1. مفاهيم الاتصال العمومي

مفاهيم الاتصال العمومي:

   الاتصال العمومي: يعتبر من المفاهيم المثيرة للجدل والنقاش العلمي في الأوساط الأكاديمية، حيث تعتريه الكثير من الضبابية، الغموض، الالتباس والتداخل مع مفاهيم آخرى على غرار الاتصال الاجتماعي والسياسي، لذا فقد تعددت التعاريف والمفاهيم التي حاولت توصيف ومُساءلة مفهوم الاتصال العمومي، حيث أفرزت توصيفات متنوعة تعكس تباين الآراء والاتجاهات المحتكمة لتباين السياقات الفكرية والتاريخية والاجتماعية والسياسية.

     وعليه فالاتصال العمومي كظاهرة مجتمعية تتسم بطابعها المركب، والتي تتداخل فيها المستويات السياسية والإعلامية والمؤسساتية، وحقل بحثي تتجاذبه عدة تخصصات علمية تفرض صعوبة وخطورة اختزال الظاهرة في أبعادها التقنية والمهنية والإجرائية الصرفة من خلال حصرها في المستوى الأداتي، وعلى ضوء هذا يمكن تقديم مجموعة من التعاريف بوصف الاتصال العمومي Communication publique ممارسة ضمن ما يسمى بالفضاء العام  Espace publique  بمعنى أن الاتصال العمومي يرتبط بالقضايا والاهتمامات المشتركة التي يفرزها الانتماء إلى الدولة، بناءا على   هذا، عمدنا إلى إفراد حيز واسع بالعرض والتفصيل في الاتصال العمومي والمفاهيم ذات الصلة (الاتصال الاجتماعي والسياسي).

2-1 تعريف الاتصال العمومي:

  • يشار إلى الاتصال العمومي على أنه تبادل للمعلومات، فالاتصال لا يعني الإعلام والاستعلام فقط وإنما يعني الإقناع، أي تغيير آراء و سلوك الآخرين، وكثيرا ما يستعمل كمرادف للاتصال الاجتماعي، فالاتصال العمومي يصبح اجتماعيا عندما يبحث عن تغيير أو تعديل لصالح المجتمع برمته، فالاتصال العمومي هو علم نقل الأفكار الجديدة من طرف إلى طرف ثاني، وهو الركيزة الأولى للسلطة التي تستعمله من أجل تطوير المعارف ودفع الوعي الاجتماعي عن طريق  المنظمات العمومية أو الجمعيات التي تخدم المجتمع بصفة عامة [1]
  • فالحديث عن الاتصال العمومي يبقى أيضا مرتبطا إلى حد كبير بمعنى ودلالة ما هو عمومي، ففي فرنسا تقول Marianne messager  أنه لا يمكن الحديث عن اتصال دون الرجوع إلى أصول وتاريخ الحياة الجماعية، ومن ثمة التوجه إلى البحث عن اتصال متميز، فوجوب الإعلام عن الحقوق والواجبات رافقه التمكين من الاطلاع على الوثائق الإدارية وتبرير القرارات وعرض نشاطات المؤسسات العمومية ونشر المعلومات اللازمة للحياة اليومية بالإضافة إلى المشاركة في الإجراءات الهامة للدولة [2].

l’ensemble des phénomènes de production, de traitement, de diffusion et de rétroaction de l’information qui reflète, crée et oriente les débats et les enjeux publics ; la communication publique étant non seulement le fait des médias mais aussi des institutions, entreprises, mouvements et groupes qui interviennent sur la place publique[3].

 يرى" ميشال بوشون"(Michel Beauchamp ) ورفاقه في هذا التعريف أن الاتصال العمومي هو مجموعة من الظواهر الخاصة بإنتاج ومعالجة ونشر المعلومات التي تعكس ردود الفعل، وخلق وتوجيه المناقشات حول الرهانات العامة، والاتصال العمومي ليس فقط نشاط اتصالي خاص بممارسات وسائل الإعلام، إنما هو قضية خاصة بجميع الفاعلين "مؤسسات، شركات، الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، والمجموعات الناشطة في المجال العام"،  يستنبط من هذا التعريف إلى أن ممارسة الاتصال العمومي لا تتوقف عند حدود المؤسسة التي تمتلك السلطة داخل المجتمع، بل يتحول إلى نشاط اتصالي متعدد الأطراف، أي عملية مكتملة وعلى خلاف التصور الذي يميزه عن الاتصال السياسي، الدعائي والتجاري الذي يتميز بكونه عملية خطية بالأساس.

   من جهته يرى "بيار زيمور"   «  Pierre zémor» على أنه" الاتصالات الرسمية التي تميل إلى تبادل واقتسام المعلومات ذات القيمة العمومية بهدف الحفاظ على الروابط الاجتماعية، وهذا من مسؤولية المؤسسات العامة، أو الهيئات المكفولة لأداء المهام ذات المصلحة الجماعية أو العامة".[4] أضفى زيمور في هذا التعريف صفة الرسمية للمعلومات ذات المنفعة العمومية، كما أسند مهمة الاتصال العمومي إلى الهيئات والمؤسسات ذات الطابع العمومي، حيث بناءا على هذا تتحدد طبيعة المضامين والمحتويات الاتصالية التي يراد تقديمها.

    فشرعية الاتصال العمومي حسب " زيمور" تتحدد على أساس المصلحة العامة، أي أن جوهر الاتصال العمومي هو" المصلحة العامة " أو ما يسمى بالمنفعة العامة، ويقصد بها ذلك النوع من التناسق والانسجام في المصالح بين الأفراد والمجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى، ولا يمكن في رأيه الحديث عن الاتصال العمومي إلا ضمن نظام سياسي ديموقراطي يعترف بحقوق الأفراد ويحاول التوفيق بينها وبين التشريعات والنصوص القانونية المنظمة للمجتمع والدولة، بهذا الشكل يصبح الاتصال العمومي أقرب للتوعية بالحقوق والواجبات منه للدعاية التي تميز علاقة الاتصال بين الدولة ومواطنيها في المجتمعات غير الديمقراطية، ويضيف زيمور zémor أن الاتصال العمومي يرتبط بشكل وثيق بتقديم الخدمة العمومية من المؤسسات والهيئات العمومية إلى المواطن، والذي يختلف عن الزبون والمستهلك، فالفعل الاتصالي العمومي يتمثل في توفير المعلومات اللازمة والكافية بأعمال الإدارة التي تكون لها علاقة بالشؤون العامة وهي تستهدف المواطن، فنجد أن هذا المفهوم قد أقصى أطراف فاعلة في عملية الاتصال العمومي مؤكدا على طابعه الرسمي وخضوعه للتقنين.



[1] - نبيلة بوخبزة ،تطبيقات تقنيات الاتصال العمومي المطبقة في الحملات العمومية المتلفزة ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراة دولة، مذكرة منشورة، كلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2006-2007، ص (46).

 

 

 

[2]-Pierre Zémor ,La communication publique en pratique, ed d’organisation ,Paris ,1995,p.p (13-14).

[3] -Michel Beauchamp (ed).Communication  publique et société .Repères pour la réflexion l’action, Boucherville, Quebec ,1991pp.)04-05)

[4] - Harmel Laurent. Pierre zémor .la communication publique .In :politiques et management public. vol .13 .N 02 .1995.50 N  de cahier 1 .P .)152 ( .