المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: منازعات الصفقات العمومية
Livre: المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Wednesday 1 May 2024, 12:05

Description

سنتناول في هذا المحور آليات التسوية القضائية لمنازعات الصفقات العمومية نتعرض بداية لتحديد الاختصاص القضائي لهذا النوع من المنازعات ثم نتناول الدعاوى القضائية التي ترفع في منازعات الصفقات العمومية لننتهي في الاخير للقضاء الاستعجالي و الدور الذي يؤديه في فض هذا النوع من المنازعات

1. المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

منح المشرع للمتضرر من الصفقات العمومية في حال فشل التسوية الودية التي سبق تناولها في المحور الثاني، وسائل قانونية أخرى لتسوية النزاعات الناشئة عنها، من خلال حقه في اللجوء إلى التسوية القضائية. التي تعني اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع وهي جهة مستقلة تماما عن الإدارة النزاع.

     لكن المتتبع لحركة تطور القضاء في الجزائر خاصة بعد الإستفتاء الدستوري لشهر نوفمبر 1996، يلاحظ أن الدولة ومنذ هذا التاريخ دخلت في مرحلة الازدواجية القضائية، حيث تم فصل جهات القضاء الإداري عن جهات القضاء العادي. وتحقيقا لهذا الغرض تم تنصيب مجلس الدولة والمحاكم الإدارية ومحكمة التنازع، كما تم تكريس هذا التوجه إجرائيا تماشيا مع هذه الازدواجية، من خلال صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 المؤرخ في 25 فيفري 2008.

    وكما هو معروف في كل الدول التي تتبني الازدواجية القضائية، يتعين تحديد معيار لتوزيع الاختصاص القضائي بين جهات القضاء العادي والإداري. هذا المعيار لا يخرج عن كونه معيار مادي (يعتمد على طبيعة النزاع القائم) ، أو معيار عضوي (يعتمد أساسا على طبيعة طرفي النزاع القائم). وكما هو معروف، فإن المشرع الجزائري كرس المعيار العضوي اعتمادا على نص المادة 800 ق إ م إ، المستوحاة من النص القديم في المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية[1].

     وما يهمنا في هذا المقام، هو السعي من أجل تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا بنظر منازعات الصفقات العمومية ،وهل هناك تنازع في الاختصاص بين القاضي المدني والقاضي الإداري في هذا المجال. كما يتعين لدينا تحديد الدعاوى القضائية التي يمكن رفعها في مجال الصفقات العمومية من جهة، وكذا قضاء الاستعجال في مجال الصفقات العمومية قصد تبيان نوع المنازعة التي يمكن إخضاعها لهذا النوع من القضاء.



[1]-إن معيار توزيع الاختصاص القضائي في الجزائر هو معيار تشريعي ،حيث نص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ،و أخذ بالمعيار العضوي كأصل، والمعيار المادي إستثناءا كما جاء في نص المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأغلب الدول التي تنتهج نظام قضائي مزدوج تأخذ بالمعيارين معا احدهما كأصل و الآخر كاستثناء.

1.1. القسم الأول : تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر منازعات الصفقات العمومية

إن الاختصاص القضائي يعتبر من المواضيع ذات الأهمية الكبرى في مجال المنازعات القضائية،سواء ما تعلق منها بالاختصاص النوعي أو الاختصاص الإقليمي. لذلك نجد أن أول مسألة تطرق إليها المشرع الجزائري، وبدأ في تفصيلها ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الباب الرابع المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، تمييزا لها عن تلك المتبعة أمام الجهات القضائية العادية. من خلال تحديد مسألة الاختصاص بنوعيه، وتحديد معاييره. خاصة وأنه منالنظام العام. لا يمكن الاتفاق على مخالفته، ويمكن إثارته في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، كما يجب على القاضي إثارته من تلقاء نفسه وفقا لما نصت عليه المادة 807 ق إ م إ[1].

وتزداد أهمية الاختصاص القضائي في منازعات الصفقات العمومية للأهمية التي تكتسيها هذه الأخيرة باعتبارها من أهم طرق الإنفاق العام. لذا يتعين علينا تحديد المعيار الذي تبناه المشرع الجزائري في توزيعالاختصاص القضائي،وإسقاط ذلك على منازعات الصفقات العمومية.

أولا:معيار الاختصاص القضائي في التشريع الجزائري.

إن مصدر تحديد معيار الاختصاص القضائي في النظامالقضائي الجزائري هو تشريعي، ذلك أن المشرع نفسه هو من تحمل مسؤولية تحديده ولم يترك ذلك للقضاء، ويظهر ذلك جليا من خلال نص المادة 800 ق إ م إ بنصها:

"المحاكم الإدارية هي جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية، تختص بالفصل في أول درجة، بحكم قابل للإستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها".

من خلال نص المادة 800 وكذا المادتين 802 و803 المحددة للإختصاص النوعي المحاكم الإدارية يمكننا إبداء الملاحظات التالية:

1-أورد المشرع الجزائري عبارة مفادها أن المحاكم الإدارية هي "صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية" التي تفيد أن هذه المحاكم تختص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية، ما عدى ما أخرج من إختصاصها بنص صريح، متى كانت أحد الأشخاص الأربع طرفا في النزاع وذلك بإصدار أحكام إبتدائية تقبل الإستئناف أمام مجلس الدولة.

2-المادة 800 ق إ م إ حددت على سبيل الحصر الأشخاص اللذين يعقد بموجبهم الاختصاص للقضاء الإداري متى كانوا طرفا في المنازعة الإدارية، وهم الدولة، الولاية، البلدية المؤسسة العمومية ذات الصبغة  الإدارية. ما يعني بمفهوم المخالفة أنها تستثني المنازعات التي تكون المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري من الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية[2].

3-حدد المشرع أنواع الدعاوى الإدارية التي تختص بنظرها المحاكم الإدارية، بالإضافة إلى دعاوى إلغاء القرارات الإدارية، تفسيرها وفحص مشروعيتها، أدرج كذلك منازعات القضاء الكامل الذي يشمل إضافة إلى دعوى المسؤولية الإدارية، دعاوى منازعات العقود الإدارية.

4- خول المشرع بموجب المادة 801 ق إ م إ للمحاكم الإدارية أن تنظر في الدعاوى المتعلقة "بمصالح الدولة غير الممركزة" سواء ما تعلق منها بالمنازعات الناشئة عن القرارات التي تصدرها تلك المصالح من إلغاء أو تفسير أو فحص مشروعيتها. دون دعاوى القضاء الكامل.[3]

5- أن المشرع الجزائري ومن خلال المادة 802 ق إ م إ قلص من الاستثناءات التي كانت واردة على المعيار العضوي بموجب المادة 07 مكرر في قانون الإجراءات المدنية الملغى ،واحتفظ باستثناءين فقط:

-      مخالفات الطرق

-      المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الزامية إلى طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة للدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية.

ثانيا: تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا بنظر منازعات الصفقات العمومية

قصد تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا ثم إقليميا بالمنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية، ينبغي علينا تطبيق المعيار العضوي الذي أعتمده المشرع الجزائري في توزيع الاختصاص بين جهات القضاء العادي وجهات القضاء الإداري.

1/الاختصاص النوعي :     

إعمالا لنص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن المنازعات التي تكون فيها الدولة، الولاية، البلدية، المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها تؤول إلى اختصاص القضاء الإداري. وعليه فإن منازعات الصفقات العمومية المبرمة من طرف الأشخاص الواردة في المادة 800 هي من اختصاص القضاء الإداري. خاصة وأن الصفقات العمومية تتفق والمعيار المعتمد من طرف المشرع في تحديد الإختصاص لجهة القضاء الإداري من خلال نص المادة 06 من المرسوم 15/247 من حيث تحديدها لنفس الأشخاص الأربع الواردة في م 800  ق إ م إ . لكن في الحقيقة، ولغاية هذه الدراسة، لا يوجد ما يثبت قانونا خضوع منازعات الصفقات العمومية للقضاء الإداري فيما عدا الصفقات التي تكون أحد أطرافها الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصيغة الإدارية [4] . ثم أن المادة 801 في فقرتها03 تنص أن المحاكم الإدارية تختص أيضا بنظر القضايا التي تخولها إياها نصوص خاصة، والنص الخاص هنا هو قانون الصفقات العمومية ،ممثلا في المرسوم الرئاسي 15/247 الذي لم يتضمن أي نص يحول المحاكم الإدارية ولاية النظر في منازعات الصفقات العمومية صراحة. الأمر الذي يحيلنا إلى المادتين 82 و153[5]من المرسوم الرئاسي 15/ 247 ،التي تبقي الأحكام المحددة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية هي الفيصل في تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم الناظرة في منازعات الصفقات العمومية.

 

أ‌.     أيلولة منازعات الصفقات العمومية كأصل عام لاختصاص المحاكم الإدارية:

تطبيقا للمعيار العضوي المكرس في النظام القضائي الجزائري فإن منازعات الصفقات العمومية المتعلقة بمجال القضاء الكامل، والمتعلقة أيضا بقضاء الإلغاء خارج الإطار المقرر بالمادة 09 من القانون العضوي 98/01 تعرض كأصل عام أمام المحاكم الإدارية كدرجة قضائية ابتدائية، حتى ولو كانت المصلحة المتعاقدة سلطة مركزية أو هيئة عمومية وطنية.[6]

وعليه تصبح المحاكم الإدارية صاحبة الاختصاص في منازعات الصفقات العمومية بحكم ابتدائي قابل للاستئناف أمام مجلس الدولة في:

  • إلغاء القرارات: المنفصلة عن الصفقات العمومية التي تبرمها الولاية أو البلدية أو المصالح غير الممركزة أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية.
  • التعويض عن الأضرار الناتجة عن كل الصفقات العمومية المركزية أو المحلية ،وكذا المبرمة من طرف المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.

ب‌.    أيلولة منازعات الصفقات العمومية لمجلس الدولة:

حدد الاختصاص النوعي لمجلس الدولة كأصل عام بموجب المواد 09 ،10 و11 من القانون العضوي 98/01 والذي تأكد بموجب المواد من 901 إلى 903 ق إ م إ وباسقاط ذلك على منازعات الصفقات العمومية يمكن القول أن مجلس الدولة يختص:

-        كقاضي درجة أولى وأخيرة:

و     يختص بالفصل في دعاوى إلغاء، تفسير وتقدير مشروعية القرارات القابلة للانفصال عن الصفقات العمومية التي تبرمها السلطة المركزية، والهيئات العمومية الوطنية (كالمجلس الشعبي الوطني أو مجلس المحاسبة)،والمنظمات المهنية الوطنية (كالمنظمة الوطنية للمحامين، المنظمة الوطنية للصيادلة وغيرها...)

-        كقاضي استئناف:

     إن الطعن في القرار الصادر عن هيئة الدرجة الأولى -ممثلة في المحاكم الإدارية- يفرض عرض النزاع من جديد على مجلس الدولة، ليتولى مهمة الرقابة القضائية بعنوان هيئة إستئناف طبقا للمادة 10 من القانون العضوي 98/01، الذي تم تأكيده بموجب المادة 902 ق إ م إ التي جاء فيها "يختص مجلس الدولة بالفصل في استئناف الأحكام والأوامر الصادرة عن المحاكم الإدارية"

كما يختص أيضا كجهة استئناف بالقضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة. وعليه إذا أصدرت المحكمة الإدارية قرارا ابتدائيا في مجال الصفقات العمومية. جاز الطعن فيه بالاستئناف أمام مجلس الدولة.[7]

-        كقاضي نقض:

المفروض أن مجلس الدولة يمارس هذا الاختصاص باعتباره هيئة نقض طبقا للمادة 11 من القانون العضوي 98/01 وطبقا للمادة 903 من ق إ م إ في:

-                    القرارات الصادرة في آخر درجة عن الجهات القضائية الإدارية. أو الطعون المخولة له بموجب نصوص خاصة.

وكما هو معلوم. فإن اختصاص النقض لمجلس الدولة لا يزال يثير الكثير من الجدل، بسبب عدم وجود أحكام نهائية تصدر عن الجهات القضائية الإدارية، ذلك أن هذه الأخيرة تصدر أحكام ابتدائية قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة.

من جهة أخرى النص الخاص ممثلا في قانون الصفقات العمومية 15/247 لم يمنح لمجلس الدولة سلطة الطعن بالنقض في أي من القرارات القضائية الفاصلة في منازعات الصفقات العمومية.[8] وعليه يمكن الجزم بأن إختصاص النقض في منازعات الصفقات العمومية غير موجود أصلا.

ثالثاتحديد الجهة القضائية المختصة إقليميا بمنازعات الصفقات العمومية

إن جهات القضاء الإداري التي أنشأت بموجب المادة 152 من الدستور تتمثل أساسا في مجلس الدولة و المحاكم الإدارية. وما لا جدل فيه فيما يتعلق بالاختصاص الإقليمي أنه لا يطرح بالنسبة لمجلس الدولة، باعتباره هيئة واحدة يشمل اختصاصه الإقليمي كل التراب الوطني الجزائري.

و عليه فإن الاختصاص الإقليمي الذي يتعين علينا تحديده هنا هو بطبيعة الحال الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية، باعتبارها هي صاحبة الولاية العامة في منازعات الصفقات العمومية. والذي يتحدد بنص المادة 804/ 3 ق إ م إ بنصها:

"..... ترفع الدعاوى وجوبا أمام المحاكم الإدارية في المواد المبينة أدناه:

3-في المادة العقود الإدارية مهما كانت طبيعتها أمام المحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مكان إبرام العقد أو تنفيذه...."

هنا يعود الخيار للمدعي في استعمال المعيار الذي يراه مناسبا (مكان الإبرامأو مكان التنفيذ) ،وهو ما من شأنه تخفيف حجم المنازعات الإدارية في الصفقات التي تبرم في العاصمة عن المحكمة الإدارية هناك، ما دام بالإمكان رفع الدعوى في المحكمة الإدارية لمكان التنفيذ.

كما عقدت هذه المادة الاختصاص الإقليمي في مادة الأشغال العمومية للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال804/2 ق إ م إ[9]، وفي مادة التوريدات أو الأشغال أو تأجير خدمات فنية أو صناعية.

 للمحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مكان إبرام الإتفاق او تنفيذه إذا كان أحد أطراف الدعوى مقيما به م 804/6 ق إ م إ.

لكن الملاحظ هنا أن المشرع الجزائري أعاد إدراج صفقة الأشغال مرة ثانية ضمن الفقرة 06 من المادة  804 ق إ م إ.  لكن هذه المرة أعطى فيها الخيار بين مكان الإبرام أو مكان التنفيذ. إذا كان أحد الأطراف مقيما بذلك المكان. وهو ما أوقع المشرع في تناقض بسبب هذا التكرار.

وهذا بطبيعة الحال يخص منازعات الصفقات العمومية التي تبرمها الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية، ويبقي علينا تحديد الاختصاص النوعي والمحلي للمؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري.

