الحقل المفاهيمي للمادة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الحركة الفكرية
Livre: الحقل المفاهيمي للمادة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 23 July 2024, 05:38

Description

 

1. المقدمة

:مقدمة

تتناول هذه المحاضرة بشكل مركز عنصرين أساسيين ضمن الحقل المفاهيمي لهذه المادة الموسومة بالحركة الفكرية بالمغرب الأوسط خلال العصر الوسيط: وهما: الفكر، والمغرب الأوسط.   

2. الفكر: مفاهيم ودلالات:

,

2.1. الفكر في اللغة:

        من بين أبرز ما سيق بشأن دلالة مصطلح الفكر في القواميس والمعاجم اللغوية، ما نسوقه فيما يأتي تبعا من نقاط:

الفكر: من الفعل فَكَرَ، يقال فكر في الأمر فكرا؛ أي أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول.

يقال كذلك: أَفكَرَ في الأمر: فَكَرَ فيه؛ فهو مُفْكِر. وافتَكَر في الأمر: أعمل عقله فيه.

وفَكَّر في الأمر: مبالغة في فَكَرَ. وهو أشيع في الاستعمال من فَكَر. وهو من أعمل عقله لحل مشكلة والتوصل إلى حلّ لها.

والتفكير: هو إعمال العقل في مشكلة لإيجاد حل مناسب لها.

والفِكْرُ: هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول.

2.2. الفكر في الدلالة الاصطلاحية:

من أبرز الدلالات التي انطوى عليها مصطلح الفكر:

- الفكر: هو عملية عقلية يهتدي بها الانسان إلى الحقائق المبهمة والأمور الغامضة والمجهولة.

- هو كل منتوج انساني ينتجه التدبر العقلي والجهد الذهني.

- الفكر هو جزء من المنتوج الحضاري والحراك العلمي والنهضة الثقافية.

- الفكر يشمل المؤسسات المنتجة للمعرفة بكل أنواعها وتمظهراتها، كما يشمل أدوات المعرفة وأسسها كالكتاب والسنة من علوم النقل، وغيرها من علوم العقل. كما تشمل أيضا المنتج للمعرفة ونقصد بهم العلماء والفقهاء وطلبة العلم والمجتهدون فيه.

- المنتوج الفكري يشمل قسمين من مجالات البحث والتفكير أو إعمال العقل وهما: العلوم العقلية والنقلية.

3. المغرب الأوسط:

خريطة المغرب الاوسط

لم ترتسم حدود مجال المغرب الأوسط في عصره الوسيط على صورة ثابتة، وإنما احتكمت خارطته إلى تغيرات طارئة فرضت نفسها في تحديد اطاره ورسم حدود جغرافيته، ذلك أنّ حدوده كانت تنكمش حينا عن صورته في العصر الحالي وتتمدّد في أطوار أخرى إلى أبعد من ذلك. ولعل من أبرز ما تحكّم في تحديد مجال المغرب الأوسط ولاعب دورا محوريا في رسم حدوده هو:

3.1. جغرافية القبيلة القاطنة بمجاله:

يحتل المجال الذي تفترشه القبائل القاطنة في بلاد المغرب الأوسط مكانة محورية في تحديد الاطار العام لحدوده، إذ يسهم حراكها وتنقلها ونشاطها في الاقليم دوره في تقلص المجال أو اتساعه، وذلك بشكل مركز من خلال طبيعة علاقتها بالسلطة الحاكمة للاقليم، فإذا كانت تابعة للسلطة ومنخرطة في جسم السياسة العامة للدولة الحاكمة وتمتثل لسياستها وتلتزم بنظامها، تترسّم حدودها بمجالاتها التي تفترشها، لكن إن نازعت السلطة ملكها، وأعلنت انفصالها عن جسمها واستأثرت بحكم مجالها دونها، تكون قد قلّصت من حدود المجال السياسي للدولة الحاكمة وانكماشه بعزل مجالها الجغرافي عن نفوذ الدولة. ولا يخفى علينا بأنّ القبيلة الزناتية (التي من بطونها: جراوة ومغراوة وبني يفرن)  تمثل أبرز القبائل تفترش مساحة عريضة من مجال المغرب الأوسط وتسيطر على فضاء واسع من جغرافيته خصوصا بالناحية الغربية من جسم مجاله وبالجنوب كالأوراس وبلاد الزاب ووارجلان إلى غاية تلمسان. أما بالقسم الشرقي منه فتنتشر قبائل: صنهاجة وكتامة وزواوة وعجيسة وجراوة ونحوها.

