1. المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

1.1. القسم الأول : تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر منازعات الصفقات العمومية

إن الاختصاص القضائي يعتبر من المواضيع ذات الأهمية الكبرى في مجال المنازعات القضائية،سواء ما تعلق منها بالاختصاص النوعي أو الاختصاص الإقليمي. لذلك نجد أن أول مسألة تطرق إليها المشرع الجزائري، وبدأ في تفصيلها ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الباب الرابع المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، تمييزا لها عن تلك المتبعة أمام الجهات القضائية العادية. من خلال تحديد مسألة الاختصاص بنوعيه، وتحديد معاييره. خاصة وأنه منالنظام العام. لا يمكن الاتفاق على مخالفته، ويمكن إثارته في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، كما يجب على القاضي إثارته من تلقاء نفسه وفقا لما نصت عليه المادة 807 ق إ م إ[1].

وتزداد أهمية الاختصاص القضائي في منازعات الصفقات العمومية للأهمية التي تكتسيها هذه الأخيرة باعتبارها من أهم طرق الإنفاق العام. لذا يتعين علينا تحديد المعيار الذي تبناه المشرع الجزائري في توزيعالاختصاص القضائي،وإسقاط ذلك على منازعات الصفقات العمومية.

أولا:معيار الاختصاص القضائي في التشريع الجزائري.

إن مصدر تحديد معيار الاختصاص القضائي في النظامالقضائي الجزائري هو تشريعي، ذلك أن المشرع نفسه هو من تحمل مسؤولية تحديده ولم يترك ذلك للقضاء، ويظهر ذلك جليا من خلال نص المادة 800 ق إ م إ بنصها:

"المحاكم الإدارية هي جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية، تختص بالفصل في أول درجة، بحكم قابل للإستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها".

من خلال نص المادة 800 وكذا المادتين 802 و803 المحددة للإختصاص النوعي المحاكم الإدارية يمكننا إبداء الملاحظات التالية:

1-أورد المشرع الجزائري عبارة مفادها أن المحاكم الإدارية هي "صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية" التي تفيد أن هذه المحاكم تختص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية، ما عدى ما أخرج من إختصاصها بنص صريح، متى كانت أحد الأشخاص الأربع طرفا في النزاع وذلك بإصدار أحكام إبتدائية تقبل الإستئناف أمام مجلس الدولة.

2-المادة 800 ق إ م إ حددت على سبيل الحصر الأشخاص اللذين يعقد بموجبهم الاختصاص للقضاء الإداري متى كانوا طرفا في المنازعة الإدارية، وهم الدولة، الولاية، البلدية المؤسسة العمومية ذات الصبغة  الإدارية. ما يعني بمفهوم المخالفة أنها تستثني المنازعات التي تكون المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري من الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية[2].

3-حدد المشرع أنواع الدعاوى الإدارية التي تختص بنظرها المحاكم الإدارية، بالإضافة إلى دعاوى إلغاء القرارات الإدارية، تفسيرها وفحص مشروعيتها، أدرج كذلك منازعات القضاء الكامل الذي يشمل إضافة إلى دعوى المسؤولية الإدارية، دعاوى منازعات العقود الإدارية.

4- خول المشرع بموجب المادة 801 ق إ م إ للمحاكم الإدارية أن تنظر في الدعاوى المتعلقة "بمصالح الدولة غير الممركزة" سواء ما تعلق منها بالمنازعات الناشئة عن القرارات التي تصدرها تلك المصالح من إلغاء أو تفسير أو فحص مشروعيتها. دون دعاوى القضاء الكامل.[3]

5- أن المشرع الجزائري ومن خلال المادة 802 ق إ م إ قلص من الاستثناءات التي كانت واردة على المعيار العضوي بموجب المادة 07 مكرر في قانون الإجراءات المدنية الملغى ،واحتفظ باستثناءين فقط:

-      مخالفات الطرق

-      المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الزامية إلى طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة للدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية.

ثانيا: تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا بنظر منازعات الصفقات العمومية

قصد تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا ثم إقليميا بالمنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية، ينبغي علينا تطبيق المعيار العضوي الذي أعتمده المشرع الجزائري في توزيع الاختصاص بين جهات القضاء العادي وجهات القضاء الإداري.

