2. المبحث الأول : متغيرات ما قبل الدعوى الإدارية

المحاضرة الثانية

الفصل الثاني : الإطار القانوني للدعوى الإدارية

   نص المشرع الجزائري على مجموعة من الطرق البديلة للدعوى الإدارية، وهي طرق من شأنها التقليل من الضغط الممارس على الجهة القضائية الإدارية، وبالتالي إمكانية الحصول على الحقوق والقيام بالواجبات خارجها، وهذه الطرق متمثلة في العناصر التالية : الصلح والتحكيم، التظلم والطلب الثاني.

   ويشتمل عنصر "ما قبل الدعوى الإدارية" شيئان أساسيان مختلفان عن بعضهما البعض الطرق البديلة والطرق الشكلية وفقا لما يلي :

المطلب الأول : إجراءات بديلة موازية للدعوى الإدارية

   وهي مختلف الطرق التي تستهدف إيجاد حل للنزاع الإداري على مستوى مستقل عن الطرفين، وهي عناصر : الصلح والتحكيم، كما سنتطرق إلى عنصر الدعوى الموازية.

الفرع الأول : الصلح

   ينص قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 970 وما بعدها على إجراء الصلح، وذلك في نزاعات القضاء الكامل· بشكل جوازي، وذلك في اي مرحلة تكون عليها الدعوى سواء بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم بعد موافقة الخصوم.

   إذا أدى إجراء الصلح إلى نتيجة إيجابية بتوافق الأطراف يحرر رئيس تشكيلة الحكم محضرا يبين فيه ما تم الإتفاق عليه، ويأمر بتسوية النزاع وغلق الملف، فيكون هذا الأمر غير قابل لأي طعن (م973)، ولا يجوز للجهة القضائية الإدارية أن تباشر الصلح إلا في النزاعات التي تدخل في اختصاصها (م974).

   كما تنص المادة 993 من الأحكام المشتركة أن محضر الصلح يصبح سندا تنفيذيا بمجرد إيداعه بأمانة الضبط.

الفرع الثاني : التحكيم

   ينص قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 975 وما بعدها على إجراء التحكيم، فتنص المادة 975 على أنه لا يجوز للولاية (والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية)، ولا للبلدية (والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية)، ولا للمؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية أن تجري تحكيما إلا في الحالات الواردة في الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، وأيضا في مجال الصفقات العمومية، أما عن مكان تطبيق أحكام التحكيم فيتم وفقا للمادة 976 أمام الجهات القضائية الإدارية.

   كما نصت نفس المادة في الفقرات الثانية، الثالثة والرابعة على أن مبادرة اللجوء إلى التحكيم تكون كما يلي :

-        إذا تعلق التحكيم بالدولة بمعناها الضيق المركزي تتم بمبادرة من الوزير المعني أو الوزراء المعنيين.

-        إذا تعلق الأمر بالولاية أو البلدية فتتم المبادرة باللجوء إلى التحكيم عن طريق الوالي، أو رئيس المجلس الشعبي البلدي على التوالي.

-        إذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية فتتم المبادرة بواسطة الممثل القانوني، أو ممثل السلطة الوصية التي يتبعها.

وأحالت المادة 977 على الأحكام المشتركة المتعلقة بالتحكيم الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية فيما يخص تنفيذ أحكام التحكيم والطعن فيها، وهي الأحكام الواردة في المواد 1032 وما بعدها، وهي متمحورة حول النقاط التالية :

أولا : حول الطعن

-        عدم قابلية جحكم التحكيم للمعارضة.

-        جواز الطعن عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة  أمام المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم.

-        تستأنف أحكام التحكيم في أجل شهر واحد (1) من تاريخ النطق بها، وذلك أمام المجلس القضائي الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم، وهذا ما لم يتنازل الأطراف عن حق الإستئناف في اتفاقية التحكيم.

-        تكون القرارات الفاصلة في الإستئناف وحدها قابلة للطعن بالنقض طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

 

ثانيا : حول التنفيذ

-        يكون حكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيري قابلا للتنفيذ بأمر من قبل رئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها، ويودع أصل الحكم بأمانة ضبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل (م 1035 ف 1).

-         يمكن للأطراف استئناف الأمر القاضي برفض التنفيذ في أجل خمسة عشر (15) يوما من تاريخ الرفض أمام المجلس القضائي.

-        يسلم رئيس أمناء الضبط نسخة رسمية ممهورة بالصيغة التنفيذية من حكم التحكيم لمن يطلبها من الأطراف.

