3. المطلب الثالث : مصادر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
أولاً : القــا نو ن :
والقانون هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية المختصة في نصوص مكتوبة ووفقاً للدستور فالتشريع يجب أن يتضمن إذاً قواعد قانونية ومن صفات القاعدة القانونية العموم والتجريد أي يجب أن يتناول جميع الأشخاص الذين يتوافر فيهم شروط التجريم دون تمييز .
إن الأصل أن القانون الجنائي الوضعي يستمد نصوصه من القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية طبقاً للأوضاع الدستورية فهذه القوانين هي عنوان إرادة المجتمع التي تتجلى باشتراك العناصر التشريعية في وضعها وإصدارها طبقاً لأحكام الدستور .
وبما أن اختصاص السلطة التشريعية بالتشريع هو اختصاص أصلي فتستطيع أن تجرم من الأفعال ما تشاء وأن تفرض العقوبة التي تراها مناسبة .
ثانياً : المراسيم التشريعية :
هناك ظروف استثنائية تمنح رئيس الجمهورية سلطة التشريع وذلك عن طريق المراسيم التشريعية
والمرسوم التشريعي بالتعريف:
هو تشريع يسنه رئيس الجمهورية في بعض الأحوال التي يتولى فيها سلطة التشريع .
و رئيس الجمهورية لا يصدر المراسيم التشريعية بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية ، بل باعتباره يمارس أيضاً وفي بعض الأحوال الاستثنائية التي نص عليها الدستور مهام السلطة التشريعية ولذلك لا تعتبر المراسيم التشريعية عملاً تنفيذياً وإنما هو عمل تشريعي بحت ، وهذه المراسيم لا تختلف عن التشريع في شيء إلا في صدوره عن رئيس الجمهورية حين يمارس السلطة التشريعية بدلاً عن مجلس الشعب وهو يعتبر في منزلة التشريع الصادر عن مجلس الشعب ومرتبته فيمكن أن تنظم به الأمور التي لا يجوز تنظيمها أصلاً إلا بالتشريع وبالتالي يكون المراسيم التشريعية مصدراً
للتجريم والعقاب ويستطيع أن يجرم الأفعال ويفرض العقوبة لهذه الأفعال وضمن حدود المرسومة له .ويتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع بحسب دستورنا الحالي في الحالات الثلاث التالية :
1) في المدة الفاصلة بين ولايتي مجلسين أي خلال الفترة الواقعة بين انتهاء ولاية مجلس الشعب السابق وبدء ولاية مجلس الشعب الجديد .
2) خارج دورات انعقاد مجلس الشعب أي خلال الفترات التي يكون فيها مجلس الشعب موجوداً ولكنه غير منعقد .
3) في أثناء انعقاد دورات مجلس الشعب إذا وجد الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية أو بمقتضيات الأمن القومي .
ونرى بأن تولي رئيس الجمهورية سلطة التشريع في هذه الحالات أمر طبيعي تقره معظم الدساتير في العالم ففي الحالتين الأولى والثانية مجلس الشعب لا يمارس مهمة التشريع لذلك لابد أن يعهد بهذا الأمر إلى رئيس الجمهورية حتى لا تتوقف حركة التشريع في البلاد أما الحالة الثالثة فيكون مجلس الشعب موجوداً ومنعقداً ولكن هناك ظروف استثنائية بالغة الأهمية وهذه الظروف قد تستدعي اتخاذ تدابير تشريعية عاجلة وإلى إحاطة هذه التدابير بشيء من السرية لذلك يكون من الأفضل أن يعهد به إلى رئيس الجمهورية .
ثالثا : الأنظــــــمة :
الأنظمة هي : عبارة عن نصوص تصدر عن السلطة التنفيذية متضمنة القواعد التي تفصل أحكام التشريعات وتوضحها وتبين كيفية تنفيذها وتطبيقها وهذه الأنظمة إما أن تصدر عن رئيس الجمهورية أو الوزراء المختصين أو الإدارات العامة والمجالس البلدية .
