1. المقاربات النظرية
1.2. أنموذج التلقي
أنموذج التلقي: ابتداء من الثمانينات تغيرت الاعتقادات السائدة حول تأثير وسائل الإعلام على الجمهور، أي ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور؟ إذ أن فهم سلوك الجمهور أصبح يشكل حجر الزاوية في دراسات التلقي، وأصبح مقرونا بفكرة دراسة المتلقي في حد ذاته، ولم يعد الباحثون في هذا التقليد يركزون على الرسائل المرسلة أو المصممة وإنما أصبح اهتمامهم يدور حول الرسالة التي تم استقبالها فعلا من المتلقي (أي استنطاق المتلقي)، في فك رموز الرسائل التي استقبلها متفاعلا معها.
يقصد بأنموذج التلقي كل المقاربات والنظريات التي حولت محور الدراسة من محتوى الرسالة وعلاقاته بالتأثير الذي قد يحدث في سلوك الجمهور، أي علاقة الرسالة بالتأثير الناجم عن محاولة الإجابة على التساؤل الأولي ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور؟ إلى التركيز على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور الانتقائي القوي والفعال والنشط، الذي أعيد له الاعتبار نتيجة تغيير استراتيجية البحث إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام.
ولقد أحدثت مقاربة الإشكالية الجديدة بأنموذج الاستعمال والإشباع ل كاتز وبأنموذج التفاعل والتأويل ل مورلي، نقلة نوعية في نماذج أبحاث الجمهور، حيث أصبح التركيز على العلاقة بين الرسالة والمتلقي.
لقد طور بعض منظري وسائل الإعلام الجماهيري نظرية التلقي وأقاموا خطوط تلاقي بينها وبين نظرية الاستعمال والإشباع التي لا تركز فحسب على أثر أو تأثير وسائل الإعلام على الأفراد، بل أيضا على طريقة الاستخدام لهذه الوسائل، وعلى المتعة والمنفعة التي يحصلون عليها من هذه الوسائل، وعلى نفس المنوال، يركز المنظرون الإعلاميون على الدور الذي يلعبه الجمهور المتلقي في فك رموز الرسائل وإضفاء معاني عليها ليست بالضرورة نفس المعاني التي يقصدها القائم بالاتصال.
وقد أصبحت نظرية التلقي واحدة من أبرز النظريات المعاصرة التي أعادت الاعتبار لفعل التلقي كأساس للعملية التواصلية بين المرسل والمستقبل، فهي تهتم عموما بمحاولة تفسير آليات فهم النصوص والصور الإعلامية من خلال فهم كيفية قراءة هذه النصوص من طرف الجمهور.
للتذكير: إشكالية تلقي الرسائل الإعلامية طرحت، انطلاقا من ثمانينيات القرن الماضي، في السياق العام للتيارات النقدية وخاصة المدرسة الألمانية، التي طورت نظرة نقدية في الستينيات حول علاقة النص الأدبي بالقارئ وتحول الاهتمام من جماليات التأثير إلى جماليات التلقي.
ملاحظة مهمة: ليس من الضرورة أن يقوم المتلقي بتفسير الرسائل بنفس التفسير الذي يقصده القائم بالاتصال أو المرسل، ذلك أن طابع تعدد المعاني الإعلامية يقدم تشكيلة واسعة من القراءات الممكنة التي تتوافق مع الوضع الاجتماعي للمتلقي، والتي يحددها السياق الاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه الفرد.
وبناء على هذا المنظور قد تم الانتقال من النموذج الذي يفسر فعل وسائل الإعلام انطلاقا من المصدر أو من المرسل، إلى النموذج الذي يعطي الدور الإيجابي (النشط) للمتلقي لاستنتاج دلالات معاني الخطاب الإعلامي الموجودة في بيئته، وبعبارة أخرى من نموذج أحادي الاتجاه أو شاقولي إلى نموذج تفاعلي أو تحاوري لعملية الاتصال، وأصبح الحديث يدور حول صيرورة الاتصال ضمن نموذج (نص، قارئ)، أي أن الجمهور نشط، وهو مشاهد ومستمع وقارئ ناقد.
ويبحث هذا النموذج في الطريقة التي يولد بها أفراد الجمهور معانيهم الخاصة من خلال قراءاتهم للخطاب الإعلامي، أي أن النصوص الإعلامية قد تعني أشياء مختلفة في أوضاع مختلفة لأناس مختلفين.