آليات التعويض عن الأضرار البيئية

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: القانون الإداري للبيئة 2
كتاب: آليات التعويض عن الأضرار البيئية
طبع بواسطة: مستخدم ضيف
التاريخ: Sunday، 19 May 2024، 3:29 AM

الوصف

يصطدم الضرر البيئي المحض بصعوبات كيفية تقديره ، خصوصا وأنه يتعلق بعناصر طبيعية ليس لها قيمة البضائع وما يمكن تقويمه نقدا بسهولة ، لذا وجب دراسة الآليات القانونية المختلفة لتعويضه وجبر الأضرار اللاحقة به.

1. التغطية التأمينية عن الأضرار البيئية

الملاحظ في الوقت الحالي أن معظم الأنظمة الحديثة تتطلب وجود تأمين أو أي ضمان مالي آخر لضمان تعويض الأضرار البيئية ، فوفقا لاتفاقية لوجا نو[1] فإن وجود الضمان المالي شرط إجباري مع ترك تحديد شكل هذا الضمان للقوانين الداخلية للدول الأعضاء في الاتفاقية حسب المادة 12 منها .

        ولضمان تعويض المضرورين فإن هذا الضمان يأخذ صورة عقد التأمين أو وجود صناديق التعويضات، خاصة عندما يكون الضمان المالي المقدم بواسطة المؤمنين غير كافي لتغطية الأضرار ، وفي أحيان أخرى قد يصعب تحديد مسؤول بعينه عن هذه الأضرار ، أو قد يكون مسؤولا وتتوافر فيه أحد أسباب الإعفاء من المسؤولية ، ففي هذه الحالات فإن إنشاء صندوق تعويض يكون الوسيلة المناسبة لتعويض المضرورين[2].



[1]  اتفاقية Lugano  الصادرة في 21 جوان 1993 والمتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن ممارسة الأنشطة الخطرة بالنسبة للبيئة . ولأكثر تفاصيل حول الموضوع راجع :

- Jean-François  Neuray , op.cit , pp 664 .

[2]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 97 .

1.1. اكتتاب عقد تأمين عن الأضرار البيئية

تعد المسؤولية الملائمة في المسائل المتعلقة بالبيئة مسؤولية موضوعية ، تهدف إلى تعيين شخص مسؤول عن تعويض المضرورين من آثار التلوث وكذلك إصلاح الوسط البيئي المضرور ، ولكن تبني مثل هذه المسؤولية دون ضمان أن يكون لدى المسؤول الكفاءة المالية لتحمل النتائج التي قد تترتب على أفعاله ، يكون ضمان نظري بحت دون تحقيق أية حماية فعلية للمضرورين ، وبناء على ذلك يمكن القول بأنه لا توجد اليوم مسؤولية فعالة دون وجود نص بالتأمين منها .

        وعلى ذلك يقدم نظام التأمين الإجباري بعض المزايا أهمها :

- يضمن للمضرور تعويضه وحمايته من خطر إعسار المسؤول عن الضرر.

- يسهل هذا النظام دور القاضي في الحكم بإلزام المسؤول بتعويض المضرور ، وكذلك قبول تحديد مقدار هذا التعويض نظرا لوجود شخص ميسور في ذمته المالية.

- إجبارية هذا التأمين تضمن فعاليته ، ذلك أن التأمين إذا كان اختياريا فإن الغالبية من الشركات ستفضل توفير مبالغ التأمين وبذلك تتملص من المسؤولية عن الأضرار البيئية التي تحدثها.

- التأمين الإجباري يحقق العدالة بين المضرورين ، فمن غير المقبول أن يكون هناك مضرورين من أضرار مماثلة ويعاملون معاملة مختلفة ، لذا فإن تبني نظام التأمين الإجباري هو الذي يحقق العدالة بين المسؤولين والمضرورين[1].

