نظم الرقابة على دستورية القوانين
إذا كان من بين ضمانات قيام الدولة القانون هو وجود دستور مكتوب، فإن من بين ضمانتها المهمة كذلك ضرورة الأخذ بمبدأ تدرج القوانين، والذي يعتمد أساسا على تصنيف القوانين من حيث قوتها الإلزامية إلى مستويات مختلفة؛ بحيث لا تكون لها نفس المكانة أو المرتبة في النظام القانوني للدولة. والقيام بهذا التصنيف يرتكز على معيارين، أحدهما شكلي والآخر موضوعي. أما بالنسبة للمعيار الشكلي فينظر إلى الإجراءات والشكليات المتبعة في سن كل قانون على حدى، وبتحديد أي الإجراءات أعقد وأصعب نصل إلى أي من القوانين تحظى بالسمو الشكلي. بينما المعيار الموضوعي فينظر إلى الموضوع (أو الموضوعات) التي يختص كل قانون بتنظيمه، وهذا لكي يحدد بناء على ذلك أي القوانين ينظم موضوعات يمكن اعتبارها بالأكثر أهمية مقارنة بغيرها من المواضيع، ومن ثم يصل للحكم بأنه القانون الذي يحظى في مواجهة غيره من القوانين بالسمو الموضوعي. ولما كان الدستور الجامد بإجماع الفقه هو من تنطبق عليه مواصفات السمو، سواء من حيث الناحية الشكلية أو من حيث الناحية الموضوعية، فقد أضحى سموه مبدأ من المبادئ المسلم بها حتى ولو لم يوجد نص عليه في الدستور.
ولما كان من مقتضيات مبدأ تدرج القوانين أن القانون الأدني ينبغي أن يحترم القانون الأسمى منه، وذلك بألا يخالفه أو يعدله و/أو يلغيه، فإن ذلك قد لا يتحقق بالنسبة للدستور باعتباره أسمى قانون في الدولة إلا إذا تكلفت جهة (أو جهات) محددة بالرقابة على مدى دستورية القوانين؛ أي بمعنى مراقبة مدى احترام القوانين لنصوص وأحكام الدستور.
ولأنه لا يتصور أن يكون النظام المتبع في ممارسة هذه الرقابة هو نفسه في جميع الدول، فقد ارتأينا أن نتناوله في الدول المقارنة، ثم نتناوله في الجزائر
2. نظام الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر
2.1. نظام الرقابة على دستورية القوانين قبل دستور 1996
لقد أخذت الجزائر بفكرة الرقابة على دستورية القوانين منذ أول دستور عرفته عقب الاستقلال، وهو دستور 1963؛ بحيث نصت المادة 63 منه على إنشاء مجلس دستوري يتكون من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيسي الغرفتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاث نواب تعينهم المجلس الوطني وعضو يعينه رئيس الجمهورية، وهؤلاء ينتخبون من بينهم العضو الذي يتولى رئاسة المجلس الدستوري. هذا وقد بينت المادة 64 من دستور 1963 بأن المجلس الدستوري يفصل في دستورية القوانين والأوامر التشريعية بطلب من رئيس الجمهورية أو من رئيس المجلس الوطني.
لكن وبالنظر إلى أن هذا المجلس الدستوري لم يرى النور نتيجة إيقاف العمل بدستور 1963 بعد فترة قصيرة من بدأ سريان مفعوله، فإننا نتناوله أكثر بالدراسة.
وللإشارة، فإنه وعلى الرغم من عودة البلاد للعمل بمقتضى المشروعية الدستورية التي أسس لها دستور 1976، إلا أن فكرة الرقابة على دستورية القوانين قد غابت هذه المرة لكون دستور 1976 قد أغفل و/أو تغافل عن النص عليها.
وهو ما قد تفاداه دستور 1989 الذي نص وبشكل صريح على تبني فكرة الرقابة على دستورية القوانين للسهر على احترام الدستور، ولأجل هذا الغرض نصت المادة 153 منه على إنشاء مجلس دستوري يتكون، بحسب المادة 154، من سبعة أعضاء: ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم رئيس المجلس، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان تنتخبهما المحكمة العليا ليمارسوا مهامهم مرة واحدة غير قابلة للتجديد مدتها ستة سنوات. وبينت المادة 155 بأن المجلس الدستوري يفصل في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية، وبأنه يفصل كذلك في مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور. وهذا فقط متى تم إخطاره إما من رئيس الجمهورية وإما من رئيس المجلس الشعبي الوطني (156). وللمجلس مهلة عشرون يوما من تاريخ إخطاره لإعطاء رأيه و/أو لإصدار قراره (157). والذي قد يترتب عنه عدم المصادقة على معاهدة ارتأى فيها بأنها عدم دستورية، كما يترتب على قراره بعدم دستورية نص تشريعي أو تنظيمي فقدان هذا النص لأثره ابتداء من يوم قرار المجلس (158 و159)