رابعا: الإشكال القانوني للاختصاص القضائي في مجال الصفقات العمومية فيما يخص المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري

إن عدم الوضوح بخصوص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية يخص فقط المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري. لأن الصفقات الأخرى تخضع لاختصاص القاضي الإداري إعمالا للمعيار العضوي، والذي لا يمكن تطبيقه على المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري الممولة كليا أو جزئيا بصفة نهائية أو مؤقتة من ميزانية الدولة، التي وردت في نص 06 من المرسوم 15/247، فهل هي خاضعة لاختصاص القضاء العادي إعمالا لصريح المادة 800 ق إ م إ، أم هي خاضعة للقانون الإداري ما دام حل المنازعات بشأنها سيكون من اختصاص القاضي الإداري بتطبيق قانون الصفقات العمومية؟

الواقع أن هناك اتجاهين يتنازعان تحديد الاختصاص القضائي لهذا النوع من المؤسسات العمومية ندرجها كما يلي:

الاتجاه الأول: اختصاص القضاء الإداري

يرى أصحاب هذا الرأي بأن منازعات الصفقات العمومية التي تكون المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري طرفا فيها مع شرط التمويل الجزئي أو الكلي، بصفة دائمة أو مؤقتة من ميزانية الدولة يؤول الإختصاص فيها إلى القضاء الإداري، بناءا على الأساس الآتية:

1-   أن المرسوم الرئاسي 15/247 في مادته 06،وبإضافته للمؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري مع إشتراط التمويل الكلي أو الجزئي بصفة نهائية أو مؤقتة من ميزانية الدولة، قد أضاف للصفقات العمومية_ كنوع من أنواع العقود الإداري_ معيارا جديدا وهو"المعيار المالي"[10]،أي أنها مشاريع ممولة بأموال عمومية، وهنا نكون أمام استثناء من تطبيق القواعد العامة وهو إعمال المعيار المالي على أساس قانوني خاص وصريح.

2-   إعمالا لمعيار الوكالة أو التفويض، وتمسكا بالمعيار العضوي المتبني صراحة من طرف المشرع الجزائري. فإن ميزانية الدولة هي الممولة للمشروع، ما يجعل الخزينة العامة طرفا في المنازعة، وأن المؤسسة الخاضعة للقانون التجاري هنا ما هي إلا مفوض عنها.[11] مادام أن الدولة هي الممول الأساسي للمشروع (كليا أو جزئيا)، وهي إحدى أشخاص القانون العام المنصوص عليها في المادة 800 ق إ م إ. خاصة وأن القضاء الإداري الجزائري قد أعمل هذا الأساس واعتمد عليه في بعض الاجتهادات القضائية، من بينها القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 14 ماي 2001، بين ديوان الترقية والتسيير العقاري لوهران ضد مؤسسة الأشغال العمومية لعين تموشنت حول صفقة عمومية تتضمن إنجاز 118 مسكنا بوهران وذلك باستعمال صريح العبارة "نيابة عن ...."[12]

3-الإشارة الصريحة إلى اختصاص المحاكم الإدارية بنظر دعاوى الصفقات العمومية بنص المادة 946 ق إ م إ، التي استعملت في نهاية فقرتها الأولى مصطلح الصفقات العموميةما يوحي انعقادالاختصاصللقضاء الإداري بنظرها.[13]

الاتجاه الثاني: اختصاص القضاء العادي.

يستند أصحاب هذا الاتجاه في إسناد اختصاص نظر منازعات الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري للقضاء العادي للمعيار العضوي باعتبار، أن هذا النوع من المؤسسات يصنف ضمن أشخاص القانون الخاص وفقا للمبررات التالية:

1-   أن المادة 800 ق إ م إ التي تضمنت المعيار العضوي محددا في 04 أشخاص، هم الدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية،لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل في اعتمادها المعيار العضوي فقط.[14]

2-    أن المرسوم الرئاسي 15/247 باعتباره النص الخاص، لم يتضمن أي إشارة إلى اختصاص القاضي الإداري بنظر منازعات الصفقات العمومية المبرمة من طرف المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري، باعتبار أن المادة 801 في فقرتها 3 تنص على أن المحاكم الإدارية تختص أيضا بنظر القضايا التي تخولها إياها نصوصا خاصة ،بل أن المادتين 82 و 152 من المرسوم الرئاسي 15/247 تحيل إلى التشريع المعمول به، ألا وهو قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي يبقي هو الفيصل في مجال تحديد الاختصاص القضائي.

3-    نفي صفة العقد الإداري على الصفقة التي تبرمها المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري. باعتبار أن العقد الإداري بمفهومه العضوي يتطلب أن يكون أحد طرفيه هيئة عمومية إدارية، وبالتالي فلا جدل في أن الصفقات التي تبرمها الدولة، والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية تعتبر عقود إدارية، لكن ليسلأنها صفقاتعمومية، بل لأن أحد أطرافها هو هيئة عمومية من طبيعة إدارية، خاصة وأن المادة 02 من المرسوم 15/247 نصت على أنها عقود مكتوبة فقط، ولم تكيفها على أنها عقود إدارية.[15]

4-    القول بأن المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ،التي توحي باختصاص المحاكم الإدارية في قضاء الإستعجال بإيرادها مصطلح "الصفقات العمومية" يجب تفسيره في إطار نص المادة 800 من ذات القانون، ومن ثمة لا يختص القاضي الإداري الاستعجالي إلا بنظر الصفقات العمومية التي يكون أحد أطرافها شخص من الأشخاص المحددة بنص المادة 800 من ق إ م إ.[16]

وفي قرار سابق لمجلس الدولة الجزائري  صدر بتاريخ 05-11-2002- ملف رقم 003889 ذهب مجلس الدولة إلى التقيّد حرفيا بنصوص القانون وأقرّ مبدأ عدم خضوع المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري لقانون الصفقات العمومية. وبالتبعية أقر أيضا عدم اختصاص القاضي الإداري للبت في النّزاع القائم بخصوص إبرام مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري لصفقة عمومية[17].

وفي الأخير يمكن القول بأن قوة حجج الطرفين في إسناد الاختصاص القضائي لجهة دون الأخرى مقنعة ،لكننا نرجح الاتجاه الثاني الذي يعقدالاختصاص للقضاء العادي إيمانا منا بأن قوة المعيار العضوي المنصوص عليه في نص تشريعي ممثلا في المادة 800 من ق إ م وطبيعته الصارمة أقوى حجة من النص الوارد في النص الخاص الوارد في المرسوم 15/247 المتعلق بالصفقات العمومية وتفويض المرفق العام. خاصة وأن هذا الأخير كان بإمكانه تحديد الاختصاص القضائي على سبيل الإشارة، وما دامت المادتين 82و152 منه تحيل إلى التشريع المعمول به فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يبقي هو الفيصل في تحديد الاختصاص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات التي تخضع للقانون التجاري، الممولة كليا أو جزئيا، بصفة دائمة أو مؤقتة من ميزانية الدولة.



[1]- تنص المادة 807 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر على: "الاختصاص النوعي والإقليمي للمحاكم الإدارية من النظام العام.

يجوز إثارة الدفع بعدم الاختصاص من أحد الخصوم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى. يجب إثارته تلقائيا من طرف القاضي."

[2]2- للاستزادة راجع عز الدين كلوفي،  نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية على ضوء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام، تخصص القانون العام للأعمال،كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة، بحاية، 2011/2012، ص 30 و ما بعدها

[3]-حيث جاء في نص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في فقرتها الأولى:

"تختص المحاكم الإدارية كذلك بالفصل في :

1-       دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن:

-         الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية.

-         البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية.

-         المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية.

2-       دعادى القضاء الكامل.

3-       القضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة".

[4]- أنظر نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق، ص 442.

[5]- المادة 82 والمادة 153 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر: حيث تتعلق المادة 82 بالطعون والمادة 153 المتعلقة بالتسوية الودية للنزاعات، وقد سبق تفصيلهما في المحور الأول من هذه الدراسة.

[6]- هذا إعمالا لنص المادة 804ق إ م إ: التي رغم أنها تتحدث عن الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية إلا أنها أكدت أن الدعوى تدفع وجوبا أمام المحاكم الإدارية في  المواد المبينة أدناه والتي من ضمنها مادة الأشغال، مادة التوريدات، مادة العقود الإدارية مهما كان نوعها.

 

[7]- للمزيد أنظر: رياض دنش، قواعد تنازع الاختصاص القضائي في المادة الإدارية وفقا لأحكام القانون رقم 08/09: أعمال الملتقى الوطني حول الإجراءات المدنية والإدارية في ظل القانون 08/09، يومي 05و06 ماي 2009، جامعة محمد بوضياف ،المسيلة ،ص 12.

[8]-المرسوم الرئاسي 15/247 وفي مواده ال220 لم يتضمن أي إشارة للاختصاص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية: لذا فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 يبقي هو الشريعة العامة وهو الفيصل في تحديد الاختصاص القضائي.

[9]- يقصد بذلك أن تطبيق قاعدة مكان الإبرام: أو مكان التنفيذ في تحديد الاختصاص الإقليمي للمحكمة الإدارية متوقف على شرط مفاده أن يكون أحد أطراف الصفقة مقيما بذلك المكان، و إلا فإنه يتم تطبيق القاعدة العامة، بإحالة الاختصاص للمحكمة الإدارية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعي عليه، طبقا للمادتين 37و 38 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية للمزيد أنظر: عز الدين كلوفي،نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية،دار النشر جيلطي ،الجزائر، 2012.، ص 73و75.

[10]-يفهم من نص المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر أن المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري لا تعتبر العقود التي تبرمها صفقات عمومية إلا إذا  تحقق شرط أساسي، يعرف قانونا "بالشرط الواقف" الذي إذا لم يتحقق يسقط وصف الصفقة العمومية عن العقد الذي تبرمه ،ويتمثل هذا الشرط في أن تكون العملية ممولة كليا أو جزئيا بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة أو الجماعات الإقليمية.

[11]- نادية تياب ، سلسلة محاضرات في مادة قانون الصفقات العمومية،،مطبوعة محكمة موجهة لطلبةالسنة الثانية ماستر، كلية الحقوق و العلوم السياسية ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية 2014/2014، ص75.

[12]- قرار صادر عن مجلس الدولة بتاريخ 14/05/2001بين ديوان الترقية والتسيير العقاري لوهران ضد مؤسسة الأشغال بعين تموشنت ، ملف رقم 332 ،فهرس رقم 275 حيث جاء ضمن حيثياته ".... بعد الاطلاع على الملف وعلى المستأنف عليه يتضح بأن الصفقة موضوع النزاع المتضمنة إنجاز 1180 مسكن بوهران هي صفقة عمومية، أبرمت بين ولاية وهران ممثلة من طرف الوالي من جهة، ومؤسسة البناء لعين تموشنت المكلفة بالإنجاز. أما ديوان الترقية فهو مكلف بتسيير المشروع نيابة عن صاحبه،وأن موضوع الصفقة.... ترجع ملكيتها للدولة وليس للديوان . وأن تموين المشروع من طرف الخزينة العامة... وبالتالي يفتح الاختصاص للقضاء الإداري، نقلا عنعز الدين كلوفي ، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية على ضوء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية،مرجع سابق. ص 443.

[13]- حيث نصت المادة 946/1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 سالف الذكر على ما يلي: يجوز إخطار المحكمة الإدارية بعريضة، وذلك في حالة الإخلال بالتزامات الاشهار او المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية."

[14]- نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق. ص 443.

[15]- لحسين بن شيخ آث ملويا، مرجع سابق،ص 42.

[16]-أنظر: نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق، ص 444.

[17]3- قضية (ز.ش) ضد المدير العام لمؤسسة التسيير السياحي للشرق قسنطينة منشور بمجلة مجلس الدولة ، الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري ، العدد3 ،2003،ص 109.

1.2. القسم الثاني: أنواع الدعاوى الإدارية في مجال الصفقات العمومية

    الدعوى القضائية هي وسيلة إجرائية، أو بالأحرى هي مجموعة من الإجراءات يلجأ إليها شخص طبيعي أو معنوي يدعي حقا، أو يطالب بحماية حق [1]. وهي حق ساكن قبل تحريكها، ومتى لجأ الشخص إلى القضاء يتحول هذا الحق إلى حق متحرك، ويتحول إلى خصومة بمجرد توجيه الإدعاء إلى المدعى عليه.[2]

    وقد نص المشرع الجزائري في المادة 03 من ق إ م إ على ما يلي "يجوز لكل شخص يدعي حقا رفع دعوى أمام القضاء الإداري للحصول على ذلك الحق أو حمايته"

     وبعد تبني المشرع الجزائري الازدواجية القضائية، ظهرت الدعوى القضائية الإدارية بخصوصيتها الإجرائية ،التي تختلف عن الدعوى القضائية العادية، حيث خصها المشرع الجزائري بإجراءات خاصة وردت في الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت عنوان "الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية".

     وفي غياب تعريف تشريعي مباشر للدعوى القضائية الإدارية، فإن التعريف الفقهي يفرض نفسه في تحديدها، لذا يمكن تعريف الدعوى الإدارية بأنها:

"الوسيلة أو المكنة التي يخولها القانون للشخص في اللجوء إلى القضاء الإداري للمطالبة بحقوق مستها تصرفات وأعمال الإدارة وأضرت بها."[3]

     وحتى لا تخوض كثيرا في التصنيفات الفقهية للدعوى الإدارية، فسوف نقتصر في هذا المقام على التصنيف التشريعي الجزائري، والذي يمكن استنباطه من نص المادة 801 ق إ م إ التي عددت أنواع الدعاوى الإدارية التي ترفع أمام المحاكم الإدارية باعتبارها صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعة الإدارية ،حيث نص في الفقرة الأولى منها على دعاوى إلغاء القرارات الإدارية ودعاوى تفسير وتقدير مشروعية القرارات الإدارية، ونصت الفقرة الثانية على دعوى القضاء الكامل، ونصت الفقرة الثالثة على نوع ثالث هو الدعاوى الإدارية المخولة للمحاكم الإدارية بموجب نصوص خاصة، وفقا لإجراءات خاصة غير تلك المنوه عنها في القواعد العامة، كالدعاوى الناتجة عن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية أو ذلك المتعلق بنظام الانتخابات[4].

    ويخرج عن نطاق الفقرة الثالثة من المادة 801 ق إ م إ منازعات الصفقات العمومية، باعتبار أن نصوص تنظيم الصفقات العمومية لم تدرج منازعات الصفقات العمومية ضمن القضاء الإداري بنص خاص. وباعتبار أن دعوى التفسير وفحص وتقدير المشروعية هي دعاوى فرعية، لا تأتي إلا مرتبطة بدعوى أصلية فإن منازعات الصفقات العمومية لا تخرج عن نطاق إحدى الدعاوى الأصلية ممثلة إما في دعوى الإلغاء أو دعوى القضاء الكامل.[5]

    من هذا المنطلق يتعين علينا تحديد نوع الدعوى التي تمارس في مجال منازعات الصفقات العمومية، وصنف المنازعة التي تنطوي ضمنها، والحد الفاصل بين مجال دعوى الإلغاء ومجال دعوى التعويض.

أولا- مجال دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية.

