1. المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

1.2. القسم الثاني: أنواع الدعاوى الإدارية في مجال الصفقات العمومية

    الدعوى القضائية هي وسيلة إجرائية، أو بالأحرى هي مجموعة من الإجراءات يلجأ إليها شخص طبيعي أو معنوي يدعي حقا، أو يطالب بحماية حق [1]. وهي حق ساكن قبل تحريكها، ومتى لجأ الشخص إلى القضاء يتحول هذا الحق إلى حق متحرك، ويتحول إلى خصومة بمجرد توجيه الإدعاء إلى المدعى عليه.[2]

    وقد نص المشرع الجزائري في المادة 03 من ق إ م إ على ما يلي "يجوز لكل شخص يدعي حقا رفع دعوى أمام القضاء الإداري للحصول على ذلك الحق أو حمايته"

     وبعد تبني المشرع الجزائري الازدواجية القضائية، ظهرت الدعوى القضائية الإدارية بخصوصيتها الإجرائية ،التي تختلف عن الدعوى القضائية العادية، حيث خصها المشرع الجزائري بإجراءات خاصة وردت في الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت عنوان "الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية".

     وفي غياب تعريف تشريعي مباشر للدعوى القضائية الإدارية، فإن التعريف الفقهي يفرض نفسه في تحديدها، لذا يمكن تعريف الدعوى الإدارية بأنها:

"الوسيلة أو المكنة التي يخولها القانون للشخص في اللجوء إلى القضاء الإداري للمطالبة بحقوق مستها تصرفات وأعمال الإدارة وأضرت بها."[3]

     وحتى لا تخوض كثيرا في التصنيفات الفقهية للدعوى الإدارية، فسوف نقتصر في هذا المقام على التصنيف التشريعي الجزائري، والذي يمكن استنباطه من نص المادة 801 ق إ م إ التي عددت أنواع الدعاوى الإدارية التي ترفع أمام المحاكم الإدارية باعتبارها صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعة الإدارية ،حيث نص في الفقرة الأولى منها على دعاوى إلغاء القرارات الإدارية ودعاوى تفسير وتقدير مشروعية القرارات الإدارية، ونصت الفقرة الثانية على دعوى القضاء الكامل، ونصت الفقرة الثالثة على نوع ثالث هو الدعاوى الإدارية المخولة للمحاكم الإدارية بموجب نصوص خاصة، وفقا لإجراءات خاصة غير تلك المنوه عنها في القواعد العامة، كالدعاوى الناتجة عن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية أو ذلك المتعلق بنظام الانتخابات[4].

    ويخرج عن نطاق الفقرة الثالثة من المادة 801 ق إ م إ منازعات الصفقات العمومية، باعتبار أن نصوص تنظيم الصفقات العمومية لم تدرج منازعات الصفقات العمومية ضمن القضاء الإداري بنص خاص. وباعتبار أن دعوى التفسير وفحص وتقدير المشروعية هي دعاوى فرعية، لا تأتي إلا مرتبطة بدعوى أصلية فإن منازعات الصفقات العمومية لا تخرج عن نطاق إحدى الدعاوى الأصلية ممثلة إما في دعوى الإلغاء أو دعوى القضاء الكامل.[5]

    من هذا المنطلق يتعين علينا تحديد نوع الدعوى التي تمارس في مجال منازعات الصفقات العمومية، وصنف المنازعة التي تنطوي ضمنها، والحد الفاصل بين مجال دعوى الإلغاء ومجال دعوى التعويض.

أولا- مجال دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية.

تعرف دعوى الإلغاء بأنها" الدعوى التي يرفعها صاحب الصفة والمصلحة أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة، قصد إبطال الآثار القانونية لقرار إداري غير مشروع"[6]

وعليه فإن دعوى الإلغاء محلها قرار إداري فقط، وهو عمل قانوني إنفرادي يصدر عن الإدارة المنفردة للإدارة قصد إحداث آثار قانونية معينة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل هل هناك مجال لرفع دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية؟

إن الصفقات العمومية هي عقود إدارية تشترك في إبرامها إرادتين إيجابا وقبولا، ما يجعلها تختلف عن القرار الإداري باعتباره عمل قانوني إنفرادي. لذا فإن الأصل فيها أنها تخضع لاختصاص القضاء الكامل، ولا تدخل في اختصاص قضاء الإلغاء سوى القرارات الإدارية المنفصلة عن العملية التعاقدية، باعتبار أن القرار المنفصل هو قرار لا يدخل في الرابطة التعاقدية وعليه سنتطرقفي البداية  لمحل دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية ثم نتناول بعدها شروط رفع دعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المنفصلة و ننتهي في آخر هذه الجزئية إلى حجية الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة على عقد الصفقة العمومية.

1/ محل دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية:

   اقر المشرع الجزائري صراحة بان يكون محل دعوى الإلغاء قرار إداري من خلال نص المادة 801 ق إ م إ ،بل و ذهب إلى ابعد من ذلك حين اشترط ضرورة إرفاق العريضة الافتتاحية للدعوى بالقرار محل النزاع تحت طائلة عدم القبول وفقا للمادة 819  ق إ م إ. لكن عندما يتعلق الأمر بمنازعة في الصفقات العمومية، و التي تكيف على أنها عقود، فان الطعن بالإلغاء يكون محصورا في القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن الصفقة العمومية فقط.لذا سنتطرق بداية إلى مفهوم القرارات الإدارية المنفصلة،ثم نعمل على تحديد و تصنيف القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن الصفقة العمومية، و التي يمكن الطعن فيها في الإلغاء.

أ/ مفهوم القرارات الإدارية المنفصلة:

   إن العملية العقدية هي سلسلة متصلة الحلقات تبدأ بالقرارات التمهيدية أو المساعدة لإبرام الصفقة العمومية وصولا إلى القرار النهائي. وتعتبر القرارات الإدارية المنفصلة أولى هذه القرارات الإدارية ،ويمكن تعريفها بأنها:" تلك الأعمال الصادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة تساهم في تكوين العقود الإدارية لكن يمكن فصلها عن ذات العقد المرتبطة به، وبالتالي يمكن الطعن فيها بدعوى الإلغاء استقلالا عن العملية العقدية".[7] وعرفت أيضا بأنها "القرارات التي تساهم في تكوين العقد الإداري وتستهدف إتمامه، إلا أنها تنفصل عن هذا العقد وتختلف عنه بطبيعتها الأمر الذي يجعل الطعن فيها بالإلغاء جائزا."[8]

من خلال هذهالتعاريف يمكن استنتاج شرطين أساسين للقول بوجود قرار إداري منفصل هما:

1- أن يكون هذا الإجراء (القرار) ضروريا لإبرام العقد.

