1. النظرية المثالية في العلاقات الدولية
تعد النظرية المثالية إحدى الاتجاهات المعيارية في تحليل العلاقات الدولية فإن دراسة العلاقات الدولية، التي تركز على القيم الأخلاقية المثالية في تصورها للعلاقات الدولية ويعتبرون الفكر الإنساني هو الحكم الأعلى في القضايا الأخلاقية. كما تعتبر أن أساس العلاقات الدولية هي علاقات ودية وسلمية، وأن ما يوجد من حروب وصراعات في العالم هو أمر يتناقض مع الفطرة البشرية. على هذا الأساس تتمحور هذه الإشكالية للإجابة على التساؤل التالي؟ كيف كانت التصورات الفكرية للإسهامات المقدمة من طرف النظرية المثالية للعلاقات الدولية؟
أ- النظرية المثالية وروادها:
يقال أن المثالية سيطرت على دراسة العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين. وتسمى كذلك الطوباوية، وهذه الواقعة شكلا من أشكال الدولية الليبرالية. ومن أهم المثاليين إيمانويل كانط Immanuel Kant وريتشارد كوبدن Richard Cobdon وجون هوبسون John Hobson ونومان آنجل Norman Angell وألفر زيمرن Alfred Zimmern وودرو ويلسون Woodrow Wilson.
إذ آمن جميع المثاليين بالتقدم، وكانوا يرون أن آليات الديمقراطية البرلمانية والنقاش تحت حكم القانون يمكن إرساؤها في الدبلوماسية الدولية. لهذا السبب كرسوا أهمية كبرى لعصبة الأمم وتقوية القانون الدولي، منطلقين من الخاصية المحورية التي تميز النظرية المثالية التي الاعتقاد بأن ما يجمع البشر أكبر بكثير من ما يفرقهم.
فقد كان الدافع وراء حقبة المثالية، (من أوائل القرن العشرين حتى أواخر الثلاثينيات منه) هو الرغبة في منع حدوث الحروب. غير أن الكثيرين من المثاليين كانوا يشكون في أن مبادئ الحرية الاقتصادية، مثل التجارة الحرة، من شأنها أن تحقق السلام. فالمثاليون من أمثال هوبسون (J. A. Hobson) جادلوا بأن الإمبريالية – وهي إخضاع الشعوب الأجنبية ومواردها- أصبحت السبب الأساسي للصراع في السياسة الدولية.
إلا أن تراجع الطرحات الفكرية التي قدمتها النظرية المثالية ظهر بشكل بارز مع انهيار عصبة الأمم واندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939. وعلى الرغم من أن المثاليين سعوا إلى استخدام نظام العصبة ليحل محل السياسة الواقعية الأوربية، إلا أنها أصبحت مجرد منتدى يعكس المصالح القومية المتنافسة بين القوى العظمى في تلك الأيام.
ب- معايير النظرية المثالية:
تقوم المثالية في تفسيرها للعلاقات الدولية على ثلاث معايير أساسية، وتعتبر بأن من الواجب على الدول أن تراعيها في تعاملاتها خارج حدودها الوطنية، وهي كما يلي:
- الأخلاق
- النظرة التفاؤلية للعلاقات الدولية
- الدولية أو الاتجاه نحو العالمية.
- ترسيخ وتجسيد مبادئ القانون الدولي.
المرتكزات الأساسية للنظرية المثالية:
يمكن تلخيص المرتكزات الأساسية للمدرسة المثالية في العناصر التالية:
- يعتبر دعاة المدرسة المثالية أن وجود مصالح مشتركة ومتبادلة بين الدول يؤدي إلى تضامن هذه الدول في إطار علاقات اعتماد متبادل مما يدفعها إلى وصف المجتمع بالتضامن وتصويره بمثابة وحدة اجتماعية.
- ويرى أنصار هذه النظرية أن المجتمع الدولي منظم أو يفترض فيه أن يكون منظما، وذلك بعد أن انتقل الإنسان إلى طور الاستقرار، وابتكاره لوسائل تؤمن له ممارسة حقوقه وحرياته وتبعده عن النزاعات والصراعات اليومية في اتجاه إقامة مجتمع مشترك. ولعل أساس هذه التشاركية هو الابتعاد من حالة الفطرة إلى حياة الجماعة .
- ينطلق المثاليون من أولوية الأخلاق في العلاقات بين الأفراد سواء في المجتمع الداخلي أو بين دول المجتمع الدولي، إذ لابد للفرد من وجوب الخضوع للقوانين والقواعد التي وضعت لخدمة الجماعة.
- انطلاقا من فكرة انسجام المصالح، فالفرد عندما يعمل لمصلحته الذاتية، فانه يعمل لمصلحة الجماعة، فهو يحمي مصلحته الخاصة. ونفس الشيء بالنسبة للعلاقات بين الدول، فمن منطلق تطابق المصالح، وعلى اعتبار أن كل الدول لها مصلحة في السلم، فان كل دولة تريد أن تعرقل السلم هي دولة غير عقلانية وغير أخلاقية.
وهكذا، فان المنهج المثالي اعتمد على مقترب أخلاقي-قانوني، يهدف إلى بناء عالم أفضل خال من النزاعات، مرتكزا على مسلمات فلسفية تفاؤلية حول الطبيعة البشرية، ودور المعرفة العقلانية، وانسجام المصالح، وكذا إمكانية إقامة معايير قيمة مطلقة.