        وبالرغم من هذه المزايا الهامة لنظام التأمين الإجباري عن الأضرار البيئية ، إلا أن معظم التشريعات تنص على أن أنظمة التأمين تبقى اختيارية .

أ/ شروط عقد التأمين عن الأضرار البيئية :  وفي هذا المجال يرى البروفسور Gilles Martin أن نظام التأمين حتى يكتسي فعالية كافية لإصلاح الأضرار البيئية لابد من توافر بعض الشروط :

- أن يكون التأمين آليا حيث كلما وصل ضرر التلوث إلى نسبة معينة ، أو تجاوز الحدود الجغرافية أصبح إلزاميا وجود هذا التأمين .

- يجب أن يكون التأمين عاما ، مع العلم أن هذا الشرط لا يمكن انطباقه في مجال الأضرار البيئية ، فلا يمكن تصور تأمين موحد للمسؤولية ، ما دام أن مصادر الضرر مفتوحة ومتعددة .

- يجب أن يكون له تأثير ايجابي ، وهذا لتغطية متكاملة مع ضرورة الاستناد إلى آليات أخرى كمبدأ الملوث الدافع [2].

ب/ تحديد موقف المشرع الجزائري من تأمين المسؤولية عن الأضرار البيئية : تعرض المشرع الجزائري إلى نظام التأمين بصفة عامة كنظام تعاقدي في القواعد العامة في القانون المدني ، ونظم أحكام التأمين من خلال نصوص خاصة آخرها الأمر 95-07 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 06-04 المتعلق بالتأمينات .

والمتتبع لمجموع هذه الأحكام يلاحظ أنها لم تنظم صراحة التأمين من المسؤولية عن الأضرار البيئية ، حيث لم يشر المشرع ضمن أحكام تلك المواد لهذا النوع من التأمين ، بالرغم من أن الجزائر تعاني من أضرار بيئية جمة معظمها ناتج عن التلوث . ومع ذلك نجد بعض النصوص المتفرقة ضمن هذا القانون التي نصت على بعض الأنواع من التأمينات ذات العلاقة بالأضرار التي تمس بالبيئة ، منها تلك التي تنص على إلزام كل صياد اكتتاب تأمين لضمان العواقب المالية عن المسؤولية المدنية ، التي قد يتعرض لها من جراء الأضرار الجسمانية التي يلحقها بالغير أثناء أو بمناسبة الصيد أو إبادة الحيوانات الضارة وفقا للتشريع المعمول به [3].

ووجبت الإشارة في هذا الصدد أنه وبالاستناد إلى الأحكام المنظمة للحادث القابل للتأمين بمفهوم القواعد العامة للتأمين ، لا يمكن أن يشمل التأمين عن الأضرار البيئية إلا الحوادث الفجائية التي تصيب المنشآت المؤمنة ،وما عداها من الأضرار فلا يمكن أن يشمله عقد التأمين .

نتيجة :وإذا كان عقد التأمين وفق الشروط العامة لا يغطي إلا الحوادث الفجائية ولا يشمل التأمين على النشاط الاعتيادي الذي يشكل خطر التلوث الدائم ، فإنه عديم الجدوى في تحقيق الهدف الرئيسي من التأمين عن الأضرار البيئية ، لأن المصدر الثابت للتلوث هو النشاط الاعتيادي وليس الحادث الفجائي [4].



[1]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 98 وما بعدها.

[2]  نقلا عن حميدة جميلة ، المرجع السابق ، ص 408 .

[3]  رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 110  .

 ولمزيد من الأمثلة في الموضوع ، راجع حميدة جميلة ، المرجع السابق ، ص 402 وما بعدها .

[4]  وناس يحيى ، المرجع السابق ، ص 291 .

