1. التغطية التأمينية عن الأضرار البيئية

1.2. صناديق التعويضات عن الأضرار البيئية

من أجل تغطية فعالة للتعويض عن الأضرار البيئية ، خاصة في حالات التي يصعب فيها تحديد المسؤول عن محدث الضرر، أو غياب تأمين شامل على جميع الأضرار اللاحقة بالمضرور ، أو لتجاوز قيمة التعويضات قدرات المسؤول المالية أو لصعوبة إجراءات التقاضي ، تم استحداث آلية قانونية ، تتمثل في صناديق التعويضات التي تتدخل بصفة تكميلية لنظام المسؤولية عن الأضرار البيئية .

 لذا واستكمالا لنظام التأمين عن هذه الأضرار وجب التعرض لها بالدراسة على النحو التالي :

أ/ إنشاء صناديق التعويضات والهدف منها: فكرة إنشاء صناديق التعويضات كانت بهدف تعويض المضرور في الحالة التي لا يعوض فيها بوسيلة أخرى ، كما وأن هذه الصناديق تهدف إلى توزيع المخاطر الصناعية على مجموع الممارسين للأنشطة التي يمكن أن تكون سببا لهذه المخاطر. فهذه الصناديق لا تتدخل إلا بصفة تكميلية أو احتياطية لكل من نظامي المسؤولية المدنية والتأمين . كما يجب ملاحظة أن نظام هذه الصناديق ليس بحديث أو خاص بالأضرار البيئية فحسب، ولكن خصوصيته تكون أكثر جلاء في مجال الأنشطة البيئية[1]

        علما وأن هذه الصناديق تتمتع في الغالب بكيان قانوني مستقل وبالشخصية المعنوية ، الوضع الذي يسمح لها باستقبال التخصيصات المالية الممنوحة لها من قبل الدولة والإسهامات المالية الأخرى الواردة لها من الأشخاص العامة أو الخاصة ، لهذا يجب أن تتوافر شروط النشأة لهذه الشخصية الاعتبارية من خلال وجود شرط المصلحة الجماعية الذي تسعى إلى تحقيقه[2] .

ب / حالات تدخل صناديق التعويضات :  تم استحداث صناديق التعويضات بعدما عجز نظام التأمين في بعض الحالات عن تعويض الأضرار ، فقد جاء دور هذه الصناديق مكملا لقواعد التأمين عن المسؤولية ، وليس بديلا عنها، فهي تتدخل بصفة احتياطية ومكملة عند عجز هذه القواعد في تعويض عادل للمتضررين. و أهم حالات تدخل صناديق التعويضات لجبر الأضرار البيئية ما يلي:

1- في الحالات التي لا يقدم فيها التأمين إجابات كافية ، فإن صناديق التعويضات تلعب دورا تكميليا ، هذا الدور يكون ضروريا عندما تتجاوز قيمة الأضرار الناجمة عن النشاط الحد الأقصى لمبلغ التأمين المحدد في العقد ، بمعنى آخر فإن هذه الصناديق تهدف إلى تعويض المضرور تعويض كاملا ، عندما يكون قد تم تعويضه جزئيا .

2- إذا وجد حد أقصى للتعويض لا يجوز تخطيه : باعتبار أن المسؤولية في مجالات البيئة هي مسؤولية موضوعية ، ففيها يكون هناك حد أقصى للتعويض لا يجوز تخطيه، وبناء على ذلك فإن جميع الأضرار لا تصبح مغطاة إذا تجاوزت الحد الأقصى المسموح به . ومن هنا تظهر أهمية تبني فكرة صناديق التعويضات  الذي يؤدي إلى التعويض الكامل للمضرور، دون تحمله جزء من الأضرار.

3- في الحالات التي يثار فيها أحد أسباب الإعفاء من المسؤولية ، أو أحد أسباب استبعاد عقد التأمين[3]

ج / موقف المشرع الجزائري من صناديق التعويضات : أوجد المشرع صندوقا وطنيا لحماية البيئة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 98-147 يتولى العديد من المهام الجادة في حماية البيئة من مختلف الأضرار التي قد تلحق بها [4]، ولاسيما في مجال تمويل نشاطات حراسة البيئة ، والنفقات المتعلقة بالوسائل المستعملة للتدخل الاستعجالي في حالة تلوث مفاجئ ، وتمويل أنشطة مراقبة التلوث عند المصدر ، وتمويل أنشطة مراقبة الوضع البيئي ، ... وغيرها من المهام التي أسندت إليه لاحقا بموجب التعديلين المدخلين على هذا المرسوم [5].

