1- من هو مونرو؟: جيمس مونرو James Monroe عضو الكونغرس الأمريكي، ثم وزيرا مفوضا للو.م.أ في كل من فرنسا وبريطانيا، انتخب عام 1816م رئيسا للو.م.أ لأوّل مرة، تسلّم الرئاسة في وقت تألّق فيه نجم الجمهوريين وتقهقر الفيدراليون، الذين اتخذوا عدة مواقف وقرارات لا تستجيب لرغبات وتطلعات الشعب الأمريكي. يوصف عهده بعهد 'الشعور الطيب'.
2- ظهور مبدأ مونرو: ظهر هذا المبدأ خلال فترة رئاسته الثانية للو.م.أ التي بدأت عام 1820م، وقد من خلال الرسالة التي أرسلها "مونرو" إلى الكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م، وبُني هذا المبدأ على أساسين اثنين:
- منع امتداد واستمرار الاستعمار الأوربي، وإنشاء مستعمرات أوربية جديدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
- منع أوربا من التدخل في استقلال شعوب القارة الأمريكية أو تهديدها، مقابل التزام الو.م.أ بعدم التورط في القضايا الأوربية الخاصة بأوربا.
جاء "مبدأ مونرو" جوابا على خطط روسيا التوسعية ( طالبت بمدّ حدودها إلى جنوبي ألاسكا حتى خط عرض 51°، وهذا معناه وصول النفوذ الروسي إلى منطقة "أوريغون"، وهو الأمر الذي عارضته كل من الو.م.أ وبريطانيا لكونه يتناقض مع مصالحهما...)، وقامتا باحتلال أوريغون عام 1818م. أما هدفه الحقيقي فهو تحويل الأمريكيتين إلى منطقة نفوذ للو م أ تحت غطاء: 'أمريكا للأمريكيين'.
يُعدّ هذا المبدأ كذلك بمثابة إعلانا أمريكيا صريحا بعدم التدخل في شؤون العالم القديم، وهو ما أوصى به الرئيس الأول "جورج واشنطن" في خطابه الأخير، إذ حثّ الأمريكيين على ضرورة أن تظل الو.م.أ بعيدة عن الصراع الأوربي حتى تتجنب الدخول في حروب مدمّرة لكيانها وحضارتها. هناك جانب آخر مهم ساعد على تبني "مبدأ مونرو" ويتمثّل في الثورات التي حدثت في أمريكا اللاتينية ضد الاستعمار الاسباني بصفة خاصة، والهادفة إلى الاستقلال عن اسبانيا، وقد تمكنت هذه البلدان بعد ثورات عارمة من الحصول على حريتها عام 1822م، ولم يبق بعد هذا التاريخ للاستعمار الاسباني في العالم الجيد إلا مركزا ضعيفا تمثّل في "بورتوريكو" و"كوبا". وكانت دول الحلف الرباعي في أوربا أو "الحلف المقدّس" وهي: روسيا القيصرية، بروسيا، النمسا وفرنسا البربونية، قد ناصرت ودعّمت اسبانيا ضد هذه الشعوب الطامحة للتحرر، وقررت التدخل بإرسال الجيوش إلى هناك لقمع الثورات الشعبية، فعارض الأمريكيون ذلك وكان "مبدأ مونرو" ردا صريحا ومباشرا على هذا التدخل.
والواقع أنّ العزلة التي مرّت بها الو.م.أ لم تكن عزلة سياسية أو انقطاع تام عن العالم الأوربي وإنما هي عزلة عن اختيار، وفق القرار السياسي المناسب لمصالحها، فالمبدأ هو عبارة عن تفرّغ الو.م.أ للنظر في قضاياها الداخلية أولا ثم التوجّه إلى قضايا الدول الأمريكية، وقد ساعدها ذلك على التوسع باتجاه الغرب والتوغّل السياسي والاقتصادي في القارة الأمريكية. وقد تجسّد ذلك في السياسة الأمريكية من خلال تدخّلها في "قضية تكساس" عندما انفصلت عن المكسيك، و في "المسألة الكوبية" حينما ثارت كوبا ضد اسبانيا عام 1895م، فقد أعلنت الو.م.أ الحرب على اسبانيا عام 1898م، ودامت هذه الحرب حوالي الشهرين والنصف، وكانت نتيجتها الأولى طرد الإسبان من جميع الأراضي الأمريكية في مناطق المحيط الهادي، بعدها قامت الو.م.أ بضم بورتوريكو وجزر هاواي، كما أقامت قاعدة عسكرية في كوبا، وهكذا حلّ نفوذها محل النفوذ الاسباني الذي استعمر البلاد منذ الكشوفات الجغرافية للعالم الجديد. فمبدأ 'مونرو' إستراتيجية سياسية أمريكية للابتعاد عن مشاكل أوربا وصراعاتها الداخلية.