1.2. صناديق التعويضات عن الأضرار البيئية

من أجل تغطية فعالة للتعويض عن الأضرار البيئية ، خاصة في حالات التي يصعب فيها تحديد المسؤول عن محدث الضرر، أو غياب تأمين شامل على جميع الأضرار اللاحقة بالمضرور ، أو لتجاوز قيمة التعويضات قدرات المسؤول المالية أو لصعوبة إجراءات التقاضي ، تم استحداث آلية قانونية ، تتمثل في صناديق التعويضات التي تتدخل بصفة تكميلية لنظام المسؤولية عن الأضرار البيئية .

 لذا واستكمالا لنظام التأمين عن هذه الأضرار وجب التعرض لها بالدراسة على النحو التالي :

أ/ إنشاء صناديق التعويضات والهدف منها: فكرة إنشاء صناديق التعويضات كانت بهدف تعويض المضرور في الحالة التي لا يعوض فيها بوسيلة أخرى ، كما وأن هذه الصناديق تهدف إلى توزيع المخاطر الصناعية على مجموع الممارسين للأنشطة التي يمكن أن تكون سببا لهذه المخاطر. فهذه الصناديق لا تتدخل إلا بصفة تكميلية أو احتياطية لكل من نظامي المسؤولية المدنية والتأمين . كما يجب ملاحظة أن نظام هذه الصناديق ليس بحديث أو خاص بالأضرار البيئية فحسب، ولكن خصوصيته تكون أكثر جلاء في مجال الأنشطة البيئية[1]

        علما وأن هذه الصناديق تتمتع في الغالب بكيان قانوني مستقل وبالشخصية المعنوية ، الوضع الذي يسمح لها باستقبال التخصيصات المالية الممنوحة لها من قبل الدولة والإسهامات المالية الأخرى الواردة لها من الأشخاص العامة أو الخاصة ، لهذا يجب أن تتوافر شروط النشأة لهذه الشخصية الاعتبارية من خلال وجود شرط المصلحة الجماعية الذي تسعى إلى تحقيقه[2] .

ب / حالات تدخل صناديق التعويضات :  تم استحداث صناديق التعويضات بعدما عجز نظام التأمين في بعض الحالات عن تعويض الأضرار ، فقد جاء دور هذه الصناديق مكملا لقواعد التأمين عن المسؤولية ، وليس بديلا عنها، فهي تتدخل بصفة احتياطية ومكملة عند عجز هذه القواعد في تعويض عادل للمتضررين. و أهم حالات تدخل صناديق التعويضات لجبر الأضرار البيئية ما يلي:

1- في الحالات التي لا يقدم فيها التأمين إجابات كافية ، فإن صناديق التعويضات تلعب دورا تكميليا ، هذا الدور يكون ضروريا عندما تتجاوز قيمة الأضرار الناجمة عن النشاط الحد الأقصى لمبلغ التأمين المحدد في العقد ، بمعنى آخر فإن هذه الصناديق تهدف إلى تعويض المضرور تعويض كاملا ، عندما يكون قد تم تعويضه جزئيا .

2- إذا وجد حد أقصى للتعويض لا يجوز تخطيه : باعتبار أن المسؤولية في مجالات البيئة هي مسؤولية موضوعية ، ففيها يكون هناك حد أقصى للتعويض لا يجوز تخطيه، وبناء على ذلك فإن جميع الأضرار لا تصبح مغطاة إذا تجاوزت الحد الأقصى المسموح به . ومن هنا تظهر أهمية تبني فكرة صناديق التعويضات  الذي يؤدي إلى التعويض الكامل للمضرور، دون تحمله جزء من الأضرار.

3- في الحالات التي يثار فيها أحد أسباب الإعفاء من المسؤولية ، أو أحد أسباب استبعاد عقد التأمين[3]

ج / موقف المشرع الجزائري من صناديق التعويضات : أوجد المشرع صندوقا وطنيا لحماية البيئة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 98-147 يتولى العديد من المهام الجادة في حماية البيئة من مختلف الأضرار التي قد تلحق بها [4]، ولاسيما في مجال تمويل نشاطات حراسة البيئة ، والنفقات المتعلقة بالوسائل المستعملة للتدخل الاستعجالي في حالة تلوث مفاجئ ، وتمويل أنشطة مراقبة التلوث عند المصدر ، وتمويل أنشطة مراقبة الوضع البيئي ، ... وغيرها من المهام التي أسندت إليه لاحقا بموجب التعديلين المدخلين على هذا المرسوم [5].