1/الاختصاص النوعي :     

إعمالا لنص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن المنازعات التي تكون فيها الدولة، الولاية، البلدية، المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها تؤول إلى اختصاص القضاء الإداري. وعليه فإن منازعات الصفقات العمومية المبرمة من طرف الأشخاص الواردة في المادة 800 هي من اختصاص القضاء الإداري. خاصة وأن الصفقات العمومية تتفق والمعيار المعتمد من طرف المشرع في تحديد الإختصاص لجهة القضاء الإداري من خلال نص المادة 06 من المرسوم 15/247 من حيث تحديدها لنفس الأشخاص الأربع الواردة في م 800  ق إ م إ . لكن في الحقيقة، ولغاية هذه الدراسة، لا يوجد ما يثبت قانونا خضوع منازعات الصفقات العمومية للقضاء الإداري فيما عدا الصفقات التي تكون أحد أطرافها الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصيغة الإدارية [4] . ثم أن المادة 801 في فقرتها03 تنص أن المحاكم الإدارية تختص أيضا بنظر القضايا التي تخولها إياها نصوص خاصة، والنص الخاص هنا هو قانون الصفقات العمومية ،ممثلا في المرسوم الرئاسي 15/247 الذي لم يتضمن أي نص يحول المحاكم الإدارية ولاية النظر في منازعات الصفقات العمومية صراحة. الأمر الذي يحيلنا إلى المادتين 82 و153[5]من المرسوم الرئاسي 15/ 247 ،التي تبقي الأحكام المحددة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية هي الفيصل في تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم الناظرة في منازعات الصفقات العمومية.

 

أ‌.     أيلولة منازعات الصفقات العمومية كأصل عام لاختصاص المحاكم الإدارية:

تطبيقا للمعيار العضوي المكرس في النظام القضائي الجزائري فإن منازعات الصفقات العمومية المتعلقة بمجال القضاء الكامل، والمتعلقة أيضا بقضاء الإلغاء خارج الإطار المقرر بالمادة 09 من القانون العضوي 98/01 تعرض كأصل عام أمام المحاكم الإدارية كدرجة قضائية ابتدائية، حتى ولو كانت المصلحة المتعاقدة سلطة مركزية أو هيئة عمومية وطنية.[6]

وعليه تصبح المحاكم الإدارية صاحبة الاختصاص في منازعات الصفقات العمومية بحكم ابتدائي قابل للاستئناف أمام مجلس الدولة في:

  • إلغاء القرارات: المنفصلة عن الصفقات العمومية التي تبرمها الولاية أو البلدية أو المصالح غير الممركزة أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية.
  • التعويض عن الأضرار الناتجة عن كل الصفقات العمومية المركزية أو المحلية ،وكذا المبرمة من طرف المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.

ب‌.    أيلولة منازعات الصفقات العمومية لمجلس الدولة:

حدد الاختصاص النوعي لمجلس الدولة كأصل عام بموجب المواد 09 ،10 و11 من القانون العضوي 98/01 والذي تأكد بموجب المواد من 901 إلى 903 ق إ م إ وباسقاط ذلك على منازعات الصفقات العمومية يمكن القول أن مجلس الدولة يختص:

-        كقاضي درجة أولى وأخيرة:

و     يختص بالفصل في دعاوى إلغاء، تفسير وتقدير مشروعية القرارات القابلة للانفصال عن الصفقات العمومية التي تبرمها السلطة المركزية، والهيئات العمومية الوطنية (كالمجلس الشعبي الوطني أو مجلس المحاسبة)،والمنظمات المهنية الوطنية (كالمنظمة الوطنية للمحامين، المنظمة الوطنية للصيادلة وغيرها...)