تعرف دعوى الإلغاء بأنها" الدعوى التي يرفعها صاحب الصفة والمصلحة أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة، قصد إبطال الآثار القانونية لقرار إداري غير مشروع"[6]

وعليه فإن دعوى الإلغاء محلها قرار إداري فقط، وهو عمل قانوني إنفرادي يصدر عن الإدارة المنفردة للإدارة قصد إحداث آثار قانونية معينة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل هل هناك مجال لرفع دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية؟

إن الصفقات العمومية هي عقود إدارية تشترك في إبرامها إرادتين إيجابا وقبولا، ما يجعلها تختلف عن القرار الإداري باعتباره عمل قانوني إنفرادي. لذا فإن الأصل فيها أنها تخضع لاختصاص القضاء الكامل، ولا تدخل في اختصاص قضاء الإلغاء سوى القرارات الإدارية المنفصلة عن العملية التعاقدية، باعتبار أن القرار المنفصل هو قرار لا يدخل في الرابطة التعاقدية وعليه سنتطرقفي البداية  لمحل دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية ثم نتناول بعدها شروط رفع دعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المنفصلة و ننتهي في آخر هذه الجزئية إلى حجية الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة على عقد الصفقة العمومية.

1/ محل دعوى الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية:

   اقر المشرع الجزائري صراحة بان يكون محل دعوى الإلغاء قرار إداري من خلال نص المادة 801 ق إ م إ ،بل و ذهب إلى ابعد من ذلك حين اشترط ضرورة إرفاق العريضة الافتتاحية للدعوى بالقرار محل النزاع تحت طائلة عدم القبول وفقا للمادة 819  ق إ م إ. لكن عندما يتعلق الأمر بمنازعة في الصفقات العمومية، و التي تكيف على أنها عقود، فان الطعن بالإلغاء يكون محصورا في القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن الصفقة العمومية فقط.لذا سنتطرق بداية إلى مفهوم القرارات الإدارية المنفصلة،ثم نعمل على تحديد و تصنيف القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن الصفقة العمومية، و التي يمكن الطعن فيها في الإلغاء.

أ/ مفهوم القرارات الإدارية المنفصلة:

   إن العملية العقدية هي سلسلة متصلة الحلقات تبدأ بالقرارات التمهيدية أو المساعدة لإبرام الصفقة العمومية وصولا إلى القرار النهائي. وتعتبر القرارات الإدارية المنفصلة أولى هذه القرارات الإدارية ،ويمكن تعريفها بأنها:" تلك الأعمال الصادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة تساهم في تكوين العقود الإدارية لكن يمكن فصلها عن ذات العقد المرتبطة به، وبالتالي يمكن الطعن فيها بدعوى الإلغاء استقلالا عن العملية العقدية".[7] وعرفت أيضا بأنها "القرارات التي تساهم في تكوين العقد الإداري وتستهدف إتمامه، إلا أنها تنفصل عن هذا العقد وتختلف عنه بطبيعتها الأمر الذي يجعل الطعن فيها بالإلغاء جائزا."[8]

من خلال هذهالتعاريف يمكن استنتاج شرطين أساسين للقول بوجود قرار إداري منفصل هما:

1- أن يكون هذا الإجراء (القرار) ضروريا لإبرام العقد.

2- أن يكون هذا الإجراء جزءا أصليا لا يمكن تجزئته عن العقد.[9]

والعلة في عدم خضوع القرارات المنفصلة عن العقد لاختصاص قاضى العقد لينظرها بولاية القضاء الكامل، أن تلك القرارات باعتبارها تمهد لإبرام العقد الإداري ، لم يكن العقد قد أنعقد حال صدورها الأمر الذي يخضعها لقضاء المشروعية، كونها قرارات إدارية صادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة.

ب/ القرارات الإدارية المفصلة في الصفقات العمومية:

   إن نظرية القرارات الإدارية المنفصلة هي من ابتكار مجلس الدولة الفرنسي:ابتداء من قضية Martin بتاريخ 4 أوت 1905.[10]وتأثر بها القضاء الإداري الجزائري وطبقها في مجالات عدة، كنزع الملكية للمنفعة العامة والمنازعات الانتخابية، وكذا في مجال العملية العقدية. لكن ما يهمنا في هذا المقام هو القرارات الإدارية المنفصلة في الصفقات العمومية.

إن مجال الطعن بالإلغاء ضد القرار الإداري المنفصل في مجال الصفقات العمومية يشمل القرارات الممهدة لإبرام الصفقة وكذا القرار المتعلقة بإبرامها.

ب/1 الطعن بالإلغاء ضد القرارات الممهدة لإبرام الصفقة:

   تتعدد القرارات التي تصدرها المصلحة المتعاقدة قبل إبرام الصفقة العمومية، والتي تسمى بالقرارات الإدارية المنفصلة المستقلة[11]، وبالرجوع إلى نصوص المرسوم الرئاسي 15/247 يمكن استخلاص العديد من التصرفات الصادرة عن المصلحة، والتي يمكن تكييفها على أنها قرارات إدارية منفصلة ويمكن إدراجها كما يلي:

  • ·       قرار الإعلان عن الصفقة العمومية.

   إن الإعلان عن الصفقة العمومية هو دعوة للتعاقد، و هو إجراء جوهري يصل من خلاله أمر الصفقة العمومية إلى كل من تتوفر فيه الشروط اللازمة للقيام بالعملية المعلن عنها، ومن خلاله يتحقق مبدأ المساواة، ومبدأ حرية المنافسة ،ومبدأ حماية الإنتاج الوطني. لذا ألزم قانون الصفقات العمومية المصلحة المتعاقدة أن تضمن هذا الإعلان بيانات إلزامية محددة في نص المادة 62 من المرسوم 15/247 وحددت المواد 61و65 من نفس المرسوم كيفية وطرق نشره. وعليه يشترط لسلامة قرار الإعلان مراعاة نوعين من الشروط، شروط شكلية تتعلق بنشر الإعلان والطرق المتبعة في ذلك،وشروط موضوعية تخص المبادئ التي تبني عليها الصفقات العمومية كمبدأ المساواة وحرية التنافس[12]

    واعتبر القضاء الإداري الإعلان عن الصفقة قرارا إداريا منفصلا عن العملية العقدية الكلية يجوز الطعن فيه بالالغاء[13].

  • ·       قرار المنح المؤقت للصفقة:

       يعرف المنح المؤقت للصفقة على انه" إجراء إعلامي بموجبه تخطر الإدارة المتعاقدة المتعهدين والجمهور باختيارها المؤقت وغير النهائي لمتعاقد ما، نظرا لحصوله على أعلى تنقيط فيما يخص العرضين المالي والتقني"[14]و يشترط نشره في نفس الجرائد التي نشر فيها الإعلان عن الصفقة، الغاية منه إضفاء الشفافية على إبرام الصفقة العمومية.

أعتبر القضاء الإداري الفرنسي قرار المنح المؤقت قرارا إداريا منفصلا، لتوافره على خصائص القرار الإداري، حيث قررت المحكمة الإداريةChalon Sur Marne بتاريخ 06 أكتوبر 1993 بطلانقرارالمنحالمؤقتفيصفقةلأنهجاءبعدالتفاوضمعالمتعهدينأثناءدراسةالعروض.

  • ·       قرار الاستبعاد من المشاركة:

لم يرد في قانون الصفقات العمومية مصطلح قرار الاستبعاد مطلقا، لكن يمكن إستنتاجه بطريقة غير مباشرة من نصوص المواد 72و 75 من المرسوم الرئاسي 15/247[15] بين نوعين من قرارات الإستبعاد:

-      قرار رفضالعرض المقدم.

-      قرار إقصاء أو منع متعامل من المشاركة في الصفقة العمومية.

1)        قرار رفض العرض المقدم:

    يعد قرار المصلحة المتعاقدة برفض عطاء مقدم من متعهد ما قرارا موضوعيا، فهو لا يوجه إلى شخص مقدم العطاء، بل ينصب على العرض نفسه، لعدم استيفاءه الشروط التي يتطلبها المرسوم 15/247 لصحة العرض، ويعد من أهم أسباب رفض العرض:

-      عدم احترام شروط تقديم العرض (كالآجال مثلا)

-      عدم مطابقة العروض لمحتوى دفتر الشروط.

-      العروض التي لم يتحصل على العلامة الدنيا اللازمة، المنصوص عليها في دفتر الشروط.

-      إذا ثبت أنه يترتب عن منح المشروع هيمنة المتعامل المقبول على السوق، ما يتسبب في الإخلال بمبدأ المنافسة في القطاع المعنى.

2)                 قرار استبعاد متنافس:

يعتبر قرار إقصاء متعامل اقتصادي من دخول المنافسة قرارا شخصيا، يوجه إلى شخص معين بذاته، معنويا كان أو طبيعيا[16].بهدف حرمانه من الاشتراك في كافة الصفقات المعلن عنها، ويعتبر من القرارات المنفصلة عن الصفقة . وقد نصت على حالات الإقصاء المادة 75 من المرسوم الرئاسي 15/247 والتي من بينها: الإفلاس، التسوية القضائية، عدم استيفاء الواجبات الجبائية ،التصريح الكاذب ...وغيرها.

   في الأخير نذكر أنه أمام خطورة التسجيل في قائمة الأشخاص الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية، فإنه لا يتخذ هذا القرار إلا بعد إتباع عدة إجراءات حددها القرار الوزاري المؤرخ في 28 مارس 2011.[17]

ب/2الطعن في القرارات المتعلقة بإبرام الصفقة:

   بعد إنهاء الإجراءات المتعلقة بإرساء الصفقة، تتخذ المصلحة المتعاقدة عدة قرارات فقد تستهدف السير في عملية الإبرام، من خلال إصدار قرار إبرام الصفقة ،وقرار التصديق عليها من طرف الجهة الوصية المختصة، وقد تقرر المصلحة المتعاقدة العدول عن إبرام الصفقة فتصدر قرارا بإلغائها.

  • ·    قرار إبرام الصفقة:

   قرار إبرام الصفقة هو القرار الذي بمقتضاه يتم اعتماد نتائج الإرساء من قبل الجهة الإدارية المختصة بذلك، ويؤدي هذا القرار إلى إنشاء العلاقة التعاقدية بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل، وبه يكتمل رضا طرفي العقد[18]. وفي هذا الإطار نصت المادة 04 من المرسوم الرئاسي 15/247 : " لا تصح الصفقات ولا تكون نهائية إلا إذا وافقت عليها السلطة المختصة المذكورة أدناه:

مسؤول الهيئة العمومية، الوزير، الوالي، رئيس المجلس الشعبي البلدي المدير العام أو مدير المؤسسة العمومية" والتي يمكن لها أن تفوض صلاحيات الإبرام في حدود ما يسمح به القانون[19]"

    ويعد القرار الصادر بإبرام العقد في حد ذاته قرارا إداريا ،يخضع لاختصاص قاضي الإلغاء دون قاضي العقد، باعتبار أن العقد حال صدور هذا القرار لم يكن قد انعقد بعد، وهذا هو الأمر الذي يجعل منه قرارا إداريا منفصلا عن العقد الإداري. وهو النهج الذي سار عليه القضاء الإداري، وذلك قصد السماح بتوجيه دعوى الإلغاء ضده حتى لا يظل قرارا محصنا نتيجة عدم إمكانية توجيه دعوى أخرى ضده[20].

    وبحسب مجلس الدولة الفرنسي فإنه  لا يبرر الطعن في قرار الإبرام إلا لسبين:

-      إما عدم الاختصاص بإبرام الصفقة.

-      إما مخالفة الإجراءات الشكلية التي يتطلبها القانون في الإبرام.[21]

   و تجدر الإشارةفي الأخيرانهعندما يتعلق الأمر بالصالح العام، يمكن المصلحة المتعاقدة، أثناء كل مراحل إبرام الصفقة العمومية ،إعلان  إلغاء الإجراء و/أو المنح المؤقت للصفقة  العمومية. ولا يمكن المتعهدين أن يطلبوا أي تعويض في حال عدم اختيارعروضهم أو في حال إلغاء الإجراء و/أو المنح المؤقت للصفقة العمومية .

  • ·                  قرار التصديق على إبرام الصفقة العمومية:

       إن التصديق على إبرام الصفقة العمومية هو من صميم اختصاص السلطة الوصية ،وقد تم النص على هذا النوع من الرقابة الوصائية في المادة 164 من المرسوم الرئاسي 15/247 . الغاية منه التحقق من مطابقة الصفقات التي تبرمها المصلحة المتعاقدة لأهداف الفعاليةوالاقتصاد، والتأكد من كون العملية التي هي موضوع الصفقة تدخل فعلا في إطار البرامج والأسبقيات المرسومة للقطاع[22] . من أمثلة قرارات التصديق على الصفقة ما نصت عليه المادة 149 من القانون 11/10 المتعلق بالبلدية "يصادق على محضر المناقصة والصفقة العمومية عن طريق مداولة لمجلس الشعبي البلدي.

يرسل محضر المناقصة والصفقة العمومية إلى الوالي مرفقان بالمداولة المتعلقة بهما"[23]

وقد أعتبر مجلس الدولة الفرنسي قرار التصديق أو عدم التصديق الصادر عن السلطة الوصية من القرارات الإدارية المنفصلة عن الصفقة، حتى لو كان الطاعن طرفا في العقد رغم إمكانية لجوئهم إلى القضاء الكامل.[24] وهو ما سنتطرق له تفصيلا في الجزئية الموالية المتعلقة بشرط الصفة في دعوى الإلغاء المتعلقة بمنازعات الصفقات العمومية.

2/شروط رفع دعوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية المنفصلة

       تخضع دعوى الإلغاء للشروط العامة المتعارف عليها، المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي تنقسم إلى شروط شكلية وشروط موضوعية، تتمثل الشروط الشكلية أساسا في

  • شرط الصفة والمصلحة ( 13 ق إ م إ)

-      وأن تنصب دعوى الإلغاء على قرار إداري إعمالا لنص المادة 801 ق إ م إ

-      وأن يحترم شرط الميعاد في رفع الدعوى، والذي وحده المشرع الجزائري سواء بالنسبة لاختصاص المحاكم الإدارية 829، أو لاختصاص مجلس الدولة 907 ق إ م إ[25].أما الشروط الموضوعية لدعوى الإلغاء فتقضي بأن يكون القرار الإداري المنفصل مشوبا بإحدى العيوب المتمثلة في:

1-        عيب عدم الاختصاص.

2-        عيب مخالفة الشكل والإجراءات.

3-        عيب السبب.

4-        عيب مخالفة القانون.

5-        عيب الانحراف في استعمال السلطة.

من خلال إسقاط هذه الشروط على دعوى إلغاء القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية نستنتج الشروط الخاصة بهذه الأخيرة المتمثلة أساسا في:

أ‌-     شرط تقديم الطعن من غير المتعاقد:

   الأصل أن دعوى الإلغاء في القرار المنفصل عن الصفقة لا تقبل إلا إذا رفعت من غير المتعاقد الذي تضرر بالقرار المطعون فيه، ولا تقبل هذه الدعوى من المتعاقد نفسه، لأنه يملك اللجوء إلى قاضي العقد بدعوى القضاء الكامل. لكن استثناءا طور القضاء الإداري حالات معينة يمكن فيها لهذا الأخير أن يرفع طعنا بالإلغاء. لذا سنتعرض للقاعدة العامة في شرط الصفة والمصلحة للطاعن في القرارات المنفصلة عن الصفقة بالإلغاء، ثم نتناول الاستثناء.