إن القول بأن القانون هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب لا يؤخذ على إطلاقه بل يستثنى منه أمران :
1- من واجب السلطة التنفيذية وضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وهي لا تستطيع القيام بهذه المهمة إلا إذا اتخذت ما يلزم لضمان تنفيذ اللوائح بتقرير جزاءات جنائية .
2- أنه فضلاً عن العلاقات الاجتماعية التي لها صفة دائمة وثابتة توجد علاقات أخرى متعددة تختص جهات معينة وتتغير بتغير الزمان والظروف وبالتالي يجب على المشرع أن يتحرك تنظيمها وتدعيمها بالجزاءات إلى السلطة الإدارية .
وبذلك نقول بأن اللوائح والقرارات التي تصدر عن السلطة التنفيذية يمكن أن تكون مصدراً للتجريم والعقاب , بل تذهب بعض القوانين على وضع العقاب على مخالفة أحكام اللوائح و القرارات ففي غالب الأحيان عندما يفرض القانون وزيرا أو مديرا عاما أو مجلس بلديا في إصدار لائحة ينص في الوقت نفسه على العقوبة التي تطبق في حالة مخالفة أحكام هذه اللائحة فقد جاء في المادة 756 من قانون العقوبات:
( يعاقب بالحبس التكديري و بالغرامة حتى مئة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف الأنظمة أو القرارات التي تصدرها السلطات الإدارية أو البلدية وفاقا للقوانين).
رغم أن هناك كثير من الانتقادات وجهت إلى منح السلطة التنفيذية سلطة التشريع واعتبره مخالفاً لمبدأ الشرعية ولكن يمكن الرد عليهم بأن الدستور هو الذي منحه هذا الحق ( الدستور : هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة عن سلطة خاصة تسمى السلطة التأسيسية والتي تتضمن النظام الأساسي للدولة والمبادئ العامة التي يقوم عليها أسلوب الحكم فيها ) وطالما أن الدستور منحه هذا الحق فهو لا يخالف مبدأ الشرعية وإنما يمارس حقه في وضع القواعد التفصيلية اللازمة لتنفيذ القوانين في الدولة ولكن يجب الإشارة إلا أن السلطة التنفيذية يمارس سلطة التشريع على سبيل الاستثناء وبالتالي لا يجوز لها أن تجرم غير أفعال تدخل في المجال الذي تباشر فيه اختصاصها بالتشريع المحدود .
هل يجوز للقاضي مراقبة القانون والنظام :
بالنسبة للقانون هناك عدة اتجاهات :
أصحاب الرأي الأول : يرون بأنه لا حق للقضاء في مناقشة مسألة دستورية التشريع بل عليه أن يطبق التشريع كما هو إذا كان مستوفياً لشرائطه الشكلية ولو خالف في أحكامه مبادئ الدستور وحجة أصحاب هذا الرأي هي أن السماع للقضاء بمراقبة دستورية التشريع من شأنه أن يؤدي إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية وهذا ما يتعارض مع مبدأ فصل السلطات .
أما أصحاب الرأي الثاني :
فيرون بأن للقضاء الحق في مراقبة دستورية التشريع فإذا وجد القاضي أن القانون غير دستوري امتنع عن تطبيقه وحجة هذا الرأي أن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر تحتمه الضرورة والمنطق وإن مراقبة القضاء لدستورية التشريع أمر يدخل في حدود اختصاصه لأن القضاء ملزم باحترام نصوص الدستور والتشريع معاً وإن هذه الرقابة لا يخالف مبدأ فصل السلطات لأن السلطتين ملزمتان على السواء باحترام الدستور .
إلا أن القضاء في سوريا لا تعترف لنفسها بصورة عامة الحق في رقابة دستورية القوانين وقد ذهب القضاء اللبناني بالنسبة لرقابة القضاء للقانون من ناحية الموضوع إلى عدم إعطاء القضاء هذا الحق .