        كما نص المشرع بموجب القانون رقم 02-02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه[6]، على ضرورة إنشاء صندوق خاص لتمويل تنفيذ التدابير المتخذة لحماية الساحل والمناطق الشاطئية ، الأمر الذي تكرس بموجب المرسوم التنفيذي رقم 04-273 الذي أحدث الصندوق الوطني لحماية الساحل والمناطق الشاطئية ، بحيث يتولى هذا الصندوق مجموعة من الأعمال في مجال حماية البيئة ومعالجتها من التلوث البحري أساسا[7].

        كما أنشأ المشرع صندوقا وطنيا للتراث الثقافي ، وآخر للكوارث الطبيعية والأخطار التكنولوجية الكبرى ، وصندوقا للمياه الصالحة للشرب ، وآخر للتسيير المتكامل للموارد المائية ...إلخ[8].

د/ تقدير دور صناديق التعويضات في الجزائر : من خلال عرض هذه الصناديق أعلاه لا يمكن إنكار دورها الهام في مجال حماية البيئة ، فهي صناديق أناط لها المشرع دورا وقائيا وكذا علاجيا في من خلال التدخل لحماية البيئة والمشاركة في عمليات إزالة التلوث ، وتمويل مشاريع النهوض بهذه الحماية واستمراريتها .

        إلا أن واقع البيئة بالجزائر تحديدا ، يبين خلاف ما هو مقرر قانونا من مهام و أهداف لهذه الصناديق ، الأمر الذي يدفع للقول أن هذه الصناديق لا يمكن أن تكون سوى نص قانوني يبحث عن تجسيد فعال و تأطير بصفة جدية وموضوعية ، وهو ما دفع بالباحثين في مجال البيئة بالجزائر ومن بينهم الأستاذ وناس يحي إلى اعتبار أن عدم خضوع صناديق البيئة التي تجمع فيها حصيلة الرسوم الإيكولوجية إلى أي رقابة قضائية، جعلها تتدخل وفق مسارات إدارية محضة ، و لا يتم صرف مواردها بطريقة قضائية لاحقة لإقرار مسؤولية الملوث .

        وعليه وبالرغم من النص صراحة على تدخل مختلف الصناديق السابقة لتنظيف المواقع الملوثة وإعادتها للحالة التي كانت عليها ، إلا أن تدخلها لا يتمتع بفعالية ومصداقية كبيرة ، نظرا لارتباط طرق صرف اعتماداتها بالسلطة التقديرية للإدارة ، الأمر الذي يستوجب اعتماد صيغ واضحة وشفافة لتدخل الصناديق الخاصة بالبيئة، والتي لازالت لحد الآن تسير بطريقة غامضة لا يمكن مراقبتها ، لذلك بات من الضروري إخضاع إجراءات تدخل الصناديق الخاصة بمكافحة التلوث إلى القضاء[9] .

       



[1]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 105 – بتصرف - .

[2]  لأكثر تفصيل راجع كل من : وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 97 وما بعدها .

 وكذا رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 117 وما بعدها .

[3]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 106 وما بعدها- بتصرف - .

[4] بموجب المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 98-147 المؤرخ في 13 ماي 1998 ، يحدد كيفيات تسيير حساب التخصيص الخاص رقم 65-302 الذي عنوانه " الصندوق الوطني للبيئة " ، ج ر 31 . والمعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم  01-408 المؤرخ في 13 ديسمبر 2001 ، ج ر 78 ، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 06-237 المؤرخ في 4 جويلية 2006 الذي يعدل ويتمم المرسوم التنفيذي رقم 98-147 الذي يحدد كيفيات تسيير حساب التخصيص الخاص رقم 65-302 الذي عنوانه :        " الصندوق الوطني للبيئة و إزالة التلوث" ، ج ر 45 .