        في هذا الصدد تفيدنا الأبحاث التي جادت بها علينا أقلام الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي والجغرافي للمجال المغرب أوسطي، بأن اطلاق مصطلح المغرب الأوسط كمجال مستقل عن المغربين الأدنى والأقصى هو وليد القرن الخامس الهجري (11م) من طرف نص الجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكري المتوفى سنة 487ه /1094م.

                ومن الأهمية بمكان التركيز في هذا المضمار على رصد الحراك الذي اصطبغت به طبائع القبائل القاطنة للمجال المغرب أوسطي وتنقلاتها المستمرة على بساطه، لتحدد ملامح التغير الطارئ على حدود المغرب الأوسط وإطاره الجغرافي، حيث أسهم ذلك الحراك المستديم والتقلبات التي رسمت علاقة القبيلة بالسلطة في رسم صورة متذبذبة لحدود مجال المغرب الأوسط والإفصاح عن إطاره. ولا بأس من الاشارة إلى أنّ من أبرز أسباب ذلك الحراك والتنقل القبلي هو البحث عن الكلأ والمراعي، أو فشلها في تأمينها مجالها أمام الخصوم إذا غاب دور السلطة في الاضطلاع بذلك شأن الانتقال الزناتي والانحصار نحو الجنوب حين عجزت السلطة الحمادية عن مدافعة القبائل الهلالية التي اقتحمت مجال المغرب الأوسط وضيقت على ساكنته، وعجزت أيضا القبائل الزناتية المنتشرة بمجالات الزاب والمسيلة عن المدافعة والاحتفاظ بمجالها وانحصرت قسرا نحو الجنوب. حيث ساهم انتشار القبائل الهلالية بمجالات المغرب الأوسط في تغيير -إلى حدّ ما- خارطة التوزيع القبلي بهذا الإقليم؛ إذ بالإضافة إلى تأثير ذلك الانتشار على حدود مجال السلطة الحاكمة تقلّصا أو تمدّدا، أثّرت بشكل ملحوظ في نمط التوزيع القبلي على جغرافية هذا الإقليم، حين عمرت بطونها بعض مناطق المغرب الأوسط بعدما أفرغتها من النسيج السكاني القبلي الذي كان يستوطنها؛ إي استبدال العنصر القبلي المستقر في تلك المناطق.

كما كانت تتحرك حين تتلقى ضربات موجعة من طرف السلطة السياسة التي تفرض سلطانها على الاقليم في حال جابتها هذه القبائل أو أعلنت انفصالها عنها وأبدت معارضتها لسياسية ورامت الانفصال والاستئثار بحكم المجال والانفراد بإدارة شؤونه دونها. ومن أوجه ذلك الحراك القبلي لوجه هذا السبب: القبائل التي نزحت عن مواطنها ومضاربها إبان حركة الفتح الاسلامي، والقبائل التي تحركت بسبب السلطة الفاطمية سواء سنة 297ه/909م بعد سقوط مدينة تاهرت الرستمية في يد دولة الفواطم الشيعية بقيادة أبي عبد الله الشيعي(ت298ه/910م) ممهد الأمور لعبيد الله المهدي، والتي فرتّ أمام جيوشه قاصدة وارجلان ثم مدينة سدراتة على بعد حوالي 14 كلم جنوب وارجلان، أو خلال الحملات التي شنّتها الجيوش الفاطمية ضد القبائل الزناتية التي أثارت الفتن والقلاقل في تاهرت وما جاورها ورغبت في الاستئثار بالإقليم دون الفاطميين سواء سنة 305ه أو غيرها من المعارك التي خاضتها جيوش الفاطميين ضدّها على امتداد فترة الحكم الفاطمي لمجال المغرب الأوسط ومن ورائها أحيانا قادة دولة بني أمية بالأندلس الذين كانت بعض القبائل المغربية الزناتية تمد لهم يد العون وتتحالف معهم ضد الفواطم. وكذا في ظل النشاط الحربي الذي خاضه بنو زيري بعد استئثارهم بحكم المغربين الأوسط والأدنى خلفا للفاطميين بعد انتقالهم إلى مصر سنة 362 للهجرة، حيث تمكنت السلطة الزيرية في عهد بلكين بن زيري (ت373هـ/984م) من إجلاء جموع زناتية من المغرب الأوسط إلى ما وراء نهر ملوية بالمغرب الأقصى سنة 361ه/971م في حملته للضرب على يد الانتزاء.