أما بالنسبة للنظام :
فيستطيع القاضي مراقبته النظام من الناحية الشكلية والموضوعية فإذا وجد بأن النظام غير مستوف الشروط الشكلية لا يعتد القاضي بهذا النص لأن النظام في هذه الحالة يفقد الوجود القانوني وبالتالي القيمة القانونية لأنه يعلق على الشروط الشكلية فإذا لم يتوفر أحد هذه الشروط يفقد الوجود القانوني .
كما يستطيع مراقبته من ناحية الموضوع لأن النظام يجب أن يحترم الدستور والقانون فإذا تبين للقاضي بأن النظام خالف الدستور أو القانون امتنع القاضي عن تطبيقه .
- وأخيراً نقول يجب على القاضي إذا وجد بأن النص غير دستوري أو غير قانوني أن يحكم بالبراءة كون البراءة هو الأصل واستناداً لى مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لأن النص يفقد وجوده القانوني وبالتالي الفعل لا يدخل في نطاق التجريم ..
رابعا: دور العرف في نطاق التجريم والعقاب :
العرف : هو القواعد التي درج الناس على إتباعها في أمورهم ومعاملاتهم والتي يعتبرونه بأنه ملزمة لهم من الوجه القانونية ، وبالتالي للعرف عنصران مادي ومعنوي :
العنصر المادي : وجود عادة أو تعامل بين الناس على وجه مخصوص .
العنصر المعنوي : شعور الناس بأن هذه العادة أصبحت ملزمة لهم من الوجهة
القانونية .
والآن : نتساءل عن دور هذه المصادر في التجريم والعقاب .
من حيث المبدأ : لا يجوز اعتبار مصادر القانون ( الشريعة الإسلامية و العرف ) مصدرا للتجريم و العقاب و السبب في ذلك يعود إلى أن العودة إلى هذه المصادر يهدم مبدأ الشرعية و يؤدي إلى خلق جرائم و عقوبات لم ينص عليه القانون .
و لكن يرد على هذه القاعدة استثناءات ثلاثة :
الاستثناء الأول : عندما يعود القاضي إلى قانون غير جزائي لحل قضية جزائية , فله أن يعود إلى مصادر هذا القانون .مثل جريمة الزنا يعود القاضي إلى قانون الأحوال الشخصية للتثبت من صحة عقد الزواج وله أن يعود إلى العرف و الشريعة الاسلامية إذا احتاج لذلك.
وكذلك في جريمة السرقة يعود القاضي إلى القانون المدني في مسألة تحديد ملكية الشيء المسروق وله أن يعود إلى مصادر القانون المدني .
الاستثناء الثاني : إذا كان القاضي أمام مسألة لا سبيل لحلها بغير الرجوع إلى العرف .
مثل التعرض للآداب و الأخلاق العامة : حيث تحديد ركن هذه الجريمة لا يتم بغير الرجوع إلى العرف .وكذلك بعض العبارات الغامضة التي وردت في قانون العقوبات بحيث يتعذر معرفة معناها بغير الرجوع إلى العرف ومنها عبارة ( الفعل المنافي للحشمة ) الواردة في المواد 494و496 وعبارتي ( العمل المنافي للحياء ) و ( الكلام المنافي للحشمة) الواردة في المادة 506 و غيرها من العبارات الغامضة التي يتعذر معرفة معناها بغير الرجوع إلى العرف .
الاستثناء الثالث : عندما يتدخل العرف ليبرر فعلا جرمه القانون
مثل الظهور بملابس الاستحمام على شاطىء البحر أو في حوض السباحة.
وكذلك ختان الأولاد و الألعاب الرياضية التي يمارسها الصغار و الكبار على النحو الذي يقره القانون . و بذلك نقول بأن العرف يلعب دورا ثانويا و ضيقا قي نطاق التجريم و العقاب و إن كان يلعب دورا أساسيا في حالات الاعفاء من العقاب و لذلك يهدمه أن يكون غير النص التشريعي مصدرا للتجريم و العقاب ولا شأن لهذا المبدأ في الحالات الأخرى .