هناك العديد من الكتاب الذين يعطون انطباعا في تحليلهم لاحتلال الجزائر، يرجع بالدرجة الأولى الى حادثة المروحة بين الداي حسين و القنصل الفرنسي في أفريل 1827 م والحقيقة ان لمسألة احتلال الجزائر أسباب منها ما هو حقيقي و منها ما هو غير معلن عنه، والشيء الاساسي أنه هناك عدة جهات فرنسية تعاونت فيما بينها بهدف محو الشخصية الجزائرية العربية الإسلامية للشعب الجزائري و استغلال خيرات الجزائر ومقومات الشعب لكي يبقى خاضعا للغرب المسيحي، فقد أفصح عن هذا الاتجاه شارل العاشر ملك فرنسا في مارسيليا عام 1830 عندما قال أن التعويض الحاسم الذي أريد الحصول عليه و أنا أثأر للشرف الفرنسي أن يتحول بمعونة الله لصالح المسيحية"، ونفس التعبير نجده في التقرير الذي رفعه وزير خارجية الحرب الفرنسي إلى مجلس الوزراء الفرنسي في 14اكتوبر 1827 م حيث قال لعله مع الوقت سيكون من حظنا أن نمدنهم وذلك بجعلهم مسيحيين"
الأسباب الحقيقة لاحتلال الجزائر :
1- لأسباب السياسية
و تتمثل أساسا في اعتبار حكومة الرياس في الجزائر تابعة الإمبراطورية العثمانية التي بدأت تنهار و الدول الاوربية تتهيأ للاستيلاء على الأراضي التابعة لها
- أن شارل العاشر الملك الفرنسي كان يرغب في خلق تعاون وثيق مع روسيا في حدود البحر الأبيض المتوسط لمواجهة الهيمنة البريطانية .
- المعارضة التي سيطرت على مجلس النواب في انتخابات 1827 في فرنسا خلقت صعوبات داخلية للملك الفرنسي الذي كان يعتقد أن الحل الوحيد لإسكات المعارضة هو احراز انتصار خارجي .
2- الأسباب العسكرية :
أن انهزام الجيش الفرنسي في أوروبا و فشله في احتلال مصر والانسحاب منها تحت ضربات القوات الإنجليزية في 1801 دفع بالملك الفرنسي أن يبعث بأحد ضباطه إلى الجزائر من24 ماي إلى 17 جويلية1808 لوضع خطة عسكرية تسهل عملية احتلال الجزائر .
-عند انهزام نابليون بونابرت في معركة واترلو 1815 و تحالف الدول الكبرى ضد الجيش الفرنسي، دفعه أن يعتمد على سياسة التوسع في أفريقيا و يعمل على انشغال الجيش بمسائل حيوية مثل احتلال الجزائر و تحقيق الانتصار و يمنع من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضده.
3- أسباب اقتصادية :
تعددت الجوانب الاقتصادية لاحتلال فرنسا للجزائر، و يظهر هذا في الدراسة التي نشرها السيد تاليران في جويلية 1797م و التي كان عنوانها محاولة حول الامتيازات التي يمكن الحصول عليها جراء انشاء مستعمرات جديدة في الظروف الحالية" فطلبت الحكومة في عهد نابليون من قنصلها في الجزائر أن يجيبها بدقة عن بعض الاسئلة المتعلقة بمشروع احتلال الجزائر .
و تقرر من هذه الحقائق تعاون الرأسماليين الفرنسيين الذين كانت تدفعهم المصالح المالية إلى التوسع و العثور على اسواق جديدة و موارد خام ضرورية، استجابة إلى رغبة هؤلاء التجار الرأسماليين قام الجنرال كلوزيل في بداية الاحتلال بإصدار قانون يقضي بتسليم الأراضي الجزائرية للمهاجرين الفرنسيين .
4-الاسباب الدينية :
في الحقيقة إن الصراع الذي كان قائما بين الدول المسيحية الاوربية و الدولة العثمانية الإسلامية قد انعكس على الجزائر لأن الاسطول الجزائري القوي يعتبر في نظر الدول الاوروبية المسيحية عبارة عن امتداد للأسطول العثماني الذي كان يسيطر على منطقة الشرق العربي و تظهر النية المبيتة من طرف فرنسا المسيحية لاحتلال الجزائر المسلمة في التقرير الذي رفعه السيد كليرمون وزير الحربية الفرنسية إلى مجلس الوزراء الفرنسي المؤرخ في 14 أكتوبر 1827 م.
5- التواطؤ اليهودي الفرنسي :
لقد كانت الجزائر تزود فرنسا بالقمح منذ مدة طويلة من الزمن و خاصة في عهد نابليون بونابرت الذي كان يحرص على اقتناء الغذاء الضروري لشعبه من الجزائر و في عهد الداي حسن المتوفي سنة 1798م استطاع اليهوديان باكري و بوشناق اللذان قدما من ايطاليا إلى الجزائر سنة 1770 م أن يحصلا على موافقة الداي باحتكار تجارة الحبوب ودفع علاوات عالية للدولة ثم اقنعا المسؤولين الفرنسيين باستيراد قمح الجزائر من شركتهما بدلا من استيراده من الوكالة الوطنية لأفريقيا التي هي شركة فرنسية، استمرت الحكومة الفرنسية في شراء القمح حتى وصلت الديون المستحقة مقدار 24 مليون فرنك و قامت فرنسا بدفع نسبة كبيرة إلى الشركة اليهودية و قامت هذه الشركة بالتواطؤ مع القنصل الفرنسي و وزير الخارجية بمخادعة الحكومة الجزائرية بحيث تراخت في سعيها لقبض ما تبقى من ديون الجزائر في ذمة فرنسا و ذلك امعانا منها في تعقيد القضية و احداث مشاكل مع فرنسا و تعكير صفو العلاقات الجزائرية الفرنسية .
كان طبيعيا أن تسقط الجزائر بسهولة بايدي الفرنسيين في 5 جويلية 1830م و ذلك بسبب انفراد الداي حسين بالسلطة و اعتماده الكلي على مجموعة صغيرة من الجنود و الأقرباء الذين كانو يخدمونه اما أبناء الجزائر كانو يعيشون عزلة تامة، ولم تكن لهم مسؤولية في السلطة و هو ما جعلهم لا يملكون رغبة في الدفاع عنه بعدها علم الداي حسين بالخدعة بين الشركة اليهودية و الحكومة الفرنسية فشدد الخناق على الشركة كي تدفع مستحقاتها و بدلا من أن تلبي الشركة المطلب قام مؤسسها بمراوغة خبيثة تمثلت في تقديم رشوة إلى السفير الفرنسي بقصد المبادرة في دفع الديون فتشكلت لجنة من ثلاث خبراء فرنسيين لدراسة مسألة الديون كانت نتيجة حكمها أن للجزائر الحق في مطالبة فرنسا بمبلغ 7 مليون فرنك، ثم أعلنت فرنسا استعدادها لدفع 3 ملايين و 175 الف و 631 فرنك فرنسي نقدا و دفع المبلغ المتبقي على شكل اقساط بمعدل 350الف فرنك فرنسي كل اسبوع، شرعت فرنسا في تسديد الديون إلى أن بقي مبلغ مليونين و 500 الف فرنك فرنسي . فقامت جماعة فرنسية بافتعال أزمة بين الشركة اليهودية و مواطنين فرنسيين بالادعاء أن الشركة مطالبة بدفع أموال إلى المواطنين الفرنسيين و هو الامر الذي يستدعي إيقاف دفع المستحقات ثم تحصل التاجران اليهوديان على المبلغ المستحق لخزينة الجزائر و قاما بعدها بالفرار إلى فرنسا و ايطاليا و هكذا وقع داي الجزائر في الفخ الذي أدى إلى حادثة المروحة