        كما أنّ من بين أسباب ذلك الحراك هو صراع القبائل فيما بينها، فيكون لذلك التغير في المجال الذي تستوطنه أثره العميق في ضبط الحدود والتعبير عن الاطار العام للإقليم. حيث تطالعنا الرواية الخلدونية في هذا الصدد بأن بطون زناتة تداولت سلطة السيادة على إقليم المغرب الأوسط ضمن المجالات التي انفردت بحكمها تنازع السلطة المركزية في ذلك، وذلك على كاهل سلطان القوة إذ بعدما كانت السلطة على الاقليم المغرب أوسطي بنسبة كبيرة في يد مغراوة وبني يفرن ومديونة ومغيلة وكومية ومطغرة ومطمامة، أصبحت لبني يلومي وبني ومانو، ثم صار الأمر لبني عبد الواد وتوجين من بني مادين في العهد الزياني.

3.2. التنوع العرقي:

ساهم التنوع العرقي القبلي الذي افترش البساط المغرب أوسطي في رسم ملامح الحدود الاقليمية للمجال، فالمغرب الأوسط تفترش مجال القبائل البربرية وهي النسبة الساحقة أو الأغلبية المسيطرة باعتبارها الأصل وصاحبة الاقليم، بالإضافة إلى العرب خاصة العرب الهلالية التي انتشرت في المجال المغربي مع منتصف القرن الخامس الهجري (11م)، والتي كما ذكرنا لعبت دورها المحوري في إعادة تشكيل خارطة التوزيع الجغرافي للقبيلة المغربية. بالإضافة إلى أجناس أخرى بنسب ضئيلة لم يكن لها تأثير بارز في إعادة تشكيل الخارطة الجغرافية أو الحراك القبلي.

3.3. ارتباطه بالحواضر والعواصم السياسية:

بالاعتماد على النص الجغرافي تتحدد لنا ملامح من حدود الاطار الجغرافي للمغرب الأوسط والتي تتباين من مرحلة لأخرى، فحسب الجغرافي الأصطخري الذي توفي خلال القرن 04هـ/10م تكون مدينة تاهرت معلم أساس؛ فهو يقسم بلاد الغرب الاسلامي إلى قسمين شرقي وغربي، الشرقي: هو "برقة وافريقية وتاهرت وطنجة... وأمّا الغربي فهو الأندلس". وعلى ذات النسق فصّل المقدسي (ت387هـ/997م) في جغرافية بلاد المغرب الأوسط الذي تكون تيهرت حسبه ممثّلة للمغرب الأوسط، على اعتبار أنّه ذكر أقاليم المغرب الكبرى بداية ببرقة ثم افريقية ثم تاهرت ثم سجلماسة ثم فاس فالسوس الأقصى.

تشير الدراسة التاريخية إلى أنّ رواية الإدريسي (ت 548هـ/1154م)، ربما تعد أكثر دقة، حيث اعتمد المعيار السياسي هو الآخر كأساس لتحديد الاطار الجغرافي للمغرب الأوسط، لكنه فصل بين المغارب الثلاثة: الأدنى (افريقية) والأقصى والأوسط، وتتضح ملامح حدود كل إقليم عن غيره في عصره بشكل أكثر وضوحا. فهو يذكر أنّ مدينة بجاية في وقته هي قاعدة المغرب الأوسط، وأنّ حدود المغرب الأوسط من جهة الغرب هي مدينة تلمسان قفل بلاد المغرب. أمّا حدّه من الشرق، فيذكر الجغرافي ابن سعيد المغربي (ت685ه/1287م) أنّه يمتد إلى ما وراء مدينة عنابة (بونة).