        كما نص المشرع بموجب القانون رقم 02-02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه[6]، على ضرورة إنشاء صندوق خاص لتمويل تنفيذ التدابير المتخذة لحماية الساحل والمناطق الشاطئية ، الأمر الذي تكرس بموجب المرسوم التنفيذي رقم 04-273 الذي أحدث الصندوق الوطني لحماية الساحل والمناطق الشاطئية ، بحيث يتولى هذا الصندوق مجموعة من الأعمال في مجال حماية البيئة ومعالجتها من التلوث البحري أساسا[7].

        كما أنشأ المشرع صندوقا وطنيا للتراث الثقافي ، وآخر للكوارث الطبيعية والأخطار التكنولوجية الكبرى ، وصندوقا للمياه الصالحة للشرب ، وآخر للتسيير المتكامل للموارد المائية ...إلخ[8].

د/ تقدير دور صناديق التعويضات في الجزائر : من خلال عرض هذه الصناديق أعلاه لا يمكن إنكار دورها الهام في مجال حماية البيئة ، فهي صناديق أناط لها المشرع دورا وقائيا وكذا علاجيا في من خلال التدخل لحماية البيئة والمشاركة في عمليات إزالة التلوث ، وتمويل مشاريع النهوض بهذه الحماية واستمراريتها .

        إلا أن واقع البيئة بالجزائر تحديدا ، يبين خلاف ما هو مقرر قانونا من مهام و أهداف لهذه الصناديق ، الأمر الذي يدفع للقول أن هذه الصناديق لا يمكن أن تكون سوى نص قانوني يبحث عن تجسيد فعال و تأطير بصفة جدية وموضوعية ، وهو ما دفع بالباحثين في مجال البيئة بالجزائر ومن بينهم الأستاذ وناس يحي إلى اعتبار أن عدم خضوع صناديق البيئة التي تجمع فيها حصيلة الرسوم الإيكولوجية إلى أي رقابة قضائية، جعلها تتدخل وفق مسارات إدارية محضة ، و لا يتم صرف مواردها بطريقة قضائية لاحقة لإقرار مسؤولية الملوث .

        وعليه وبالرغم من النص صراحة على تدخل مختلف الصناديق السابقة لتنظيف المواقع الملوثة وإعادتها للحالة التي كانت عليها ، إلا أن تدخلها لا يتمتع بفعالية ومصداقية كبيرة ، نظرا لارتباط طرق صرف اعتماداتها بالسلطة التقديرية للإدارة ، الأمر الذي يستوجب اعتماد صيغ واضحة وشفافة لتدخل الصناديق الخاصة بالبيئة، والتي لازالت لحد الآن تسير بطريقة غامضة لا يمكن مراقبتها ، لذلك بات من الضروري إخضاع إجراءات تدخل الصناديق الخاصة بمكافحة التلوث إلى القضاء[9] .

       



[1]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 105 – بتصرف - .

[2]  لأكثر تفصيل راجع كل من : وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 97 وما بعدها .

 وكذا رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 117 وما بعدها .

[3]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 106 وما بعدها- بتصرف - .

[4] بموجب المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 98-147 المؤرخ في 13 ماي 1998 ، يحدد كيفيات تسيير حساب التخصيص الخاص رقم 65-302 الذي عنوانه " الصندوق الوطني للبيئة " ، ج ر 31 . والمعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم  01-408 المؤرخ في 13 ديسمبر 2001 ، ج ر 78 ، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 06-237 المؤرخ في 4 جويلية 2006 الذي يعدل ويتمم المرسوم التنفيذي رقم 98-147 الذي يحدد كيفيات تسيير حساب التخصيص الخاص رقم 65-302 الذي عنوانه :        " الصندوق الوطني للبيئة و إزالة التلوث" ، ج ر 45 .

[5] ولأكثر تفصيل حول هذا الصندوق راجع رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 124 وما بعدها .

[6] القانون رقم 02-02 المؤرخ في 5 فيفري 2002 ، يتعلق بحماية الساحل وتثمينه، ج ر 10 .

[7] راجع المادة 3 المرسوم التنفيذي رقم 04-273 المؤرخ في 2 سبتمبر 2004 الذي يحدد كيفيات سير حساب التخصيص الخاص رقم 113-302 الذي عنوانه :" الصندوق الوطني لحماية الساحل والمناطق الشاطئية " ، ج ر 56 .

[8]  ولأكثر تفصيل راجع رحموني محمد ، نفس المرجع ، ص126 وما بعدها .

[9]  وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 288 .