2- أن يكون هذا الإجراء جزءا أصليا لا يمكن تجزئته عن العقد.[9]

والعلة في عدم خضوع القرارات المنفصلة عن العقد لاختصاص قاضى العقد لينظرها بولاية القضاء الكامل، أن تلك القرارات باعتبارها تمهد لإبرام العقد الإداري ، لم يكن العقد قد أنعقد حال صدورها الأمر الذي يخضعها لقضاء المشروعية، كونها قرارات إدارية صادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة.

ب/ القرارات الإدارية المفصلة في الصفقات العمومية:

   إن نظرية القرارات الإدارية المنفصلة هي من ابتكار مجلس الدولة الفرنسي:ابتداء من قضية Martin بتاريخ 4 أوت 1905.[10]وتأثر بها القضاء الإداري الجزائري وطبقها في مجالات عدة، كنزع الملكية للمنفعة العامة والمنازعات الانتخابية، وكذا في مجال العملية العقدية. لكن ما يهمنا في هذا المقام هو القرارات الإدارية المنفصلة في الصفقات العمومية.

إن مجال الطعن بالإلغاء ضد القرار الإداري المنفصل في مجال الصفقات العمومية يشمل القرارات الممهدة لإبرام الصفقة وكذا القرار المتعلقة بإبرامها.

ب/1 الطعن بالإلغاء ضد القرارات الممهدة لإبرام الصفقة:

   تتعدد القرارات التي تصدرها المصلحة المتعاقدة قبل إبرام الصفقة العمومية، والتي تسمى بالقرارات الإدارية المنفصلة المستقلة[11]، وبالرجوع إلى نصوص المرسوم الرئاسي 15/247 يمكن استخلاص العديد من التصرفات الصادرة عن المصلحة، والتي يمكن تكييفها على أنها قرارات إدارية منفصلة ويمكن إدراجها كما يلي:

  • ·       قرار الإعلان عن الصفقة العمومية.

   إن الإعلان عن الصفقة العمومية هو دعوة للتعاقد، و هو إجراء جوهري يصل من خلاله أمر الصفقة العمومية إلى كل من تتوفر فيه الشروط اللازمة للقيام بالعملية المعلن عنها، ومن خلاله يتحقق مبدأ المساواة، ومبدأ حرية المنافسة ،ومبدأ حماية الإنتاج الوطني. لذا ألزم قانون الصفقات العمومية المصلحة المتعاقدة أن تضمن هذا الإعلان بيانات إلزامية محددة في نص المادة 62 من المرسوم 15/247 وحددت المواد 61و65 من نفس المرسوم كيفية وطرق نشره. وعليه يشترط لسلامة قرار الإعلان مراعاة نوعين من الشروط، شروط شكلية تتعلق بنشر الإعلان والطرق المتبعة في ذلك،وشروط موضوعية تخص المبادئ التي تبني عليها الصفقات العمومية كمبدأ المساواة وحرية التنافس[12]

    واعتبر القضاء الإداري الإعلان عن الصفقة قرارا إداريا منفصلا عن العملية العقدية الكلية يجوز الطعن فيه بالالغاء[13].

  • ·       قرار المنح المؤقت للصفقة:

       يعرف المنح المؤقت للصفقة على انه" إجراء إعلامي بموجبه تخطر الإدارة المتعاقدة المتعهدين والجمهور باختيارها المؤقت وغير النهائي لمتعاقد ما، نظرا لحصوله على أعلى تنقيط فيما يخص العرضين المالي والتقني"[14]و يشترط نشره في نفس الجرائد التي نشر فيها الإعلان عن الصفقة، الغاية منه إضفاء الشفافية على إبرام الصفقة العمومية.

أعتبر القضاء الإداري الفرنسي قرار المنح المؤقت قرارا إداريا منفصلا، لتوافره على خصائص القرار الإداري، حيث قررت المحكمة الإداريةChalon Sur Marne بتاريخ 06 أكتوبر 1993 بطلانقرارالمنحالمؤقتفيصفقةلأنهجاءبعدالتفاوضمعالمتعهدينأثناءدراسةالعروض.

  • ·       قرار الاستبعاد من المشاركة:

لم يرد في قانون الصفقات العمومية مصطلح قرار الاستبعاد مطلقا، لكن يمكن إستنتاجه بطريقة غير مباشرة من نصوص المواد 72و 75 من المرسوم الرئاسي 15/247[15] بين نوعين من قرارات الإستبعاد:

-      قرار رفضالعرض المقدم.

-      قرار إقصاء أو منع متعامل من المشاركة في الصفقة العمومية.

1)        قرار رفض العرض المقدم:

    يعد قرار المصلحة المتعاقدة برفض عطاء مقدم من متعهد ما قرارا موضوعيا، فهو لا يوجه إلى شخص مقدم العطاء، بل ينصب على العرض نفسه، لعدم استيفاءه الشروط التي يتطلبها المرسوم 15/247 لصحة العرض، ويعد من أهم أسباب رفض العرض:

-      عدم احترام شروط تقديم العرض (كالآجال مثلا)

-      عدم مطابقة العروض لمحتوى دفتر الشروط.

-      العروض التي لم يتحصل على العلامة الدنيا اللازمة، المنصوص عليها في دفتر الشروط.

-      إذا ثبت أنه يترتب عن منح المشروع هيمنة المتعامل المقبول على السوق، ما يتسبب في الإخلال بمبدأ المنافسة في القطاع المعنى.

2)                 قرار استبعاد متنافس:

يعتبر قرار إقصاء متعامل اقتصادي من دخول المنافسة قرارا شخصيا، يوجه إلى شخص معين بذاته، معنويا كان أو طبيعيا[16].بهدف حرمانه من الاشتراك في كافة الصفقات المعلن عنها، ويعتبر من القرارات المنفصلة عن الصفقة . وقد نصت على حالات الإقصاء المادة 75 من المرسوم الرئاسي 15/247 والتي من بينها: الإفلاس، التسوية القضائية، عدم استيفاء الواجبات الجبائية ،التصريح الكاذب ...وغيرها.

   في الأخير نذكر أنه أمام خطورة التسجيل في قائمة الأشخاص الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية، فإنه لا يتخذ هذا القرار إلا بعد إتباع عدة إجراءات حددها القرار الوزاري المؤرخ في 28 مارس 2011.[17]

ب/2الطعن في القرارات المتعلقة بإبرام الصفقة:

   بعد إنهاء الإجراءات المتعلقة بإرساء الصفقة، تتخذ المصلحة المتعاقدة عدة قرارات فقد تستهدف السير في عملية الإبرام، من خلال إصدار قرار إبرام الصفقة ،وقرار التصديق عليها من طرف الجهة الوصية المختصة، وقد تقرر المصلحة المتعاقدة العدول عن إبرام الصفقة فتصدر قرارا بإلغائها.