  • ·       القاعدة العامة: شرط تقديم الطعن من غير المتعاقد

يقصد ب"الغير" في هذا المقام "غير المتعامل المتعاقد"، وهو الشخص الخارج عن عقد الصفقة .فهذا " الغير" إذا تضرر من قرار أصدرته المصلحة المتعاقدة يمكنه أن يسلك دعوى الإلغاء[26]

ويرجع سبب اشتراط صفة الغير في الطاعن، إلى رفض القضاء الإداري فصل القرارات الصادرة في مرحلة تنفيذ العقد عن العقد نفسه. لأن الطاعن في هذه المرحلة هو أحد أطراف الرابطة العقدية، وعليه أن يسلك دعوى القضاء الكامل استنادا إلى قاعدة نسبية آثار العقد.[27]

وبالرجوع إلى المرسوم 15/247 نجد أن المشرع أعطى عدة صفات لهذا "الغير" فأعطاه تسمية " متعهد" أو "مرشح" أو "المتعامل الاقتصادي" أو " المتنافس" فمثلا تعد صفة "متعهد" شرطا لازما لقبول دعوى إلغاء القرار المنفصل في حالة رفض العرض مثلا ،وتعد صفة "مترشح" شرطا في رفعها في حالة طلب العروض المفتوح أو المحدود أو المسابقة[28]. أي الأشخاص الذين شاركوا في الانتقاء الأولي هم فقط من لهم الحق في الطعن في قرار المنح المؤقت للصفقة[29].

  • ·       الاستثناء: تقديم الطعن من طرف المتعاقد.

        خروجا عن قاعدة وجوب توفر صفة "الغير" في رافع الدعوى ضد القرار الإداري المنفصل عن الصفقة، أجاز القضاء الإداري للمتعامل المتعاقد أن يلجأ إلى قاضي الإلغاء إذا تبين أن القرار المراد إلغاءه جاء تطبيقا للقوانين واللوائح سارية المفعول، ولا يستند إلى بنود الصفقة. ففي هذا الحالة القرار الذي تصدره المصلحة المتعاقدة لا يوجه للمتعاملباعتبارهطرف في العقد، وإنما كشخص عادي يرتبط مع الإدارة بموجب القوانين واللوائح بموجب عقد الصفقة.ويعد من قبيل القرارات المنفصلة التي يمكن للمتعاقد الطعن فيها بالإلغاء رغم صدروها عن المصلحة المتعاقدة:

-          القرار الذي تصدره المصلحة المتعاقدة بشطب اسم المتعهد عن قائمة الموردين، وهو قرار يصدر عادة بعد انتهاء العقد الإداري الذي يربط بينها وبين المتعامل المتعاقد.

-          القرار الذي تتخذه المصلحة المتعاقدة استنادا إلى سلطة الضبط الإداري في إطار تحقيق الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والتي يكون لها أثر على المتعاقد. كقرار الإدارة بضرورة وفق أشغال صفقة الأشغال في حي سكني في ساعات متأخرة من الليل.[30]

-          القرارات التي يصدر عن السلطة الوصية كقرار الترخيص أو التصديق على الإجراءات التي تتخذها المصلحة المتعاقدة لتنفيذ العقد أو فسخه.

ب‌-    شرط أن يكون القرار نافذا:

    يشترط في القرار الإداري المنفصل عن الصفقة أن يكون نافذا، شأنه شأن بقية القرارات الإدارية محل دعوى الإلغاء. ويقصد بالقرار النافذ القرار النهائي، الذي يعتبر ملزم في مواجهة المخاطبين بأحكامه. يصبح القرار نافذا في حاليتن:

-      أن يصدر القرار من جهة إصداره دون الحاجة إلى تصديق جهة أخرى.

 

-      أن يصدر القرار من جهة لها حق الاقتراح ثم يتأكد بالتصديق من الجهة الوصية بالشكل الذي يحدده القانون.[31]

         وعليه لا يعتبر من القرارات النافذة قرار لجنة تقييم العروض بإرساء الصفقة على أحد المتعهدين، فرغم أهميته لا يعد قرارا تنفيذيا(نهائيا) ،لأن القرار النهائي بإرساء الصفقة على أحد المتعهدين هو من اختصاص المصلحة المتعاقدة، وليس من اختصاص لجنة تقييم العروض[32].كذلك القرارات التي تحتاج إلى تصديق السلطة الوصية لا تعتبر نافذة، لأنها لا تقبل التنفيذ إلا من تاريخ التصديق.

وتجدر الإشارة هنا أن القرارات التمهيدية في الصفقة العمومية، وإن كانت قرارات غير نافذة، لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء، إلا أن القاضي الإداري ملزم بفحصها، قصد تقرير مشروعية القرار النهائي المرتبط بها[33].

ج-تأسيس الطلب على عدم مشروعية القرار المنفصل:

    يجب أن يكون القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية مشوبا بأحد عيوب المشروعية (عيب عدم الاختصاص، عيب المحل، عيب السبب، عيب الشكل والإجراءات، عيب الإنحراف بالسلطة). لكن السؤال الذي يطرح هنا هو:هل أن المشروعية هنا تقاس مقارنة ببنود العقد أم بناءا على مبدأ المشروعية في حد ذاته؟

     -الأصل أنه لا يجوز الطعن بالإلغاء في القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية لمخالفته نصا عقديا، غير أنه إذا كان أساس الطعن هو عدم مشروعية بنود الصفقة فإن قاضي الإلغاء في هذه الحالة ملزم بفحص مدى مشروعية العملية العقدية.[34]

     - أما في حال صدور القرار الإداري تطبيقا لبند غير مشروع في العقد الإداري، فيؤسس الطعن على عدم مشروعية بنود العقد المرتبط به القرار. والقاضي هنا يبحث في مدى مشروعية العملية ذاتها لتقرير مدى مشروعية القرار المطعون فيه. وقد إستقر القضاء الإداري في هذه الحالة على أحقية قاضي الإلغاء بفحص سلامة العملية العقدية باعتبار أنها تشكل ركن السبب في القرار الإداري محل الطعن.[35] والحجة في ذلك هي أن دور قاضي الإلغاء هو حماية مبدأ المشروعية في كل تصرفات الإدارة. لأن المشروعية مبدأ مطلق وغير قابل للتجزئة. فكما أن الإدارة ملزمة باحترامه في تصرفاتها الانفرادية (القرارات)، هي كذلك ملزمة باحترامه في تصرفاتها الثنائية (العقود الإدارية).

 

3/حجية الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة على عقد الصفقة العمومية:

   بمجرد استيفاء الحكم القاضي بإلغاء القرار الإداري المنفصل عن الصفقة العمومية لطرق الطعن، فإنه يكتسب حجية مطلقة في مواجهة الكافة، ويصبح هذا القرار كأنه لم يكن وتزول كل الآثار المترتبة عن إصداره، فلا يمكن التمسك بأي حقوق ولا التقيد بأي التزامات ناشئة عنه.

لكن الطعن في القرارات الإدارية المنفصلة عن الصفقة العمومية عن طريق دعوى الإلغاء يتميز بنتيجة أساسية بالغة الخطورة، تتمثل في أثر إلغاء تلك القرارات المنفصلة على عقد الصفقة العمومية ،فهل  ذلك  الإلغاء يؤدي بصفة تلقائية إلى بطلان الصفقة العمومية من عدمه؟[36].للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التطرق إلى موقف القضاء الإداري والتطورات التي صاحبته كما يلي:

1-   ذهب مجلس الدولة الفرنسي منذ أمد بعيد إلى أن إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة في حالة العقود الإدارية وحدها، لا       يمكن أن يؤدي بذاته إلى إلغاء العقد الإداري فيبقي العقد سليما ونافذا، حتى يتمسك أحد أطراف العقد بالحكم الصادر بالإلغاء أمام قاضي العقد. حينها يمكن لقاضي العقد أن يحكم بإلغائه استنادا إلى عدم مشروعية القرار المنفصل الذي ساهم في العملية العقدية[37]. وغاية القضاء الإداري في ذلك هي استقرار الأوضاع التعاقدية.

   أثار موقف مجلس الدولة الفرنسي القاضي بمحدودية آثار حكم الإلغاء في العقود الإدارية عدة انتقادات، كونه أدى إلى التقليل من قيمة نتائج دعوى الإلغاء، فماالفائدة من إلغاء القرار غير المشروع إذا ظل العقد الذي بني عليه قائما. ذلك أن حكم الإلغاء لا يرتب أثاره كاملة،و لن ينتج عنه سوى الحصول على التعويض، في حين أن المدعي يمكنه اللجوء مباشرة إلى دعوى التعويض.

2-   استجاب مجلس الدولة الفرنسي للانتقادات التي وجهت له، و عدل عن رأيه السابق من خلال حكم أصدره في 1 مارس 1954 في قضية"Société d’énergie industrielle" [38]،أينأوقف تنفيذ العقداستنادا إلى بطلان القرار القاضي بالتصديق من تلقاء نفسه دون طلب من إطراف العقد. و تأكد هذا الأمر في أحكام لاحقة، كقراره في شركة نادي اليخوت الدولية"Ste Yacht Club International de Bornes" سنة 1993 [39]أين خلص القاضي إلى بطلان العقد من تلقاء نفسه استنادا إلى بطلان العمل المنفصل.

إن هدا الرأيأكثر انسجاما مع طبيعة الحكم بالإلغاء، الذي يتميز بالحجيةالمطلقة اتجاه الكافة، باعتباره ينتمي إلى قضاء المشروعية،و باعتبار أنآثار البطلان تسري في مواجهة الكافة و في مواجهة كل الأعمال المرتبطة به .

  • موقف المشرع الجزائري:

   تجنب المشرع الجزائري الوقوع في هذه الإشكالية القانونية ،حيث نص في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على القضاء ألاستعجالي قبل التعاقدي ،أي قبل إبرام العقد الصفقة ، حتى لا تستطيع المصلحة المتعاقدة السير في العملية التعاقدية إلى غاية الفصل في دعوى الإلغاء، و التي لا تتجاوز مدة البت فيها 20 يوما ،و هو ما سنتناوله لاحقا في القضاء ألاستعجالي في مادة الصفقات العمومية[40].

ثانيا: مجال دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية

    يختص القضاء الإداري بالنظر في دعاوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية كأصل عام، حيث يتمثل دوره في إعادة الحال إلى ما كان عليه، وإعادة الحقوق لأصحابها.

   ويرجع السبب في اختصاص القضاء الإداري الكامل بمنازعات الصفقات العمومية إلى طبيعة دعوى القضاء الكامل، التي تستجيب للطبيعة الذاتية لمنازعات العقود، فهي منازعات شخصية بين أطراف العقد، يتمتع القاضي فيها بسلطات واسعة، كالقيام بتعين خبير أو فسخ العقد، أو الحكم بالتعويض، أو إبطال بعض التصرفات ،أو تعديل بعض الأعمال.[41]

    وقد تم النص على دعوى القضاء الكامل في المادة 801 ق إ م إ في فقرتها الثانية، كما يمكن استنتاجها ضمنا من نصوص المواد 800، 902، 903، 949،953، 960. ق إ م إ، لذا سنتطرق في هذه الجزئية.

1/شروط رفع دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية:

   إن رفع دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية تخضع لنفس الشروط التي يخضع لها رفع دعوى القضاء الكامل في القواعد العامة في المنازعات الإدارية، والتي تقسم في العادة إلى شروط شكلية وأخرى موضوعية

أ/ الشروط الشكلية:

     حتى تقبل دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية يجب أن يتأكد القاضي الإداري من صحة وتوافر الشروط الشكلية ممثلة في ما يلي:

  • شرط الصفة والمصلحة حسب نص المادة 13 ق إ م ،بحيث يمكن أن يكون رافع الدعوى هو أحد طرفي العقد، إما المصلحة المتعاقدة أو المتعامل المتعاقد، كما قد يكون طرفا خارجا عن العملية العقدية، لكنه تعرض لضرر من جراء هذه العملية التعاقدية.[42]
  • شرط الميعاد لا تقيد دعوى القضاء الكامل بالميعاد المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية والإدارية باعتبارها من قضايا الحقوق، التي يبقي فيها حق الطعن قائما ما دام الحق المراد حمايته لا يزال قائما، ولم يخضع للتقادم.

1)      بالنسبة لشرط تضمين العريضة القرار لسبب رفع الدعوى، باعتبار أن سبب رفع دعوى القضاء الكامل هي إما قرار إداري تسبب في ضرر ما للمخاطب بأحكامه،إما عمل مادي أو عمل تعاقدي. وباسقاط ذلك على دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية فلا بد أن تضمن العريضة القرار الصادر عن المصلحة المتعاقدة أو العقد حتى يتسنى للقاضي الإحاطة بمصدر الضرر وقدره.[43]

ب/الشروط الموضوعية:

   يمكن للمدعي أن يؤسس دعواه بناءا على حالة من حالات إخلال الطرف الآخر في العقد بالتزاماته،سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية (ينص عليها القانون)، كما يمكن تأسيسها على ضرر قابل للتعويض، سببه أحد طرفي العقد للآخر، أو تسبب فيه عقد الصفقة أو تنفيذها للغير، الأمر الذي يجعلنا نحاول الإشارة إلى عدد من صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية.

2/ أهم صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية:

      سنقوم بإدراج أهم صور دعوى القضاء الكامل في منازعات الصفقات العمومية، باعتبارها مرتبطة بالعملية التعاقدية، وتخرج عن نطاق القرارات الإدارية المنفصلة، وهي في الواقع تصنف كمنازعات "تنفيذ" و" نفاذ" الصفقات العموميةبالاضافةلإمكانية رفع دعوى التعويض اجبر الضرر لذا سيتم تقيمها إلى ثلاثة أقسام:

-      دعاوى تنفيذ الصفقات العمومية.

-      دعاوى نفاذ الصفقات العمومية.

-      دعوى التعويض في الصفقات العمومية.( انظر الملحق: المخطط التوضيحي -3-)

أ‌-               دعاوى تنفيذ الصفقات العمومية:

تتمثل الدعاوى المتعلقة بتنفيذ الصفقات العمومية أساسا في دعوى إبطال بعض تصرفات المصلحة المتعاقدة لإخلالها بالتزاماتها التعاقدية، وكذا دعوى المطالبة بالحق في المقابل المالي.

