحقوق بحيث تنص المادة 46 من القانون المدني الجزائري على أنه (  ليس لأحد التنازل عن حريته الشخصية ). كما نصت المادة 45 من نفس القانون على أنه( ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا لتغيير أحكامها) . فمثلا كذلك لا يجوز لشخص أن يلتزم بالعمل مدى الحياة عند شخص آخر، لأن في ذلك سلبا لحريته الشخصية بحيث يتضمن هذا التصرف تصرف الشخص في حريته في العمل لرب العمل فيكون العامل بهذا الالتزام الأبدي بمثابة عبد عند رب العمل وهو ما لا يجوز بنص القانون.

وإذا كان الأصل هو عدم جواز التصرف في الحقوق اللصيقة بالشخصية فإن هناك بعض الاستثناءات ترد على هذا الأصل، فهناك بعض الاتفاقات التي تنصب على التصرف في حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية، ومع ذلك تعد صحيحة لكونهاا تحقق أغراضا اجتماعية جديرة بالرعاية. فمثلا كما رأينا سابقا بأنه يجوز التبرع بالدم أو التبرع بالأعضاء البشرية فهذه الاتفاقات محلها جسم الإنسان، إذا كانت لا تؤدي إلى هلاكه أو إلى نقص دائم في كيانه الجسدي إنقاذا لحياة شخص آخر. وبالتالي تجوز مثل هذه التصرفات تحقيقا لمصلحة المستفيد منها، شريطة أن يكون هذا التصرف مجاني بدون عوض مادي ،عن طريق التبرع ، وهذا ما نصت عليه المادة 161  من قانون حماية الصحة وترقيتها على أنه: (  لا يجوز انتزاع أعضاء الإنسان ولا زرع الأنسجة إلا لأغراض علاجية أو تشخيصية حسب الشروط المنصوص عليها في هذا القانون. ولا يجوز أن يكون انتزاع الأعضاء أو الأنسجة البشرية ولا زرعها موضوع معاملة مالية).

-2 الحقوق اللصيقة بالشخصية لا يرد عليها التقادم: كل الحقوق اللصيقة بالشخصية لا تكتسب ولا تسقط بالتقادم لأنهاا جزء من شخصية الإنسان. بحيث لا تسقط هذه الحقوق بعدم الاستعمال مهما طالت مدة عدم استعمالها، مثل من يعرف بين الناس باسم معين غير أسمه الحقيقي (اسم الشهرة) لا يسقط حقه في اسمه الحقيقي مهما طالت مدة عدم استعماله لاسمه الحقيقي. ومن جهة أخرى لا يستطيع أحد اكتساب حق من هذه الحقوق بمضي الزمن، فمثلا من يؤلف كتابا ولا يضع عليه اسمه لا يستطيع أحد أن يكتسب حق نسبة هذا الكتاب له بوضع اسمه عليه، مهما طالت مدة استعماله لهذا الحق. وبالتالي يستطيع المؤلف الحقيقي أن يضع اسمه على مؤلفه وله الحق في أن ينسب له مهما طالت مدة اعتداء أحد الأشخاص على هذا الحق.

-3 الحقوق اللصيقة بالشخصية لا تنتقل معظمها للورثة. ما دامت أن هذه الحقوق لصيقة بالشخصية فهي لا تنتقل إلى الورثة، فمثلا لا يجوز لورثة شخص أن يتصرفوا في أجزاء جسده بمجرد وفاته دون إذن مسبق منه. وأيضا لا يجوز لورثة مؤلف لمصنف معين أن ينسبوا هذا المصنف إلى أنفسهم بمجرد وفاة هذا المؤلف، ولا أن يعدلوا فيه دون إذن مسبق من مورثهم. فكل ما لورثة المؤلف من سلطات تخولهم فقط المحافظة على مصنف مورثهم من أي اعتداء يمس نسبة هذا الصنف لصاحبه أو أي تغير في حالته التي أرادها له قبل وفاته.

الإعتداء على الحقوق اللصيقة بالشخصية ينشئ حقا ماليا في التعويض. إذا اعتدى شخص على أي حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية لشخص آخر يحق للمعتدى عليه مطالبة المعتدي بتعويض الضرر الذي أصابه نتيجة هذا الاعتداء سواء كان هذا الضرر ماديا أم معنويا( أدبيا). فمثلا من يدعي على شخص فعل يسئ إلى سمعته ويشيع هذا بين الناس دونما أساس من الصحة يعتبر معتديا على حق هذا الشخص في المحافظة على سمعته وشرفه.وبالتالي يحق للمعتدى عليه مطالبة المعتدي بجبر الضرر الذي أصابه جراء هذا الاعتداء ،عن طريق حصوله على تعويض مناسب يحكم به القاضي.وذلك وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، لان مصدر هذا العمل هو الفعل غير المشروع الموجب للتعويض. فالحق المالي في التعويض حق يتولد من الاعتداء على الحقوق اللصيقة بالشخصية ولكنه حق منفصل عنها. وهذا ما نصت عليه المادة 47 من القانون المدني الجزائري بقولها : (  لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة للشخصية ، أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر). وما أكدت عليه المادة 48 من نفس القانون بقولها: (  لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه دون مبرر. ومن انتحل الغير اسمه أن يطلب وقف هذا الاعتداء والتعويض عما يكون قد لحقه من ضرر).