يعد المنهج التجريبي من أقرب المناهج إلى الطريقة العلمية الصحيحة والموضوعية واليقينية في البحث عن الحقيقة واكتشافها وتفسيرها والتنبؤ بها والتحكم فيها، ويتم الاعتماد على هذا المنهج عند دراسة المتغيرات الخاصة بالظاهرة محل البحث من أجل الوصول إلى العلاقات السببية التي تربط بين المتغيرات المستقلة والتابعة.
تعريف المنهج التجريبي:
يعرّف " إلمير" المنهج التجريبي على أساس أنه: يتضمن أكثر من مجرد البحث عن حقائق جديدة أو حقائق معترف بها في تراكيب وتجمعات جديدة، إنه التطبيق المحدد لمبادئ البحث في مواقف مضبوطة بقصد اختيار الفروض المتعلقة بالعوامل المعنية... فالموقف يجب أن يضبط ويعرف بعمق حتى يكون من الممكن تغيير التركيز من عامل إلى آخر وقياس التغيير الذي يحدث في النتائج تبعا لذلك في كل مرة.
ومن جهة أخر قدّم تعريف للمنهج التجريبي على أساس أنه:" المنهج المستخدم حين نبدأ من وقائع خارجة عن العقل، سواء أكانت خارجة عن النفس اطلاقا، او باطنة فيها كذلك كما في حالة الاستبطان، لكي نصف هذه الحالة الخارجة عن العقل ونفسرها، ولتفسيرها نهيب دائما بالتجربة، ولا نعتمد على مبادئ الفكر وقواعد المنطق وحدها".
كما تم تعريفه على أساس أنه:" إن التجريب ما هو إلا ملاحظة تحت ظروف محكومة عن طريق اختيار بعض الحالات أو عن طريق تطويع بعض العوامل".
وقد أصبح مفهوم المنهج التجريبي في ميدان العلوم الاجتماعية أكثر اتساعا بحيث يعني كافة صور الارتباطات بين المتغيرات، أي يصبح المنهج التجريبي في هذ الميدان ممكنا في حال ما إذا تم ضبط المتغيرات بصفة محكمة، وحينما يكون عام الزمن ضروريا في عملية الاثبات أو البرهان.
فالتجربة هي تحقيق علمي، من خلاله يضبط الباحث متغيرا مستقلا أو أكثر ويلاحظ التغير المصاحب لذلك في المتغير التابع، كما تمنح الحرية للباحث في اختيار مبحوثيه وتوزيعهم على المجموعات التجريبية بشكل عشوائي، وهو ما يسمى بالتجربة الحقيقية.
وفي حال ما إذا افتقر الباحث إلى القدرة على توزيع المبحوثين على مجموعات تجريبية أو افتقر إلى الضبط والتحكم سمي بالبحث الشبه التجريبي، ويقتضي البحث التجريبي شرطينأساسين وهما على النحو التالي: وجود مجموعة تجريبية، يمكن أن يدخل عليها الباحث المتغير المستقل، وقدرة الباحث على توزيع الوحدات على المجموعتين بطريقة عشوائية.
قواعد المنهج التجريبي:
قام جون ستيوارت ميل بابتكار مجموعة من القواعد في اختيار الفروض، والتي تعد بمثابة الأسس التي قامت عليها كل التصميمات التجريبية الحديثة، وتتمثل هذه القواعد في:
قاعدة الاتفاق:
والتي تعني مقارنة أكبر عدد ممكن من الظواهر، فإذا ما تبين للباحث أن الحالات التي يدرسها تحمل صفة (ص) –مثلا الديمقراطية الليبرالية–وكانت جميع هذه الحالات تحتوي على العامل (س) –مثلا سيطرة نسبية للبرجوازية في اطار توازن الطبقات- فإنه يمكن تطبيق مبدأ السببية بمعنى أن تكون (س) هي سبب وجود (ص) دون ان يعني ذلك وجود عوام أخرى.
طريقة الاختلاف:
وهي على عكس الطريقة الأولى فهي تحصر المقارنة بين حالتين متشابهتين في جميع الظروف أو الشروط، ما عدا شرط واحد منها بحيث توجد الظاهرة في إحداها ولا توجد في الأخرى نتيجة غياب هذا الشرط، فيكون هذا الشرط أو الظرف الوحيد هو سبب للظاهرة، أو نتيجة لها.
طريقة التغير في التلازم:
ويقصد بها إذا حدث تغير في أحد هذه العوامل وصحب هذا التغير تغيرا في ظاهرة معينة، دون أن يحدث مثل هذا التغير في ظواهر أخرى لم تتعرض لمثل هذا العامل، كان ذلك يدل على أن هذا العامل سبب في الظاهرة أو نتيجة لها، فالبحث هنا يتناول علاقة سببية بين سبب ونتيجة.
خطوات المنهج التجريبي:
اختيار وتحديد مشكلة البحث، وبلورة هذه المشكلة.
صياغة الفروض.
تحديد المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة.
اختيار مجموعتين متكافئتين في كافة الظروف والشروط.
يختار الباحث نموذج التجربة الذي يقوم باستخدامه في البحث التجريبي، ويمكن التمييز بين نموذجين: نموذج التجربة البعدية، ونموذج التجربة القبلية البعدية.
التصميمات البحثية شبه التجريبية وقبل التجريبية:
يتميز هذا النوع من البحوث بعدم توافر شروط العشوائية في توزيع الوحدات على المجموعتين: تجريبية والضابطة، وعم إمكانية ضبط تأثير المتغيرات الأخرى عدا المتغير المستقل، أما البحوث قبل التجريبية فإنها تتصف بعدم وجود مجموعة ضابطة.
وتعتمد معظم الدراسات السياسية التصميمات شبه التجريبية، ولعل السبب في ذلك راجع إلى عدم قدرة الباحثين في هذا المجال إلى القدرة على التحكم في ضبط المتغيرات محل البحث والدراسة، وهذا عكس التصميمات التجريبية التي تتمتع بالمقدرة في التحكم وعزل المتغيرات.
ومهما يكن، فإن المنهج التجريبي يبقى استعماله محدودا في ميدان الدراسات السياسية، وهو بذلك يفسح المجال للمبحوث غير التجريبية سواء التي تسعى إلى اكتشاف علاقات بين متغيرات ولكنها ليست بالضرورة سببية من مثل البحوث القطاعية، أو التي تسعى إلى اكتشاف علاقات أصلا، ولكنها تسعى إلى رصد ظاهرة أو توقعها أو تقييمها بهدف التعرف على ملامحها ومثاله الدراسات الوصفية وغيرها.