  • ·       دعوى إبطال بعض تصرفات المصلحة المتعاقدة لإخلالها بالتزاماتها التعاقدية:

   إن إخلال الإدارة بالالتزامات الملقاة على عاتقها، يعتبر خرقا لبنود الصفقة التي تم الاتفاق عليها. حيث تتجلي هذه التصرفات في صورة قرارات إدارية قد تتسبب في الضرر للمتعامل المتعاقد معها أو للغير، الذي لا يعتبر طرفا في عقد الصفقة[44]:

1)     بالنسبة للمتعامل المتعاقد:

   يسعى المتعامل المتعاقد لإبطال تلك التصرفات التي تأتي في صورة قرارات إدارية عن طريق دعوى القضاء الكامل، لأنه لا يستطيع اللجوء إلى دعوى الإلغاء.حتى ولو كان مقصده للانفصال هو فقط إبطال تلك القرارات، لأن هذه الأخيرة لا تعد من قبيل القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن عقد الصفقة: بل تكيف على أنها إجراء تعاقدي لا يمكن تجزئته عن الصفقة العمومية وبنودها، وتعتبر المنازعة بشأنها إحدى المنازعات الحقوقية الإدارية، التي تدخل في ولاية القضاء الكامل. وعلى المتعامل المتعاقد أن يؤسس دعواه على بنود الصفقة على مبدأ المشروعية[45].

2)   بالنسبة للغير:

   يقصد بالغير"الغير الخارج عن عقد الصفقة" والذي تضرر من تلك القرارات الإدارية التي أصدرتها المصلحة المتعاقدة، هذا الأخير ليس أمامه إلا اللجوء إلى دعوى الإلغاء، لأنه ليس طرف في الصفقة العمومية، وليس له أي حق شخصي مترتب عليها، إنما ينازع القرار الإداري الذي أضر به بعينه، وعليه أن يؤسس دعواه على مبدأ المشروعية، ولا يشير لا بنود الصفقة ولا نصوصها من أجل إلغاء ذلك القرار.[46]

 

 

  • ·         دعوى المطالبة بالحق في المقابل المالي:

    للمتعامل المتعاقد حق الحصول على مقابل نقدي نظير تنفيذه لموضوع الصفقة، مثلا بعد إنجازه للأشغال المطلوبة منه بمتقضى صفقة الأشغال، يطلب الدفع مقابل إنجازه لهذه الأشغال، الذي يعتبر دين على عاتق الإدارة، والذي بأخذ صورة أجر متفق عليه في الصفقة، تطبيقا لبنود القسم الثالث من الفصل الرابع للمرسوم الرئاسي 15/247، حيث نصت المادتين 108و 109 منه على كيفيات الدفع، وعليه فإن ثبوت إنجاز المتعامل المتعاقد لالتزامه بشكل سليم يجعله محق في طلب الحصول على تلك المبالغ المتفق عليها.

    كما يمكن أن ترفع هذه الدعوى متى كان السبب هو استحقاق مالي للمتعامل المتعاقد سواء تعلق بفوائد تأخيرية، تعويض عن الحرمان من الربح ،أو ما فات من كسب طبقا للمادة122 منالمرسوم 15/ 247[47]،أو استرداد مبالغ الكفالة ،أو تحميل فارق السعر وغيرها.... فهي منازعات تدرج ضمن تنفيذ الصفقة العمومية وناشئة عن نصوصهاوبنودها.فهي منازعات تنصب على حق ذا مصدر تعاقدي، ما يدخله ضمن المنازعات الحقوقية المدرجة ضمن القضاء الكامل. خاصة وأن رافع الدعوى هو طرف في العقد.

ب‌-             دعاوى نفاذ الصفقات  العمومية:

وتسمى أيضا دعاوى انقضاء الصفقات العمومية بسبب الإبطال أو الفسخ.

  • ·                  دعوى بطلان الصفقة العمومية:

   هي أبرز دعاوى القضاء الكامل، باعتبار أن الصفقة العمومية هي عقد إداري يشترط لانعقادها توافر أركان العقد، من رضا ومحل وسبب والتي تشترك فيها مع العقد المدني، والتي إذا تخلفت كانت سببا في إبطال عقد الصفقة [48]،

تؤسس دعواه (القضاء الكامل) على بنود الصفقة لا على مبدأ المشروعية 

وهي دعوى يكون المؤهل لرفعها هو المتعامل المتعاقد، باعتباره صاحب الصفة والمصلحة كونه طرفا في العقد، دون الغير الذي يعتبر أجنبي عن هذا العقد.[49]

 

 

  • ·                  دعوى فسخ الصفقة العمومية

    يعتبر الفسخ طريقا لإنهاء العلاقة التعاقدية في العقود المدنية أو الإدارية على السواء، لكن الفسخ في الصفقات العمومية يختلف عن الفسخ في العقود المدنية، ذلك أن قاعدة عدم جواز نقض (فسخ) العقد إلا باتفاق الطرفين، لا تصمد أمام امتيازات المصلحة المتعاقدة، إذ أن الفسخ ألإنفرادي من السلطات التي تتمتع بها كامتياز مقرر لمصلحتها تتخذه دون اللجوء إلى القضاء، ولو لم يتم النص عليه في الصفقة.[50]لكن الطعن في فسخ الصفقة أمام القضاء يأخذ إحدى الصورتين الآتيتين:

ü   إما أن يتم الطعن في القرار الإداري الذي أصدرته المصلحة المتعاقدة، والمتضمن فسخ الصفقة العمومية بإرادتها المنفردة، وهو حق مخول لها بموجب المادتين 149و 150 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

ü   إما أن يلجأ المتعامل المتعاقد إلى القضاء الإداري للمطالبة بفسخ عقد الصفقة العمومية بهدف التحلل من التزاماته التعاقدية. وأمام خطورة هذه الدعوى على سير المرافق العامة، فقد تشدد القضاء الإداري في الاستجابة لطلب المتعامل فسخ الصفقة إلا في حالات محددة: كاستحالة التنفيذ لقوة قاهرة أو للإخلال بالالتزامات من جانب المصلحة المتعاقدة مما يصنف كخطأ جسيم.

   وعليه فإن الدعوى في كلا الحالتين تندرج ضمن القضاء الكامل، لأن الطعن في قرار الفسخ الصادر عن المصلحة المتعاقدة لا يعتبر قرارا إداريا منفصلا عن العملية العقدية ،لارتباطه ببنود الصفقة وشروطها، لذا فإن المتعامل المتعاقد يقصد حماية إحدى حقوقه المنصوص عليها في العقد. وكذلك هو الحال عن رفع الدعوى من جانبه قصد فسخ العقد لذا نجده يؤسس دعواه على بنود الصفقة وشروطها في كلتا الحالتين، وليس على مبدأ المشروعية.

   وتجدر الإشارة أنه في حالة ما إذا تدخل الغير الغريب عن العقد لرفع دعوى ضد قرار الفسخ الصادر عن المصلحة المتعاقدة، بحجة أنه الحق به  ضرر ما، فيجب أن يستوفي شرط المصلحة، وليس له لممارسة هذا الطعن سوى أن يرفع دعوى الإلغاء، لأنه لا يتمتع بأي حق شخصي، وعليه أن يؤسس دعواه على  مبدأ المشروعية دون الاعتماد على نصوص الصفقة وشروطها لأنه ليس طرفا فيها.

ج- دعوى التعويض في الصفقات العمومية.:

وهي دعوى قد ترفع عند التنفيذ أو عند نفاذ الصفقة العمومية، وتعتبر أهم دعاوى القضاء الكامل ، التي تهدف إلى المطالبة بالتعويض، وجبر الأضرار الناجمة عن الأعمال الإدارية المادية والقانونية، وتعد أكثر أنواع الدعاوى انتشارا أمام القضاء الإداري، تدخل ضمن الولاية العامة للمحاكم الإدارية طبقا لنص المادة 801 ق إ م إ.

نخلص في الأخير أن المنازعات الناشئة عن عقد الصفقة العمومية تدخل كأصل عام في ولاية القضاء الكامل، خاصة عند مرحلة التنفيذ، باعتبارها التزامات حقوقية مرتبطة بالالتزامات الناشئة عن بنود الصفقة وشروطها، حتى وإن كانت تتعلق بقرارات إدارية، لأن هذه الأخيرة لا تعد قرارات منفصلة عن عقد الصفقة. ذلك أن دعوى الإلغاء تحصل في القرارات الإدارية القابلة للانفصال وهي القرارات السابقة عن مرحلة التنفيذ.



[1]- محمد إبراهيم البدارني، الدعوى بين الفقه والقانون، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص 38.

[2]- أنظر: عبد الغني بسيوني، القضاء الإداري، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف للنشر، الإسكندرية، 2006، ص 413.

[3]-محمد الصغير بعلي، الوسيط في المنازعات الإدارية. دار العلوم للنشر والتوزيع. عنابة الجزائر،2009 ص 127.

[4]- القانون العضوي رقم 12/04، المؤرخ في 12 جانفي 2012، المتعلق بالأحزاب السياسية ،الجريدة الرسمية رقم 02 المؤرخة في 15 جانفي 2012. والقانون العضوي 12/01، المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بنظام الانتخابات، الجريدة الرسمية رقم 01 المؤرخة في 14 جانفي 2012.

[5]- للتفصيل أكثر في أنواع الدعاوى القضائية الإدارية ارجع إلى :

عمار عوابدي،النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضاء الإداري الجزائري،الجزء الثاني ،نظرية الدعوى الإدارية ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2004 ،ص224 وما بعدها

[6]-عمور سلامي، الوجيز في قانون المنازعات الإدارية، نسخة معدلة ومنقحة طبقا لأحكام القانون 08/09 تمت ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009, ص 37.

[7]- محمد ماهر أبوالعنين، العقود الإدارية وقوانين المزايدات والمناقصات، الكتاب الأول (إبرام العقود الإدارية)، دار الكتب المصرية، 2003، ص 120.

[8]- أنظر: عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الأسس العامة للعقود الإدارية، منشأة، المعارف، مصر، 2004، ص338.

[9]- أنظر:  على خطار شنطاوي، موسوعة القضاء الإداري، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004، ص 366.

[10]- حيث قبل مجلس الدولة الطعن في القرار الإداري القاضي بمنح امتياز لإحدى الشركات، رغم أن هذا القرار يندرج في عقد الامتياز، ومنذ ذلك التاريخ استقر مجلس الدولة الفرنسي على قبول الطعن في القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري، سواء قدم الطعن من أحد المتعاقدين أو من الغير، للمزيد أنظر: محمد جاد الله مبدأ سيد أحمد، سلطة القاضي الإداري إزاء العقد الإداري، دراسة مقارنة، رسالة نيل درجة دكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة، مصر، 2007، ص 29.

[11]- Lucienne Erstein, Régularisation rétroactive d’un acte détachable annulé, Revue La Semaine juridique, N°25, Paris, 2012, p1210-1211.

[12]-للاستزادة أنظر : نجاة طباع، الحماية القانونية للمال العام من جانب اختيار المتعامل المتعاقد في تنظيم الصفقات العمومية بين الامتيازات والعراقيل "الملتقى الوطني السادس حول دور قانون الصفقات العمومية في حماية المال العام. كلية الحقوق جامعة يحي فارسي المدية، يوم 20 ماي 2013، ص5.

[13]- قبل مجلس الدولة الفرنسي الطعن المقدم من المقاولين المستبعدين من الصفقة نتيجة خطأ في الإعلان باعتباره قرار منفصل راجع الحكم في مؤلف : حماد اشرف محمد خليل ،نظرية القرارات الإدارية القابلة للإنفصال في مجال العقود الإدارية، دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2010. ص 101.

[14]- عمار بوضياف، شرح تنظيم الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 180.

[15]- حيث جاء في المادة 72/2 من المرسوم 15/247 سالف الذكر:"..... تقوم لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض بالمهام الآتية:- إقصاء الترشيحات والعروض غير المطابقة لمحتوى دفتر الشروط...." ونصت المادة 73 من ذات المرسوم على حالات الإقصاء من المشاركة حيث جاء في بداتيها يقصى بشكل مؤقت أو نهائي....."

[16]- حماد أشرف محمد خليل، مرجع سابق، ص98.

[17]- قرار وزاري مؤرخ في 28 مارس 2011، يحدد كيفيات التسجيل والسحب من قائمة المتعاملين الاقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية، الجريدة رسمية رقم 24، صادرة بتاريخ 20 أفريل 2011

[18]- إعمالا لنص المادة 4/2 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[19]- لأنه في حال اعتبار قرار الإبرام متصلا بالعقد، يصبح أمر الطعن فيه مقتصرا على المتعاقد فقط دون الغير، فإذا كان هذا القرار يخدم مصلحة المتعاقد، وإن كان غير مشروعا فإن هذا الأخير يفلت من رقابة القضاء وهنا يظهر ذكاء القضاء الإداري الفرنسي في محاصرة كل القرارات الإدارية المنفصلة قصد إخضاعها للقضاء للمزيد أنظر:Charles Debach, Jean Claude Ricci, Contentieux administratif, 6ème édition, Dalloz, Paris, 1994, p 580.

[20] - Lucienne Erstein, Op, Cit, p 1211

[21]- أنظر: أشرف محمد خليل حماد، مرجع سابق،ص 106.

[22]-وردت المادة 146 ضمن القسم الأول المتضمن " مختلف أنواع الرقابة" في القسم الفرعي الثالث بعنوان "رقابة الوصاية "ضمن المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[23]- المادة 149 من القانون رقم 11/10 ،المؤرخ في 22 يونيو 2011، المتعلق بالبلدية الصادر في الجريدة الرسمية عدد 37 بتاريخ 23 يونيو 2011.

[24]-حسن حمدي حلفاوي، ركن الخطأ في المسؤولية الناشئة عن العقد الإداري، دراسة تحليلة تأصيلية لصور خطأ الإدارة في إبرام وتنفيذ العقود الإدارية على ضوء أحكام وفتاوى مجلس الدولة ،رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2001،

[25]- وحد المشرع في ميعاد دفع دعوى الإلغاء بين المحاكم الإدارية ومجلس الدولة استنادا إلى المادة 907 ق إ م إ ،التي تحيلنا إلى المواد من 829 الى832 ،المتعلقة بالآجال أمام المحاكم الإدارية بنصها" تطبق الأحكام المتعلقة بالآجال المنصوص عليها في المواد من 829 إلى 832 ق إ م إ."

[26]-عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 119.

[27]- أشرف  محمد خليل حماد، مرجع سابق، ص 143-145.

[28]-  في المادة 40 وردت عبارة "متعهد" في طلب العروض، و في المادة 45 وردت عبارة "مترشح" في طلب العروض المحدود من المرسوم 15/247 سالف الذكر.

[29]- أنظر المادة 45 من المرسوم 15/ 247 سالف الذكر.

[30]- محمد سمير محمد جمعة، مدى قبول الطعن بالإلغاء في القرارات القابلة للانفصال في النظامين الفرنسي والمصري،مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، العدد، 49،جامعة المنصورة،  جمهورية مصر العربية، 2011، ص 201.

[31]-ارجع إلى المادة 04 من المرسوم الرئاسي 15/ 247 سالف الذكر.

[32]- ارجع إلى المواد 72و 76 وما بعدها من المرسوم الرئاسي 15/ 247 سالف الذكر.

[33]-Voir :Lucienne Erstein, Op, Cit, p 1211

[34]- أنظر: حسن حمدي حلفاوي، مرجع سابق ص99

[35]- أنظر: محمد الشافعي أبو راس، القضاء الإداري، عالم الكتب، القاهرة، 2001، ص 206.

[36]- عز الدين كلوفي، مرجع سابق، ص 119.