3- موقف الدول الأوربية من السياسة الأمريكية:
دعّمت بريطانيا "مبدأ مونرو" لأنه موجّه ضد فرنسا واسبانيا، وكانت تراقب تطوّرات الموقف في بلدان أمريكا اللاتينية حتى قبل صدور هذا المبدأ، فقد وجّهت إنذارا إلى فرنسا في 9 أكتوبر 1823م تحذّرها من التدخل في شؤون بلدان أمريكا اللاتينية من خلال مساعدة اسبانيا في إجهاض ثورة الشعوب اللاتينية في أمريكا الوسطى والجنوبية.
كما تشير المصادر التاريخية إلى وجود تفاهم ضمني بين الو.م.أ و بريطانيا بشأن هذا المبدأ؛ لأنّه ليس موجها ضد بريطانيا بقدر ما هو موجه ضد مطالب روسيا التوسعية والتدخل الأوربي الرامي لوقف الثورات التحررية، أي ضد الحلف الرباعي المعادي لاستقلال الجمهوريات اللاتينية، وبالتالي فلا خلاف بين الدولتين خاصة وأنّ الو.م.أ كانت تنظر إلى البحرية البريطانية على أنّها بمثابة دعم وحماية لها (غطاء الأسطول البريطاني) ضد أي هجوم بحري تقوم به دول أوربية أخرى ضدها أو ضد الجمهوريات في قارة أمريكا الجنوبية، كما يؤكد هذا الطرح دعم البريطانيين لاستقلال الأرجنتين والمكسيك وكولومبيا وبوليفيا و البيرو والشيلي، كما أنّ بريطانيا لم تدخل في "الحلف المقدس" مع الدول الأربعة. وهذا بهدف الوصول إلى أسواق أمريكا الجنوبية؛ فاستولت لهذا الغرض على جزيرة فوكلاند، كما ساهمت في شقّ قناة بنما إلى جانب الو م أ عام 1850م.
أما دول الحلف الرباعي فقد رفضت مبدأ مونرو، ونشب صراع مرير بين فرنسا والأرجنتين بين عامي 1840 و 1846 حول منطقة لابلاتا. كما تدخّلت فرنسا في شؤون المكسيك بالقوة العسكرية بين عامي 1861-1867 في عهد نابليون الثالث.
4- انعكاسات مبدأ مونرو:
- أفادت سياسة العزلة الو.م.أ كثيرا على المستوى الداخلي، وسمح لها هذا المبدأ بالتدخل في شؤون الجمهوريات اللاتينية في أمريكا الوسطى والجنوبية وفي جزر الكراييبي، فطبّقت أمريكا على هذه الدول نظام الوصاية والحماية، وفي أحيان أخرى جعلت نفسها وسيطا لحل النزاعات القائمة بينها. فالملاحظ إذن أنّ الو.م.أ قد استغلّت "مبدأ مونرو" لبسط نفوذها في القارة الأمريكية، وذلك برفعها لشعار "أمريكا للأمريكيين".
- على الصعيد الاقتصادي، غمرت الو.م.أ بمصنوعاتها ومنتجاتها أسواق أمريكا اللاتينية وقامت بحركة تجارية واسعة في هذه المناطق، كما تنافست الشركات التجارية والمصرفية الأمريكية في توظيف واستثمار رؤوس أموالها في مشروعات اقتصادية ضخمة هناك.
- تولّدت في بلدان أمريكا اللاتينية موجة من السخط والاستياء تجاه سياسة الو.م.أ، وكرد فعل على هذا التدخل قامت حركة مناهضة لها، ومقاومة "للاستعمار الجديد" الذي قامت به الو.م.أ في هذه القارة، ومع مرور الوقت ساد نوع من البغض الشديد للولايات المتحدة في أوساط شعوب أمريكا الوسطى والجنوبية.