-        كقاضي استئناف:

     إن الطعن في القرار الصادر عن هيئة الدرجة الأولى -ممثلة في المحاكم الإدارية- يفرض عرض النزاع من جديد على مجلس الدولة، ليتولى مهمة الرقابة القضائية بعنوان هيئة إستئناف طبقا للمادة 10 من القانون العضوي 98/01، الذي تم تأكيده بموجب المادة 902 ق إ م إ التي جاء فيها "يختص مجلس الدولة بالفصل في استئناف الأحكام والأوامر الصادرة عن المحاكم الإدارية"

كما يختص أيضا كجهة استئناف بالقضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة. وعليه إذا أصدرت المحكمة الإدارية قرارا ابتدائيا في مجال الصفقات العمومية. جاز الطعن فيه بالاستئناف أمام مجلس الدولة.[7]

-        كقاضي نقض:

المفروض أن مجلس الدولة يمارس هذا الاختصاص باعتباره هيئة نقض طبقا للمادة 11 من القانون العضوي 98/01 وطبقا للمادة 903 من ق إ م إ في:

-                    القرارات الصادرة في آخر درجة عن الجهات القضائية الإدارية. أو الطعون المخولة له بموجب نصوص خاصة.

وكما هو معلوم. فإن اختصاص النقض لمجلس الدولة لا يزال يثير الكثير من الجدل، بسبب عدم وجود أحكام نهائية تصدر عن الجهات القضائية الإدارية، ذلك أن هذه الأخيرة تصدر أحكام ابتدائية قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة.

من جهة أخرى النص الخاص ممثلا في قانون الصفقات العمومية 15/247 لم يمنح لمجلس الدولة سلطة الطعن بالنقض في أي من القرارات القضائية الفاصلة في منازعات الصفقات العمومية.[8] وعليه يمكن الجزم بأن إختصاص النقض في منازعات الصفقات العمومية غير موجود أصلا.

ثالثاتحديد الجهة القضائية المختصة إقليميا بمنازعات الصفقات العمومية

إن جهات القضاء الإداري التي أنشأت بموجب المادة 152 من الدستور تتمثل أساسا في مجلس الدولة و المحاكم الإدارية. وما لا جدل فيه فيما يتعلق بالاختصاص الإقليمي أنه لا يطرح بالنسبة لمجلس الدولة، باعتباره هيئة واحدة يشمل اختصاصه الإقليمي كل التراب الوطني الجزائري.

و عليه فإن الاختصاص الإقليمي الذي يتعين علينا تحديده هنا هو بطبيعة الحال الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية، باعتبارها هي صاحبة الولاية العامة في منازعات الصفقات العمومية. والذي يتحدد بنص المادة 804/ 3 ق إ م إ بنصها:

"..... ترفع الدعاوى وجوبا أمام المحاكم الإدارية في المواد المبينة أدناه:

3-في المادة العقود الإدارية مهما كانت طبيعتها أمام المحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مكان إبرام العقد أو تنفيذه...."

هنا يعود الخيار للمدعي في استعمال المعيار الذي يراه مناسبا (مكان الإبرامأو مكان التنفيذ) ،وهو ما من شأنه تخفيف حجم المنازعات الإدارية في الصفقات التي تبرم في العاصمة عن المحكمة الإدارية هناك، ما دام بالإمكان رفع الدعوى في المحكمة الإدارية لمكان التنفيذ.

كما عقدت هذه المادة الاختصاص الإقليمي في مادة الأشغال العمومية للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال804/2 ق إ م إ[9]، وفي مادة التوريدات أو الأشغال أو تأجير خدمات فنية أو صناعية.

 للمحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مكان إبرام الإتفاق او تنفيذه إذا كان أحد أطراف الدعوى مقيما به م 804/6 ق إ م إ.

لكن الملاحظ هنا أن المشرع الجزائري أعاد إدراج صفقة الأشغال مرة ثانية ضمن الفقرة 06 من المادة  804 ق إ م إ.  لكن هذه المرة أعطى فيها الخيار بين مكان الإبرام أو مكان التنفيذ. إذا كان أحد الأطراف مقيما بذلك المكان. وهو ما أوقع المشرع في تناقض بسبب هذا التكرار.

وهذا بطبيعة الحال يخص منازعات الصفقات العمومية التي تبرمها الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية، ويبقي علينا تحديد الاختصاص النوعي والمحلي للمؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري.

