أولا: مفهوم قانون العمران وبيان خصائصه وأهدافه

سنحاول الوقوف على تعريف قانون العمران وخصائصه، ثم أهدافه.

1/ تعريف قانون العمران

   يفيد لفظ "التعمير" لغة السكن والإقامة بالمكان والاستقرار به، فيقال: عمر عمرا المنزل بأهله: كان مسكونا والدار: بناها، ويقال: عمر عمورا وعمارة وعمرانا الرجل بيته: لزمه. والعمران من الناحية اللغوية مشتق من كلمة لاتينية (URBS) والتي تعني المدينة، فلفظة urbanisme تحيل إلى العلم الذي يهتم بدراسة التقنيات الكفيلة بضمان التوزيع المتوازن للأنشطة البشرية المختلفة على المجال العمراني، فهي كلمة حديثة العهد غير أن العمران كفن وأسلوب لبناء المدن له جذوره التاريخية.

أما المعنى الاصطلاحي للعمران فيقصد به: "البيئة التي يغلب عليها ويميزها إضافات الإنسان في صراعه المستمر مع البيئة الطبيعية لتحقيق أهدافه وغاياته وتمتد من المسكن إلى المدينة"

وعرّف أيضا بأنه:"مجموعة قواعد متعلقة بالتهيئة والتوسع العمران"كما عرف بأنه:"مجموعة قواعد متعلقة بالتهيئة التوسع العمراني"، يمكن من خلال التعاريف السابقة أن ندرج التعريف الآتي: "قانون العمران هو مجموعة القواعد القانونية والتقنية المنظمة للنشاط العمراني".

باعتبار قانون العمران فرع من فروع القانون العام والمتعلق أساسا بالقانون الإداري فيقصد به "مجموعة القواعد المتعلقة بتنظيم وتهيئة المجال"([1]) ،وهو أيضا: "القواعد التي تنظم الأهداف العامة وتراقب استعمال المساحات أو الفضاءات لأجل البناء الضروري شغله" [2] ،يمكن من خلال التعاريف السابقة أن ندرج التعريف الآتي: "قانون العمران هو مجموعة القواعد القانونية والتقنية المنظمة للنشاط العمراني"، وبذلك فقانون العمران هو مجموعة القواعد القانونية والتقنية المنظمة للنشاط العمراني، وبالتالي تحكم تصرفات الأفراد والجماعات في مجال العمران لتحقيق الأهداف التي تنشدها مشروعات التخطيط والتعمير وضمان إقامة المباني طبقا للمعايير والاشتراطات التي تكفل أمن السكان وراحتهم، وتوفير مستلزمات الصحة العامة بالإضافة إلى تحقيق جمال الرونق والرواء.

2/ خصائص قانون العمران

يتميز قانون العمران ببعض الخصائص نوجزها في ما يلي:

* يعد فرع قانون التهيئة والتعمير تخصصا قانونيا حديثا إذا قورن بغيره من فروع القانون الأخرى، فقد ارتبط بشكل وثيق مع مواجهة ظاهرة التصنيع التي شهدتها المجتمعات البشرية المعاصرة والتي كانت من بين أهم انعكاساتها السلبية على نظام العمران وتهيئة الإقليم وإفراغ الأرياف من سكانها والهجرة نحو المدن طلبا لفرص أحسن للعيش مما ينجم عنه في الوقت ذاته زيادة سريعة في الكثافة السكانية للمدن، الأمر الذي دعا إلى التفكير في ضرورة إيجاد حلول ناجعة لضمان تهيئة إقليم الدولة لدرجة أصبح معها موضوع البناء مسألة جوهرية يعبر عنها ب "سياسة التهيئة والتعمير".

* يطبق قانون العمران عن طريق وسائل وأدوات قانونية كرخصة البناء والتجزئة والهدم، وشهادة المطابقة في إطار المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير ومخطط شغل الأراضي.

* يلتقي قانون العمران بالعديد من فروع القانون سواء كانت عامة كالقانون الإداري والجنائي، أو خاصة كالقانون المدني والعقاري والتجاري، كما له علاقة بقوانين أخرى كقوانين البيئة والمياه.

* لتنفيذ قانون العمران، يلزم تدخل عدة جهات تتعاون لأجل الرقابة على عمل الأفراد وتنفيذ العمليات العامة.

* يشكل قطاع التعمير مجالا خصبا للمنازعات نظرا لتعدد القواعد الموضوعية والشكلية التي تؤطر هذا النظام القانوني الأمر الذي يترتب عليه وجود الكثير من المنازعات، فإذا كانت خاصة تخضع للقضاء العادي كالقضاء المدني أو التجاري، وإذا كانت نزاعات عامة فإنها تخضع للقضاء الإداري.

* يمزج قانون العمران بين الأحكام القانونية الخاصة ومن بينها المسائل المتعلقة بالملكية الخاصة كالبناء الفردي، وبين الأحكام القانونية العامة باعتبار قانون العمران يتناول بالتنظيم دور ومجال تدخّل الهيئات الإدارية العامة (الدولة، الولاية والبلدية) في مجال العمران ([3]).

_ قانون التهيئة والتعمير ذو طبيعة تنظيمية وقائية أكثر منها عقابية، ففي الجزائر أصدر المشرع العديد من النصوص القانونية بغرض تنظيم العمران ومنحه النسق الجمالي، نظرا لأهمية وضرورة التنظيم في المجال العمراني نتيجة المتغيرات العديدة في التركيبة الاجتماعية والزيادة الضخمة في عدد السكان وتزايد الحاجة إلى الخدمات الحضارية المتطورة كمّا ونوعا، ومن ثمّ متابعة سير المرافق العامة والخدمات المحلية بانتظام وباضطراد مع التنسيق بين الجهات المعنية على حل مشاكلها أو التطلع على تطويرها وتحديثها.

 3/ أهداف قانون العمران

يهدف قانون العمران إلى:

* تحديد القطع الأرضية القابلة للتعمير في نوعيتها وموقعها وتنظيم كيفيات استغلالها، وكذا تحديد القواعد العامة التي يجب أن يستجيب لها تشييد بنائي في المواصفات التي يكون خاضعا لها أو الاشتراطات التي يجب أن يستجيب لها.

* وضع قواعد وإجراءات لتنظيم وحماية مجالات الاستعمال، حيث يحددّ قانون العمران مقاييس شغل الأراضي سواء بالمنع أو فرض أشكال معينة لاستغلال الأراضي، إلا أن مراقبة احترام هذه المقاييس تضمنها آليات كشهادة التعمير وشهادة التقسيم، ورخصة التجزئة، ورخصة البناء ورخصة الهدم، وهي وثائق إدارية تسلمها الإدارة المحلية.

* تنظيم حركة التوسع العمراني للمدن والقضاء على البناء الفوضوي.

* تحقيق التوازن الجهوي والمحلي في التمركز العمراني في مناطق دون الأخرى وبالتالي القضاء على الاختلال العمراني ومحاربة اكتظاظ المدن على حساب الأرياف.

عموما، فإن قانون التهيئة والتعمير يهدف إلى حفظ النظام العام العمراني والنظام العام الجمالي (جمال ورونق المدينة).



[1]-  Jacqueline Morand deviller, droit de l’urbanisme, Dalloz, 7ème édition, Paris, 2006, p 01.

[2]-  Roger Saint Alary et Corine Saint Alary-Hocin, Droit de la construction, Dalloz, 3ème édition, Paris 1991, p 01.

[3]- إقلولي أولد رابح صافية، قانون العمران الجزائري، الطبعة الثانية 2015، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، ص 28.