[37]- أنظر: سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية، دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص 200.

[38]-Laurent Richer , Droit des contrats administratifs , 5 iéme édition , LGDJ , Paris ,1996, p186

[39]3- صدر هذا القرار عن مجلس الدولة الفرنسي سنة 1993 ،و شكل نقطة تحول في اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي، لأنه سمح لقاضي العقد في معرض رقابته لنزاع يتعلق بتنفيذ العقد أن يثير من تلقاء نفسه السبب المتعلق بإبطال العمل المنفصل، لكي يخلص إلى إعلان بطلان العقد  نقلا عن:

GustavePeiser ,Op,Cit,p159

[40]4-حيث نص المشرع الجزائري في المادة 947 ق إ م إ في فقرتها الثانية و الأخيرة على ما يلي «-يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد

- يمكن لها أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية الإجراءات و لمدة لا تتجاوز عشرون يوما"

[41]- أنظر: عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 108 ومابعدها.

[42]- حيث جاء في المادة 15 ق إ م إ" لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم لكن له صفة وله مصلحة قائمة أو محتملة يقررها القانون" ،وعليه لم تعد الأهلية تشرطا لقبول الدعوى سواء أمام الجهات القضائية الإدارية أو العادية على عكس المادة 459 من ق إ م الملغى التي جاء فيها: لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا للصفة وأهلية التقاضي، وله مصلحة في ذلك"

[43]- أنظر: عمار عوابدي ،نظرية المسؤولية الإدارية دراسة (تاصيلية تحليلية ومقارنة) الطبعة 3، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007 ،ص ص 255-265.

[44]-Richer Laurent, Op.Cit, P 188.

[45]عزا لدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص ص  113و 122.-2

[46]-

-3George Verbel et Pierre Delvove, Droit Administratif, P.U.F, Paris, 1982 ,p96

نقلا عن:عزا لدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية ، مرجع سابق، ص113

[47]- تنص المادة 122 من المرسوم 15/247 سالف الذكر على: "يتعين على المصلحة المتعاقدة أن تقوم بصرف الدفعات على الحساب،أو التسوية النهائية في أجل لا يمكن أن يتجاوز ثلاثين (30) يوما،ابتداء من استلام الكشف أو الفاتورة..... يخول عدم صرف الدفعات على الحساب في الأجل المحرر أعلاه للمتعامل المتعاقد، وبدون أي إجراء الحق في الاستفادة من الفوائد التأخيرية...."

[48]- للمزيد أنظر: عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الأسس العامة للعقود الإدارية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،2001 ، ص 209.

[49]-Patrick Gérard, La jurisprudence relative a la résiliation unilatérale et l’octroi de dommage pour les contrats administratifs, Revue juridique Thémis, les éditions Thémis, Faculté de droit, Université de Montréal, 2012, p 316.

[50]-حيث تنص المادة 150 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر على ما يلي:"يمكن للمصلحة المتعاقدة القيام بفسخ الصفقة العمومية من جانب واحد عندما بكون مبررا بسبب المصلحة العامة حتى بدون خطا من المتعامل المتعاقد."

1.3. القسم الثالث: القضاء الإستعجالي

إن المتتبع لتطور التشريع الإداري الجزائري، يلاحظ دون أدنى شك التهميش التشريعي للقضاء الإستعجالي الإداري، على مدى تعاقب النصوص القانونية التي سبقت قانون الإجراءات المدنية والإدارية 98/09.

فقانون الإجراءات المدنية السابق 90/23[1] جاء هزيلا جدا في هذا المجال، إذ لم يتضمن إلا نص قانوني وحيد ،ممثلا في المادة 171 ق إ م ،التي نظمت بشكل سطحي أحكام القضاء الإستعجالي دون مراعاة أدنى تمييز بين المواد المدنية والإدارية في هذا المجال.

   ولم تتضمن القوانين العضوية المنظمة لمجلس الدولة 98/01 والمحاكم الإدارية 98/02 ومحكمة التنازع 98/03 أي إشارة للقضاء الاستعجالي الإداري، الأمر الذي أدى إلى وجود فراغ تشريعي في المجال التطبيقي، وهذا إلى غاية صدور قانون 98/08 المتعلق بالإجراءات المدنية والإدارية. هذه الخطوة وإن جاءت متأخرة مقارنة بالمشرع الفرنسي[2]،إلا أن المشرع الجزائري حاول من خلالها إعطاء تفصيل دقيقا لمجالات اللجوء إلى قضاء الإستعجال، كمادة إثبات حالة، التسبيق المالي، وتدابير التحقيق.

   ويعد القضاء الاستعجالى قبل التعاقدي في مادة الصفقات العمومية والعقود الإدارية من المسائل التي قننها المشرع الجزائري لأول مرة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية  98/08، أمام تنامي الأهمية القانونية والاقتصادية للصفقة العمومية في الجزائر، وزيادة الانتهاكات الخطيرة لقواعد العلانية والمنافسة التي يفرضها تنظيم الصفقات العمومية، مما أدى إلى تفشي ظاهرة عدم مشروعية الصفقات العمومية، لذا أورد المشرع الإستعجال في مادة العقود والصفقات الإدارية في الفصل الخامس، ضمن الباب الثالث المعنون بــــ "الاستعجال"، من خلال مادتين أساسيتين هما المادة 946 947 ق إ م إ.

أولا: ماهية القضاء الإستعجالي في مادة الصفقات العمومية

     إن تحديد ماهية القضاء الاستعجالى في مادة الصفقات العمومية يقتضي هنا إيجاد تعريف له، ثم البحث في الخصائص التي يتميز بها عن القضاء ذو الطبيعة العادية.

 

ا/تعريف قضاء الاستعجال في مادة الصفقات العمومية:

    من خلال استقراء أحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية، تأكد لدنيا أن المشرع الجزائري قد أحجم عن إعطاء تعريف للقضاء الاستعجالى، تاركا ذلك للفقه والقضاء. رغم أنه أشار في المواد 917،918،924،925 للخصائص التي يقوم عليها.

    وبالعودة إلى الآراء الفقهية والأحكام القضائية في هذا المجال نجد أنها تعددت، فقد عرفه الفقه بأنه:" عمل قضائي الغرض منه الفصل بأقصى سرعة ممكنة، وبصفة مؤقتة في الأمور المستعجلة، التي يخشى عليها فوات الأوان، بشرط أن لا يتعرض حكمه لأصل الحق، ولا يقيد حكمه هذا قاضي الموضوع عند عرض المنازعة عليه".[3]

    في حين عرفته محكمة النقص المصرية بقولها:"يقوم اختصاص القضاء المستعجل بالدعوى المستعجلة على توافر الخطر، والإستعجال الذي يبرر تدخله لإصدار قرار وقتى، يراد به رد عدوان يبدو للوهلة الأولى أنه بغير حق، ومنح خطر لا يمكن تداركه أو يخشى ضياعه إذا ما فات الوقت"[4]

    يلاحظ على هذه التعاريف أنها عرفت قضاء الاستعجال من خلال خصائصه وشروطه ،وقصد إيجاد تعريف لقضاء الإستعجال في مادة الصفقات العمومية علينا ربط هذه التعاريف بالمرسوم 15/247، وبنصوص قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالمادة 2 من المرسوم سالف الذكر عرفت الصفقات العمومية أنها "عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين اقتصاديين،وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واللوازم والخدمات والدراسات".

   في حين أن المادة 946/1 ق إ م إ " يجوز إخطار المحكمة الإدارية بعريضة، وذلك في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية."

    وعليه، وبالجمع بين مصطلحي "قضاء الاستعجال و" الصفقات العمومية"، يمكن تعريف القضاء الإستعجالي في مادة الصفقات العمومية بأنه:

   "إجراء قضائي تحفظي مستعجل خاص، الهدف منه حماية قواعد العلانية والمنافسة بشكل فعال قبل إتمام إبرام الصفقة العمومية ، وذلك عن طريق إعطاء القاضي سلطات واسعة غير مألوفة في الإجراءات القضائية العادية"[5]

يبقي أن نبحث في خصائص الدعوى الاستعجالية في مجال الصفقات العمومية

ب/ خصائص الدعوى الاستعجالية في مادة الصفقات العمومية:

 تتميز الدعوى الاستعجالية في مادة الصفقات العمومية بخصائص تميزها عن باقي الدعاوى الإستعجالية يمكن تناولها كما يلي:

1-                 أنها دعوى إستعجالية محددة النطاق (مقيدة)، حيث ضيق المشرع الجزائري من مجال رفعها، وحصره في الإخلال بالتزامات "الإشهار" أو "المنافسة"، وهي التزامات تتحدد أساسا في مرحلة إبرام الصفقة ولا تطال مرحلة التنفيذ.

2-                 أنها دعوى أصلية، بمعنى أنها ترفع بصفة مستقلة عن أي دعوى موضوعية أخرى[6]

3-                 أنها دعوى وقائية الهدف منها حماية مبدأين أساسين هو "مبدأ الإشهار" و"مبدأ المنافسة" لهذا السبب حدد مجالها الزمن بالمرحلة السابقة عن دخول الصفقة حيز التنفيذ.

بقي أن نبحث في شروط رفع هذه الدعوى أمام القضاء الإداري.

ثانيا- شروط رفع دعوى الاستعجال في مادة الصفقات العمومية:

    عمليا، تنقسم شروط رفع الدعوى الإستعجالية في مادة الصفقات العمومية إلى شروط عامة تشترك فيها مع الدعوى الإستعجالية الإدارية، وشروط خاصة تنفرد بها عن هذه الأخيرة.

1/ الشروط العامة:

وتتمثل هذه الشروط بحسب قانون الإجراءات المدنية والإدارية في: "توفر حالة الاستعجال" "عدم المساس بأصلالحق"و "عدم المساس بالنظام العام".

أ‌-                   توفر حالة الاستعجال:Etat D’urgence

    لم يعرف المشرع الجزائري شرط الاستعجال، لكن أشار له في المواد 920، 921، 924 ق إ م إ، ولم يقم بتحديدها حالاته حصرا، بل ترك ذلك السلطة التقديرية للقاضي باعتباره هو الأقرب لمعايشة الواقع من المشرع، ولأن هذا الأخير لا يمكنه أن يحصي حالات الاستعجال لأنها تتميز بالمرونة فهي تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف.[7]

لكن تجدر الإشارة أن حالة الاستعجال تنشأ من طبيعة الحق المراد حمايته والظروف المحيطة به، ولا يمكن أن يفتعلها الخصوم. فهي من النظام العام، وعلى الهيئة القضائية المختصة إثارتها من تلقاء نفسها ولا تتقيد إلا بتسببه. وفي حال عدم توفر عنصر الاستعجال يرفض الطلب طبقا للمادة 924 ق إ م إ دون التصريح بعدم الإختصاص النوعي باعتباره من إختصاص قاضي الموضوع.[8]

ب‌-             عدم المساس بأصل الحق:Sans faire préjudice au principal

    نصت المادة 918 ق إ م إ على أنه: يأمر قاضي الاستعجال بالتدابير المؤقتة، لا ينظر في أصل الحق...." يلاحظ أن نص المادة جاء موجزا، فلم يقدم تعريفا لأصل الحق، ولم يعط معيارا للتمييز بين ما هو من أصل الحق وما سواه.

     لكن ما هو متعارف عليه قانونا وقضاء أن قضاء الاستعجال لا يفصل في أصل الحق، بمعنى لا يتطرق إلى صميم موضوع النزاع [9]،والذي يقصد به في الصفقة العمومية الحقوق والالتزامات المتبادلة بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد. فلا يتعرض لها قاضي الاستعجال بالتعديل أو التحويل في  مركز أحد الطرفين، كما يمنع عليه أن يتعرض أثناء تسبيب قراره إلى الفصل في موضوع النزاع. فيترك جوهر النزاع سليما ليفصل فيه قاضي الموضوع.

    وعليه ليس لقاضي الاستعجال سوى التدخل بتدابير مؤقتة أو تحفظية، دون الحسم في الحق المتنازع عليه في الموضوع. فيمتنع مثلا عن الفصل في الدعوى الرامية إلى فسخ عقد الصفقة، أو مدى صحتها ،أو الحقوق المالية المترتبة عن التزامات الصفقة.[10]

ج-عدم المساس بالنظام العام:

     يمنع على قاضي الاستعجال بمقتضى هذا الشرط أن يتخذ أي تدبير أو إجراء تحفظي في النزاع يكون متعلقا بالنظام العام. والواقع أن هذا الشرط مستمد من النص القديم الوارد في قانون الإجراءات المدنية في المادة 171 مكرر ،والتي نصت على ما يلي: " في جميع حالات الاستعجال يجوز لرئيس المجلس القضائي... الأمر بصفة مستعجلة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة.... باستثناء ما يتعلق منها بأوجه النزاع التي تمس النظام العام أو الأمن العام."

وباعتبار أن فكرة النظام العام غير قابلة للتحديد وتتميز بالمرونة، كان من الصعب حصرها في مجال معين، الأمر الذي أدي إلى أتساع مجال النظام العام، وبالتالي تضيق مجال  تدخل قاضي الاستعجال ،مع أنه المجال الخصب لتجاوز السلطة من طرف الإدارة، وبالتالي لا يوجد ما يبرر هذا القيد. وأمام هذا النقد تراجع المشرع الفرنسي عن هذا الشرط.[11]

لكن المشرع الجزائري وإن سار على نفس النهج من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الذي لم يتضمن إلى أي نص قانوني يؤكد هذا الشرط ،إلا أنه أشار إلى وجوده في نص المادة 939 من القانون 98/08 بنصها "خلافا فالأحكام المادة 843 أعلاه، يجوز إخبار الخصوم بالأوجه المثارة الخاصة بالنظام العام خلال الجلسة"

   وإن كانت هذه المادة لا توحي بأن المشرع أراد ضم هذا الشرط لشروط دعوى الإستعجال، إنما خصه باستثناء عن باقي الدفوع، والتي يجوز لهيئة القضاء فيها أن تخبر بها الخصوم دون باقي الدفوع الأخرى.

2/الشروط الخاصة:

   إن الشروط الخاصة في القضاء ألاستعجالي في مادة الصفقات العمومية تنحصر في الاستعجال قبل التعاقدي (قبل الإبرام) ، وهي شروط يمكن إستتناجها من نص المادة 946 من القانون 08/09 ، والتي يمكن إجمالها في 03 شروط:

أ‌-       صفة المدعي:

  إن صفة المدعي في القضاء ألاستعجالي قبل التعاقدي تكتسب بطريقين، إما بحكم وجود مصلحة أو بحكم القانون:

  • ·       اكتساب صفة المدعي بحكم المصلحة:

  يمكن استنتاج ذلك من نص المادة 946/2 بنصها:" يتم هذا الإخطار من قبل كل من له مصلحة في إبرام العقد، والذي قد يتضرر من هذا الإخلال...": أي الإخلال بقواعد الإشهار والمنافسة. يظهر من هذه الفقرة أن المشرع خول لكل ذي مصلحة في إبرام الصفقة. أو أي متضرر من الإجراءات المتعلقة بإبرامها أن يلجأ لقضاء الإستعجال. باعتبار أن المنازعة هنا تنشأ قبل إبرام الصفقة، ولم يتحدد بعد المتعامل المتعاقد، وهي مرحلة تتميز بإصدار القرارات الإدارية المنفصلة التي لا يمكن أن تكون إلا محل دعوى إلغاء.[12]

  وهي من دعاوى المشروعية، التي يكفي فيها أن يمس القرار بمركز قانوني أو فائدة ما حتى تتحقق المصلحة. لذا فإن القاضي الاستعجالي يفصل في دعوى الإلغاء هنا ضمن القضاء الإستعجالي[13] ، حتى لو كانت هذه المصلحة محتملة، وهو ما يستفاد من عبارة " قد يتضرر". وعليه لا يتصور أن يستفيد منها الغرباء عن عملية إبرام الصفقة، كالتنظيمات المهنية والمتعاقدين من الباطن، وعلى العكس من ذلك تقبل الدعوى التي يرفعها المترشحين المستبعدين منها، وكذا الأشخاص الذين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب إخلال في قواعد العلانية[14].

  • ·       اكتساب صفة المدعي بحكم القانون:

     أعطت المادة 946/ 2 ق إ م إ صفة المدعي لرفع دعوى إستعجالية لشخص قانوني وحيد وهو الوالي وذلك بقوة القانون، ودون حاجة لإثباتها، متى تعلق الأمر بعقد قد أبرام أو يبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة عمومية محلية. وأكدت في نفس الوقت أنه يحوز هذه الصفة باعتباره ممثلا للدولة. حيث جاء فيها:

" يتم هذا الإخطار....... وكذلك لممثل الدولة على مستوى الولاية إذا أبرم العقد أو يبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة عمومية محلية"

     يفهم من نص المادة أن الوالي هنا نصب كحارس لشفافية الصفقات العمومية المحلية .لكن كيف لهذا الأخير أن يعلم بوجود خرق لمبد أي الشفافية والمنافسة في غياب أي آلية محددة قانونا تمكنه من ذلك، سواء في المرسوم 15/247 أو في قانون الإجراءات المدنية والإدارية؟، هذا من جهة.[15]

     ومن جهة ثانية، نرى أن هذه المكنة الممنوحة للوالي فيما يتعلق الصفقات العمومية المحلية تجعلنا نتساءل عن الشخص المحول لحراسة شفافية الصفقات العمومية المركزية، أم أن هذه الأخيرة لا يعاب عليها الإخلال بمبدأي العلانية والمنافسة؟ خاصة أمام الأهمية التي تخص بها المبالغ المالية الضخمة التي ترصد لها.لذلك، نهيب بالمشرع الجزائري أن يتدخل لسد هذا الفراغ القانوني، الذي لا يجد ما يبرره في ظل إتساع نطاق الصفقات العمومية خاصة ذات الطبيعة المركزية.

ب-الإخلال بالتزامات الإشهار والمنافسة:

    حددت المادة 946 ق إ م إ مجال تطبيق الدعوى الإستعجالية في مجال الصفقات العمومية في مرحلة ما قبل الإبرام، لذا سميت بالدعوى الاستعجالية قبل التعاقدية،واشترطت أن يكون هناك إخلالا بإحدى إلتزامات الإشهار أو المنافسة.

  • ·       الإخلال بالتزامات الإشهار:

   أكد المشرع الجزائري على ضرورة إلتزام المصلحة المتعاقدة بمبدأ علنية الصفقة العمومية من خلال قواعد الإشهار المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية 15/247 خاصة المواد 61، 62، 65 . وتتعدد صور الإخلال بالتزامات الإشهار، بحيث لا يسعنا إدراجها جميعا في هذه الجزئية، لذا سنكتفي بإدراج الأكثر شيوعا منها كما يلي:

-        تلاعب المصلحة المتعاقدة بالشروط المحددة قانونا للإعلان عن الصفقة، كأن يتضمن الإعلان عن الصفقة معلومات غير كافية، أو أن تتخلف إحدى البيانات الأساسية المنصوص عليها في المادة 62 من تنظيم الصفقات العمومية.

-        عدم احترام المصلحة المتعاقدة لآجال الإعلام،أو امتناع الإدارة عن الإعلان عن الصفقة العمومية مطلقا، أو الإعلان عن المنح المؤقت لها. [16]

  • ·       الإخلال بمبدأ المنافسة:

    عبر المشرع الجزائري عن مبدأ حرية المنافسة ب "حرية الوصول إلى العروض"، وهو مبدأ مكرس قانونا بموجب المادة 37 من الدستور الجزائري، التي تؤكد على حرية التجارة والصناعة وأكدته عدة مواد في تنظيم الصفقات العمومية ، منها المادة 44 من المرسوم من المرسوم 15/247 ،التي منعت أي انتقاء قبلي للمرشحين من طرف المصلحة المتعاقدة وكذا المادة 54/2 التي أكدت على وجوب التزام المصلحة المتعاقدة بالاعتماد على معايير غير تمييزية عند تقييمها للترشيحات[17]. وعليه يعد من قبيل الإخلال بمبدأ حرية المنافسة ما يلي:

-         اختيار المصلحة المتعاقدة لإجراء إبرام لا يتناسب وطبعة الصفقة وموضوعها، وذلك بمخالفة الشروط القانونية المحددة لكيفيات إبرام الصفقات العمومية، المنصوص عليها في المواد من 39 إلى 52 من المرسوم 15/247. كأن تتم الصفقة وفق إجراء التراضي عوضا عن طلب العروض المفتوح.

-        الحرمان أو الاستبعاد من الصفقة العمومية دون وجه حق، وذلك دون الاستناد مثل على الحالات المحدة قانونا بنص المادة 75 من المرسوم سالف الذكر.

 

 

ج‌-    الأجل القانوني لرفع الدعوى:

    إن الدعوى الإستعجالية التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة 946 ق إ م إ هي دعوى وقائية، أراد المشرع من خلالها تفادي الوقوع في إبرام صفقة غير مشروعة بسبب الإخلال بمبدأي الإشهار أو المنافسة، لذا لا يمكن أن يتصور رفعها بعد إبرام الصفقة[18]،لأنها لا تؤدي الدور الذي رفعت من أجله. لذا نجد المشرع الجزائري أكد أنها ترفع قبل إبرام العقد وذلك حسب نص م 946/3:" يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد" . فالمشرع هنا لم يحدد أجلا لرفع الدعوى، لكن المنطق الوقائي يفرض بأن ترفع الدعوى قبل إبرام العقد، أين يمارس القاضي الاستعجالي سلطته، فيوجه أمرا للمتسبب بالامتثال لإلتزاماته، أو يأمر بتأجيل إمضاء العقد طبقا للفقرتين 4 و 6 من المادة 946 ق إ م إ.[19]

    وبالمقابل حدد المشرع الجزائري أجلا قانونيا يقيد القاضي الإستعجالي في الفصل في الدعوى وهي مدة 20 يوما من تاريخ إخطارها، وهو ما يستفاد من نص تاريخ 947 ق إ م إ" تفصل المحكمة الإدارية في أجل (20) عشرون يوما تسري من تاريخ إخطارها بالطلبات المقدمة لها طبقا للمادة 946 أعلاه".

من خلال الطرح السابق، وإن كان المشرع الجزائري لم يحدد أجلا قانونيا محددا لرفع الدعوى الاستعجالية إلا أن المنطق القانوني يقتضي رفعها في آجال معقولة، لتحقيق المغزى من علة الاستعجال وهذا بمراعاة طبيعة الصفقة المبرمة والآجال المحددة لتنفيذها. وهي بحسب رأينا أمر متروك للسلطة التقديرية لقاضي الإستعجال.

ثالثا:إجراءات رفع الدعوى الاستعجالية في مادة الصفقات العمومية:

     بعد التأكد من توافر الشروط اللازمة لرفع الدعوى الاستعجالية يجوز لصاحب المصلحة (المتضرر أو الوالي) إخطار المحكمة الإدارية المختصة، قصد اتخاذ ما تراه ضروريا من تدابير للمحافظة على التزامات الإشهار والمنافسة. لذا سنطرح أولا مسألة تحديد قواعد الاختصاص بالدعوى، ثم نتناول كيفية رفع الدعوى القضائية الاستعجالية.

1/ قواعد الاختصاص النوعي بالدعوى:

    يؤخذ على المادتين 946 و 947 المنظمتين لهذه الدعوى حصر الاختصاص القضائي في المحكمة الإدارية، دون الإشارة إلى اختصاص مجلس الدولة بنظر هذه الدعوى[20]، باعتباره على الأقل جهة استئناف (هذا في حال ما لم نتصور كونه جهة إبتدائية في الدعوى الاستعجالية المتعلقة بالإخلال بالتزامات المنافسة أو العلانية في الصفقات العمومية المركزية، لأن الأمر مرتبط هنا بقرارات إدارية مركزية منفصلة عن الصفقة العمومية).[21] خاصة وأن المادة 946 أوردت عبارة "الصفقات العمومية" وهي صياغة تفيد العمومية، ولا تقيم أي تمييز بين الصفقات العمومية المحلية، وتلك التي تبرم على المستوى المركزي، الأمر الذي جعلنا نتساءل قبل هذا عن مصير هذه الأخيرة من حيث الاختصاص النوعي لها من حيث القضاء الإستعجالي[22]. فهل هذا يعني أن تخضع لاختصاص المحاكم الإدارية إعمالالصيغة العمومية في عبارة " الصفقات العمومية". أم أنها تخضع لاختصاص مجلس الدولة ضمنا،إعمالا للقواعد العامة، ما دام المشرع قد سكت عنها في محتوى المادة 946. وهو أمر يستدعى التوضيح من قبل المشرع الجزائري،  أمام الأهمية التي تكتسيها الصفقات العمومية المركزية بالنظر للمبالغ المالية الضخمة التي ترصد لها، فلا يعقل أن تفلت من رقابة قاضي الاستعجال.

2/ كيفية رفع الدعوى:

   إن الدعوى الاستعجالية قبل التعاقدية في مادة الصفقات العمومية بوصفها طلبا إستعجاليا، يتعين تقديمها بمقتضي عريضة مكتوبة وموقعة من محام، ومستوفية للبيانات المنصوص عليها في المادة 15 ق إ م إ، أهمها عرض وقائع الدعوى والوسائل التي تؤسس عليها، وكذا كتحديد طلبات المدعي بدقة. تودع لدى كتابة ضبط المحكمة الإدارية لتقيد وترقم في سجل حسب ترتيب ورودها، ويحدد لها تاريخ أول جلسة.

يبلغ المدعى عليه بنسخة من العريضة عن طريق محضر قضائي، في آجال تتناسب والطبيعة الاستعجالية للدعوى في غياب نص صريح يحدد ذلك.

رابعا:الفصل في الدعوى الإستعجالية

    بعد التحقق من توفر شروط الدعوى الإستعجالية في  مادة الصفقات العمومية ،واستكمال الإجراءات القانونية الضرورية لرفعها تأتي مرحلة الفصل في هذه الدعوى، وهنا سنتطرق أولا لتشكيلة الهيئة القضائية التي ستفصل فيها، ثم سنتطرق للسلطات المخولة للقاضي فيها لنتطرق في الأخير للطعن في الحكم الصادر فيها.

1/ التشكيلة الفاصلة في الاستعجال الإداري في مادة الصفقات العمومية:

   جعل المشرع الجزائري ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية التشكيلة القضائية التي تفصل في مادة الاستعجال الإداري تشكيلة جماعية. وهي تلك المنوط لها الفصل في دعوى الموضوع، حسب ما كرسته المادة 917 بنصها" يفصل في مادة الاستعجال بالتشكيلة الجماعية المنوط بها البت في دعوى الموضوع" ،وبهذا تم توحيد جهة التقاضي بين قضاء الموضوع وقضاء الاستعجال، رغم أن هذه التشكيلة لا تخدم كثيرا شرط الاستعجال مقارنة بتشكيلة القاضي الفرد، إلا أننا لا ننكر مزايا التشكيلة الجماعية ،التي من شأنها أن تعطي سدادا في الأحكام الصادرة بالنظر لخطورة هذه الأحكام على إبرام الصفقة.

2/سلطات قاضي الاستعجال في مجال الصفقات العمومية:

   عبرت المادة 946 ق إ م إ عن السلطات الممنوحة للقاضي الإستعجالي في مادة الصفقات العمومية بـ" تأمر"، " الحكم بغرامة تهديدية"، " تأمر بتأجيل إمضاء العقد "، أي المحكمة الإدارية باعتبارها صاحبة الاختصاص بالقضاء ألاستعجالي، والتي يمكن تفصيلها كما يلي:

أ‌-       سلطة توجيه الأمر للإدارة:L’injonction

   يعتبر توجيه الأوامر للإدارة من الصلاحيات المستحدثة بموجب قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 ،وذلك في عدة مجالات، أهمها الدعوى الإستعجالية في مجال الصفقات العمومية، طبقا للمادة 946/ 4 من نفس القانون ،يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر المتسبب في الإخلال بالامتثال لالتزاماته، وتحدد الأجل الذي يجب أن يمثل فيه وسلطة الأمر في هذه المادة، موضوعها تعديل المصلحة المتعاقدة للإجراءات والعمليات التي شابتها عيوب نتيجة إخلالها بقواعد الإشهار والمنافسة[23]. كأن يأمرها بنشر الإعلان عن الصفقة في الصحف اليومية أو إعادة نشره مستوفيا لبياناته الإلزامية، أو يوجه لها أمرا بقبول مرشح مستبعد من دخول الصفقة دون وجه حق.[24]

   تعد الأوامر التي يصدرها قاضي الاستعجال ذات طبيعة موضوعية، أي أنها تدابير نهائيه تمس أصل الحق وليست مجرد تدابير تحفظية مؤقتة.[25] وهو ما يدعو إلى تسميتها ب "الدعوى شبه الاستعجالية"، ويجب على المصلحة المتعاقدة الامتثال لهذا الأمر وفقا للمادة 978 ق إ م إ ، وأيضا ما ذهبت إليها المادة 946 ق إ م إ

ب-  الحكم بالغرامة التهديدية:Astreint

   يعاب على الإدارة ( المصلحة المتعاقدة) في كثير من الأحيان عدم الاستجابة لأحكام القضاء، كما قد تماطل في تنفيذ الأوامر الصادرة عن قاضي الاستعجال، لذا دعمت المادة 946/5 ق إ م إ القاضي الإستعجالي بسلطة توقيع غرامة تهديدية[26]، تسري في حال عدم امتثال الإدارةللأوامر التي وجهت لها  في الآجال المحددة. فالغرامة بهذا المعنى هي عبارة عن تهديد مالي هدفه الضغط على الإدارة الممتنعة أو المتماطلة عن تنفيذ التزاماتها، بأداء مبلغ مالي عن كل فترة زمنية في تأخير تنفيذ الالتزام، وهو ما يمكن أن يحملها على الالتزام بقواعد العلانية والمنافسة[27]

    وتجدر الإشارة أنه وطبقا للمادة 946/5 ق إ م إ، فإن سلطة توقيع الغرامة التهديدية لا تطبق إلا بانقضاء الآجال المحدة من طرف المحكمة لتنفيذ الأمر، بمعنى أنه لا يمكن الجمع بين "الأمر بالامتثال" و"توقيع الغرامة التهديدية" في آن واحد، حيث جاء فيها:"يمكن لها أيضا الحكم بغرامة تهديدية تسري من تاريخ إنقضاء الأجل المحدد"

لكن يعاب عليها أنها جوازية وليست إلزامية ، تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الإستعجالي.

ج‌-    تأجيل إمضاء العقد:Suspension

   منحت المادة 946/ 6 ق إ م إ القاضي سلطة الأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية الإجراءات، ولمدة لا تتجاوز 20 يوما، وهذا التأجيل في حد ذاته هو وسيلة ضغط على الإدارة لتفي بالتزاماتها، وهي وسيلة خطيرة تشل العقد، وتؤثر على سير المرفق العام بانتظام واطراد. ومن جهة أخرى هي وسيلة تترجم الطابع الوقائي لنظام الإستعجال ما قبل التعاقدي، حيث في غيابها قد تترتب نتائج يتعذر تداركها، فيما لو أسرعت الإدارة في إتمام إبرام الصفقة قبل نهاية إجراء الدعوى.[28] وعليه في حال رفعت هذه الدعوى بعد إبرام العقد تصبح دون جدوى.

   وتجدر الإشارة في الأخير أن المشرع الفرنسي، منح لقاضي الاستعجال إضافة إلى السلطات الثلاث السابقة سلطة رابعة تتمثل في إلغاء القرارات المخالفة لمبدأ المنافسة[29].

خامسا:حجية الأمر الصادر عن القضاء مدى وإمكانية الطعن فيه

إن القاضي الإداري عند البت في الدعوى الإستعجالية شبه التعاقدية، يستعمل السلطات المخولة له وذلك في شكل أمر، الذي يتعين علينا تحديد مدعى حجية ومدى إمكانية الطعن فيه، ضمن طرق الطعن المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

 

1/حجية الحكم الصادر عن القضاء الإستعجالي:

إن الحكم الذي يصدر عن قضاء الاستعجال، والذي يتعلق بالبت في منازعات الصفقات العمومية الناشئة في مرحلة الإبرام هو حكم قطعي فاصل في أصل الحق، ومن ثم فهو يتميز بنفس حجية الحكم الذي يصدر عن قاضي الموضوع. ويحوز حجية الشئ المقضي فيه، فهو ليس بحكم مؤقت ولا يتعلق بتدابير وقائية إعمالا لنص المادة 300 ق إ م إ.......[30]

2/إمكانية الطعن في الأوامر الصادرة عن قضاء الاستعجال في مادة الصفقات العمومية:

   مرة أخرى يترك المشرع الجزائري الغموض حول طبيعة الحكم الصادر في الدعوى الإستعجالية، رغم أن المادة 946 ق إ م إ توحي بأنها أمر لاستعمالها صيغة " يأمر"، كما أن المادتين 946 و 947 ق إ م إ سكتتا عن إمكانية الطعن في هذه الأحكام إذا ما اعتبرناها " أوامر". و مصدر الغموض نابع من أنه في حالات أخرى نص صراحة على القابلية للطعن (مثل في حالة الأمر المتعلق بالتسبيق المالي)[31] بينما لم ينص عليه في حالات أخرى.

   وأكثر من ذلك فإنه نص في المادتين 936 و937 على الأوامر القابلة للاستئناف وتلك التي لا تقبله، والتي لم توحي ولو بإشارة لمادة الاستعجالي قبل التعاقدي الذي تحكمه المادتان 949 و 947 ق إ م إ في أي من الفئتين.

   لكن المادة 949 ق إ م إ أجازت الطعن بالإستنئاف في الأوامر الإستعجالية الصادرة عن المحاكم الإدارية، (هذا إذا ما اعتبرنا أن ما يصدر عن القضاء الاستعجالي قبل التعاقدي أوامر) ما لم يوجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك. وتحدد أجل مقلص للاستئناف مقارنة بالاستئناف العادي، حيث حددته بـ 15 يوما تسري من تاريخ التبليغ الرسمي[32]

   أما بالنسبة لإمكانية الطعن بالمعارضة والذي يتعلق أساسا بالأحكام الغيابية، فيطرح إشكال قانوني آخر. إذ بالرجوع إلى المادة 953 ق إ م إ نجد أنها مكنت من الطعن بالمعارضة في القرارات والأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومجلس الدولة، دون أن تشير إلى الأوامر[33]. لكن يمكننا أن نرجح إمكانية الطعن بالمعارضة إستنادا إلى المادة 304 ق إ م إ، التي تقضي في فقرتها الأولى بإمكانية الطعن بالمعارضة في الأوامر الإستعجالية الصادرة غيابيا في آخر درجة[34]،وتحدد الأجل بــ 15 يوما من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر، هذا من جهة.

من جهة أخرى لاحظنا أن الأوامر التي تصدر عن القاضي ألاستعجالي قبل التعاقدي (خلافا للقضاء الإستعجالى العادي) تمس بأصل الحق، لذا لا يمكن أن نتصور حرمان المعنيين من درجات التقاضي ومن حقوق الطعن، على أن تحدد لذلك آجال قصيرة تتناسب مع طبيعة الدعوى الاستعجالية قبل التعاقدية.

       من خلال هذا العرض للقضاء الاستعجالي في مادة الصفقات العمومية يمكننا الجزم بان  الاستعجال في مادة الصفقات العمومية يعد إجراءا استثنائيا،استحدثه المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية غرضه حماية مقتضيات الشفافية في الصفقة العمومية، من خلال حماية قواعد الإشهار والمنافسة التي يفرضها المرسوم الرئاسي 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية.



[1]- القانون رقم 90/23 المؤرخ في 18 أوت 1990، الجديدة الرسمية عدد 36، المؤرخة في 22 أوت 1990، المتضمن تعديل قانون الإجراءات المدنية الصادر بالأمر 66/154.

[2]- كرس المشرع الفرنسي القضاء الإستعجالي قبل التعاقدي في مجال الصفقات العمومية منذ سنة 1992 بمقتضى القانونين 92-10 الصادر في 04/01/1992 والقانون 93-1416 بتاريخ 29-12-1993.

[3]- فريحة حسنى، إجراءات المنازعات الضريبية في الجزائر، دار العلوم، الجزائر، 2008، ص106 ، نقلا عن : عز الدين كلوفي، مرجع سابق، ص 125.

[4]- لحسبن آث ملويا، المنتقى في القضاء الاستعجالى الإداري، دار هومة للنشر، الجزائر، 2007، ص 12.

[5]- ليلى بوكحيل، دور القاضي الإداري في حماية مبدأ المنافسة ،ملتقى وطني حول حرية المنافسة في القانون الجزائري، جامعة باجي المختار، عنابة، 2013، ص 09.

[6]- عمار زريق، بشير الشريف شمس، قضاء الإستعجال ما قبل التعاقدى في مادة الصفقات العمومية في الجزائر، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، العدد 11، جوان، كلية الحقوق السياسية جامعة ياتنة 1 الحاج لخضر، 2017، ص 629.

[7]- يرى الأستاذ مسعود شيهوب أن أي محاولة من المشرع لتعريف حالة الاستعجال، أو صياغة قائمة حصرية لها يعني تقييد القاضي، وأن المشرع لن يستطيع مهما تنبأ أن بحصر جميع حالات الاستعجال، أنظر: سعود شيهوب، المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، نظرية الإختصاص، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009، ص 136.

[8]- عز الدين كلوفي، مرجع سابق، ص 128.

[9]- محمد براهيمي،القضاء المستعجل، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 2009، ص 93

[10]- أنظر: محمد براهيمي، القضاء المستعجل، القواعد والميزات الأساسية للقضاء المستعجل، الإختصاص النوعي لقاضي الأمور المستعجلة، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2006، ص 07

[11]- Voir : Julien Plasecki, L’office du juge administratif des référés, Thèse de Doctorat en Droit Public, Université du Sud-Toulon Var, Faculté de Droit, de Toulon, 2008, p 211.

[12]-Eric Thbaut, Kris Wauters, L’intérêt dans le contentieux des marchés publics, Edition Larcier, 2015, p 62.

[13]-عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية ، مرجع سابق، ص133.

[14]3-سلوى بومقورة، التعاقد في مجال الصفقات العمومية في التشريع الجزائري،المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، السنة الثالثة، المجلد05، عدد01، 2012،كلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة عبد الرحمان ميرة، بجاية ص 36

[15]- إن الوالي باعتباره ممثلا للولاية، فإن اختصاصه بتحريك دعوى استعجاليه ما قبل تعاقدية هنا لا يعدو أن يكون إلا امتداد طبيعي لجملة الاختصاصات الممنوحة له بموجب التشريع والتنظيم المعمول به في الجزائر، هذا التمثيل يعزي إلى كون قانون الولاية مكن مصالح الولاية بإيفاد ممثلين عنها لحضور عملية إبرام الصفقة العمومية التي تبرمها هذه المؤسسات، بمعنى أن الوالي يمكن له المتابعة والإشراف ومراقبة الصفقات العمومية المحلية بالرغم أنه لا يمثلها أمام القضاء للمزيد أنظر: عثمان بوشكيوة، الاستعجال ما قبل التعاقد في مجال إبرام الصفقات العمومية، مداخلة مقدمة في الملتقي الدولي الرابع حول القضاء الاستعجالي الإداري09 إلى 10 مارس جامعة الوادي، 2011، ص 82.

[16]- للمزيد أنظر: حليمة بروك، دور الطعن الاستعجالي السابق للتعاقد في مكافحة الفساد في العقود والصفقات العمومية، مجلة المفكر، العدد 21، جامعة محمد خيضر ،بسكرة،جويلية 2014 ،ص 300.

[17]- أنظر: فريدة أبركان، الإستعجال في مادة إبرام الصفقات العمومية أو الإستعجال في مرحلة ما قبل التعاقد: الملتقى الدولي الرابع حول القضاء الاستعجالي الإداري يومي 09و10 مارس2011. معهد العلوم القانونية المركز الجامعي الوادي، 2011، ص13.

[18]- أنظر: آمال يعيش تمام، سلطات القاضي الإداري في توجيه أوامر الإدارة، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتواره علوم في الحقوق، تخصص قانون عام، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر 2012، ص 406.

[19]- تشبه صياغة المادة 946 ق إ م إ من القانون الجزائري إلى حد بعيد المادتين 551- 1 وD 55-2 قانون العدالة الإدارية  الفرنسية،حيث نصت الفقرة الأولى على أن: رئيس المحكمة الإدارية يمكن أن يبت قبل إبرام العقد.... " أما الثانية فنصت: "لا يمكن للقاضي أن يبت قبل إبرام العقد إلا ضمن الشروط المحددة....".انظر:Sophie Overney, Le référé suspension et le pouvoir de régulation du juge ,A.J.D.A, N°09 , 20 septembre 2001, p 720 et ss

[20]- أنظر: عمار بوجادي، اختصاص مجلس الدولة في المادة الإدارية الإستعجالية، المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، العدد 01، كلية الحقوق و العلوم السياسية  جامعة مولود معمري، تيزي وزو،سنة، 2007، الجزائر، ص 91.

[21]- محمد فقير،رقابة القضاء الإداري الاستعجالي على الصفقات العمومية قبل إبرامها في التشريع الجزائري والتشريع المقارن- آلية وقائية لحماية المال العام. متوفر على الموقع:www.univ-medea/Fac/D/Manifistations/collegue6/16.pdfتاريخ التصفح 10 نوفمبر 2017.

[22]- أنظر: سلوى بومقورة، مرجع سابق، ص 41.

[23]- محمد مهدي لعلام "القضاء الاستعجالي قبل التعاقدي في مجال الصفقات العمومية" ،المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد الخامس، يونيو2015،القاهرة ، ص 30.

[24]- كان من المستقر عليه في فرنسا وحتى الجزائرأن القاضي لا يأمر الإدارة، إذ يحكم القاضي الإداري مبدأ إجرائي مفاده أن " القاضي يحكم ولا يدير" ،وذلك تطبيقا لمبدأ الفصل بين الهيئات القضائية و الإدارية للمزيد أنظر:

René Chapus, Droit du Contentieux Administratif, Montchertien, 13ème édition, Paris, 2008, p1491.

[25]- عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص 133.

[26]- الغرامة التهديدية  أقرها المشرع الجزائري في نصوص المواد 980 إلى 986 ق إ م إ . وقد استقر الفقه والقضاء في الجزائر على أنها مبلغ مالي يوقعه القاضي الإداري على المدين الممتنع عن تنفيذ إلتزام واقع على عاتقه ،بمقتضي سند تنفيذي بناءا على طلب الدائن. نقلا عن : سلوى بومقورة ، مرجع سابق، ص43.

[27]- ليلي بوكحيل" مرجع سابق، ص 09.

[28]-عمار رزيق ، مرجع سابق، ص636.

[29] - Maeva Guillerm, le référé mesures utiles en matière contractuelle, Contrats Publics, N°132, mai2013, p53

[30]-و للتفصيل أكثر  أنظر: عز الدين كلوفي، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية ، مرجع سابق، ص 142.

[31]- حيث نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 سالف الذكر في الفصل الرابع المعنون ب" الاستعجال في مادة التسبيق المالي" وذلك في المادة 943 "يكون الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة خلال أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ الرسمي."

[32]- حيث ورد ذلك في القسم الأول المعنون بـ" في الاستئناف" ضمن الفصل الأول"في طرق الطعن العادية"، للباب الرابع المعنون بـــ" في طرق الطعن "، بنص المادة 950 التي جاء فيها يحدد أجل استئناف الأحكام بشهرين ويخفض هذا الأجل إلى 15 يوما بالنسبة للأوامر الاستعجالية ما لم توجد نصوص خاصة. تسري هذه الآجال من يوم التبليغ الرسمي للأمر أو والحكم المعنى، وتسري من تاريخ انقضاء أجل المعارضة إذا صدر غيابيا. تسري هذه الآجال في مواجهة طالب التبليغ" وهو أيضا ما جاء في المادة 937 ق إ م إ.

[33]- وهو ما جاء في القسم الثاني" في المعارضة" من الفصل الأول "في طرق الطعن العادية" ضمن الباب الرابع" في طرق الطعن" وذلك بنص المادة 953 من القانون 09/08 سالف الذكر التي جاء فيها:

"تكون الأحكام والقرارات الصادرة غيابيا عن المحاكم الإدارية ومجلس الدولة قابلة للمعارضة"

[34]- ورد ذلك في القسم الثاني " في الاستعجال والأوامر الإستعجالية "،ضمن الفصل الخامس" في الأحكام الأخرى" ضمن الباب الثامن المعنون بـ "في الأحكام والقرارات"، ذلك في المادة 304 من القانون 09/08 سالف الذكر التي جاء فيها: "  "تكون الأوامر الاستعجالية الصادرة في أول درجة قابلة للإستنئاف وتكون أوامر الاستعجالية الصادرة غيابيا في آخر درجة قابلة للمعارضة.

يرفع الإستنئاف والمعارضة خلال 15 يوما من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر، ويجب أن يفصل في ذلك في أقرب الآجال".