نشأة وتطور الحريات العامة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الحريات العامة
Livre: نشأة وتطور الحريات العامة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Thursday 2 May 2024, 03:24

Description

مقدمة:

 يكتسي موضوع الحريات العامة أهمية بالغة فهي الركيزة الأساسية  لكل نظام ديمقراطي تقوم عليه دولة الحق والقانون، حيث تتعدد الزوايا التي تدرس من خلالها سياسية، فلسفية، ثقافية، اقتصادية، اجتماعية  كانت أو قانونية حقوقية وهي الزاوية التي سنخصها بالدراسة حيث سنحاول البحث في مفهوم الحريات العامة ومختلف تصنيفاتها والأسس التي تقوم عليها،ثم السلطات المختصة بوضع نظامها القانوني، وفي الأخير سنتطرق إلى مختلف الضمانات المقررة لحمايتها.

1- نشأة وتطور الحريات العامة

إن الحريات لم تبلغ التطور التي هي عليه الآن إلا بعد أن مرت بجملة من التغيرات والتطورات نوجزها كالتالي:

1-1الحريات في العصر القديم:

إن أهم ما ميز الحريات في ذلك العصر هو الانتهاكات حيث ساد مبدأ القوة التي كانت تمثل القانون، فكانت المعيار الذي يعبر عن الحقوق والحريات ، ورغم أن الحضارات القديمة عرفت بعضا من الحقوق و أحاطتها بالرعاية إلا أنه ومقابل ذلك ساد نظام الاستبداد والاسترقاق.

الاستبداد: حيث شكل الطغيان الميزة الأساسية للعلاقة بين الرعية والحكام بغض النظر عن تسمية الحاكم ( ملك، سلطان، امبراطور.....)

العبودية ( الرق): حيث كانت الحقوق والحريات محصورة في الأحرار دونما العبيد الذين حرموا منها بل كان حكمهم حكم الأشياء والحيوانات.

1-2  الحريات في العصور الوسطى:

ونتطرق فيها إلى دور الكنيسة وآراء مفكري هذا العصر ، ودور الثورات

-دور الكنيسة: لقد كان للكنيسة في أوروبا دور في تحرير الأفراد من استبداد السلطات الحاكمة وذلك بإرسائها نظام ازدواجية السلطة( سلطة سياسية وسلطة دينية) واضعة حدا لهيمنة وتدخل السلطة السياسية في مجال الحريات خاصة الدينية منها،غير أنها حادت عن هذا المبدأ و استغل رجال الدين سلطتهم في طمس حقوق وحريات الأفراد و هو ما أدى بالفلاسفة و المفكرين تأسيس نظرياتهم حول الحريات .

-الحريات عند فلاسفة و مفكري العصور الوسطى ( النظرية العقدية ):بعد استبداد رجال الدن تم هجرة النظرية الدينية فظهرت نظرية العقد الاجتماعي التي اعترفت بمفهوم الحقوق الطبيعية التي هي مستمدة من القانون الطبيعي و التي تثبت للإنسان بمجرد ميلاده و من زعماء نظرية العقد الاجتماعي نذكر:جان لوك ، جان هوب، جان جاك روسو.حيث اتفق مؤسسو هذه النظرية على أن أفراد الجماعة تنازلوا عن حقوقهم أو بعض منها للسلطة الحاكمة بموجب هذا العقد الذي هو أساس شرعية السلطة التي تلتزم بضمان حقوق و حريات الأفراد.

-ظهور نظريات حقوق الإنسان و المواطن (ظهور الثورات): لقد حدث تطور فكري و فلسفي عميق تزامن مع ظهور العديد من الثورات و التي تلاها تبني العديد من الإعلانات والمواثيق والدساتير لضمان الحقوق والحريات.

ففي بريطانيا ظهر مع الثورة ما يسمى بالميثاق الأعظم ( الماغناكارتا) سنة 1215 ، و ظهرت معه العديد من الوثائق التي تهدف الى تقيد سلطة الملك فأصبح يملك و لا يحكم وطالبوه فيها بمنح حريات معينة و أن لا يتم معاقبة أي رجل إلا بموجب قانون الدولة .

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت الثورة ضد المستعمر البريطاني ، و ظهر معها إعلان الإستقلال الأمريكي سنة 1776 ، و في فرنسا فقد ظهر إعلان حقوق الإنسان و المواكن الفرنسي بعد ثورة 14 جويلية 1789 ، و الذي شكل مصدرا للثورات  فيما بعد .

1-3: الحقوق و الحريات في العصر الحديث

و هنا نميز بين مستويين:

-المستوى الدولي : ظهرت العديد من المنظمات الدولية في العصر الحديث تهدف إلى ضمان الحقوق و الحريات بدءا بميثاق عصبة الأمم الذي نص على حقوق الأقليات، و كذلك العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى حماية بعض الحقوق كمنظمة العمل الدولية (حماية حقوق العمال) ، و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة بهدف حفظ السلام و الأمن الدوليين و ضمان حقوق و حريات الأفراد التي تم انتهاكها بشكل صارخ خلال الحربين العالميتين .

-المستوى الإقليمي : ظهرت العديد من المنظمات الإقليمية لمساعدة منظمة الأمم المتحدة في تجسيد حماية الحقوق و الحريات سواءا في أوروبا ، أمريكا ، إفريقيا والتي تبنت العديد من المواثيق و أنشأت العديد من الأليات  لحمايتها .

فعلى الصعيد الأوروبي ظهر صراع فكري بين الإتجاه الليبيرالي (الفردي) و الإشتراكي (بقيادة المعسكر الشرقي) حول تصور مفهوم الحقوق والحريات حيث يعطي الإتجاه الأول أهمية كبيرة للحقوق السياسية ( الحقوق –حريات (الحقوق السلبية)) بينما نادى الاتجاه الثاني بتدخل الدولة لضمان الحريات خاصة الإقتصادية والإجتماعية منها (الحقوق الإيجابية).

-ظهور الدول المستقلة حديثا (دول العالم الثالث): والتي كان أغلبها مستعمرا و بمجرد استقلالها تبنت دساتيرا و مواثيقا تنص خاصة على الحق في تقرير المصير وحقها في السيطرة على مواردها وسيادتها على ثرواتها الطبيعية وعلى الحقوق و الحريات التي ناضلت من أجلها .

2- مفهوم الحريات العامة

2-1 تعريف الحرية:

لغة: الحر نقيض العبد، والحرية نقيض العبودية، وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الحرية بل وردت ألفاظ في ذات المعنى منها لفظ الحر، تحرير في آيات القصاص.

إصطلاحا : لقد اختلفت الحريات في معنى الحرية : حيث يرى موريس هوريو أن الحريات هي مجموعة الحقوق المعترف بها و التي تعتبر أساسية عند مستوى حضاري معين مما يجعل حمايتها حماية قانونية خاصة تتكفل بها الدولة و تضمن عدم التعرض لها و تبيين وسائل حمايتها.

أما الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن فيرى أنها ( حق الفرد في أن يفعل كل ما لا يضر بالأخرين و لا يمكن إخضاع ممارسة الحريات الطبيعية لقيود إلا من أجل تمكين أعضاء الجماعة الأخرين من التمتع بحقوقهم و هذه القيود لا يجوز فرضها إلا بقانون ).

أما الدستور الجزائري فقد نص على الحريات بموجب الفصل الرابع منه حيث جاء في المادة 7 من أول دستور 1963 (يمارس كل واحد جميع حرياته في إطار الحقوق المعترف بها للغير في الدستور لاسيما احترام الحق في الشرف...)

2-2 : تمييز الحريات عن المصطلحات المشابهة لها :

التمييز بين الحريات العامة و الحريات الخاصة .

فالحريات الخاصة هي تلك الحريات التي تتصل بالعلاقات بين الأفراد دون تدخل الدولة التعاقد و حرية الزواج ... أما الحريات العامة فترتبط بالعلاقات بين الدولة و الأفراد مثل حرية الرأي و التعبير...

غير أن هذا التميز قد تم تجاوزه حاليا لأن الدولة أصبحت تتدخل في تنظيم جميع الحريات بل و حتى تقييدها.

التمييز بين الحريات و الحريات العامة:

فالحريات يقصد بها الحقوق أو الحريات التي مصدرها القانون الطبيعي (فهي حقوق طبيعية فطرية ) ، بينما الحريات العامة هي الحقوق و الحريات التي تتدخل الدولة في تنظيمها أي خرجت من مجال القانون الطبيعي إلى القانون الوضعي لذلك يقول جان ريفيرو " إن الحريات العامة هي حقوق الإنسان التي حولها الاعتراف بها من طرف الدولة من القانون الطبيعي إلى القانون الوضعي"، غير أن هذا التعريف بدوره تم تجاوزه :

2-3 : نسبية الحريات

إن النسبية هي ضد الإطلاق فما هو نسبي هو غير مطلق، فهي متطورة، متغيرة، غير ثابتة وغير مستقرة من حيث الزمان والمكان، و من مظاهر نسبية الحريات العامة:

-النسبية من حيث المكان : فمفهوم الحية في إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776 يعني التحرر من الحكم الإنجليزي والتحول من شكل مستعمرات أمريكية إلى دولة ذات سيادة، أما الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 فيرى أن عدم إخضاع ممارسة الحريات الطبيعية لقيود لا يجوز فرضها إلا بقانون ، فقد جاء نتيجة اللامساواة والاستبداد و فساد نظام الدولة و تسلط البرلمانات.

-من حيث الزمان: فبعد زوال نظام الرق تعدى مفهوم الحرية إلى حرية الرأي والتعبير، وحرية الحياة الخاصة بفعل التطورات التكنولوجية لم يعد لها نفس التصور.

-من حيث تدخل الدولة في تقييدها : سواء كان ذلك في الظروف العادية ( فكرة النظام العام) كالحق في التنقل المقيد بإجراءات معينة ، أو في الظروف الإستثنائية (حالة الطوارئ) .

-نسبية الحريات من حيث الأهمية : فبعض الحريات أهم من الأخرى بحسب الأفراد أو المجتمعات وكذلك من حيث نظرة الأفراد للحياة فمثلا ينظر الكاتب أو المفكر إلى حرية الفكر والتعبير عن الرأي أنها أهم من الحرية الأخرى

-نسبية الحرية من حيث الإتجاهات الفكرية والفلسفية: حيث يعترف المذهب الفردي بالحريات الفردية و يقدسها بينما يعترف الإتجاه الإشتراكي بالحقوق الجماعية .

2-4  : دور القانون في مجال الحريات العامة

يلعب القانون دورا بارزا في مجال الحريات بدءا بالإعتراف بها والتأسيس لها وتكريسها وضمانها ووضع الأليات الكفيلة بحمايتها،كما يلعب دورا في تنظيم ممارستها وتقيدها وتقليصها .

-دور القانون في حماية الحريات العامة: و يتجلى ذلك في الإعتراف بها في القوانين و التشريعات سواء الأساسية ( الدستور ) أو التنظيمية ( اللوائح ) و التي تعبر عن رغبة السلطة في توفير الحماية لهذه الحريات و التي تتجسد أكثر فأكثر من خلال وضع أليات و توفير مؤسسات تكفل ذلك .

-دور القانون في تقليص الحريات وتقييدها: خصوصا بعض الحريات كالحرية الإقتصادية ( حرية ممارسة النشاط الاقتصادي) والتي تؤدي إلى الاحتكار، فتتدخل الدولة لتنظيم النشاط الإقتصادي مقلصة منها ، كذلك أحاط المشرع حرية الإضراب بجملة من الإجراءات و الشروط القانونية ،كما تتعرض الحريات إلى التقييد و التقليص سواء في الظروف العادية ( فكرة النظام العام) أو في الظروف الاستثنائية .

 

1. مقدمة

مقدمة:

 يكتسي موضوع الحريات العامة أهمية بالغة فهي الركيزة الأساسية  لكل نظام ديمقراطي تقوم عليه دولة الحق والقانون، حيث تتعدد الزوايا التي تدرس من خلالها سياسية، فلسفية، ثقافية، اقتصادية، اجتماعية  كانت أو قانونية حقوقية وهي الزاوية التي سنخصها بالدراسة حيث سنحاول البحث في مفهوم الحريات العامة ومختلف تصنيفاتها والأسس التي تقوم عليها،ثم السلطات المختصة بوضع نظامها القانوني، وفي الأخير سنتطرق إلى مختلف الضمانات المقررة لحمايتها.

1- نشأة وتطور الحريات العامة

إن الحريات لم تبلغ التطور التي هي عليه الآن إلا بعد أن مرت بجملة من التغيرات والتطورات نوجزها كالتالي:

2. الحريات في العصر القديم

-1الحريات في العصر القديم:

إن أهم ما ميز الحريات في ذلك العصر هو الانتهاكات حيث ساد مبدأ القوة التي كانت تمثل القانون، فكانت المعيار الذي يعبر عن الحقوق والحريات ، ورغم أن الحضارات القديمة عرفت بعضا من الحقوق و أحاطتها بالرعاية إلا أنه ومقابل ذلك ساد نظام الاستبداد والاسترقاق.

الاستبداد: حيث شكل الطغيان الميزة الأساسية للعلاقة بين الرعية والحكام بغض النظر عن تسمية الحاكم ( ملك، سلطان، امبراطور.....)

العبودية ( الرق): حيث كانت الحقوق والحريات محصورة في الأحرار دونما العبيد الذين حرموا منها بل كان حكمهم حكم الأشياء والحيوانات.

