1. مصدر القاعدة القانونية الإدارية

إن الهدف من تحديد مفهوم مصادر القانون هو الإجابة على السؤال التالي : من أين يأتي القانون ؟

يقصد بكلمة " مصدر " لغة الأصل أي أصل الشيء ، و في القانون يجب أن نفرق فيما يخص المصادر بين معنيين مختلفين لمصادر القانون ، فقد يقصد بمصادر القانون المادة الأولية التي يتكون منها  القانون . و من هذا المنظور فالمادة الأولية تستمد من الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و التكنولوجي لمجتمع معين ، فتسمى بالمصادر المادية .

و قد يقصد بمصادر القانون ، الطرق أو الوسائل التي تستخدم في إخراج هذه القواعد إلى مجال  التطبيق و التنفيذ ، و يطلق على مصادر القانون بهذا المعنى المصادر الشكلية .

و انطلاقا من هذا  التعريف ، فإن مصادر القانون الإداري لا تختلف في جوهرها عن مصادر القانون بوجه عام بغض النظر عن اختلاف فروعه .

و قد قسمت هذه المصادر من طرف بعض الفقهاء إلى مصادر مكتوبة و مصادر غير  مكتوبة .

أولا : المصادر المكتوبة:

تتمثل المصادر المكتوبة للقانون الإداري في الدستور و المعاهدات الدولية و التشريع العادي و كذلك التشريع الفرعي .

أ- الدستور :

الدستور أو ما يسمى كذلك بالتشريع الأساسي ، هو النص الذي يحكم المؤسسات السياسية . فهو يحتوي على  القواعد المتعلقة بتنظيم السلطات المختلفة في الدولة و اختصاصات كل منها ، و يبين حقوق الأفراد و حرياتهم و واجباتهم . و لا يعني الإدارة بالمفهوم الضيق أي الإدارة العمومية ، إلا أن بعض مبادئ القانون الإداري مصدرها نصوص الدستور ، كالمبادئ الأساسية لتنظيم الإدارة المحلية (مثل مبدأ الا مركزية ، و مبدأ الفصل بين السلطات الإدارية و القضائية ، و مبدأ المشروعية) .

ب- المعاهدات :

المعاهدة هي اتفاق يبرم بين الدول ، أو بين دولة و منظمة دولية يهدف إحداث أثارا قانونية في علاقاتهم المتبادلة.

إن المعاهدات الدولية الموافق عليها و التي نشرت بصفة قانونية تعتبر ملزمة بالنسبة للإدارة ، بحيث يعترف لها كل من دستور 1989 و كذلك دستور 1996 و التعديل الدستوري لعام 2016 بسلطة أعلى من سلطة القانون بحيث تذهب المادة 150 من التعديل الدستوري لعام2016 إلى أن المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون .

ج- التشريع العادي :

يقصد بالتشريع العادي مجموعة القواعد القانونية التي تقوم السلطة التشريعية أساسا بوضعها في حدود اختصاصها الذي بينه الدستور .

و يعد التشريع العادي مصدرا نصيا هاما ، و يستخدم كأساس للمراقبة التي يقوم بها القاضي على مشروعية العمل الإداري . كما يلعب التشريع العادي بمختلف تسمياته (و يتعلق الأمر هنا زيادة على القانون و القانون العضوي بالنصوص التي تشبهه أي الأمر و المرسوم التشريعي) دوراها ما في تنظيم الإدارة الجزائرية . و تحتوي الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية على عدد كبير من هذا النوع من النصوص .

د- التنظيمات :

و تسمى كذلك التشريع الفرعي ، و تسمى تنظيمات في القانون الجزائري ، و يقصد بها التشريع الذي يصدر عن السلطات التنفيذية ، تمييزا له عن التشريع العادي أي القانون الذي يصدر دائما كمبدأ عام عن السلطة التشريعية .