رابعا: الإشكال القانوني للاختصاص القضائي في مجال الصفقات العمومية فيما يخص المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري

إن عدم الوضوح بخصوص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية يخص فقط المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري. لأن الصفقات الأخرى تخضع لاختصاص القاضي الإداري إعمالا للمعيار العضوي، والذي لا يمكن تطبيقه على المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري الممولة كليا أو جزئيا بصفة نهائية أو مؤقتة من ميزانية الدولة، التي وردت في نص 06 من المرسوم 15/247، فهل هي خاضعة لاختصاص القضاء العادي إعمالا لصريح المادة 800 ق إ م إ، أم هي خاضعة للقانون الإداري ما دام حل المنازعات بشأنها سيكون من اختصاص القاضي الإداري بتطبيق قانون الصفقات العمومية؟

الواقع أن هناك اتجاهين يتنازعان تحديد الاختصاص القضائي لهذا النوع من المؤسسات العمومية ندرجها كما يلي:

الاتجاه الأول: اختصاص القضاء الإداري

يرى أصحاب هذا الرأي بأن منازعات الصفقات العمومية التي تكون المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري طرفا فيها مع شرط التمويل الجزئي أو الكلي، بصفة دائمة أو مؤقتة من ميزانية الدولة يؤول الإختصاص فيها إلى القضاء الإداري، بناءا على الأساس الآتية:

1-   أن المرسوم الرئاسي 15/247 في مادته 06،وبإضافته للمؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري مع إشتراط التمويل الكلي أو الجزئي بصفة نهائية أو مؤقتة من ميزانية الدولة، قد أضاف للصفقات العمومية_ كنوع من أنواع العقود الإداري_ معيارا جديدا وهو"المعيار المالي"[10]،أي أنها مشاريع ممولة بأموال عمومية، وهنا نكون أمام استثناء من تطبيق القواعد العامة وهو إعمال المعيار المالي على أساس قانوني خاص وصريح.

2-   إعمالا لمعيار الوكالة أو التفويض، وتمسكا بالمعيار العضوي المتبني صراحة من طرف المشرع الجزائري. فإن ميزانية الدولة هي الممولة للمشروع، ما يجعل الخزينة العامة طرفا في المنازعة، وأن المؤسسة الخاضعة للقانون التجاري هنا ما هي إلا مفوض عنها.[11] مادام أن الدولة هي الممول الأساسي للمشروع (كليا أو جزئيا)، وهي إحدى أشخاص القانون العام المنصوص عليها في المادة 800 ق إ م إ. خاصة وأن القضاء الإداري الجزائري قد أعمل هذا الأساس واعتمد عليه في بعض الاجتهادات القضائية، من بينها القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 14 ماي 2001، بين ديوان الترقية والتسيير العقاري لوهران ضد مؤسسة الأشغال العمومية لعين تموشنت حول صفقة عمومية تتضمن إنجاز 118 مسكنا بوهران وذلك باستعمال صريح العبارة "نيابة عن ...."[12]

3-الإشارة الصريحة إلى اختصاص المحاكم الإدارية بنظر دعاوى الصفقات العمومية بنص المادة 946 ق إ م إ، التي استعملت في نهاية فقرتها الأولى مصطلح الصفقات العموميةما يوحي انعقادالاختصاصللقضاء الإداري بنظرها.[13]

الاتجاه الثاني: اختصاص القضاء العادي.

يستند أصحاب هذا الاتجاه في إسناد اختصاص نظر منازعات الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري للقضاء العادي للمعيار العضوي باعتبار، أن هذا النوع من المؤسسات يصنف ضمن أشخاص القانون الخاص وفقا للمبررات التالية:

1-   أن المادة 800 ق إ م إ التي تضمنت المعيار العضوي محددا في 04 أشخاص، هم الدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية،لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل في اعتمادها المعيار العضوي فقط.[14]

2-    أن المرسوم الرئاسي 15/247 باعتباره النص الخاص، لم يتضمن أي إشارة إلى اختصاص القاضي الإداري بنظر منازعات الصفقات العمومية المبرمة من طرف المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون التجاري، باعتبار أن المادة 801 في فقرتها 3 تنص على أن المحاكم الإدارية تختص أيضا بنظر القضايا التي تخولها إياها نصوصا خاصة ،بل أن المادتين 82 و 152 من المرسوم الرئاسي 15/247 تحيل إلى التشريع المعمول به، ألا وهو قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي يبقي هو الفيصل في مجال تحديد الاختصاص القضائي.

