1. المبحث الأول: مفهوم الحزب السياسي

1.2. المطلب الثاني: المفهوم الاصطلاحي

اختلف فقهاء القانون العام بصفة عامة، وفقهاء القانون الدستوري بصفة خاصة، في إيجاد تعريف موحد للحزب السياسي، وذلك باختلاف الزاوية أو المنطلق في تعريفه، فعرفه البعض من خلال أهدافه وبرامجه، أي مشروعه السياسي الذي أنشأ من أجله[1]، وهناك من عرفه على ضوء مختلف خصائصه[2].

الفرع الأول: التعريف على ضوء المشروع السياسي

    عرف الفقيه بيردو Burdeau الحزب السياسي بأنه كل تجمع من الأشخاص الذين يؤمنون ببعض الافكار السياسية ويعملون على انتصارها وتحقيقها، وذلك بجمع أكبر عدد ممكن من المواطنين حولها والسعي للوصول إلى السلطة، أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة[3].

     وعرفه سليمان الطماوي بأنه جماعة متحدة من الأفراد تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين[4].

   وعرفه رمزي الشاعر بأنه جماعة من الناس لهم نظام خاص وأهداف ومبادئ يلتفون حولها ويدافعون عنها ويسعون إلى تحقيقها عن طريق الوصول إلى السلطة أو الاشتراك فيها[5].

    أما محمد عبد العال السناري فعرفه بأنه جماعة من الأفراد تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم أو المشاركة فيه بقصد تنظيم برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة[6].

  الفرع الثاني: التعريف على ضوء خصائص الحزب

  عرف الحزب السياسي وفق هذا المعيار بناء عناصر أساسية، هي[7]:

أ-الحزب هو تنظيم دائم، فهو ليس مؤقتا أو مرتبطا بتحقيق هدف معين ثم يختفي، وإلا كانت له تسمية أخرى.

ب-هو تنظيم وطني، فهو يمتاز بأنه وطني أو أكثر، وليس له طابع محلي وإلا أصبح جمعية أو أي منظمة أخرى.

جــ-يسعى للوصول إلى السلطة، فأعضاؤه يسعون إلى تحقيق برنامج سياسي معين، ولن يكون ذلك إلا بالسعي للوصول إلى السلطة.

د-الحصول على الدعم الشعبي، وهذا لن يعرف مداه إلا بالانتخابات بمختلف مراحلها ومستوياتها.

الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري من تعريف الحزب السياسي

  لم يكن مسموحا بتشكيل الأحزاب السياسية في الجزائر قبل سنة 1989، لكن بعد صدور دستور 1989 ودخول الجزائر مرحلة التعددية السياسية، نصت المادة 40 منه على حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، جاء فيها: «حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، معترف به. ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقلال البلاد وسيادة الشعب».

      وصدر فعلا القانون رقم 89-11[8] والمتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، الذي نصت مادته الثانية على أنه: «تستهدف الجمعية ذات الطابع السياسي في إطار أحكام المادة 40 من الدستور جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي، ابتغاء هدف لا يدر ربحا وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية».

  وأضافت المادة الخامسة من ذات القانون أنه يمنع تأسيس أي جمعية ذات طابع سياسي على الممارسة الطائفية والجهوية والإقطاعية والمحسوبية. كما منعت استغلال الجمعية ذات الطابع السياسي في ممارسة سلوك استغلال أو تبعية، أو سلوك مخالف للإسلام وقيم أول نوفمبر 1954.

   أما التعديل الدستوري 1996 فقد غير التسمية من جمعيات ذات طابع سياسي إلى أحزاب سياسية، حيث نصت مادته الـ 42 على أن: «حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون».

   فهذه المادة كانت أوسع من المادة 40 الواردة في دستور 1989، حيث أضافت أنه: "لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والقيم والمكونات الاساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية وأمن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد وسيادة الشعب وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة. وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة. يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية. لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما».

   وصدر فعلا القانـــــــــــــــــون العضــــوي المتعلق بالأحزاب السياسية بموجب الأمر رقم 97-09[9] الذي عرفت مادته الثانية الحزب السياسي وفق معيار الهدف والمبتغى من إنشائه، حيث نصت على أن: «يهدف الحزب السياسي في إطار أحكام المادة 42 من الدستور، إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي، دون ابتغاء هدف يدر ربحا».