و تعد اللوائح أو القرارات الإدارية التنظيمية وسيلة هامة في يد السلطة الإدارية لممارسة نشاطها الإداري ، حيث تستطيع بإرادتها المنفردة و الملزمة تحقيق أهدافها (مثل الحصول على عقارات ، الحصول على خدمات ...) و تقسم اللوائح أو اقرارات الإدارية التنظيمية إلى أنواع عديدة ، و لكن نستطيع بصفة عامة أن نصنفها في نوعين : المراسيم و القرارات .

1- المراسيم :

استنادا إلى الدستور ، فإن المراسيم هي القرارات الإدارية التي تصدر عن السلطة التنفيذية و هذه الأخيرة في الجزائر – حسب الدستور دائما – هي من اختصاص رئيس الجمهورية و الوزير الأول ، فالمراسيم التي تصدر عن رئيس الجمهورية تسمى مراسيم رئاسية أما تلك التي تصدر عن الوزير الأول فتسمى مراسيم تنفيذية .

2- القرارات :

يصدر هذا النوع من اللوائح  عن الوزير أو عدة وزراء و كذلك الوالي و رئيس المجلس الشعبي البلدي .

إن كل هذه القرارات الإدارية مرتبة تسلسليا ، و لا يمكن لقاعدة أدنى أن تخالف القاعدة  الأعلى .

و للقرارات الإدارية دور هام في تنظيم النشاط الإداري ، حيث تعد القرارات الإدارية التنظيمية مصدرا من مصادر المشروعية . فالإدارة العمومية ليست ملزمة فقط بالقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية المختصة ، بل هي ملزمة كذلك باحترام القرارات الإدارية الصادرة  من طرف رئيس الجمهورية و الوزير الأول و الوزراء و السلطات المحلية أي الوالي و رئيس البلدية . و هي تلزم وتنظم نشاط الإدارات المرؤوسة .

فالقرارات الإدارية التنظيمية أي اللوائح أي التشريع الفرعي مصدر هام من مصادر القانون الإداري من حيث عدد النصوص القانونية .

ثانيا : المصادر غير المكتوبة :

تتمثل المصادر غير المكتوبة للقانون الإداري في القضاء الإداري و العرف الإداري و المبادئ العامة للقانون ثم أخيرا الفقه .

أ- القضاء الإداري :

يقصد بالقضاء الإداري كمصدر من مصادر القانون الإداري مجموع المبادئ أو القواعد التي تصدرها محاكم القضاء الإداري و التي يتم استنبطها أو استغلالها من النصوص القانونية إن وجدت أو يتم إنشاؤها بواسطة هذه المحاكم ، فالقاضي الإداري كثيرا ما يضطر إلى صياغة مبادئ قانونية لا تستند إلى نص تشريعي و في هذه الحالة ، يقوم القاضي الإداري بإنشاء القاعدة القانونية الإدارية ، و بالتالي فإن كل من الإدارة و المواطن ملزمان باحترام هذه القاعدة و في حالة مخالفتها فإن القاضي الإداري يطبق عليهم نفس العقوبات التي تطبق عند خرق قواعد قانونية مكتوبة .

ب- العرف الإداري :

العرف الإداري هو مجموعة القواعد التي اعتادت الإدارة اتباعها في أداء وظيفتها في مجال معين من نشاطها في حالة غياب نص تشريعي يضبط هذا النشاط ، و تستمر فتصبح ملزمة لها ، أو كما عرفه القضاء الإداري المصري بأنه السلوك الذي درجت الإدارة على إتباعه في مزاولة نشاط معين ، و تعد مخالفتها مخالفة للمشروعية و تؤدي إلى إبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانونا .

و يأتي العرف الإداري في مرتبة أدنى من مرتبة القواعد التشريعية ، مما يستلزم أن لا يخالف نصا من نصوص القانون فهو مصدر تكميلي للقانون يفسر و يكمل ما نقص منه .