أما ابن خلدون (ت808هـ/1405م) فيذكر أن المغرب الأوسط كان في الأغلب ديار زناتة حيث "كان لمغراوة وبني يفرن... ثمّ صار من بعدهم لبني ومانو وبني يلومي"، أمّا في عصره فصار "لبني عبد الواد وتوجين من بني مادين وقاعدته لهذا العهد تلمسان".

3.4. ارتباط اطار المجال بحدود سيطرة السلطة السياسية:

حيث ارتبطت كذلك جغرافية مجال المغرب الأوسط وحدود اطاره بسلطة النفوذ السياسي للدولة صاحبة الاقليم، بحيث تتسع حدود مجالها حين تفرض سيطرتها على مجالات ومضارب القبائل، وتتقلص إذا فقدت سيطرتها عليها أو حتى على المجالات التي كانت خاضعة لها إذا تعرضت إلى أي اعتداء خارجي أو داخلي من طرف القبائل المنضوية تحت جناحها.

        لقد تغيرت حدود مجال المغرب الأوسط تبعا لهذا المعطى مرارا وتكرارا على امتداد تاريخه في الحقبة الوسيطة، حيث ارتسمت صورته على شاكلة خلال العهد الرستمي(160-296هـ/777-909م) وكانت تتباين عن ما هي عليه في الفترة التي تليها في العهد الفاطمي، وتحدّدت معالمه بشكل أقرب إلى صورته الحالية خلال العهد الحمادي(406-419ه/ 1016-1029م) ، ليندمج مجاله مع جيرانه الأدنى والأقصى في الفترة الموحدية، ثم يبرز بوجه يختلف قليلا عن الفترة الحمادية في العهد الزياني، بل إن صورته في هذا العهد الأخير لم تستقر على ملمح واحد وإنما كانت تتباين من حيث التمدد والتقلص تبعا لقوة السلطة الزيانية وقدرتها على التحكم في ادارة شؤون مجالها وفرض سيطرتها على القبائل المنضوية تحت سقفه سواء من الناحية الشرقية أو الغربية ضد الحفصيين والمرينيين والقبائل المغرب أوسطية التي مدّت يد العون للخصوم طلبا للمصلحة، خصوصا ما تعلق بمجالات الجهة الشرقية كبجاية وقسنطينة وبونة التي كانت السلطة الزياني خلال فترات تمدّ نفوذها إليها وفي أغلبها تنكمش يدها عنها، بل كانت أيادي الخصوم تمتد أحيانا لتصل إلى قلب الدولة العاصمة تلمسان فتسيطر عليها دون صاحبة الإقليم لفترة من الزمن من طرف القوة المرينية بالقسم الغربي من الدولة على غرار الحصار الطويل الذي تعرضت له الدولة الزيانية بين سنتي 698 و706 للهجرة، أو الذي تعرضت له سنة 735 للهجرة، أو السلطة الحفصية بالجهة الشرقية التي نازعتها سلطة المجال الكتامي والزواوي وحتى الصنهاجي في بعض أجزائه.

وعليه، فحدود المغرب الأوسط الزياني التي استمرت عليها الدولة الزيانية في أغلب الأحيان طيلة وجودها هي: من الشرق وبناءً على رؤية التنسي (ت899ه/1494م) تكون عند جبل الزان (أكفادو)، أو عند الوادي الكبير (الصومام) حسبما أشار إليه ابن خلدون والوزان الفاسي ولو أنّ صاحب "زهر البستان" قلّص من حدوده بهذه الجهة إلى مدينة الجزائر. في حين بلغت حدوده من الغرب إلى وادي ملوية ووادي "صا"، وإلى فجيج المقابلة لبني ونيف ببشار في الجنوب الغربي، وأحيانا إلى بلاد تاوريرت غربي مدينة وجدة بحوالي 136 كلم، أو بشكل عام هو بين تلمسان ووجدة. أمّا الحدود الجنوبية، فامتدت إلى نواحي وارجلان وغرداية وتوات أو صحراء نوميدية الفاصلة بين المغرب الشمالي وبلاد السودان في الجنوب كما اصطلح عليه الوزان الفاسي. في الوقت الذي يعدّ ساحل البحر المتوسط من مصب ملوية وهنين ومصب وادي بجاية حدوده الشمالية.