  • ·    قرار إبرام الصفقة:

   قرار إبرام الصفقة هو القرار الذي بمقتضاه يتم اعتماد نتائج الإرساء من قبل الجهة الإدارية المختصة بذلك، ويؤدي هذا القرار إلى إنشاء العلاقة التعاقدية بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل، وبه يكتمل رضا طرفي العقد[18]. وفي هذا الإطار نصت المادة 04 من المرسوم الرئاسي 15/247 : " لا تصح الصفقات ولا تكون نهائية إلا إذا وافقت عليها السلطة المختصة المذكورة أدناه:

مسؤول الهيئة العمومية، الوزير، الوالي، رئيس المجلس الشعبي البلدي المدير العام أو مدير المؤسسة العمومية" والتي يمكن لها أن تفوض صلاحيات الإبرام في حدود ما يسمح به القانون[19]"

    ويعد القرار الصادر بإبرام العقد في حد ذاته قرارا إداريا ،يخضع لاختصاص قاضي الإلغاء دون قاضي العقد، باعتبار أن العقد حال صدور هذا القرار لم يكن قد انعقد بعد، وهذا هو الأمر الذي يجعل منه قرارا إداريا منفصلا عن العقد الإداري. وهو النهج الذي سار عليه القضاء الإداري، وذلك قصد السماح بتوجيه دعوى الإلغاء ضده حتى لا يظل قرارا محصنا نتيجة عدم إمكانية توجيه دعوى أخرى ضده[20].

    وبحسب مجلس الدولة الفرنسي فإنه  لا يبرر الطعن في قرار الإبرام إلا لسبين:

-      إما عدم الاختصاص بإبرام الصفقة.

-      إما مخالفة الإجراءات الشكلية التي يتطلبها القانون في الإبرام.[21]

   و تجدر الإشارةفي الأخيرانهعندما يتعلق الأمر بالصالح العام، يمكن المصلحة المتعاقدة، أثناء كل مراحل إبرام الصفقة العمومية ،إعلان  إلغاء الإجراء و/أو المنح المؤقت للصفقة  العمومية. ولا يمكن المتعهدين أن يطلبوا أي تعويض في حال عدم اختيارعروضهم أو في حال إلغاء الإجراء و/أو المنح المؤقت للصفقة العمومية .

  • ·                  قرار التصديق على إبرام الصفقة العمومية:

       إن التصديق على إبرام الصفقة العمومية هو من صميم اختصاص السلطة الوصية ،وقد تم النص على هذا النوع من الرقابة الوصائية في المادة 164 من المرسوم الرئاسي 15/247 . الغاية منه التحقق من مطابقة الصفقات التي تبرمها المصلحة المتعاقدة لأهداف الفعاليةوالاقتصاد، والتأكد من كون العملية التي هي موضوع الصفقة تدخل فعلا في إطار البرامج والأسبقيات المرسومة للقطاع[22] . من أمثلة قرارات التصديق على الصفقة ما نصت عليه المادة 149 من القانون 11/10 المتعلق بالبلدية "يصادق على محضر المناقصة والصفقة العمومية عن طريق مداولة لمجلس الشعبي البلدي.

يرسل محضر المناقصة والصفقة العمومية إلى الوالي مرفقان بالمداولة المتعلقة بهما"[23]

وقد أعتبر مجلس الدولة الفرنسي قرار التصديق أو عدم التصديق الصادر عن السلطة الوصية من القرارات الإدارية المنفصلة عن الصفقة، حتى لو كان الطاعن طرفا في العقد رغم إمكانية لجوئهم إلى القضاء الكامل.[24] وهو ما سنتطرق له تفصيلا في الجزئية الموالية المتعلقة بشرط الصفة في دعوى الإلغاء المتعلقة بمنازعات الصفقات العمومية.

2/شروط رفع دعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المنفصلة

       تخضع دعوى الإلغاء للشروط العامة المتعارف عليها، المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي تنقسم إلى شروط شكلية وشروط موضوعية، تتمثل الشروط الشكلية أساسا في

  • شرط الصفة والمصلحة ( 13 ق إ م إ)

-      وأن تنصب دعوى الإلغاء على قرار إداري إعمالا لنص المادة 801 ق إ م إ

-      وأن يحترم شرط الميعاد في رفع الدعوى، والذي وحده المشرع الجزائري سواء بالنسبة لاختصاص المحاكم الإدارية 829، أو لاختصاص مجلس الدولة 907 ق إ م إ[25].أما الشروط الموضوعية لدعوى الإلغاء فتقضي بأن يكون القرار الإداري المنفصل مشوبا بإحدى العيوب المتمثلة في:

1-        عيب عدم الاختصاص.

2-        عيب مخالفة الشكل والإجراءات.

3-        عيب السبب.

4-        عيب مخالفة القانون.

5-        عيب الانحراف في استعمال السلطة.

من خلال إسقاط هذه الشروط على دعوى إلغاء القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية نستنتج الشروط الخاصة بهذه الأخيرة المتمثلة أساسا في:

أ‌-     شرط تقديم الطعن من غير المتعاقد:

   الأصل أن دعوى الإلغاء في القرار المنفصل عن الصفقة لا تقبل إلا إذا رفعت من غير المتعاقد الذي تضرر بالقرار المطعون فيه، ولا تقبل هذه الدعوى من المتعاقد نفسه، لأنه يملك اللجوء إلى قاضي العقد بدعوى القضاء الكامل. لكن استثناءا طور القضاء الإداري حالات معينة يمكن فيها لهذا الأخير أن يرفع طعنا بالإلغاء. لذا سنتعرض للقاعدة العامة في شرط الصفة والمصلحة للطاعن في القرارات المنفصلة عن الصفقة بالإلغاء، ثم نتناول الاستثناء.

