ثانيا:التمييز بين قانون العمران وبعض فروع القانون الأخرى ذات الصلة

يشترك قانون العمران في كثير من المبادئ مع بعض فروع القانون المتخصصة بهذا المجال، كقانون البيئة، قانون البناء، قانون تهيئة الإقليم، القانون التوجيهي للمدينة.

1/ قانون العمران وقانون البيئة

استنادا إلى القانون رقم 87-03 والقانون 90-29 والقانون رقم 01-20   والقانون رقم 08-15([1]) والقانون رقم 03-10 ([2]).، أدخل المشرع المعيار البيئي في مجال العمران، فتظهر مساهمة قانون العمران في حماية البيئة عن طريق أدوات التعمير المتمثلة في المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، ومخطط شغل الأراضي كذلك رخصة التجزئة ورخصة البناء التي تعتبر تجسيدا فعليا لقواعد العمران.

إن من أهم المجالات المرتبطة والمؤثرة في البيئة يحتل التعمير الصدارة بحكم تقاسمهما نفس نطاق التدخل، فإذا كانت مهمة قواعد التعمير هي ضبط وتنظيم عمليات شغل الأراضي بمختلف مظاهرها، فإن البيئة هي الوعاء الذي يحوي هذه العمليات ويتأثر بها ممّا يستوجب وضع اختيارات عمرانية تلتزم بالضوابط البيئية بمراعاة استعمال الفضاءات الطبيعية والحضرية بشكل متوازن والحفاظ على الأنظمة البيئية والمساحات المخصّصة للنشاطات الفلاحية والغابية والوقاية من التلوث.

يمكن الكشف عن هذه العلاقة التبادلية بين القانونين من خلال التخطيط العمراني كونه يقوم على جملة من الدراسات المتكاملة البيئية وهي تشمل الخصائص الطبيعية للمواقع وتتناول طبيعة سطح الأرض والخصائص الجيولوجية والهيدرولوجية ومراعاة المجالات ذات العلاقة بالبيئة بمراعاة الفترة الزمنية اللازمة لتجديد موارد البيئة والمجال الجغرافي، وكذا مجال الصحة والسكن، كما أنّه عند البدء في دراسة تخطيط منطقة معينة لابدّ أن يكون العامل الأساسي في بداية الدراسة التخطيطية هو جمع المعلومات البيئية لتلك المنطقة وما حولها وتقويم تراثها البيئي والمكونات النوعية له وتحليل ذلك التراث ومراحل الأزمنة التي مرّت به وما طرأ عليه من تغيرات ([3]).

فمن المؤكّد أن التنمية المستدامة في مجال التعمير أضحت تأخذ معنى التناظر الوثيق بين متطلبات حماية البيئة والتخطيط العمراني الذي يراعي التوازنات بين النشاطات الاقتصادية والحفاظ على المساحات المخصصة للنشاطات الزراعية والغابية والتوفيق بين مشاريع البناء والسكن والمحافظة على الوسط الحضري والمواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي للمدن والوقاية من التلوث.

2/ قانون العمران وقانون البناء

إذا كان قانون العمران هو مجموعة القواعد العامة المحددة للتطور العمراني وذلك بتحديد مقاييس ومعايير التعمير وشغل الأراضي والبناء عليها ومراقبتها وضبط البنايات، فقانون البناء هو المحدّد لشروط ومقاييس البناء وهيكلة البنايات وتجديدها.

كما أن قانون البناء ذو علاقة بالقانون الخاص إذ يرتبط بملكية الأرض؛ بينما قانون العمران فرعا من فروع القانون الإداري، ورغم ذلك فإنّه لا يمنع من وجود علاقة متداخلة بين القانونين، إذ أن قواعد قانون البناء متضمنة داخل قانون العمران وغير مستقلة عنه، ذلك أن الحق في البناء يلزم باحترام الأحكام القانونية والتنظيمية الخاصة باستعمال الأراضي كشرط الحصول على رخصة البناء التي تضمن احترام قواعد حقوق البناء على الأرض، إضافة إلى الشهادات والرخص العمرانية الأخرى التي وضعها المشرع كآليات لمراقبة احترام مقاييس شغل الأراضي المحدّدة في قانون العمران([4])،وبالتالي يمكن القول أن البناء عملية من عمليات التعمير وقانون البناء جزء من قانون العمران متضمن داخله.

3/ قانون العمران وتهيئة الإقليم

تتمثل سياسة تهيئة الإقليم في أنّها سياسة تتبنّاها الدولة في إطار ما يسمى بالسياسة العامة لتقليل التنمية المتباينة ومراعاة الاختلاف والخصائص الاقتصادية والاجتماعية والمكانية في الإمكانيات المادية والبشرية بين الأقاليم في الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والعمل على الاستفادة الكاملة من الموارد المتاحة وبالتالي تحقيق التنمية.