[5] ولأكثر تفصيل حول هذا الصندوق راجع رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 124 وما بعدها .

[6] القانون رقم 02-02 المؤرخ في 5 فيفري 2002 ، يتعلق بحماية الساحل وتثمينه، ج ر 10 .

[7] راجع المادة 3 المرسوم التنفيذي رقم 04-273 المؤرخ في 2 سبتمبر 2004 الذي يحدد كيفيات سير حساب التخصيص الخاص رقم 113-302 الذي عنوانه :" الصندوق الوطني لحماية الساحل والمناطق الشاطئية " ، ج ر 56 .

[8]  ولأكثر تفصيل راجع رحموني محمد ، نفس المرجع ، ص126 وما بعدها .

[9]  وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 288 .

2. دعوى التعويض الإدارية بسبب الأضرار البيئية

تكون أغلب القضايا في المسائل البيئية موجهة ضد الإدارة التي يقع على عاتقها الجزء الأكبر من المسؤولية في هذا المجال ، وبالتالي فإن القضاء الإداري يمكن أن يلعب دورا كبيرا في مجال تفعيل وتطوير قواعد حماية البيئة ، و إرساء اجتهاد قضائي في المسائل المتعلقة بالقانون البيئي ، هذا عند نظره في مختلف القضايا المطروحة عليه والمرتبطة بالبيئة ، ومن أهم الدعاوى المألوفة في المنازعات البيئية والتي لها دور لا يستهان به في تعويض وجبر الأضرار البيئية ،  دعوى التعويض ، والتي بموجبها يتم إقرار مسؤولية الإدارة البيئية عن ضلوعها في إلحاق الضرر بالبيئة ومختلف عناصرها ، وهذا بناء على الأسس السابق التعرض لها بالدراسة والتحليل في المحور السابق

2.1. شروط دعوى التعويض في مجال الأضرار البيئية

تختص المحاكم الإدارية بنظر دعاوى التعويض الإدارية أيا كانت الجهة الإدارية طرفا فيها، وعليه فأيا كانت الإدارة البيئية إجمالا سواء كانت مركزية أو محلية، فإن مطالبتها بجبر الأضرار البيئية يكون أمام هذه المحاكم ، وتقبل الدعوى أمامها بتوافر مجموعة من الشروط محددة بموجب قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، والتي وجب توافرها في دعوى الحال إلا قوبلت بالرفض ، غير أن دعوى التعويض في مجال البيئة وجبر الأضرار البيئية تتطلب نوعا من الخصوصية يفرضها خطر الضرر البيئي أو التلوث وما يمكن أن يترتب عليه من خطر، تطال هذه الخصوصية شروط الدعوى .

        وعليه نتعرض لأهم شروط دعوى التعويض الإدارية، والتي لها علاقة بتعويض الأضرار البيئية تحديدا وهي المصلحة والصفة ، وهذا على النحو التالي :

أ / المصلحة :  تعني المصلحة اصطلاحا في القانون المنفعة والفائدة التي يحققها المدعي من عملية التجائه إلى القضاء المختص للمطالبة بالحقوق والتعويض عن الأضرار التي أصابته ، ويتحقق شرط المصلحة لرفع وقبول دعوى التعويض الإدارية ، عندما يكون الشخص في مركز قانوني شخصي وذاتي مكتسب ، ومعلوم في النظام القانوني السائد ومقررة له الحماية القانونية والقضائية بصورة مسبقة . ويقع مس و إعتداء عليه بفعل أعمال إدارية قانونية أو مادية ضارة ، فتتكون بمجرد وقوع واقعة الإضرار بالمركز القانوني الذاتي مصلحة شخصية ومباشرة وحالة لهذا الشخص صاحب المركز القانوني الذاتي [1].

