2. المطلب الثاني : ماهية الائتمان المصرفي

2.5. الفرع الخامس : أدوات الائتمان

لقد استطاع على الدوام أطراف المبادلات التجارية أن يستحدثوا أدوات وأساليب مختلفة لتحقيق هدف سرعة تداول الحقوق وتوفير أكبر قدر من الثقة في المعاملات، ومن أهم هذه الأدوات نجد الأوراق التجارية والأوراق المالية. فالأولى تعتبر أدوات ائتمانية قصيرة الأجل، بينما تعتبر الثانية أدوات ائتمانية طويلة الأجل، ومن الجدير بالذكر أن النقود الورقية ذاتها تُعد من بين أدوات الائتمان. وفيما يلي نتناول هذه الأدوات بشيء من التفصيل.

أولا: الأوراق التجارية:

الأوراق التجارية هي صكوك (محررات مكتوبة) قابلة للتداول، تمثل حقاً نقدياً يستحق الدفع بمجرد الإطلاع (بمجرد تقديمه)، وجرى العرف على قبولها كأداة وفاء. وأهم ما يميز هذه الأوراق سرعة تداولها وعدم تقيدها بالقيود المتعارف عليها في قواعد القانون المدني، كما أن العرف يدخل في توفير قدر كبير من الضمان لها وإضفاء درجة من الثقة عليها. و لها أهمية كبرى للاقتصاد، فهي أداة وفاء وأداة ائتمان. ومن أهم هذه الاوراق التجارية السفتجة والسند لأمر والشيك[1] .  وسنتعرض لكل واحدة منها بشكل مختصر فيما يلي :

1-   السفتجة : هي محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية مذكورة في القانون تتضمن أمرا صادرا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه بأن يدفع لأمر شخص ثالث هو المستفيد مبلغا معينا بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين[2].

2-   السند لأمر: هو محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية مذكورة في القانون يتضمن تعهد من طرف محرره بدفع مبلغ معين بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين لأمر شخص آخر هو المستفيد ، و يختلف السند لأمر عن السفتجة من حيث الشكل إذ السفتجة تفترض وجود ثلاثة أشخاص عند تحريرها بينما السند لأمر لا يتضمن عند إنشائه إلا شخصين هما المحرر و المستفيد ويستند هو الآخر إلى علاقة سابقة بين هذين الشخصين يصبح فيها المحرر مدينا للمستفيد فنشا لأمره سندا يتعهد فيه بدفع قيمة الدين في تاريخ معين ، كما يختلف السند لأمر عن السفتجة من حيث طبيعة الالتزام الثابت في كل منهما إذ يعتبر الالتزام على السفتجة عملا تجاريا مطلقا ، أما الالتزام على السند لأمر فلا يكون عملا تجاريا إلا إذا كان محرر السند تاجرا أو صدر السند بمناسبة عملية تجارية .[3]

3-   الشيك: هو محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية ذكرها القانون و يتضمن أمرا صادرا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه الذي غالبا ما يكون بنكا ، بان يدفع لشخص ثالث هو المستفيد مبلغا معينا بمجرد الاطلاع على الشيك.  و يختلف الشيك عن السفتجة في كونه دائما مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع لأنه أداة وفاء فحسب و لا يقوم بوظيفة الائتمان كما لا يعد عملا تجاريا إلا إذا حرر بمناسبة عمل تجاري أو وفاء لدين من بيعة تجارية، سواءً قام بتحريره تاجر أو غير تاجر، غير انه إذا قام بتحريره تاجر قامت قرينة على أن الشيك يتعلق بشؤون تجارية و من ثم يعد عملا تجاريا غير أن هذه يمكن دحضها بجميع وسائل الإثبات[4] .

ثانيا: الأوراق المالية:

يُطلق لفظُ الأوراق الماليّة على جميع الأوراق والصكوك التي تصدرُها الهيئات الحكوميّة والمدنيّة العامة، والشركات الخاصة، كشركات التأمين، والمستشفيات الخاصّة، فتعطي للشخص الذي يملكها حقاً لدى الجهات التي تصدرها[5]، وتعتبر من أدوات الائتمان طويل الأجل ومن أهمها الأسهم والسندات. والتي سنتناولها بشكل مختصر فيما يلي:

1-   الأسهم:  السهم في اللغة مشتق من الفعل ساهم بمعنى اشترك أما في الاصطلاح فيعرف بأنه الوثيقة التي تمثل حصة المساهم في رأس مال الشركة أو انه حصة في رأس مال شركة الأموال. و قد عرف كذلك بأنه صك مالي يشكل حق المساهم في أن يكون شريكا في الشركة التي أسهم في رأس مالها و يمكن كأصل عام تداول هذا الصك المالي بالطرق التجارية المختلفة كالتظهير و التسليم[6]. و السهم يعطي لحامله العديد من الحقوق من ضمنها حقه في أن تتحدد مسؤوليته بقدر قيمة أسهمه و له أن ينال نصيب من أرباح الشركة اذا ما حققت الشركة أرباحا، و له أن يتصرف في أسهمه كأصل عام كلما أراد ذلك و لا يجوز إجبار المساهم على ترك الشركة بغير إرادته، و له أن يسترد حصته أو ما بقي منها عند انقضاء الشركة و اذا كانت هذه حقوقه المالية فان السهم بإضافة إلى ذلك يعطي له حق في إدارة الشركة عن طريق حضور الجمعيات العمومية و اشتراك في مداولتها وترشح لعضوية مجلس الإدارة[7]. وبالتالي فحملة الأسهم هم شركاء في رأس المال وبالتالي لا يحصلون على فائدة وإنما يحققون أرباحا أو يتحملون خسارة تبعا للأداء المالي للمشروع الذي أصدر هذه الأسهم[8].

2-   السندات:  هي عقد مكتوب يحتوي على تعهدٍ بدفع مبلغ ماليّ في موعد معين، أو عند تحقيق شرط ما، وتُعدّ كافة الاتفاقات والعقود الخاصة بالقروض عبارة عن سندات، كما تُعرَّف السندات بأنّها مبالغ ماليّة تقترضها الحكومات أو المُنشآت، وتتعهّد بسدادها مع إضافة فائدة لها في تاريخ يتمّ الاتفاق عليه. والمكتتبون في هذه السندات لا يكونون شركاء في رأس المال وإنما مجرد دائنين ومن ثم يتعين أن يتقاضوا فائدة بسعر ثابت يتحدد مقدما ويستمر حقهم في تقاضيه حتى تاريخ استهلاك الدين من الجهة التي أصدرته.[9]

ثالثا: النقود الورقية : وهي تعتبر من أدوات الائتمان، وليس أدل على ذلك من كونها تسمى أحيانا بالنقود الورقية الائتمانية، دلالة على أن قبول الأفراد لها وتداولها بينهم إنما يتوقف على درجة ثقتهم في الجهة المصدرة لها وهي الدولة. ولذلك فإن الذي له حق إصدار هذا النوع من الائتمان هو الدولة فقط وإن كان ينوب عنها في الإصدار البنك المركزي باعتباره بنك الحكومة. وتتمتع النقود بميزة كبرى هي قبولها العام كوسيط في المبادلات وسيولتها الكاملة، وذلك بخلاف كافة أدوات الائتمان الأخرى التي تتمتع بقدر فقط من السيولة كبيرا كان أم صغيرا.[10]

ومع التقدم العلمي وظهور الحواسيب والانترنت ظهرت وسائل ائتمان ووفاء - تختلف عن وسائل الائتمان والوفاء التقليدية المذكورة آنفا - تتلاءم مع الحياة التجارية المتطورة أين أصبحت البيئة التجارية بفضل هذه الوسائل تتميز بسهولة وسرعة في المعاملات. وهذه الوسائل الحديثة هي ما يطلق عليها وسائل الائتمان الإلكتروني، والتي سنتناولها في المبحث التالي.


[1]- عــــــــــادل أحـــــــــمد حشیش، أسـاسیات الاقتصاد النقدي و المصرفي، دار الجامعة الجدیدة، الأسكندریة، مصر،2004  م، ص  148.

[2]-  نادية فضيل ، الأوراق التجارية في القانون الجزائري ، دار هومه ، الجزائر، ط11، 2006 م، ص19.

[3]- راشد راشد، الأوراق التجارية- الإفلاس و التسوية القضائية في القانون التجاري الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2008 م، ص 119-120.

[4]- علي جمال الدين عوض، الشيك في قانون التجارة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1998 م، ص 04-10.

[5]- محمود محمد الداغر،  الأسواق المالية: مؤسسات- أوراق- بورصات، الطبعة الأولى، دار الشروق، عمان، 2005 م، ص86-87.

[6] - صلاح السيد جودة،  بورصة الأوراق المالية، مكتبة الإشعاع، الإسكندرية، مصر، 2000 م، ص 156 .

[7]- مجيد ضياء، البورصات- أسواق رأس المال وأدواتها- الأسهم والسندات، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 2003م، ص 39 – 40.

[8]- طارق عبد العال حماد ، بورصة الأوراق المالية، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2000 م، ص 22.

[9]- محمود محمد الداغر، مرجع سابق، ص 103.

[10]- سهير محمود معتوق، أصول الإقتصاد، مكتبة عين شمس، القاهرة، مصر، 1996 م، ص94.