فعملية التهيئة الإقليمية باعتبارها ترشيد خاص تسترشد به الدولة للتنظيم وتحقيق التكافؤ في الفرص فهي تخطيط تنموي ذو أبعاد إستراتيجية وفق برامج عمل إقليمية فيما بين مختلف القطاعات عبر التراب الوطني بمراعاة الانسجام والتكامل قصد النهوض بالإقليم وفق معايير وأسس لتحقيق أهداف التنمية.

وعلى الرغم من أن كل من قانون العمران وتهيئة الإقليم يسعى لحل مشاكل التهيئة لكن ليس على المستوى الجغرافي نفسه، فقانون التعمير يختص بمشاكل الأرض حدوده وتنظيم الشغل العقلاني للأرض([5]) أمّا قانون تهيئة الإقليم فيختص بتهيئتها بما يضمن توزيع متساو للنشاطات في كافة تراب الإقليم الوطني ([6]).

عموما فإن قانون تهيئة الإقليم يبحث ويختص في تنظيم أكثر ما يمكن وفي الإطار الجغرافي للدولة في توزيع السكان على الإقليم بالتناسق مع الموارد الطبيعية والإمكانات المتوفرة والتي يمكن توفيرها والنشاطات التي ستخلق الثروة، ويضع القواعد والتدابير التأشيرية والتوجيهية، ومن ثمة فهو إذن قانون التوقعات والتخطيط والبرمجة على المدى المتوسط والبعيد، في حين قانون التعمير يضع القواعد التقنية والإلزامية الآمرة لوضع مثل هذه الأهداف والتوقعات موضع التطبيق والتنفيذ في أرض الواقع وبخاصة المخططات التوجيهية للتهيئة والتعمير مثلما يقضي به قانون التهيئة والتعمير رقم 90-29 ونصوصه التطبيقية وقانون تهيئة الإقليم وتنميته المستدامة، ومما لاشك فيه أن أحكام قانوني التهيئة والتعمير وتهيئة الإقليم ستتقاطع وتتكامل بمناسبة إعداد وتنفيذ تصاميم ومضامين المخطط الوطني لتهيئة الإقليم والمخططات الجهوية والمحلي خاصة بمناسبة تخصيص الأرض لإنجاز مشاريع بعينها.

4/ قانون العمران والقانون التوجيهي للمدينة

 إن المستهدف الأول والمباشر من قانون التنظيم العمراني والبناء هي المدينة وهذا في إطار سياسة التنظيم العمراني والتهيئة والتعمير التي يعتمدها في فترة معينة من خلال المخطط العمراني سواء من حيث إنشاء مدن جديدة أو تطوير الموجود منها وترقيتها عبر أدوات وتقنيات التعمير والبناء المستحدثة ومواد البناء المطورة والمكتشفة.

   وقد بدأ الاهتمام بسياسة المدينة والتخطيط لإرساء المدن الجديدة بصدور القانون رقم 02-08 المؤرخ في ماي 2002 والمتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة وتهيئتها، وقد استند المشرع في سنه لهذا القانون ومن بين مرجعياته إلى قانون التهيئة والتعمير وهو مانصت عليه المادة 02 من القانون 02-08 أنه " تعد مدنا جديدة كل تجمع بشري ذي طابع حضري ينشأ في موقع خال يستند إلى نواة أو عدة نوى سكنية جديدة ، تشكل المدن الجديدة مركز توازن اجتماعي واقتصادي وبشري بما يوفره من إمكانيات التشغيل والإسكان والتجهيز" على أن يتكفل المخطط الوطني لتهيئة الإقليم بتحديد موقع المدينة الجديدة ووظيفتها مثلما أشار إليه القانون رقم 06-06 المؤرخ في 20 فيفري 2006 الذي يتضمن القانون التوجيهي للمدينة ([7]).

 والذي يهدف إلى التعريف بسياسة المدينة في إطار سياسة تهيئة الإقليم وتنميته المستدامة، أما قانون العمران فلابدّ أن ينظم في إطار سياسة المدينة لأن سياسة العمران لم يعد الهدف منها إعطاء شكل عمراني فقط وإنّما تشمل كذلك جانب التنمية الاجتماعية، الحضرية، الاقتصادية ([8]) هذا ما ينظمه القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير والقانون 06-06 المتضمن القانون التوجيهي للمدينة.



[1]- القانون رقم 08-15 المؤرخ في 20/07/2008 يحدّد قواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها ج.ر عدد 44.

[2]- القانون رقم 03-10 مؤرخ في 19/07/2003 يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، ج.ر عدد 43.

[3]- إقلولي أولد رابح صافية، المرجع السابق، ص. 37.

[4]- Livet-veaux Georges Thuillier Andrée, droit de la construction 11ème édition, Litec, Paris 1994, p. 41.

[5]- Henri Jacquot et François Priet, droit de l’urbanisme, Dalloz, 3ème édition, Litec, Paris 1998, p. 11.

[6]- المادة 05 من القانون رقم 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم وتنميته المستدامة.

[7]- القانون رقم 06-06 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتضمن القانون التوجيهي للمدينة ج.ر العدد 15.

[8]-- Henri Jacquot et François Priet, Op.cit, p. 12.