  • ·       القاعدة العامة: شرط تقديم الطعن من غير المتعاقد

يقصد ب"الغير" في هذا المقام "غير المتعامل المتعاقد"، وهو الشخص الخارج عن عقد الصفقة .فهذا " الغير" إذا تضرر من قرار أصدرته المصلحة المتعاقدة يمكنه أن يسلك دعوى الإلغاء[26]

ويرجع سبب اشتراط صفة الغير في الطاعن، إلى رفض القضاء الإداري فصل القرارات الصادرة في مرحلة تنفيذ العقد عن العقد نفسه. لأن الطاعن في هذه المرحلة هو أحد أطراف الرابطة العقدية، وعليه أن يسلك دعوى القضاء الكامل استنادا إلى قاعدة نسبية آثار العقد.[27]

وبالرجوع إلى المرسوم 15/247 نجد أن المشرع أعطى عدة صفات لهذا "الغير" فأعطاه تسمية " متعهد" أو "مرشح" أو "المتعامل الاقتصادي" أو " المتنافس" فمثلا تعد صفة "متعهد" شرطا لازما لقبول دعوى إلغاء القرار المنفصل في حالة رفض العرض مثلا ،وتعد صفة "مترشح" شرطا في رفعها في حالة طلب العروض المفتوح أو المحدود أو المسابقة[28]. أي الأشخاص الذين شاركوا في الانتقاء الأولي هم فقط من لهم الحق في الطعن في قرار المنح المؤقت للصفقة[29].

  • ·       الاستثناء: تقديم الطعن من طرف المتعاقد.

        خروجا عن قاعدة وجوب توفر صفة "الغير" في رافع الدعوى ضد القرار الإداري المنفصل عن الصفقة، أجاز القضاء الإداري للمتعامل المتعاقد أن يلجأ إلى قاضي الإلغاء إذا تبين أن القرار المراد إلغاءه جاء تطبيقا للقوانين واللوائح سارية المفعول، ولا يستند إلى بنود الصفقة. ففي هذا الحالة القرار الذي تصدره المصلحة المتعاقدة لا يوجه للمتعاملباعتبارهطرف في العقد، وإنما كشخص عادي يرتبط مع الإدارة بموجب القوانين واللوائح بموجب عقد الصفقة.ويعد من قبيل القرارات المنفصلة التي يمكن للمتعاقد الطعن فيها بالإلغاء رغم صدروها عن المصلحة المتعاقدة:

-          القرار الذي تصدره المصلحة المتعاقدة بشطب اسم المتعهد عن قائمة الموردين، وهو قرار يصدر عادة بعد انتهاء العقد الإداري الذي يربط بينها وبين المتعامل المتعاقد.

-          القرار الذي تتخذه المصلحة المتعاقدة استنادا إلى سلطة الضبط الإداري في إطار تحقيق الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والتي يكون لها أثر على المتعاقد. كقرار الإدارة بضرورة وفق أشغال صفقة الأشغال في حي سكني في ساعات متأخرة من الليل.[30]

-          القرارات التي يصدر عن السلطة الوصية كقرار الترخيص أو التصديق على الإجراءات التي تتخذها المصلحة المتعاقدة لتنفيذ العقد أو فسخه.

ب‌-    شرط أن يكون القرار نافذا:

    يشترط في القرار الإداري المنفصل عن الصفقة أن يكون نافذا، شأنه شأن بقية القرارات الإدارية محل دعوى الإلغاء. ويقصد بالقرار النافذ القرار النهائي، الذي يعتبر ملزم في مواجهة المخاطبين بأحكامه. يصبح القرار نافذا في حاليتن:

-      أن يصدر القرار من جهة إصداره دون الحاجة إلى تصديق جهة أخرى.

 

-      أن يصدر القرار من جهة لها حق الاقتراح ثم يتأكد بالتصديق من الجهة الوصية بالشكل الذي يحدده القانون.[31]

         وعليه لا يعتبر من القرارات النافذة قرار لجنة تقييم العروض بإرساء الصفقة على أحد المتعهدين، فرغم أهميته لا يعد قرارا تنفيذيا(نهائيا) ،لأن القرار النهائي بإرساء الصفقة على أحد المتعهدين هو من اختصاص المصلحة المتعاقدة، وليس من اختصاص لجنة تقييم العروض[32].كذلك القرارات التي تحتاج إلى تصديق السلطة الوصية لا تعتبر نافذة، لأنها لا تقبل التنفيذ إلا من تاريخ التصديق.

وتجدر الإشارة هنا أن القرارات التمهيدية في الصفقة العمومية، وإن كانت قرارات غير نافذة، لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء، إلا أن القاضي الإداري ملزم بفحصها، قصد تقرير مشروعية القرار النهائي المرتبط بها[33].

ج-تأسيس الطلب على عدم مشروعية القرار المنفصل:

    يجب أن يكون القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية مشوبا بأحد عيوب المشروعية (عيب عدم الاختصاص، عيب المحل، عيب السبب، عيب الشكل والإجراءات، عيب الإنحراف بالسلطة). لكن السؤال الذي يطرح هنا هو:هل أن المشروعية هنا تقاس مقارنة ببنود العقد أم بناءا على مبدأ المشروعية في حد ذاته؟

     -الأصل أنه لا يجوز الطعن بالإلغاء في القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية لمخالفته نصا عقديا، غير أنه إذا كان أساس الطعن هو عدم مشروعية بنود الصفقة فإن قاضي الإلغاء في هذه الحالة ملزم بفحص مدى مشروعية العملية العقدية.[34]

     - أما في حال صدور القرار الإداري تطبيقا لبند غير مشروع في العقد الإداري، فيؤسس الطعن على عدم مشروعية بنود العقد المرتبط به القرار. والقاضي هنا يبحث في مدى مشروعية العملية ذاتها لتقرير مدى مشروعية القرار المطعون فيه. وقد إستقر القضاء الإداري في هذه الحالة على أحقية قاضي الإلغاء بفحص سلامة العملية العقدية باعتبار أنها تشكل ركن السبب في القرار الإداري محل الطعن.[35] والحجة في ذلك هي أن دور قاضي الإلغاء هو حماية مبدأ المشروعية في كل تصرفات الإدارة. لأن المشروعية مبدأ مطلق وغير قابل للتجزئة. فكما أن الإدارة ملزمة باحترامه في تصرفاتها الانفرادية (القرارات)، هي كذلك ملزمة باحترامه في تصرفاتها الثنائية (العقود الإدارية).

 

3/حجية الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة على عقد الصفقة العمومية:

   بمجرد استيفاء الحكم القاضي بإلغاء القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية لطرق الطعن، فإنه يكتسب حجية مطلقة في مواجهة الكافة، ويصبح هذا القرار كأنه لم يكن وتزول كل الآثار المترتبة عن إصداره، فلا يمكن التمسك بأي حقوق ولا التقيد بأي التزامات ناشئة عنه.

لكن الطعن في القرارات الإدارية المنفصلة عن الصفقة العمومية عن طريق دعوى الإلغاء يتميز بنتيجة أساسية بالغة الخطورة، تتمثل في أثر إلغاء تلك القرارات المنفصلة على عقد الصفقة العمومية ،فهل  ذلك  الإلغاء يؤدي بصفة تلقائية إلى بطلان الصفقة العمومية من عدمه؟[36].للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التطرق إلى موقف القضاء الإداري والتطورات التي صاحبته كما يلي:

1-   ذهب مجلس الدولة الفرنسي منذ أمد بعيد إلى أن إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة في حالة العقود الإدارية وحدها، لا       يمكن أن يؤدي بذاته إلى إلغاء العقد الإداري فيبقي العقد سليما ونافذا، حتى يتمسك أحد أطراف العقد بالحكم الصادر بالإلغاء أمام قاضي العقد. حينها يمكن لقاضي العقد أن يحكم بإلغائه استنادا إلى عدم مشروعية القرار المنفصل الذي ساهم في العملية العقدية[37]. وغاية القضاء الإداري في ذلك هي استقرار الأوضاع التعاقدية.

   أثار موقف مجلس الدولة الفرنسي القاضي بمحدودية آثار حكم الإلغاء في العقود الإدارية عدة انتقادات، كونه أدى إلى التقليل من قيمة نتائج دعوى الإلغاء، فماالفائدة من إلغاء القرار غير المشروع إذا ظل العقد الذي بني عليه قائما. ذلك أن حكم الإلغاء لا يرتب أثاره كاملة،و لن ينتج عنه سوى الحصول على التعويض، في حين أن المدعي يمكنه اللجوء مباشرة إلى دعوى التعويض.

2-   استجاب مجلس الدولة الفرنسي للانتقادات التي وجهت له، و عدل عن رأيه السابق من خلال حكم أصدره في 1 مارس 1954 في قضية"Société d’énergie industrielle" [38]،أينأوقف تنفيذ العقداستنادا إلى بطلان القرار القاضي بالتصديق من تلقاء نفسه دون طلب من إطراف العقد. و تأكد هذا الأمر في أحكام لاحقة، كقراره في شركة نادي اليخوت الدولية"Ste Yacht Club International de Bornes" سنة 1993 [39]أين خلص القاضي إلى بطلان العقد من تلقاء نفسه استنادا إلى بطلان العمل المنفصل.

إن هدا الرأيأكثر انسجاما مع طبيعة الحكم بالإلغاء، الذي يتميز بالحجيةالمطلقة اتجاه الكافة، باعتباره ينتمي إلى قضاء المشروعية،و باعتبار أنآثار البطلان تسري في مواجهة الكافة و في مواجهة كل الأعمال المرتبطة به .

  • موقف المشرع الجزائري:

   تجنب المشرع الجزائري الوقوع في هذه الإشكالية القانونية ،حيث نص في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على القضاء ألاستعجالي قبل التعاقدي ،أي قبل إبرام العقد الصفقة ، حتى لا تستطيع المصلحة المتعاقدة السير في العملية التعاقدية إلى غاية الفصل في دعوى الإلغاء، و التي لا تتجاوز مدة البت فيها 20 يوما ،و هو ما سنتناوله لاحقا في القضاء ألاستعجالي في مادة الصفقات العمومية[40].

ثانيا: مجال دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية

    يختص القضاء الإداري بالنظر في دعاوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية كأصل عام، حيث يتمثل دوره في إعادة الحال إلى ما كان عليه، وإعادة الحقوق لأصحابها.

   ويرجع السبب في اختصاص القضاء الإداري الكامل بمنازعات الصفقات العمومية إلى طبيعة دعوى القضاء الكامل، التي تستجيب للطبيعة الذاتية لمنازعات العقود، فهي منازعات شخصية بين أطراف العقد، يتمتع القاضي فيها بسلطات واسعة، كالقيام بتعين خبير أو فسخ العقد، أو الحكم بالتعويض، أو إبطال بعض التصرفات ،أو تعديل بعض الأعمال.[41]

    وقد تم النص على دعوى القضاء الكامل في المادة 801 ق إ م إ في فقرتها الثانية، كما يمكن استنتاجها ضمنا من نصوص المواد 800، 902، 903، 949،953، 960. ق إ م إ، لذا سنتطرق في هذه الجزئية.

1/شروط رفع دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية:

   إن رفع دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية تخضع لنفس الشروط التي يخضع لها رفع دعوى القضاء الكامل في القواعد العامة في المنازعات الإدارية، والتي تقسم في العادة إلى شروط شكلية وأخرى موضوعية

أ/ الشروط الشكلية:

     حتى تقبل دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية يجب أن يتأكد القاضي الإداري من صحة وتوافر الشروط الشكلية ممثلة في ما يلي:

  • شرط الصفة والمصلحة حسب نص المادة 13 ق إ م ،بحيث يمكن أن يكون رافع الدعوى هو أحد طرفي العقد، إما المصلحة المتعاقدة أو المتعامل المتعاقد، كما قد يكون طرفا خارجا عن العملية العقدية، لكنه تعرض لضرر من جراء هذه العملية التعاقدية.[42]
  • شرط الميعاد لا تقيد دعوى القضاء الكامل بالميعاد المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية والإدارية باعتبارها من قضايا الحقوق، التي يبقي فيها حق الطعن قائما ما دام الحق المراد حمايته لا يزال قائما، ولم يخضع للتقادم.

1)      بالنسبة لشرط تضمين العريضة القرار لسبب رفع الدعوى، باعتبار أن سبب رفع دعوى القضاء الكامل هي إما قرار إداري تسبب في ضرر ما للمخاطب بأحكامه،إما عمل مادي أو عمل تعاقدي. وباسقاط ذلك على دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية فلا بد أن تضمن العريضة القرار الصادر عن المصلحة المتعاقدة أو العقد حتى يتسنى للقاضي الإحاطة بمصدر الضرر وقدره.[43]

ب/الشروط الموضوعية:

   يمكن للمدعي أن يؤسس دعواه بناءا على حالة من حالات إخلال الطرف الآخر في العقد بالتزاماته،سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية (ينص عليها القانون)، كما يمكن تأسيسها على ضرر قابل للتعويض، سببه أحد طرفي العقد للآخر، أو تسبب فيه عقد الصفقة أو تنفيذها للغير، الأمر الذي يجعلنا نحاول الإشارة إلى عدد من صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية.

2/ أهم صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية:

      سنقوم بإدراج أهم صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية، باعتبارها مرتبطة بالعملية التعاقدية، وتخرج عن نطاق القرارات الإدارية المنفصلة، وهي في الواقع تصنف كمنازعات "تنفيذ" و" نفاذ" الصفقات العموميةبالاضافةلإمكانية رفع دعوى التعويض اجبر الضرر لذا سيتم تقيمها إلى ثلاثة أقسام:

-      دعاوى تنفيذ الصفقات العمومية.

