1. شرط الأهلية
تتوقف صحة العقد على توافر شرطين أولهما أن يكون لكلا الطرفين أهلية إبرام العقد الذي تم التراضي بشأنه، و الشرط الثاني أن تكون ارادتيهما خاليتين من العيوب، لذلك سوف نقوم بتقسيم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في كل منهما شرطا من شروط صحة العقد.
الفرع الأول: أهلية التعاقد
يفرق الفقهاء عادة بين أهلية الوجوب و أهلية الآداء، فالأولى تعني صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات و هذا النوع يثبت للإنسان منذ أن يرى نور الحياة، بل حتى الجنين في بطن أمه بشرط أن يولد حيا فأهلية الوجوب لا ترتبط بقدرة الانسان على التمييز أو عدم التمييز، فكما تثبت للعاقل تثبت للمجنون و كما تثبت للكبير تثبت للصغير، اما أهلية الآداء فتعني قدرة الشخص على التصرف في أمواله أي صلاحيته لإبرام تصرفات قانونية، و هذه الأهلية لا تثبت لكل الأشخاص كما هو الشأن بالنسبة للنوع الأول (أهلية الوجوب)، و إنما تثبت لمن عنده القدرة على إبرام التصرفات القانونية له و لغيره، و من ثمة فإن أهلية الاداء ترتبط ارتباطا بقدرة الانسان على التمييز، هذه القدرة تختلف من إنسان إلى آخر، و يرجع ذلك إما لصغر السن و إما لتأثرها بعوارض الأهلية، كالجنون و العته و السفه و الغفلة.
و تمر أهلية الإنسان بثلاث مراحل، و هي:
أولا: مرحلة عدم التمييز:
تبدأ هذه المرحلة من تاريخ ولادة الإنسان إلى غتية بلوغه سن الثالثة عشرة( 13) سنة كاملة و هذا حسب ما تقضي به المادة 42 ق.م.ج، و خلال هذه المرحلة العمرية تكون كل تصرفات الشخص باطلة بطلانا مطلقا، لأن المشرع وضع قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس مفادها ان الإنسان قبل بلوغه سن الثالثة عشرة سنة تعتبر إرادته منعدمة و لا يمكن لعقله أن يميز الصحيح من الخطأ و النافع من الضار.
ثانيا:مرحلة التمييز:
و التي تببدأ من بلوغ الشخص سن الثالثة عشرة سنة كاملة إلى غاية بلوغه سن الرشد المقدرة في المادة 40 ق.م.ج ب تسعة عشرة (19) سنة كاملة، في هذه المرحلة يسمى الشخص مميزا أو ناقص الأهلية فيسمح له القانون بإبرام التصرفات القانونية، و لكن في حدود معينة مع إحاطته بحماية خاصة تتناسب و النقص الذهني الذي يعتريه مقارنة بالشخص كامل الأهلية.
و في هذه المرحلة يميز الفقهاء بين ثلاث صور للتصرفات القانونية، هي:
- التصرفات النافعة نفعا محضا: هذه التصرفات تعتبر صحيحة و لا غبار عليها، لأنها تكسب الشخص حقوقا و لا تحمله التزامات و مثال ذلك أن يبرم عقد هبة و يكون في مركز الموهوب له.
- التصرفات الضارة ضررا محضا: تعتبر هذه التصرفات باطلة بطلانا مطلقا لما فيها من آثار سلبية على الذمة المالية للشخص الذي يتحمل التزامات دون أن يتلقى حقوقا.
- التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر: و تتمثل في قيام الشخص بإبرام عقود معاوضة لا يمكن معها معرفة ما إذا كان القاصر سيستفيد ماليا من إبرامها أم أنه سيتضرر، فحكم هذه التصرفات هو القابلية للإبطال فهي صحيحة من حيث المبدأ لكن إذا تمسك الولي أو الوصي بإبطالها فإنها تبطل و يعاد الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، كما يمكن للقاصر الذي لأبرم هذه التصرفات أن يتمسك بإبطالها بعد بلوغه سن الرشد.
ثالثا:مرحلة اكتمال الأهلية:
و تبدأ من تاريخ بلوغ الشخص سن 19 سنة كاملة ( المادة 40 ق.م.ج) مع عدم إصابته بعارض من عوارض الأهلية التي تعدم الإرادة( الجنون و العته) أو التي تنقص الإرادة ( السفه و الغفلة)، ففي هذه المرحلة تكون كل تصرفات الشخص صحيحة سواء الضارة منها أو النافعة أو الدائرة بين النفع و الضرر و بالتالي تكون نافذة و مرتبة لآثارها دون أي تهديد بإبطالها.