3. المغرب الأوسط:

3.4. ارتباط اطار المجال بحدود سيطرة السلطة السياسية:

حيث ارتبطت كذلك جغرافية مجال المغرب الأوسط وحدود اطاره بسلطة النفوذ السياسي للدولة صاحبة الاقليم، بحيث تتسع حدود مجالها حين تفرض سيطرتها على مجالات ومضارب القبائل، وتتقلص إذا فقدت سيطرتها عليها أو حتى على المجالات التي كانت خاضعة لها إذا تعرضت إلى أي اعتداء خارجي أو داخلي من طرف القبائل المنضوية تحت جناحها.

        لقد تغيرت حدود مجال المغرب الأوسط تبعا لهذا المعطى مرارا وتكرارا على امتداد تاريخه في الحقبة الوسيطة، حيث ارتسمت صورته على شاكلة خلال العهد الرستمي(160-296هـ/777-909م) وكانت تتباين عن ما هي عليه في الفترة التي تليها في العهد الفاطمي، وتحدّدت معالمه بشكل أقرب إلى صورته الحالية خلال العهد الحمادي(406-419ه/ 1016-1029م) ، ليندمج مجاله مع جيرانه الأدنى والأقصى في الفترة الموحدية، ثم يبرز بوجه يختلف قليلا عن الفترة الحمادية في العهد الزياني، بل إن صورته في هذا العهد الأخير لم تستقر على ملمح واحد وإنما كانت تتباين من حيث التمدد والتقلص تبعا لقوة السلطة الزيانية وقدرتها على التحكم في ادارة شؤون مجالها وفرض سيطرتها على القبائل المنضوية تحت سقفه سواء من الناحية الشرقية أو الغربية ضد الحفصيين والمرينيين والقبائل المغرب أوسطية التي مدّت يد العون للخصوم طلبا للمصلحة، خصوصا ما تعلق بمجالات الجهة الشرقية كبجاية وقسنطينة وبونة التي كانت السلطة الزياني خلال فترات تمدّ نفوذها إليها وفي أغلبها تنكمش يدها عنها، بل كانت أيادي الخصوم تمتد أحيانا لتصل إلى قلب الدولة العاصمة تلمسان فتسيطر عليها دون صاحبة الإقليم لفترة من الزمن من طرف القوة المرينية بالقسم الغربي من الدولة على غرار الحصار الطويل الذي تعرضت له الدولة الزيانية بين سنتي 698 و706 للهجرة، أو الذي تعرضت له سنة 735 للهجرة، أو السلطة الحفصية بالجهة الشرقية التي نازعتها سلطة المجال الكتامي والزواوي وحتى الصنهاجي في بعض أجزائه.

وعليه، فحدود المغرب الأوسط الزياني التي استمرت عليها الدولة الزيانية في أغلب الأحيان طيلة وجودها هي: من الشرق وبناءً على رؤية التنسي (ت899ه/1494م) تكون عند جبل الزان (أكفادو)، أو عند الوادي الكبير (الصومام) حسبما أشار إليه ابن خلدون والوزان الفاسي ولو أنّ صاحب "زهر البستان" قلّص من حدوده بهذه الجهة إلى مدينة الجزائر. في حين بلغت حدوده من الغرب إلى وادي ملوية ووادي "صا"، وإلى فجيج المقابلة لبني ونيف ببشار في الجنوب الغربي، وأحيانا إلى بلاد تاوريرت غربي مدينة وجدة بحوالي 136 كلم، أو بشكل عام هو بين تلمسان ووجدة. أمّا الحدود الجنوبية، فامتدت إلى نواحي وارجلان وغرداية وتوات أو صحراء نوميدية الفاصلة بين المغرب الشمالي وبلاد السودان في الجنوب كما اصطلح عليه الوزان الفاسي. في الوقت الذي يعدّ ساحل البحر المتوسط من مصب ملوية وهنين ومصب وادي بجاية حدوده الشمالية.