و لكي يصبح السلوك الإداري عرفا إداريا و مصدرا من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر  فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .

- الركن المادي :و يتمثل الركن المادي في اعتياد الإدارة على إتباع سلوك معين في نشاط معين ، على أن يكون هذا السلوك بشكل ثابت و مستقر و يتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضي الزمن الكافي لاستقراره .

- الركن المعنوي : فهو اعتقاد الإدارة و الأفراد على حد سواء بالزامية القاعدة المتبعة و ضرورة احترامها و عدم مخالفتها و اعتبار ذلك مخالفة تحت طائلة الجزاء ، فأساس الركن المعنوي هو الشعور بالإلزام ، و بهذا المعنى تكون القرارات الإدارية التي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة و عرضة للإلغاء إذا طعن في مشروعيتها أمام القضاء .

و مع ذلك فإن دور العرف الإداري كمصدر للقانون الإداري أقل أهمية من المصادر الرسمية الأخرى كون الإدارة غالبا ما تلجأ في الغالب إلى الوسائل الإدارية الأخرى كالتعليمات و المنشورات و التوصيات لتنظيم نشاطها الإداري .

ج- المبادئ العامة للقانون :

يمكن تعريف المبادئ العامة للقانون على أنها مجموعة قواعد قانونية ترسخت في ضمير الأمة القانوني ، يتم اكتشافها بواسطة القضاء و يعلنها هذا الأخير في أحكامه فتكتسب قوة إلزامية و تصبح بذلك مصدرا من مصادر المشروعية .

و تتمتع هذه المبادئ بالقوة القانونية ، فهي مصدر منشئ للآثار القانونية ، أي أنها تنشئ الحقوق و الالتزامات ، و المراكز القانونية و تعدلها و تلغيها ، فالمبادئ العامة للقانون تعتبر مصدرا من مصادر القواعد القانونية بصفة عامة ، و مصدرا لمبدأ المشروعية و القانون الإداري بصفة خاصة ، فهي قواعد قانونية عامة و مجردة و ملزمة غير مكتوبة .

و يمكن أن نقدم أمثلة عن المبادئ العامة للقانون التي أقرها القضاء الإداري في كل من فرنسا و مصر ، مثل مبدأ المساواة أمام القانون ، مبدأ المساواة أمام الضرائب ، مبدأ المساواة أمام الوظائف  العمومية ، مبدأ مساواة المنتفعين بخدمات المرافق العمومية ، مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .

د- الفقه

و يقصد به مجموع القواعد المستنبطة من قبل شراح القانون بعد الدراسة و البحث في مسائل معينة او نقد نصوص موجودة أو التعليق على أحكام و قرارات قضائية . و لا يعد الفقه بهذا المعنى مصدرا رسميا من مصادر القاعدة القانونية و افتقاده لعنصر الإلزام و إنما يدرج ضمن المصادر   التفسيرية ، و يتجلى دوره بصورة غير مباشرة في الأثر الذي يحدثه لدى جهات التشريع أو القضاء ، بوجوب رجوع هذين الأخيرين إلى ما استقر عليه فقه القانون بمناسبة قاعدة معينة سواء على الصعيد الوطني أو الدراسات المقارنة عند البحث في قاعدة قانونية معينة ، أوالفصل في نزاع قائم مع غياب النص القانوني أو غموضه ، فلا يعقل أن يبنى الاجتهاد القضائي على عدم  بل لابد من الرجوع إلى رأي الفقه  في هذه المسألة و يرى الحلول و المقترحات الموضوعة من قبله .

و لعل دور الفقه في القانون الإداري يعد أكبر من دوره في فروع القانون الأخرى بالنظر إلى عدم تقنينه ، و حداثة قواعده و ما يطرأ عليه من مستجدات ، مما قد يبرر غزارة الآراء الفقهية و المنشورات العلمية من مؤلفات و أبحاث و تعليقات علمية في مجال القانون الإداري .