5. الليبرالية المؤسساتية
الليبيراليون المؤسساتيون بدورهم استمروا في تكييف نظرياتهم. ويعود ذلك من جهة، إلى أن الطرح الجوهري لهذه النظرية فقد الكثير من بريقه مع مرور الزمن، إذ أن المؤسسات أصبح ينظر إليها كعامل مسهل للتعاون طالما أن ذلك يتماشى مع مصلحة الدول، لكنه أصبح من الواضح الآن أن المؤسسات لا تستطيع فرض سلوكات معينة على الدول إذا كان يتنافى مع مصالحها الأنانية [للمزيد حول هذا الموضوع أنظر مقال روبرت كيوهان]. ومن جهة أخرى، فقد قام المؤسساتيون من أمثال جون بافيلد وروبرت ماكالا بتوضيح النظرية لتشمل مجالات متعددة. أبرزها دراسة منظمة حلف شمال الأطلسي، إذ يرى هؤلاء الباحثون أن خاصية المأسسة العالية للناتو تفسر سر بقائِه وتكيفِهِ مع التغيرات بالرغم من اختفاء خصمه التقليدي.
من جانبه لازال الاتجاه الاقتصادي للنظرية الليبرالية يحظى بنفوذ كبير، خاصة ما طرحه بعض الباحثين من أن عولمة الأسواق العالمية، وظهور الشبكات عبر الوطنية، والمنظمات غير الحكومية، والانتشار السريع لتكنولوجيا الاتصالات الكونية، كلها ساهمت في تقويض صلاحيات الدول وحولت الاهتمام من مسائل الأمن العسكري إلى قضايا الاقتصاد والرفاه الاجتماعي. وبالرغم من جدة هذه التحولات، إلا أن المنطق الذي تقوم عليه بسيط جدا، فطالما أن المجتمعات أصبحت مرتبطة ببعضها بشبكة من الارتباطات الاقتصادية والاجتماعية، فإن التكاليف المرتفعة لفك هذه الارتباطات سوف تردع التحركات الانفرادية للدول، وخاصة الاستعمال المنفرد للقوة.
هذا المنظور يتضمن حقيقة أن الحرب ستبقى احتمالا قائما بين الدول الأكثر تصنيعا، كما أنه يشير إلى أن دفع الصين وروسيا لتبنى الرأسمالية المتوحشة يعتبر الوسيلة المثلى لتعزيز الازدهار والسلام، خاصة إذا مكن ذلك من إيجاد طبقة متوسطة داخل هذه الدول وساهم في الضغط تجاه الدمقرطة. ولا شك أن جلب الازدهار وروح التنافس إلى هذه المجتمعات مهمة ذات طابع اقتصادي.
تعرضت هذه النظرة إلى الانتقاد من طرف باحثين يرون أن النطاق الحالي للعولمة لا يزال متواضعا، وبأن ما يتم من عمليات اقتصادية مختلفة لازالت تضبطها الدول. ومع ذلك، فإن الفكرة القائلة بتفوق قوى الاقتصاد على السياسة التقليدية للقوى الكبرى تحظى بانتشار واسع في أوساط الباحثين وصناع السياسة على حد سواء. ويبدو أن "دور الدولة" سيكون موضوعا مهما في الأبحاث الأكاديمية المستقبلية.