   ثم عددت المواد 3، 4، 5 من الأمر نفسه أهداف الحزب وحدوده والممنوعات التي لا يجب عليه تجاوزها.

   وصدر القانون العضوي 12-04 [10]  المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي ألغــــــــــى الأمر 97-09 كلية وأصبح هذا القانون العضوي هو الذي يسير الأحزاب السياسية في الجزائر حاليا.

    غير أن ما يمكن ملاحظته في القانون العضوي الجديد (2012) هو تعريفه للحزب السياسي في المادة الثالثة منه بأنه: «الحزب السياسي هو تجمع مواطنين يتقاسمون نفس الأفكار ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي مشترك حيز التنفيذ للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية».    

   ثم أضافت المادة الرابعة من القانون العضوي نفسه بأن الحزب السياسي يؤسس لمدة غير محددة ويعتمد في تسييره وتنظيمه وهيكلته على المبادئ الديمقراطية.

  ويظهر أن المشرع الجزائري اعتنق معيار الخصائص المميزة للحزب كأساس لتعريفه، إضافة إلى معيار المشروع السياسي في المادة الثالثة، حيث دمج بين المعيارين في مادتين متتاليتين، وذلك تجنبا للانتقادات الموجهة للتعاريف التي سبق تفصيلها، وهو عمل يحسب له، لأنه استدرك النقائص الموجودة في تعاريف قانون 1989 وأمر 1997.

الفرع الرابع: التعريف القضائي للحزب السياسي

    تطرق القضاء في بعض أحكامه إلى تعريف الحزب السياسي، فعرفته محكمة القضاء الإداري المصري بأنه: «وفقا للمسلم به في الفقه الدستوري ومبادئ العلوم السياسية أن الحزب لا يعدو أن يكون جماعة منظمة أو جمعية منظمة أو تنظيما لمجموعة من المواطنين يعمل كوحدة سياسية لتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لأهداف وبرامج تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة وصولا للحصول على ثقة أغلب الناخبين بما يمكنه بشكل شرعي من وضع هذه الأهداف والبرامج موضع التنفيذ»[11].

   وكانت الفرصة للمحكمة الدستورية العليا المصرية لتعريف الحزب السياسي بأنه «جماعات منظمة، تعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسؤوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد»[12].



[1] نبيلة عبد الحليم كامل، الأحزاب السياسية في العالم المعاصر، دار الفكر العربي، ص. 71

[2] الأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 213

أنظر:[3]

"Nous dirons que constitue un parti tout groupement d'individus qui professe les mêmes vues politiques, s'efforcent de les faire prévaloir, à la fois enraillant le plus grand nombre possible de citoyen et en cherchant à conquérir le pouvoir ou, du moins, à influencer ses décision".

Burdeau, Traité de science politique, 2 eme Edition, 1968, p.274.

[4] سليمان الطماوي، النظام النيابي في مصر، الهيئــــــــة العامة لشؤون المطابع الأميرية، المجلس الأعلى للثقافة، 1993، ص. 201

[5] رمزي الشاعر، الإيديولوجيا وأثرها في الأنظمة السياسية المعاصرة، المرجع السابق، ص. 104

[6] محمد عبد الله السناري، الأحزاب السياسية والأنظمة السياسية والقضاء الدستوري، دراسة مقارنة، مطبعة الإسراء، ص.15

[7] الأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري، المرجع السابق، ص.213

[8] قانون رقم 89-11 مؤرخ في 2 ذي الحجة عام 1409 الموافق 5 يوليو سنة 1989 يتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، ج. ر رقم 27، ص.714

[9] أمر 97-09 مؤرخ في 27 شوال عام 1417 الموافق 6 مارس سنة 1997 يتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، ج. ر رقم 12، ص.30

[10] قانون عضوي رقم 12-04 مؤرخ في 18 صفر عام 1433 الموافق 12 يناير سنة 2012، يتعلق بالأحزاب السياسية، ج. ر رقم 02، 15 يناير 2012، ص.9.

[11] محكمة القضاء الإداري المصري، الحكم في الطعن رقم 3910 لسنة 46، جلسة 01/02/2000، منشورات مختارات المبادئ القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري، أكتوبر 1999، أكتوبر 2000، ص. 98

[12] مجموعة أحكام المحكمة الدستوري العليا المصرية، الجزء الرابع، جلسة 07/05/1988، قضية رقم 44 لسنة 7 دستوري، ص. 98