-      دعاوى نفاذ الصفقات العمومية.

-      دعوى التعويض في الصفقات العمومية.( انظر الملحق: المخطط التوضيحي -3-)

أ‌-               دعاوى تنفيذ الصفقات العمومية:

تتمثل الدعاوى المتعلقة بتنفيذ الصفقات العمومية أساسا في دعوى إبطال بعض تصرفات المصلحة المتعاقدة لإخلالها بالتزاماتها التعاقدية، وكذا دعوى المطالبة بالحق في المقابل المالي.

  • ·       دعوى إبطال بعض تصرفات المصلحة المتعاقدة لإخلالها بالتزاماتها التعاقدية:

   إن إخلال الإدارة بالالتزامات الملقاة على عاتقها، يعتبر خرقا لبنود الصفقة التي تم الاتفاق عليها. حيث تتجلي هذه التصرفات في صورة قرارات إدارية قد تتسبب في الضرر للمتعامل المتعاقد معها أو للغير، الذي لا يعتبر طرفا في عقد الصفقة[44]:

1)     بالنسبة للمتعامل المتعاقد:

   يسعى المتعامل المتعاقد لإبطال تلك التصرفات التي تأتي في صورة قرارات إدارية عن طريق دعوى القضاء الكامل، لأنه لا يستطيع اللجوء إلى دعوى الإلغاء.حتى ولو كان مقصده للانفصال هو فقط إبطال تلك القرارات، لأن هذه الأخيرة لا تعد من قبيل القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن عقد الصفقة: بل تكيف على أنها إجراء تعاقدي لا يمكن تجزئته عن الصفقة العمومية وبنودها، وتعتبر المنازعة بشأنها إحدى المنازعات الحقوقية الإدارية، التي تدخل في ولاية القضاء الكامل. وعلى المتعامل المتعاقد أن يؤسس دعواه على بنود الصفقة على مبدأ المشروعية[45].

2)   بالنسبة للغير:

   يقصد بالغير"الغير الخارج عن عقد الصفقة" والذي تضرر من تلك القرارات الإدارية التي أصدرتها المصلحة المتعاقدة، هذا الأخير ليس أمامه إلا اللجوء إلى دعوى الإلغاء، لأنه ليس طرف في الصفقة العمومية، وليس له أي حق شخصي مترتب عليها، إنما ينازع القرار الإداري الذي أضر به بعينه، وعليه أن يؤسس دعواه على مبدأ المشروعية، ولا يشير لا بنود الصفقة ولا نصوصها من أجل إلغاء ذلك القرار.[46]

 

 

  • ·         دعوى المطالبة بالحق في المقابل المالي:

    للمتعامل المتعاقد حق الحصول على مقابل نقدي نظير تنفيذه لموضوع الصفقة، مثلا بعد إنجازه للأشغال المطلوبة منه بمتقضى صفقة الأشغال، يطلب الدفع مقابل إنجازه لهذه الأشغال، الذي يعتبر دين على عاتق الإدارة، والذي بأخذ صورة أجر متفق عليه في الصفقة، تطبيقا لبنود القسم الثالث من الفصل الرابع للمرسوم الرئاسي 15/247، حيث نصت المادتين 108و 109 منه على كيفيات الدفع، وعليه فإن ثبوت إنجاز المتعامل المتعاقد لالتزامه بشكل سليم يجعله محق في طلب الحصول على تلك المبالغ المتفق عليها.

    كما يمكن أن ترفع هذه الدعوى متى كان السبب هو استحقاق مالي للمتعامل المتعاقد سواء تعلق بفوائد تأخيرية، تعويض عن الحرمان من الربح ،أو ما فات من كسب طبقا للمادة122 منالمرسوم 15/ 247[47]،أو استرداد مبالغ الكفالة ،أو تحميل فارق السعر وغيرها.... فهي منازعات تدرج ضمن تنفيذ الصفقة العمومية وناشئة عن نصوصهاوبنودها.فهي منازعات تنصب على حق ذا مصدر تعاقدي، ما يدخله ضمن المنازعات الحقوقية المدرجة ضمن القضاء الكامل. خاصة وأن رافع الدعوى هو طرف في العقد.

ب‌-             دعاوى نفاذ الصفقات  العمومية:

وتسمى أيضا دعاوى انقضاء الصفقات العمومية بسبب الإبطال أو الفسخ.

  • ·                  دعوى بطلان الصفقة العمومية:

   هي أبرز دعاوى القضاء الكامل، باعتبار أن الصفقة العمومية هي عقد إداري يشترط لانعقادها توافر أركان العقد، من رضا ومحل وسبب والتي تشترك فيها مع العقد المدني، والتي إذا تخلفت كانت سببا في إبطال عقد الصفقة [48]،

تؤسس دعواه (القضاء الكامل) على بنود الصفقة لا على مبدأ المشروعية 

وهي دعوى يكون المؤهل لرفعها هو المتعامل المتعاقد، باعتباره صاحب الصفة والمصلحة كونه طرفا في العقد، دون الغير الذي يعتبر أجنبي عن هذا العقد.[49]

 

 

  • ·                  دعوى فسخ الصفقة العمومية

    يعتبر الفسخ طريقا لإنهاء العلاقة التعاقدية في العقود المدنية أو الإدارية على السواء، لكن الفسخ في الصفقات العمومية يختلف عن الفسخ في العقود المدنية، ذلك أن قاعدة عدم جواز نقض (فسخ) العقد إلا باتفاق الطرفين، لا تصمد أمام امتيازات المصلحة المتعاقدة، إذ أن الفسخ ألإنفرادي من السلطات التي تتمتع بها كامتياز مقرر لمصلحتها تتخذه دون اللجوء إلى القضاء، ولو لم يتم النص عليه في الصفقة.[50]لكن الطعن في فسخ الصفقة أمام القضاء يأخذ إحدى الصورتين الآتيتين:

ü   إما أن يتم الطعن في القرار الإداري الذي أصدرته المصلحة المتعاقدة، والمتضمن فسخ الصفقة العمومية بإرادتها المنفردة، وهو حق مخول لها بموجب المادتين 149و 150 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

ü   إما أن يلجأ المتعامل المتعاقد إلى القضاء الإداري للمطالبة بفسخ عقد الصفقة العمومية بهدف التحلل من التزاماته التعاقدية. وأمام خطورة هذه الدعوى على سير المرافق العامة، فقد تشدد القضاء الإداري في الاستجابة لطلب المتعامل فسخ الصفقة إلا في حالات محددة: كاستحالة التنفيذ لقوة قاهرة أو للإخلال بالالتزامات من جانب المصلحة المتعاقدة مما يصنف كخطأ جسيم.