3. الحريات في العصور الوسطى

-2  الحريات في العصور الوسطى:

ونتطرق فيها إلى دور الكنيسة وآراء مفكري هذا العصر ، ودور الثورات

-دور الكنيسة: لقد كان للكنيسة في أوروبا دور في تحرير الأفراد من استبداد السلطات الحاكمة وذلك بإرسائها نظام ازدواجية السلطة( سلطة سياسية وسلطة دينية) واضعة حدا لهيمنة وتدخل السلطة السياسية في مجال الحريات خاصة الدينية منها،غير أنها حادت عن هذا المبدأ و استغل رجال الدين سلطتهم في طمس حقوق وحريات الأفراد و هو ما أدى بالفلاسفة و المفكرين تأسيس نظرياتهم حول الحريات .

-الحريات عند فلاسفة و مفكري العصور الوسطى ( النظرية العقدية ):بعد استبداد رجال الدن تم هجرة النظرية الدينية فظهرت نظرية العقد الاجتماعي التي اعترفت بمفهوم الحقوق الطبيعية التي هي مستمدة من القانون الطبيعي و التي تثبت للإنسان بمجرد ميلاده و من زعماء نظرية العقد الاجتماعي نذكر:جان لوك ، جان هوب، جان جاك روسو.حيث اتفق مؤسسو هذه النظرية على أن أفراد الجماعة تنازلوا عن حقوقهم أو بعض منها للسلطة الحاكمة بموجب هذا العقد الذي هو أساس شرعية السلطة التي تلتزم بضمان حقوق و حريات الأفراد.

-ظهور نظريات حقوق الإنسان و المواطن (ظهور الثورات): لقد حدث تطور فكري و فلسفي عميق تزامن مع ظهور العديد من الثورات و التي تلاها تبني العديد من الإعلانات والمواثيق والدساتير لضمان الحقوق والحريات.

ففي بريطانيا ظهر مع الثورة ما يسمى بالميثاق الأعظم ( الماغناكارتا) سنة 1215 ، و ظهرت معه العديد من الوثائق التي تهدف الى تقيد سلطة الملك فأصبح يملك و لا يحكم وطالبوه فيها بمنح حريات معينة و أن لا يتم معاقبة أي رجل إلا بموجب قانون الدولة .

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت الثورة ضد المستعمر البريطاني ، و ظهر معها إعلان الإستقلال الأمريكي سنة 1776 ، و في فرنسا فقد ظهر إعلان حقوق الإنسان و المواكن الفرنسي بعد ثورة 14 جويلية 1789 ، و الذي شكل مصدرا للثورات  فيما بعد .

4. الحريات العامة في العصر الحديث

-3: الحقوق و الحريات في العصر الحديث

و هنا نميز بين مستويين:

-المستوى الدولي : ظهرت العديد من المنظمات الدولية في العصر الحديث تهدف إلى ضمان الحقوق و الحريات بدءا بميثاق عصبة الأمم الذي نص على حقوق الأقليات، و كذلك العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى حماية بعض الحقوق كمنظمة العمل الدولية (حماية حقوق العمال) ، و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة بهدف حفظ السلام و الأمن الدوليين و ضمان حقوق و حريات الأفراد التي تم انتهاكها بشكل صارخ خلال الحربين العالميتين .

-المستوى الإقليمي : ظهرت العديد من المنظمات الإقليمية لمساعدة منظمة الأمم المتحدة في تجسيد حماية الحقوق و الحريات سواءا في أوروبا ، أمريكا ، إفريقيا والتي تبنت العديد من المواثيق و أنشأت العديد من الأليات  لحمايتها .

فعلى الصعيد الأوروبي ظهر صراع فكري بين الإتجاه الليبيرالي (الفردي) و الإشتراكي (بقيادة المعسكر الشرقي) حول تصور مفهوم الحقوق والحريات حيث يعطي الإتجاه الأول أهمية كبيرة للحقوق السياسية ( الحقوق –حريات (الحقوق السلبية)) بينما نادى الاتجاه الثاني بتدخل الدولة لضمان الحريات خاصة الإقتصادية والإجتماعية منها (الحقوق الإيجابية).

-ظهور الدول المستقلة حديثا (دول العالم الثالث): والتي كان أغلبها مستعمرا و بمجرد استقلالها تبنت دساتيرا و مواثيقا تنص خاصة على الحق في تقرير المصير وحقها في السيطرة على مواردها وسيادتها على ثرواتها الطبيعية وعلى الحقوق و الحريات التي ناضلت من أجلها .