3-    نفي صفة العقد الإداري على الصفقة التي تبرمها المؤسسة العمومية الخاضعة للقانون التجاري. باعتبار أن العقد الإداري بمفهومه العضوي يتطلب أن يكون أحد طرفيه هيئة عمومية إدارية، وبالتالي فلا جدل في أن الصفقات التي تبرمها الدولة، والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية تعتبر عقود إدارية، لكن ليسلأنها صفقاتعمومية، بل لأن أحد أطرافها هو هيئة عمومية من طبيعة إدارية، خاصة وأن المادة 02 من المرسوم 15/247 نصت على أنها عقود مكتوبة فقط، ولم تكيفها على أنها عقود إدارية.[15]

4-    القول بأن المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ،التي توحي باختصاص المحاكم الإدارية في قضاء الإستعجال بإيرادها مصطلح "الصفقات العمومية" يجب تفسيره في إطار نص المادة 800 من ذات القانون، ومن ثمة لا يختص القاضي الإداري الاستعجالي إلا بنظر الصفقات العمومية التي يكون أحد أطرافها شخص من الأشخاص المحددة بنص المادة 800 من ق إ م إ.[16]

وفي قرار سابق لمجلس الدولة الجزائري  صدر بتاريخ 05-11-2002- ملف رقم 003889 ذهب مجلس الدولة إلى التقيّد حرفيا بنصوص القانون وأقرّ مبدأ عدم خضوع المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري لقانون الصفقات العمومية. وبالتبعية أقر أيضا عدم اختصاص القاضي الإداري للبت في النّزاع القائم بخصوص إبرام مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري لصفقة عمومية[17].

وفي الأخير يمكن القول بأن قوة حجج الطرفين في إسناد الاختصاص القضائي لجهة دون الأخرى مقنعة ،لكننا نرجح الاتجاه الثاني الذي يعقدالاختصاص للقضاء العادي إيمانا منا بأن قوة المعيار العضوي المنصوص عليه في نص تشريعي ممثلا في المادة 800 من ق إ م وطبيعته الصارمة أقوى حجة من النص الوارد في النص الخاص الوارد في المرسوم 15/247 المتعلق بالصفقات العمومية وتفويض المرفق العام. خاصة وأن هذا الأخير كان بإمكانه تحديد الاختصاص القضائي على سبيل الإشارة، وما دامت المادتين 82و152 منه تحيل إلى التشريع المعمول به فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يبقي هو الفيصل في تحديد الاختصاص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات التي تخضع للقانون التجاري، الممولة كليا أو جزئيا، بصفة دائمة أو مؤقتة من ميزانية الدولة.



[1]- تنص المادة 807 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر على: "الاختصاص النوعي والإقليمي للمحاكم الإدارية من النظام العام.

يجوز إثارة الدفع بعدم الاختصاص من أحد الخصوم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى. يجب إثارته تلقائيا من طرف القاضي."

[2]2- للاستزادة راجع عز الدين كلوفي،  نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية على ضوء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام، تخصص القانون العام للأعمال،كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة، بحاية، 2011/2012، ص 30 و ما بعدها

[3]-حيث جاء في نص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في فقرتها الأولى:

"تختص المحاكم الإدارية كذلك بالفصل في :

1-       دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن:

-         الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية.

-         البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية.

-         المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية.

2-       دعادى القضاء الكامل.

3-       القضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة".

[4]- أنظر نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق، ص 442.

[5]- المادة 82 والمادة 153 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر: حيث تتعلق المادة 82 بالطعون والمادة 153 المتعلقة بالتسوية الودية للنزاعات، وقد سبق تفصيلهما في المحور الأول من هذه الدراسة.

[6]- هذا إعمالا لنص المادة 804ق إ م إ: التي رغم أنها تتحدث عن الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية إلا أنها أكدت أن الدعوى تدفع وجوبا أمام المحاكم الإدارية في  المواد المبينة أدناه والتي من ضمنها مادة الأشغال، مادة التوريدات، مادة العقود الإدارية مهما كان نوعها.

 

[7]- للمزيد أنظر: رياض دنش، قواعد تنازع الاختصاص القضائي في المادة الإدارية وفقا لأحكام القانون رقم 08/09: أعمال الملتقى الوطني حول الإجراءات المدنية والإدارية في ظل القانون 08/09، يومي 05و06 ماي 2009، جامعة محمد بوضياف ،المسيلة ،ص 12.

[8]-المرسوم الرئاسي 15/247 وفي مواده ال220 لم يتضمن أي إشارة للاختصاص القضائي بمنازعات الصفقات العمومية: لذا فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 يبقي هو الشريعة العامة وهو الفيصل في تحديد الاختصاص القضائي.

[9]- يقصد بذلك أن تطبيق قاعدة مكان الإبرام: أو مكان التنفيذ في تحديد الاختصاص الإقليمي للمحكمة الإدارية متوقف على شرط مفاده أن يكون أحد أطراف الصفقة مقيما بذلك المكان، و إلا فإنه يتم تطبيق القاعدة العامة، بإحالة الاختصاص للمحكمة الإدارية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعي عليه، طبقا للمادتين 37و 38 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية للمزيد أنظر: عز الدين كلوفي،نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية،دار النشر جيلطي ،الجزائر، 2012.، ص 73و75.

[10]-يفهم من نص المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر أن المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري لا تعتبر العقود التي تبرمها صفقات عمومية إلا إذا  تحقق شرط أساسي، يعرف قانونا "بالشرط الواقف" الذي إذا لم يتحقق يسقط وصف الصفقة العمومية عن العقد الذي تبرمه ،ويتمثل هذا الشرط في أن تكون العملية ممولة كليا أو جزئيا بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة أو الجماعات الإقليمية.

[11]- نادية تياب ، سلسلة محاضرات في مادة قانون الصفقات العمومية،،مطبوعة محكمة موجهة لطلبةالسنة الثانية ماستر، كلية الحقوق و العلوم السياسية ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية 2014/2014، ص75.

[12]- قرار صادر عن مجلس الدولة بتاريخ 14/05/2001بين ديوان الترقية والتسيير العقاري لوهران ضد مؤسسة الأشغال بعين تموشنت ، ملف رقم 332 ،فهرس رقم 275 حيث جاء ضمن حيثياته ".... بعد الاطلاع على الملف وعلى المستأنف عليه يتضح بأن الصفقة موضوع النزاع المتضمنة إنجاز 1180 مسكن بوهران هي صفقة عمومية، أبرمت بين ولاية وهران ممثلة من طرف الوالي من جهة، ومؤسسة البناء لعين تموشنت المكلفة بالإنجاز. أما ديوان الترقية فهو مكلف بتسيير المشروع نيابة عن صاحبه،وأن موضوع الصفقة.... ترجع ملكيتها للدولة وليس للديوان . وأن تموين المشروع من طرف الخزينة العامة... وبالتالي يفتح الاختصاص للقضاء الإداري، نقلا عنعز الدين كلوفي ، نظام المنازعة في مجال الصفقات العمومية على ضوء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية،مرجع سابق. ص 443.

[13]- حيث نصت المادة 946/1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 سالف الذكر على ما يلي: يجوز إخطار المحكمة الإدارية بعريضة، وذلك في حالة الإخلال بالتزامات الاشهار او المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية."

[14]- نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق. ص 443.

[15]- لحسين بن شيخ آث ملويا، مرجع سابق،ص 42.

[16]-أنظر: نورة بن بوزيد دغبار، مرجع سابق، ص 444.

[17]3- قضية (ز.ش) ضد المدير العام لمؤسسة التسيير السياحي للشرق قسنطينة منشور بمجلة مجلس الدولة ، الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري ، العدد3 ،2003،ص 109.