5- جامعة الدول الأمريكية:
تطبيقا للقواعد التي ارتكز عليها "مبدأ مونرو"، ارتأت الو.م.أ أن تعمل على إيجاد نوع من الترابط والصلات الرسمية بين دول القارة الأمريكية ذات الإقليم الواحد والمقومات المشتركة، ويكون ذلك في شكل هيئة أو منظمة أو جامعة واحدة؛ مما يساعد على تثبيت دعائم أأأ نفوذها السياسي والاقتصادي باعتبارها الدولة الأقوى والأكبر بين دول القارة، ومن هنا لابد أن تكون السيادة العليا لها.
بدأ تفكير الو.م.أ في إنشاء "جامعة الدول الأمريكية" منذ عام 1881م، وأخرجت الفكرة إلى حيز التنفيذ عام 1889م عندما دعت الدول الأمريكية إلى "مؤتمر واشنطن" لدراسة إنشاء نوع من الاتحاد الجمركي والنقدي، والعمل في الوقت ذاته على مدّ خط للسكة الحديدية يربط المكسيك بالأرجنتين كوسيلة للمواصلات السريعة. بعدها تم إنشاء "الاتحاد الأمريكي" الذي ضم عشرين دولة لكنّه بقي اتحادا شكليا أكثر منه عملي وتنفيذي، وهذا نظرا لعدم وجود مقومات التكافؤ الاقتصادي والسياسي وكذلك بسبب وجود خلافات حادة بين هذه الدول، رغم إقرار مبدأ الحل السلمي للمنازعات التي تحدث بينها.
استبدل اسم "الاتحاد" باسم جديد هو "جامعة الدول الأمريكية" وكان ذلك في عام 1948م، بعد اجتماع عقدفي"بوقوتا" عاصمة "كولومبيا" ووضع لها دستورا جديدا، وكان هذا تحت تأثير سياسة الرئيس الأمريكي "فرانكلن روزفلت" الذي عمل على إقامة نوع من العلاقات الودية القائمة على الاحترام المتبادل والندية بين جميع هذه الدول، وقد نُظّمت أجهزة هذه الجامعة على شاكلة أجهزة منظمة الأمم المتحدة، ومع ذلك ظلت هذه الجامعة مجرد منظمة إقليمية أمريكية لا تسود بين أعضائها الثقة والمحبة الصادقة وهذا لسببين جوهريين:
1- انشغال الو.م.أ بالمسائل الاستعمارية العالمية والصراعات الأوربية وتخليها عن "مبدأ العزلة" تدريجيا، وتجسّد ذلك من خلال مشاركتها في الحربين العالميتين الأولى ثم الثانية.
2- تغلغل المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي–آنذاك- في بعض دول أمريكا اللاتينية، والتي أصبحت تنتهج سياسة مناهضة للسياسة الأمريكية.
6- مظاهر كسر العزلة الأمريكية:
كانت الدوافع الاقتصادية والسياسية العامل الرئيسي في تخلي الولايات المتحدة عن عزلتها والعمل بـ"مبدأ مونرو"، وقد تجلى ذلك من خلا ل عدة مواقف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- في أواخر عهد الرئيس "وليام ماكينلي"، بدأت الو.م.أ تحاول كسر عزلتها بشكل تدريجي خاصة بعدما انتهت مرحلة البناء الداخلي والامتداد نحو الغرب من جهة، ومد النفوذ في أمريكا الوسطى والجنوبية من جهة أخرى.
- أعلنت الحكومة الأمريكية بأنه على الدول الأوربية وغيرها أن لا تفرض أي ضرائب جديدة على الصينيين، وقد جاء هذا الطلب في السادس من شهر سبتمبر عام 1899م، عندما أرسل وزير خارجية أمريكا "جون هاي john hay" رسالة إلى الدول التي استحوذت على مناطق نفوذ لها في الصين يطالبها فيها بالاعتراف بمبدأ حرية التبادل التجاري في تلك المناطق دون قيود، ويدخل هذا في سياق سياسة جديدة للو.م.أ ووفـق مبـدأ دبلوماسي جديـد للو.م.أ سُمّي "سياسة الباب المفتوح open door policy".
- تدخّلت الو.م.أ كوسيط في الصراع بين روسيا القيصرية واليابان عام 1905م في عهد الرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت" وتم عقد الصلح بين الدولتين على الأراضي الأمريكية وتحت رعايتها.
- توسَّعَ مفهوم كسر مبدأ العزلة الأمريكية في عهد الرئيس "وودرو ولسن woodrow Wilson" منذ عام 1913م، ثم انكسر تماما بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى.