تناول المشرع الجزائري عيوب الإرادة في المواد من 81 حتى 90 من القانون المدني، إذ تناولت المادة 81 الغلط، و المادة 86 التدليس و المادة 88 الإكراه بينما تناولت المادة 90 الاستغلال، و بهذا فإن عيوب الإرادة أربعة و التي سنتناولها على النحو التالي:
أولا: الغلط:
غير المادة 82 سالفة الذكر و بعد أن بينت لنا المقصود بالغلط الجوهري، أعطتنا الحالات التي يكون فيها الغلط كذلك أي جوهريا، و هي:
غير أن نص المادة 83 لم تترك هذا الحكم على إطلاقه بل قيدته بوجوب أن لا ينص القانون على خلاف ذلك، و من أمثلة النصوص القانونية الت لا تجيز التمسك بالغلط في القانون لإبطال التصرفات القانونية نجد المادة 46 ق.م.ج و التي تقضي بأنه " لا يجوز الطععن في الصلح بسبب غلط في القانون).
ثانيا: التدليس
يعتبر التدليس ثاني عيوب الارادة التي نظمها المشرع الجزائري في القانون المدني في المادتين 86 و 87 ، هذا العيب سنتناوله في النقاط التالية
و الحقيقة أن الكذب لا يمكن في الواقع أن يكون طريقا من طرق الاحتيال إلا إذا تبين أن المتعاقد المخدوع ما كان يستطيع أن يتبين أو أن يستجلي الحقيقة بسبب هذا الكذب، فإذا كان يستطيع اسنجلاء أو معرفة الحقيقة رغم الكذب فلا يجوز له التمسك بالتدليس كعيب من عيوب الإرادة.
و تكون أساليب التدليس سلبية في حالة الكتمان أي إخفاء بعض البيانات أو المعلومات التي تهم المتعاقد، و التي لو علم بها لما أقدم على إبرام العقد، و كثيرا ما يظهر التدليس السلبي في عقود التأمين حيث حيث يلتزم طالب التأمين بإعلان كل عناصر الخطر المؤمن منه لدى شركة التأمين،لأن ذلك له أثر في تحديد قيمة الأقساط التي يدفعها المؤمن.
ثالثا: الإكراه la violence
تناول المشرع الجزائري في المادة 88 من القانون المدني الإكراه كعيب من عيوب الإرادة، فما هو الاكراه و ما هي شروطه؟
1.تعريف الإكراه: هو عبارة عن ضغط مادي أو معنوي يمارسه شخص على شخص آخر فيدفعه للتعاقد معه، إذ لولا هذا الضغط لما تعاقد الشخص المكره.، فهذا الأخير لم يقع في غلط كما هو الحال بالنسبة للغلط و التدليس و إنما إرادته لم تكن تتمتع بالحربة الكاملة عند إبرام العقد نتيجة الضغط الذي مورس عليه و الخوف الذي تولدعنده.
و بهذا يمكن أن يعرف الإكراه بأنه الرهبة أو الخوف الذي ينشأ في نفس المتعاقد و الذي يدفعه لإبرام التصرف القانوني، و الإكراه في هذه الحالة لا يؤدي إلى إعدام الإرادة كليا بل فقط يضيق من حرية الاختيار لدى الشخص فيدفعه لتعاقد لم يكن يرتضيه، أما إذا أدى الإكراه إلى إعدام الإرادة بصفة نهائية فإن العقد يكون في هذه الحالة باطل بطلانا مطلقا و ذلك لانعدام ركن من أركان العقد و هو التراضي، كأن يمسك شخص شخصا آخر بالقوة و يجبره على التوقيع فهنا الإرادة لم تفسد و إنما أعدمت نهائيا.
2.شروط الإكراه المعيب للإرادة: تنص المادة 88 ف 1 من ق.م.ج على أنه: " يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق).
من خلال استقراء نص المادة المذكورة و كذا المادة 89 يتضح لنا أن الاكراه كعيب من عيوب الإرادة يستلزم اجتماع الشروط التالية:
و هذه الوسائل قد تكون مادية بإلحاق الأذى بالشخص و هو ما يسمى بالإكراه الحسي كالضرب و الإيذاء بأنواعه المختلفة، و قد تكون معنوية نفسية تتمثل في التهديد بالإيذاء الذي يولد رهبة و ألما معنويا كاختطاف ولد و تهديد والده بالقتل في حالة عدم القيام بتصرف معين.
و الإكراه سواء كان ماديا أو أدبيا يعيب الإرادة و يجعل التصرف القانوني قابلا للإبطال، مع الإشارة إلى أن الإكراه المادي نادر الحدوث في الواقع العملي مقارنة بالإكراه النفسي.
و يشترط في استعمال الإكراه أن يهدد بخطر محدق سيلحق الشخص إذا لم يوقع على التصرف القانوني و عليه يشترط أن يكون الخطر جسيما، و العبرة في ذلك بنفسية الشخص المكره أي الذي وقع تحت طائلة الإكراه، بمعنى أنه إذا استخدمت وسائل إكراه غير جدية كالشعوذة و السحر و لكنها رغم ذلك أحدثت في نفسه رهبة و خوفا بأن خطرا كبيرا يتهدده فإن ذلك يكفي لإفسد رضاه و بالتالي تجعل التصرف القانوني المبرم قابلا للإبطال.
و لمعرفة ما إذا كان الشخص قد تأثر بوسائل الإكراه التي مورست ضده ينبغي الأخذ بعين الاعتبار جنس الشخص و سنه و حالته الاجتماعية و الصحية و كل ظرف من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه في نظره و هذا ما نصت عليه المادة 88 ف 2 ق.م.ج، و هو ما يعني أن المشرع الجزائري قد أخذ بالمعيار الذاتي الذي يرجع إلى الشخص الذي تعرض للضغط و إلى مدى تأثره بوسائل الإكراه.
أما إذا وقع الإكراه من شخص آخر غير المتعاقد فإن المادة 89 ق م ج تشترط للمطالبة بإبطال العقد علم الطرف الآخر به و بمن صدر عنه أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه.
الفرع الرابع: الاستغلال l’exploitation
يعتبر الاستغلال رابع و آخر عيب من عيوب الإرادة التي جاء بها القانون المدني الجزائري بنص المادة 90 ، و عليه سنتناول هذا العيب من خلال فقرتين نخصص الأولى لتعريف الاستغلال و الثانية لشروط الاعتداد به كسبب يجيز المطالبة بإبطال العقد.
أولا: تعريف الاستغلال: يعرف الاستغلال بأنه عدم التعادل بينما يحصل عليه المتعاقد و بين ما يلتزم نتيجة لاستغلال المتعاقد الآخر له.
و من خلال هذا التعريف يتضح لنا أن المعيار الذي اعتمده المشرع للقول بوجود استغلال م عدمه هو معيار ذاتي و ليس موضوعي أي أنه ينبغي النظر لقيمة الشيء في نظر المتعاقد أما الغبن فيمثل المظهر المادي للاستغلال.
ثانيا: شروط الاستغلال
من خلال قراءة نص المادة 90 ق م ج فإنه يشترط لاعتبار الاستغلال عيبا من عيوب الإرادة يتيح للشخص فرصة التمسك بإبطال العقد أن تتوفر فيه الشروط التالية:
1.عدم التعادل بين ما يحصل عليه المتعاقد و ما يلتزم به: و المقصود بعدم التعادل وجود اختلال و تفاوت بين التزامات المتعاقدين، بحيث تكون التزامات أحدهما أقل من التزامات الآخر بصورة كبيرة، لأنه من البديهي ان يوجد تفاوت طفيف في الآداءات بين البائع و المشتري أو بين المؤجر و المستأجر وفقا لمصالحهما المتعارضة، لكن هذا التفاوت يكون في الغالب يسيرا و لا يؤثر في التوازنات المالية للعقود إذ لا يبدو أن أحد الأطراف قد استغل الطرف الآخر مثل أن يشتري الشخص دارا ب 10 مليون دينارجزائري و قيمتها الحقيقية 9.8 مليون دينار فالفرق بين ثمن البيع و الثمن الحقيقي لا يتعدى 200 ألف دج و هو مبلغ يسير عكس ما إذا كانت القيمة الحقيقية للدار 20 مليون دينار.
و العبرة في تقدير قيمة الشيء ليست بقيمته الحقيقية و إنما بقيمته الشخصية لدى المتعاقد و هذا يعني أن القاضي لما يقدر التفاوت لا يستند إلى معيار مادي موضوعي، و إنما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار قيمة الشيء كما قدرها المشتري وقت التعاقد، و هذه المسألة أي التفاوت في الآداءات مسألة واقع و ليست مسألة قانون حيث يستقل قاضي الموضوع بتقديرها وفقا لظروف كل حالة من الحالات التي تطرح أمامه و لا رقابة عليه من طرف المحكمة العليا في هذه النقطة.
2.استغلال ضعف معين في المتعاقد المغبون: و يتمثل هذا الضعف النفسي حسب نص المادة 90 ق م ج في الطيس البين أو الهوى الجامح، فالطيش هو الخفة و التسرع في اتخاذ القرارات و عدم المبالاة بنتائجها، و هذا الطيش يجب أن يكون بينا أي واضحا و مشهورا، كالشاب الصغير الذي يرث فتكون له رغبة كبيرة في الحصول على نقود لسد حاجته في التبذير و البذخ الأمر الذي يدفعه لبيع الأملاك التي ورثها بمبالغ لا تعكس قيمتها الحقيقية.
أما الهوى الجامح فهو الرغبة التي تملك علة الإنسان زمام نفسه فتجعله مدفوعا إلى الرضوخ لكل ما يفرضه هذا الهوى دون أن يستطيع مناقشته أو خياره، كأن يتزوج شاب امرأة كبية في السن فيعمد إلى استغلالها و ابتزازها عن طريق عقود هو يمليها عليها، أو كأن يتزوج شيخ كبير شابة في مقتبل عمرها و يتعلق بها تعلقا شديدا يسلبه القدرة على رفض أي طلب لها خوفا من فراقها.
الفرع الرابع: الجزاء المترتب على تحقق عيب من عيوب الإرادة
إذا تحقق عيب من عيوب الإرادة السالفة الذكر فإن العقد يكون قابلا للإبطال و يسمى كذلك بالبطلان النسبي، أي أن العقد ينشأ صحيحا و لكنه معيب بمعنى أنه مهدد بالزوال متى تمسك به من تقرر الإبطال لمصلحته و هو الطرف الذي كانت إرادته مشوبة بغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، ففي هذه الحالة أي التمسك بالإبطال فأن أطرف العقد يعادون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، ففي البيع مثلا إذا كان المشتري ضحية تدليس من البائع فإن العقد ينفذ بطريقة عادية فتنتقل الملكية للمشتري و يقوم بتسديد الثمن للبائع إلى غاية تمسك المشتري بالإبطال نتيجة التدليس الذي وقع ضحيته، ففي هذه الحالة فإن كل طرف يسترد ما دفعه فيسترجع المشتري الثمن المدفوع و يقوم بإرجاع الشيء المبيع للبائع.
غير أن البطلان النسبي على عكس البطلان المطلق لا يعتبر من النظام العام، إذ أنه مقرر لمصلحة شخصية و هي مصلحة الشخص الواقع في عيب من عيوب الإرادة الذي يبقى الوحيد المخول بالتمسك دون غيره بإبطال العقد، أما بالنسبة لنقص الأهلية فحق التمسك بالإبطال يملكه الولي أو القاصر لما يبلغ سن الرشد.
و كنتيجة لاعتبار البطلان النسبي غير متعلق بالنظام العام فقد أجاز المشرع في المادة 100 ق م ج لصاحب الحق أن يتنازل عن التمسك به، و ذلك بإجازة التصرف و بالتالي إزالة كل تهديد عن العقد حيث تستقر الحقوق و المراكز القانونية لأصحابها بالإجازة، هذه الأخيرة قد تكون صريحة و قد تكون ضمنية من خلال قيام الشخص المعيبة إرادته أو ناقص الأهلية باتخاذ أي سلوك