-        تطبق قواعد النفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل (م 1037).

ملاحظة :

   يراعى في تنفيذ هذه الأحكام طبيعة القضاء المزدوج، وبالتالي من الطبيعي أن تستبدل جهات الإستئناف والنقض التابعة للقضاء العادي هنا بجهة قضائية إدارية (هنا يحل مجلس الدولة كجهة استئناف ونقض محل المجلس القضائي والمحكمة العليا).

الفرع الثالث : حول الدعوى الموازية Recours parallèle

   لم يعد العمل بنظرية الدعوى الموازية متاحا في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، ففي ظل القانون القديم كانت المادة 276 منه تنص على «لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة أيضا إذا كان الطاعنون يملكون للدفاع عن مصالحهم طريق الطعن العادي أمام أية جهة قضائية أخرى»، فمع تخلي القضاء الإداري الفرنسي الذي ابتدعها لأغراض التخفيف عن الجهات القضائية الإدارية وأيضا إعطاء المحامين فرصة التعويض عن خسائرهم، وذلك تبعا لصدور مرسوم 02 نوفمبر 1864 الذي أقر مجانية دعوى الإلغاء وعدم فرض شرط تأسيس المحامي[1]، لم يعد يوجد أي مبرر لإبقائها في النظام القانوني والقضائي الجزائري.

   من المعلوم أن للدعوى الموازية شروطا هي الطابع القضائي وبالتالي لا تشكل التظلمات الإدارية دعوى موازية، وأن تكون أداة قضائية هجومية وبالتالي لا مجال للدفوع القضائية لأن تشكل دعوى موازية[2]، وباستقراء المشهد القضائي الجزائري فإنه لا توجد أية جهة قضائية يمكنها التصدي لإلغاء القرار الإداري غير الجهات القضائية الإدارية.

   كتب الأستاذ خلوفي رشيد عن الموضوع قائلا أن للدعوى الموازية مجال تطبيقي في بعض الحالات، وذكر منها منازعات العقود الإدارية، فقاضي الإلغاء لا يقبل الدعوى الإدارية التي تستهدف إلغاء الأعمال التطبيقية للعقود الإدارية، مادام أن دعوى القضاء الكامل تحقق للمدعي نفس النتيجة[3].

 

المطلب الثاني : إجراءات شكلية لقبول الدعوى الإدارية

   وهي طرق تستهدف إيجاد حل للنزاع الإداري على مستوى أحد أطراف الدعوى (الطرف الإداري)، كما أنها تعتبر شرطا لقبول الدعوى شكلا أمام القضاء الإداري، ونذكر هنا : التظلم والطعن الثاني.

الفرع الأول : التظلم

   ساوى قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد بين المحاكم الإدارية ومجلس الدولة في موضوع التظلم الإداري، وهكذا وبعد إلغاء وجوبية التظلم أمام المحاكم الإدارية وبقائه إلزاميا أمام مجلس الدولة، أضفى القانون الجديد الطابع الإختياري للتظلم أمام الجهتين، أي حتى أمام المحكمة الإدارية بعدما كان ملغيا أمام الغرف الإدارية منذ إصلاح 1990[4].

   غير أن التظلم كما أشرنا أصبح إختياريا، وبالتالي لا مجال لعدم قبوا الدعوى شكلا، إلا في بعض الحالات وهو الحال مع المادة الضريبية فإنه يشترط وجود تظلم مسبق طبقا للمادة 337 من قانون الضرائب المباشرة، وأنه إجراء من النظام العام يتعين على القاضي إثارته تلقائيا[5].

الفرع الثاني : الطلب الثاني

   ينص قانون 90-11  المتعلق بالنقد والقرض ( عدله ب 03/10 المعدل) على ضرورة تقديم طلب ثان بعد رفض الطلب الأول بطبيعة الحال، وبالتالي فإن التماس الجهة القضائية الإدارية (مجلس الدولة هنا) قبل استنفاد طرق الطعن القبلية سيؤدي إلى عدم قبول العريضة شكلا.

   مثال :

-        طلب اعتماد صفة "البنك" .

-        رفض ضمني للطلب.

-        رفع دعوى إدارية أمام مجلس الدولة ضد مجلس النقد والقرض .

-        عدم القيام قبل ذلك بطلب ثان أمام هيئة مجلس النقد والقرض ( م 132 من قانون 90/11).

-        النتيجة : عدم قبول العريضة شكلا.

 

ا/2003، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 164).