2. نشأة وتطور الأرطفونيا

   لقد ظهرت البوادر الأولية للتكفل بالاضطرابات اللغوية في الميدان الصحي، وحسب التتبع التاريخي نجد أن مصطلح الأرطفونيا ظهر على يد الكتور "كلومبا" (1797-1851)، ففي سنة 1829 قام بفتح معهد للأرطفونيا بباريس، كان الهدف منه التكفل بحالات التأتأة أو ما يسمى بعيوب الكلام، وفي نفس الوقت وفي بلجيكا تحديداً كان الباحث "  Malbouche " يجرب تقنية للتكفل بالتأتأة للعالمة "ليث  Leigh " من نيويورك، وبعدها توالت الاضطرابات اللغوية التي ظهرت في مختلف المستشفيات، مما استوجب على الأطباء والباحثين البحث حول طرق علاجها والتكفل بها.

إلا أن الظهور الحقيقي لهذا العلم كان نهاية القرن 19 وبالضبط عند نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تطورت بكثرة الأبحاث الطبية حول اللغة وأساسها العصبي وبصورة خاصة مع أبحاث الطبيب الفرنسي "بول بوركا" الذي توصل إلى تحديد منطقة الأداء الحركي ذلك التلفيف الثالث من الفص الجبهي في نصف الكرة المخي الأيسر وكذا الباحث " ورنيكي " الذي بين أن منطقة الاحساس أو الفهم اللغوي في التلفيف الثاني من الفص الصدفي لنصف الكرة المخي الأيسر.

وتوالت الاهتمامات بالأرطفونيا على مجموعة من الباحثين في فرنسا بالخصوص على يد الباحث "بورال ميروني" وهي مختصة في النحو واللغة الفرنسية، وهذا من خلال عملها مع الطبيب المختص بجراحة الأنف والأذن والحنجرة، من خلال تكفلها بحالات الشقوق الشفهية الحنكية بعد اجراء العملية الجراحية، حيث كانت تقوم بملاحظة السلوك اللغوي والصوتي لهذه الحالات ومحاولة تصحيحه واكسابهم اللغة بطريقة سليمة بعدها وسعت مجال اهتمامها وملاحظاتها ليشمل الأطفال الذين يعانون اضطرابات النطق التأتأة اللغة وكذا التواصل.

حيث كانت العنايات الأولى بها عن طريق تكوين فريق بحث بفرنسا سنة 1955 بكلية الطب ليتم اعتمادها رسميا سنة 1964، ويتحصل الطلبة فيها على شهادة الكفاءة الأرطفونية، وذلك بعد أربع سنوات من التكوين كتخصص شبه طبي، ليتم بعدها انشاء الفدرالية الوطنية للمختصين الأرطفونيين والتي صدرت مجلة عنها باسم "التكفل الأرطفوني "سنة 1962.

وفي سنة 1901 وبعم من الطبيب " دو بواس ليدنفيلد" تم تأسيس جمعية المعالجين للغة والتواصل، بعدها تم تأسيس الاتحاد الوطني لتطوير البحث في الأرطفونيا والتي يصدر عنها مجلة   Glossa  سنة 1986.

أما بسويسرا فقد كانت أولى التكوينات في الأرطفونيا – اللوغوبيديا سنة 1960 وذلك بجامعتي، Neuchatel , Genéve .

ففي سنة 1963 وبفضل الطبيب  " Terrier المختص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، تم اعتماد تكوين في جامعة نيو شاتل بكلية الأداب وفي ذلك الوقت يمنح التكوين شهادة الدراسات العليا في الأرطفونيا، بعدها في سنة 2009، أصبحت الجامعة تمنح ديبلوم في الأرطفونيا – اللوغوبيديا-وذلك بعد أربع سنوات من التكوين حاليا تمتد فترة التكوين خمسة سنوات ليتحصل بعدها الطلبة على شهادة الماجستير في اللوغوبيديا بعد حصولهم على بكالوريوس في الأداب والعلوم الانسانية.

أما في جنيف فقد بدأ التكوين في اللوغوبيديا سنة 1964، في معهد علوم التربية الذي أصبح في سنة 1975 كلية علم النفس وعلم التربية، حتى سنة 2006 حيث تقوم جامعة جنيف بمنح ديبلوم مابعد 5 سنوات من التكوين حاليا يمكن الحصول على ماجستير في اللوغوبيديا وذلك بعد الحصول على بكالوريوس في علم النفس.

أما في لوكسمبورغ فقد تم الاعتماد على مهنة المختص الأرطفوني في القانون 18 نوفمبر 1976

وأول حق الممارسة كان سنة 1i972 مع انعدام التكوين فيها، بحيث يتكون الطلبة في بلجيكا أو ما فرنسا.

أما بالنسبة إلى بلجيكا فيرجع الفضل إلى (Maria Mussafia ) 1985-1899 لظهور الأرطفونيا حيث وبعد اصابتها باضطرابات في الصوت كان عليها الاتصال بالطبيب المختص في الصوت Emill Froschel لتصبح بعدها تلميذة لديه، تهتم بالتكفل بالحالات التي تعاني من اضطرابات الصوت والكلام واللغة، حيث نظمت سنة 1951 أول تكوين حول اللوغوبيديا وفي سنة 1953 عيادة طب للأنف والأذن والحنجرة  للطبيب  Destree جناح لإعادة التربية للاضطرابات اللغوية.

وبقيت الأبحاث والمساهمات المختلفة من طرف الباحثين إلى غاية سنة 1963 حيث تخرجت أول دفعة بشهادة دراسة في الأرطفونيا، وفي سنة 1964 صدر قانون 11 جويلية ليعطي للأرطفونيا وضعها القانوني فأصبح بالإمكان تحضير شهادة دولة في الكفاءة الأرطفونية.

كما نلاحظ أن الأرطفونيا في الول الأوروبية تابعة للقطاع الصحي ساء الطبي أو شبه طبي متأثرا بمؤسسة والأبحاث الأولى التي أجريت حيث معظم الباحثين في الأرطفونيا لسانيون أو أطباء، ونظرا للانتشار الكبير لاضطرابات اللغة والوقاية منها أصبح ضروريا خاصة وأن التكفل بالمصابين يصبح صعبا وطويل المدى في حالة عدم التشخيص المبكر والدقيق.

كما بدأت الأرطوفونيا في الجزائر منذ سنة 1973، وبقيت تابعة لعلم النفس فهي لم تعرف إستقلاليتها، والبرنامج كان فيه الكثير من النقائص خاصة فيما يتعلق بالوسائل والتربصات، لأن الأرطفونيا تنفرد في تقنياتها والاختبارات التي تطبقها ولم يكن تكوين المختصين الأرطفونيين كاملا بالرغم من الجهود التي تبذل للوصول إلى ذلك إلا بواسط الدكتورة "زلال نصيرة" التي يعود لها الفضل الكبير في إعطاء فرصة البروز في التكوين والدفاع عن الأرطفونيا لتدرس بالجامعات الجزائرية 1979-1980 منذ هذه الفترة بدأت الأرطفونيا تأخذ مكانتها وتخرجت عدة دفعات ليسانس على يدها وفي سنة 1987، فتحت دراسات ما بعد التدرج، وقيامها بعدة مؤتمرات علمية دولية بالاضافة إلى المراجع والمقالات التي نشرت من طرف الباحثة، كما شرع في أول مشروع بحث في الأرطفونيا في معهد علم النفس جامعة الجزائر، الذي ساعد في ظهور الجمعية الجزائرية للأرطفونيا(SAOR ) و الاتفاق بين جامعة الجزائر وجامعة تولوز.