ماهية المخدرات
تجدون في هذا "الكتاب" كل مايتعلق بالخلفية التاريخية للمخدرات ومفهومها،وكذا انواعها واصنافها.
1. الخلفية التاريخية للمخدرات
ور د في تراث الحضارات القديمة آثار ا كثيرة تدل على معرفة الإنسان بالمواد المخدرة منذ تلك الأزمنة البعيدة، وقد وجدت تلك الآثار على شكل نقوش على جدران المعابد أو كتابات على أوراق البردى في الحضارة المصرية القديمة، أو ُكأساطير رويت و تناقلتها الأجيال. وقد عرفت الشعوب القديمة الحشيش وصنعوا من أليافه الحبال والأقمشة، وأسماه الصينيون واهب السعادة، وأطلق عليه الهندوس اسم مخفف الأحزان، أما كلمة القنب فهي كلمة لاتينية معناها ضوضاء، وقد سمي الحشيش بهذا الاسم لان متعاطيه يحدث ضوضاء بعد وصول المادة المخدرة إلى ذروة مفعولها. ومن المادة الفعالة في نبات القنب هذا يصنع الحشيش، ومعناه في اللغة العربية "العشب" أو النبات البري. ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية "شيش" التي تعني الفرح، انطلاقا مما يشعر به المتعاطي من نشوٍة وفرح عند تعاطيه الحشيش. وقد كان الهندوس يعتقدون أن الإله (شيفا )هو الذي يأتي بنبات القنب من المحيط ثم تستخرج منه باقي الآلهة ما وصفوه بالرحيق الإلهي ويقصدون به ، ً الحشيش، وقد نقش الإغريق صورا لنبات الخشخاش على جدران المقابر والمعابد وقد اختلف المدلول الرمزي لهذه النقوش حسب الآلهة التي تمسك بها؛ ففي يد الآلهة (هيرا )تعني الأمومة، والآلهة (ديميتر )تعني خصوبة الأرض، والإله (بلوتو) ٌ تعني الموت أو النوم الأبدي. أما قبائل الانديز فقد انتشرت بينهم أسطورة تقول ان امرأة نزلت من السماء لتخفف آلام الناس وتجلب لهم نوماً لذيذا، وتحولت بفضل القوة الإلهية إلى شجرة الكوكا.
وقد كانت مشكلة تعاطي المخدرات في الماضي مقصورة على عدد محدود من الدول العربية لكنها سرعان ما استشرت في المنطقة، كما كانت في الماضي قاصرة على الحشيش والأفيون فأصبحت تشمل كافة أنواع المخدرات. وتعد مصر واحدة من أكبر أسواق المخدرات في المنطقة العربية وقد اختلفت الروايات في
تأكيد معرفة قدماء المصريين للمخدرات فمنها ما ينفي معرفتهم بها ومنها ما يؤكد ذلك، فيذهب أصحاب الاتجاه الأول إلى التدليل على أ ريهم بأن المصريين القدماء لم يعرفوا الخشخاش (الأفيون)ويستدلون على ذلك بأن معظم الآثار الفرعونية القديمة كانت خلواً من زهرة، أو كبسولة، أو بذور الخشخاش. بينما يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى أن الإنسان المصري قد عرف المخدرات منذ زمنٍ قديم؛ ففي النقوش التي وجدت على مقابر الفراعنة ما يثبت أن قدماء المصريين استخدموا الأفيون في عمل وصفاتٍ دوائية لعلاج الأطفال وهو ما حدث بعد ذلك بقرونٍ طويلة عندما كان الناس في صعيد مصر يستخدمون الخشخاش (الأفيون) في جلب النوم إلى الأطفال المشاكسين أو المرضى، ومما يرجح الرأي الأخير أنه عقب اكتشاف مقبرة الأسرة الثامنة عشر؛ عثر فيها على دهان يحتوي على المورفين وعند التنقيب عن الآثار عثر على قرطين يمثلان كبسولة الخشخاش تتماثل الأخاديد فيهما مع الخطوط البارزة في كبسولة الخشخاش، وقد عثر على زهور وأوراق الخشخاش على مومياء الأسرة الواحدة والعشرين، وكذلك في أكاليل الزهور الخاصة بالأميرة الفرعونية (نسكونس). ويشار في مذكرات (هيرودوت) ما يؤكد أن مصر عرفت الحشيش في عصر الفراعنة وأنه كان موج وداً مع البغاء عند غانية تسمى (رادوبيس)، كانت عندها الليالي الحمراء والزرقاء (المخدرات)، وأنها كانت تحلم ببناء هرم يشبه هرم خوفو (الهرم الأكبر)، بل إنه قد قيل أنها هي التي بنت الهرم الأصغر من أموال البغاء والحشيش.
ويوضح لنا ذلك أن استخدام المخدرات قديم قدم البشرية عرفته أقدم الحضارات في العالم فقد وجدت لوحة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد تدل على استعمال السومريين للأفيون وكانوا يطلقون عليه (نبات السعادة)، وعرف الهنود والصينيون الحشيش منذ الألف الثالث قبل الميلاد كما وصفه هوميروس في الأوديسا.
وعرف الكوكايين في أمريكا اللاتينية منذ 500 عام ق . م وكان الهنود الحمر يمضغون أوراقه في طقوسهم الدينية، أما القات فقد عرفه الأحباش قديماً ونقلوه إلى اليمن عام 525 للميلاد. وفي أوائل القرن التاسع عشر تمكن الألماني (سيد ترونر)من فصل مادة المورفين عن الأفيون وأطلق عليها هذا الاسم نسبةً إلى (مورفيوس) إله الأحلام عند الإغريق.
وفي المشرق الإسلامي يرجح ابن كثير أن الحسن بن الصباح – زعيم طائفة الحشاشين في أواخر القرن الخامس الهجري - كان يقدم طعاماً لأتباعه يحرف به مزاجهم ويفسد أدمغتهم، وهذا يعني أن نوعا من المخدرات عرفه العالم الإسلامي في تلك الحقبة، وتشير دراسات عديدة إلى أن تعاطي المخدرات قد عرف في المجتمعات والحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية والرومانية واليونانية والصينية والعربية .. وغيرها
ويقال كما أسلفنا آنفاً أن الفراعنة هم أول من عرف المخدرات وكان أهمها تلك المشتقة من نبات الخشخاش والقنب، لكن استعمال هذه النباتات وما يشتق منها من مخدرات كان مقصورا على مجالات بعيدة عن التعاطي والإدمان، حيث كانت تستعمل في مجال الطب؛ فالأفيون كان يستخدم لعلاج أمراض العيون وعمل مراهم
لآلام الجسم، وكذلك كان يصنع منه مساحيق لنفس الإغراض كما كان يستخدم في ذلك الوقت كدواء لتهدئة الأطفال من الصراخ . ومع بداية القرن الحالي أخذت إساءة استعمال المخدرات تشغل بال المسئولين حيث بدأت تتدفق على البلاد كميات ضخمة من الحشيش والأفيون من بلاد اليونان، وأقبل على تعاطيها كثير من فئات الشعب في الريف والمدن، بعد أن كان التعاطي محصورا في نطاقٍ ضيق على بعض الأحياء الوضيعة في المدن، وذلك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عندما تمكن كيميائي يوناني من إدخال الكوكايين إلى مصر وتقديمه للطبقة العليا، ثم انتشرت بعد ذلك عادة تعاطي الكوكايين بسرعة امتدت إلى باقي الطبقات الأخرى من الشعب