        وعلى ذلك يتطلب إعمال المصلحة في دعوى التعويض الإدارية شروط أن تكون المصلحة قانونية أو مشروعة ، وأن تكون المصلحة شخصية ومباشرة ، وشرط أن تكون المصلحة حالة وقائمة[2] .

        غير أن إعمال هذه الشروط المتعلقة بالمصلحة في مجال دعوى التعويض الإدارية عن الأضرار البيئية من الصعوبة بمكان ، ذلك أن إثبات خاصية الشخصية والمباشرة بالنسبة للمصلحة المضرورة أمر محل شك ، فبالإضافة إلى العقبات المتعلقة بمعرفة الحالة الفنية والعلمية للمصالح المضرورة ، فهناك عدم كفاية للإمكانيات المتاحة بالنسبة لبعض صور التلوث الكامن . كذلك فإن المصالح التي يضر بها التلوث هي في الغالب مصالح عامة ، وبمعنى آخر فإن الأشخاص الذين يلحق بهم الضرر غير محددين بشكل قاطع ، بالإضافة إلى أن الضرر قد يلحق بالبيئة في حد ذاتها . كما أن آثار التلوث لا تنتج في الغالب إلا بعد مضي مدة زمنية طويلة تصعب من عملية الإثبات، خصوصا في المجال النووي و معنى ذلك أن الآثار الضارة ليست حالة[3].

ب/ الصفة ( أهلية الإدعاء ) :  إن حضور الأطراف أمام القضاء كقاعدة عامة لا يكون مقبولا إلا إذا توافرت لديهم الأهلية التي حددها القانون لممارسة حق التقاضي ، وهذه الأهلية يجب توافرها سواء كان المدعي شخص طبيعي أو شخص معنوي من أشخاص القانون الخاص ، وغيابها يرتب عدم قبول الدعوى .

        كما أن شرط الصفة في دعوى التعويض الإدارية يعني وجوب رفع دعوى التعويض من صاحب المركز القانوني الذاتي ، أو بواسطة نائبه أو وكيله القانوني ، هذا بالنسبة للأفراد المدعين والمدعى عليهم ، وكذا بالنسبة للسلطات الإدارية المختصة والتي تملك الصفة القانونية للتقاضي باسم ولحساب الإدارة العامة بممثلين يمتلكون هذه الصفة بموجب القانون[4] .

        وبشكل عام ، فإن الشخص يصبح له صفة في الدعوى متى كانت له مصلحة شخصية ومباشرة ، وحيث أن الدعوى في مجال البيئة تهدف إلى إصلاح الضرر البيئي وفي الوقت ذاته إلى تعويض المضرورين ، فالسؤال الذي يثور هو ضرورة معرفة متى وتحت أي شروط يستطيع أي شخص أن يتمتع بصفة الإدعاء في المنازعات البيئية ؟ ، خاصة وأن الأضرار البيئية لا يكون لها تأثير حال على الأشخاص ، كما أنها واسعة الانتشار تلحق الضرر بالعديد من الأشخاص والممتلكات ، بالإضافة إلى الضرر الذي يلحق بالبيئة ذاتها .

        وبناء عليه ومن أجل صون حقوق المتضررين من مختلف الأضرار البيئية و حماية للبيئة وعناصرها من الضرر والخطر ، اهتدت التشريعات المقارنة إلى منح صفة التقاضي وإقرارها لجمعيات حماية البيئة والدفاع عن عناصرها ، وهذا في مختلف أنواع الدعاوى القضائية ،  وفي هذا الصدد يحق للجمعيات الناشطة في مجال البيئة اللجوء إلى القضاء الإداري من أجل المطالبة بإصلاح الضرر وطلب التعويض اللازم للحفاظ على البيئة من التلوث ،  وهذا في حالة  الأضرار التي تصيب البيئة في حد ذاتها ، أو الأشخاص[5] .