   وعليه فإن الدعوى في كلا الحالتين تندرج ضمن القضاء الكامل، لأن الطعن في قرار الفسخ الصادر عن المصلحة المتعاقدة لا يعتبر قرارا إداريا منفصلا عن العملية العقدية ،لارتباطه ببنود الصفقة وشروطها، لذا فإن المتعامل المتعاقد يقصد حماية إحدى حقوقه المنصوص عليها في العقد. وكذلك هو الحال عن رفع الدعوى من جانبه قصد فسخ العقد لذا نجده يؤسس دعواه على بنود الصفقة وشروطها في كلتا الحالتين، وليس على مبدأ المشروعية.

   وتجدر الإشارة أنه في حالة ما إذا تدخل الغير الغريب عن العقد لرفع دعوى ضد قرار الفسخ الصادر عن المصلحة المتعاقدة، بحجة أنه الحق به  ضرر ما، فيجب أن يستوفي شرط المصلحة، وليس له لممارسة هذا الطعن سوى أن يرفع دعوى الإلغاء، لأنه لا يتمتع بأي حق شخصي، وعليه أن يؤسس دعواه على  مبدأ المشروعية دون الاعتماد على نصوص الصفقة وشروطها لأنه ليس طرفا فيها.

ج- دعوى التعويض في الصفقات العمومية.:

وهي دعوى قد ترفع عند التنفيذ أو عند نفاذ الصفقة العمومية، وتعتبر أهم دعاوى القضاء الكامل ، التي تهدف إلى المطالبة بالتعويض، وجبر الأضرار الناجمة عن الأعمال الإدارية المادية والقانونية، وتعد أكثر أنواع الدعاوى انتشارا أمام القضاء الإداري، تدخل ضمن الولاية العامة للمحاكم الإدارية طبقا لنص المادة 801 ق إ م إ.

نخلص في الأخير أن المنازعات الناشئة عن عقد الصفقة العمومية تدخل كأصل عام في ولاية القضاء الكامل، خاصة عند مرحلة التنفيذ، باعتبارها التزامات حقوقية مرتبطة بالالتزامات الناشئة عن بنود الصفقة وشروطها، حتى وإن كانت تتعلق بقرارات إدارية، لأن هذه الأخيرة لا تعد قرارات منفصلة عن عقد الصفقة. ذلك أن دعوى الإلغاء تحصل في القرارات الإدارية القابلة للانفصال وهي القرارات السابقة عن مرحلة التنفيذ.



[1]- محمد إبراهيم البدارني، الدعوى بين الفقه والقانون، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص 38.

[2]- أنظر: عبد الغني بسيوني، القضاء الإداري، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف للنشر، الإسكندرية، 2006، ص 413.

[3]-محمد الصغير بعلي، الوسيط في المنازعات الإدارية. دار العلوم للنشر والتوزيع. عنابة الجزائر،2009 ص 127.

[4]- القانون العضوي رقم 12/04، المؤرخ في 12 جانفي 2012، المتعلق بالأحزاب السياسية ،الجريدة الرسمية رقم 02 المؤرخة في 15 جانفي 2012. والقانون العضوي 12/01، المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بنظام الانتخابات، الجريدة الرسمية رقم 01 المؤرخة في 14 جانفي 2012.

[5]- للتفصيل أكثر في أنواع الدعاوى القضائية الإدارية ارجع إلى :

عمار عوابدي،النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضاء الإداري الجزائري،الجزء الثاني ،نظرية الدعوى الإدارية ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2004 ،ص224 وما بعدها

[6]-عمور سلامي، الوجيز في قانون المنازعات الإدارية، نسخة معدلة ومنقحة طبقا لأحكام القانون 08/09 تمت ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009, ص 37.

[7]- محمد ماهر أبوالعنين، العقود الإدارية وقوانين المزايدات والمناقصات، الكتاب الأول (إبرام العقود الإدارية)، دار الكتب المصرية، 2003، ص 120.

[8]- أنظر: عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الأسس العامة للعقود الإدارية، منشأة، المعارف، مصر، 2004، ص338.

[9]- أنظر:  على خطار شنطاوي، موسوعة القضاء الإداري، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004، ص 366.

[10]- حيث قبل مجلس الدولة الطعن في القرار الإداري القاضي بمنح امتياز لإحدى الشركات، رغم أن هذا القرار يندرج في عقد الامتياز، ومنذ ذلك التاريخ استقر مجلس الدولة الفرنسي على قبول الطعن في القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري، سواء قدم الطعن من أحد المتعاقدين أو من الغير، للمزيد أنظر: محمد جاد الله مبدأ سيد أحمد، سلطة القاضي الإداري إزاء العقد الإداري، دراسة مقارنة، رسالة نيل درجة دكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، مصر، 2007، ص 29.

[11]- Lucienne Erstein, Régularisation rétroactive d’un acte détachable annulé, Revue La Semaine juridique, N°25, Paris, 2012, p1210-1211.

[12]-للاستزادة أنظر : نجاة طباع، الحماية القانونية للمال العام من جانب اختيار المتعامل المتعاقد في تنظيم الصفقات العمومية بين الامتيازات والعراقيل "الملتقى الوطني السادس حول دور قانون الصفقات العمومية في حماية المال العام. كلية الحقوق جامعة يحي فارسي المدية، يوم 20 ماي 2013، ص5.

[13]- قبل مجلس الدولة الفرنسي الطعن المقدم من المقاولين المستبعدين من الصفقة نتيجة خطأ في الإعلان باعتباره قرار منفصل راجع الحكم في مؤلف : حماد اشرف محمد خليل ،نظرية القرارات الإدارية القابلة للإنفصال في مجال العقود الإدارية، دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2010. ص 101.

[14]- عمار بوضياف، شرح تنظيم الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 180.

[15]- حيث جاء في المادة 72/2 من المرسوم 15/247 سالف الذكر:"..... تقوم لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض بالمهام الآتية:- إقصاء الترشيحات والعروض غير المطابقة لمحتوى دفتر الشروط...." ونصت المادة 73 من ذات المرسوم على حالات الإقصاء من المشاركة حيث جاء في بداتيها يقصى بشكل مؤقت أو نهائي....."

[16]- حماد أشرف محمد خليل، مرجع سابق، ص98.

[17]- قرار وزاري مؤرخ في 28 مارس 2011، يحدد كيفيات التسجيل والسحب من قائمة المتعاملين الاقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية، الجريدة رسمية رقم 24، صادرة بتاريخ 20 أفريل 2011

[18]- إعمالا لنص المادة 4/2 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[19]- لأنه في حال اعتبار قرار الإبرام متصلا بالعقد، يصبح أمر الطعن فيه مقتصرا على المتعاقد فقط دون الغير، فإذا كان هذا القرار يخدم مصلحة المتعاقد، وإن كان غير مشروعا فإن هذا الأخير يفلت من رقابة القضاء وهنا يظهر ذكاء القضاء الإداري الفرنسي في محاصرة كل القرارات الإدارية المنفصلة قصد إخضاعها للقضاء للمزيد أنظر:Charles Debach, Jean Claude Ricci, Contentieux administratif, 6ème édition, Dalloz, Paris, 1994, p 580.

[20] - Lucienne Erstein, Op, Cit, p 1211

[21]- أنظر: أشرف محمد خليل حماد، مرجع سابق،ص 106.

[22]-وردت المادة 146 ضمن القسم الأول المتضمن " مختلف أنواع الرقابة" في القسم الفرعي الثالث بعنوان "رقابة الوصاية "ضمن المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[23]- المادة 149 من القانون رقم 11/10 ،المؤرخ في 22 يونيو 2011، المتعلق بالبلدية الصادر في الجريدة الرسمية عدد 37 بتاريخ 23 يونيو 2011.

[24]-حسن حمدي حلفاوي، ركن الخطأ في المسؤولية الناشئة عن العقد الإداري، دراسة تحليلة تأصيلية لصور خطأ الإدارة في إبرام وتنفيذ العقود الإدارية على ضوء أحكام وفتاوى مجلس الدولة ،رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2001،

[25]- وحد المشرع في ميعاد دفع دعوى الإلغاء بين المحاكم الإدارية ومجلس الدولة استنادا إلى المادة 907 ق إ م إ ،التي تحيلنا إلى المواد من 829 الى832 ،المتعلقة بالآجال أمام المحاكم الإدارية بنصها" تطبق الأحكام المتعلقة بالآجال المنصوص عليها في المواد من 829 إلى 832 ق إ م إ."

[26]-عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 119.

[27]- أشرف  محمد خليل حماد، مرجع سابق، ص 143-145.

[28]-  في المادة 40 وردت عبارة "متعهد" في طلب العروض، و في المادة 45 وردت عبارة "مترشح" في طلب العروض المحدود من المرسوم 15/247 سالف الذكر.

[29]- أنظر المادة 45 من المرسوم 15/ 247 سالف الذكر.

[30]- محمد سمير محمد جمعة، مدى قبول الطعن بالإلغاء في القرارات القابلة للانفصال في النظامين الفرنسي والمصري،مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، العدد، 49،جامعة المنصورة،  جمهورية مصر العربية، 2011، ص 201.

[31]-ارجع إلى المادة 04 من المرسوم الرئاسي 15/ 247 سالف الذكر.

[32]- ارجع إلى المواد 72و 76 وما بعدها من المرسوم الرئاسي 15/ 247 سالف الذكر.

[33]-Voir :Lucienne Erstein, Op, Cit, p 1211

[34]- أنظر: حسن حمدي حلفاوي، مرجع سابق ص99

[35]- أنظر: محمد الشافعي أبو راس، القضاء الإداري، عالم الكتب، القاهرة، 2001، ص 206.

[36]- عز الدين كلوفي، مرجع سابق، ص 119.

[37]- أنظر: سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية، دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص 200.

[38]-Laurent Richer , Droit des contrats administratifs , 5 iéme édition , LGDJ , Paris ,1996, p186

[39]3- صدر هذا القرار عن مجلس الدولة الفرنسي سنة 1993 ،و شكل نقطة تحول في اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي، لأنه سمح لقاضي العقد في معرض رقابته لنزاع يتعلق بتنفيذ العقد أن يثير من تلقاء نفسه السبب المتعلق بإبطال العمل المنفصل، لكي يخلص إلى إعلان بطلان العقد  نقلا عن:

GustavePeiser ,Op,Cit,p159

[40]4-حيث نص المشرع الجزائري في المادة 947 ق إ م إ في فقرتها الثانية و الأخيرة على ما يلي «-يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد

- يمكن لها أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية الإجراءات و لمدة لا تتجاوز عشرون يوما"

[41]- أنظر: عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 108 ومابعدها.

[42]- حيث جاء في المادة 15 ق إ م إ" لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم لكن له صفة وله مصلحة قائمة أو محتملة يقررها القانون" ،وعليه لم تعد الأهلية تشرطا لقبول الدعوى سواء أمام الجهات القضائية الإدارية أو العادية على عكس المادة 459 من ق إ م الملغى التي جاء فيها: لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا للصفة وأهلية التقاضي، وله مصلحة في ذلك"

[43]- أنظر: عمار عوابدي ،نظرية المسؤولية الإدارية دراسة (تاصيلية تحليلية ومقارنة) الطبعة 3، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007 ،ص ص 255-265.

[44]-Richer Laurent, Op.Cit, P 188.

[45]عزا لدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص ص  113و 122.-2

[46]-

-3George Verbel et Pierre Delvove, Droit Administratif, P.U.F, Paris, 1982 ,p96

نقلا عن:عزا لدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية ، مرجع سابق، ص113

[47]- تنص المادة 122 من المرسوم 15/247 سالف الذكر على: "يتعين على المصلحة المتعاقدة أن تقوم بصرف الدفعات على الحساب،أو التسوية النهائية في أجل لا يمكن أن يتجاوز ثلاثين (30) يوما،ابتداء من استلام الكشف أو الفاتورة..... يخول عدم صرف الدفعات على الحساب في الأجل المحرر أعلاه للمتعامل المتعاقد، وبدون أي إجراء الحق في الاستفادة من الفوائد التأخيرية...."

[48]- للمزيد أنظر: عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الأسس العامة للعقود الإدارية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،2001 ، ص 209.

[49]-Patrick Gérard, La jurisprudence relative a la résiliation unilatérale et l’octroi de dommage pour les contrats administratifs, Revue juridique Thémis, les éditions Thémis, Faculté de droit, Université de Montréal, 2012, p 316.

[50]-حيث تنص المادة 150 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر على ما يلي:"يمكن للمصلحة المتعاقدة القيام بفسخ الصفقة العمومية من جانب واحد عندما بكون مبررا بسبب المصلحة العامة حتى بدون خطا من المتعامل المتعاقد."