        وعلى ذلك نص المشرع الجزائري على هذا المنح بموجب المادة 36 من القانون رقم 03-10 التي تفيد بأنه : " دون الإخلال بالأحكام القانونية السارية المفعول ، يمكن للجمعيات المنصوص عليها في المادة 35 أعلاه ، رفع دعوى أمام الجهات القضائية المختصة عن كل مساس بالبيئة ، حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام " .



[1] د/ عمار عوابدي ، النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري ، الجزء الثاني: "نظرية الدعوى الإدارية" ، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية ، الطبعة الثانية، 2003 ، ص 624 .

[2]  د/ عمار عوابدي ، المرجع السابق ص 625 وما بعدها .

[3]  د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 63 .

 [4] د/ عمار عوابدي ، المرجع السابق  ، ص 627 – بتصرف - .

[5]  ولأكثر تفصيل في موضوع منح الجمعيات هذه الصفة راجع كلا من :

د/ أحمد لكحل ، المرجع السابق ، ص 151 وما بعدها .

د/ سعيد السيد قنديل ، المرجع السابق ، ص 65 وما بعدها .

وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 133 وما بعدها .

- Raphael Romi Op.cit , pp 127 .

- Jean-François  Neuray , op.cit , pp 594.

 

2.2. دور دعوى التعويض في مجال الأضرار البيئية

تعتبر دعوى التعويض من أهم دعاوى المسؤولية الإدارية، وكذا القضاء الكامل التي يتمتع فيها القاضي بسلطات كبيرة، وتهدف إلى المطالبة بالتعويض وجبر الأضرار المترتبة عن الأعمال الإدارية المادية والقانونية .

        وعليه تهدف دعوى التعويض في القضايا المتعلقة بمجال حماية البيئة ، إلى مساءلة السلطة العامة ومطالبتها بالتعويض عن الأضرار البيئية الناتجة عن الإخلال بالتزاماتها ، أو التقضير في قيامها بوضع نظام ما ، أو عدم اتخاذها الإجراءات والتدابير اللازمة ، أو إهمالها أو تباطؤها في اتخاذ تلك الإجراءات، كما تتقرر مسؤوليتها أيضا بسبب ارتكابها خطأ في ممارسة اختصاصاتها في مجال منح التراخيص ، أو اعمال سلطتها الرقابية على الأعمال والمشروعات التي يترتب عن ممارستها آثار بيئية ضارة .

كما أن الإدارة كثيرا ما تخل بالتزاماتها في هذا المجال ، بتفضيلها لجانب التنمية على حساب البيئة لإشباع الحاجات العامة ، كون مهمتها تتمثل في التوفيق بين المصالح المتعارضة ، كما أن بعض الظروف تدفع بها إلى عدم تطبيق بعض القواعد أو إلى عدم العقاب على مخالفتها، فنجدها تفضل غض النظر عن بعض المخالفات بدل المخاطرة بالدخول في نزاعات مع المنتفعين ، وأيضا غالبا ما تعتبر المنفعة – الاقتصادية والاجتماعية – للنشاطات المخالفة، كمبرر لغياب العقاب عليها وعدم تفعيل القواعد القانونية المنظمة[1].

وللتذكير يمكن أن تنعقد مسؤولية الإدارة على الخطأ ، كما يمكن أن تنعقد على فكرة المخاطر ، وفيما يتعلق بالتعويض في مجال المسؤولية بدون خطأ فإنه يلزم لانعقادها أن يكون الضرر على درجة من الجسامة غير العادية[2]. وهذا ما سبق التعرض له بالتفصيل في المحور السابق .



[1]  السعيد حداد ، المرجع السابق ، ص 132 .

[2]  وناس يحي ، المرجع السابق ، ص 35