تعريف المنهج:
1- تعريف المنهج لغة واصطلاحا:
1-1- المنهج لغة:
المنهج مصدر مشتق من الفعل (نهج) بمعنى: طرق أو سلك أو اتبع، والنهج والمنهج، والمناهج تعني: اطريق الواضح. (ابن منظور، لسان العرب، 2010)
وهو يحيل أيضا في الدلالة اللغوية إلى السبيل والطريق والمنوال وأيضا إلى الشاكلة. (عبد الحفيظ الفزازي، 2020، ص: 1)
وحسب لسان العرب، المنهج هو المنهاج وهو الطريق الواضح البين، والمنهج هو الطريق المستقيم، ونهج طريقا سلكه، ونهج الأمرُ، وضح. (محمد الهلالي، 2020، ص: 5).
نستنتج خاصيتين أساسيتين للمنهج من هذا التعريف وهما: الطريق الذي يتم اتباعه والوضوح. وفي اللغة الفرنسية، فالمنهج حسب قاموس لاروس هو:
أ/ مجموعة مبادئ وقواعد ومراحل منظمة منطقيا تشكل وسيلة لبلوغ نتيجة معينة.
ب/ وهو طريقة تقنية لإنجاز فعل أو عمل أو نشاط معين.
ج/ ومجموعة قواعد تسمح بتعلم تقنية معينة أو علم ما. والمنهج، هو طريقة قيادة الفكر والتعبير عنه انسجاما مع مبادئ المعرفة. نستنتج من هذا التعريف الخصائص التالية للمنهج: قواعد ومبادئ، مراحل، تنظيم منطقي، وسيلة وغاية. (المرجع نفسه)
ويعود أصل كلمة méthode الفرنسية إلى الكلمة اللاتينية méthodus التي يعود أصلها هي بدورها إلى الكلمة اليونانية methdos، المكونة من كلمتين هما (meta وتعني: ما بعد، ما وراء، ما يلي، ما يواكب) و(كلمة hodos الطريق)، ويعني المنهج حسب هذه الاشتقاقات اللغوية الطريق المرسوم سلفا، والذي يقود إلى النتيجة. (المرجع نفسه)
وحسب معجم لالاند الفلسفي، كان المنهج يعني عند ارسطو البحث فقط، ويركز المنهج على إرادة توجه عمل الإنسان من أجل بلوغ غاية محددة، ويجمع المنهج بين ما هو نظري وما هو عملي، بين الملاحظة والتجربة من جهة، وعملية التفسير من جهة أخرى. (المرجع نفسه، ص: 6)
2-1- إصطلاحا:
هو طريقة في التعامل مع المواضيع عرضا وطرحا ومناقشة، وهو بذلك يتعدد بحسب طبيعة الموضوع (علمي، أدبي، فلسفي، ديني) كما يعرف أيضا بكونه الطريقة التي تسلكها الذات العارفة للوصول إلى موضوع المعرفة، وذلك من خلال الاعتماد على قواعد ومبادئ عقلية صارمة. (عبد الحفيظ الفزازي، 2020)
وهو طريقة يصل بها الإنسان إلى حقيقة أو معرفة. (علي جواد الطاهر، 1974، ص: 19) وهو بذلك ينتمي إلى علم الإبستمولوجيا ويعني علم المعرفيات أو نظرية المعرفة. (عبد المنعم الحفني، 2000، ص:17)
ويعرفه محمد البدوي بأنه "علم يعنى بالبحث في أيسر الطرق؛ الوصول إلى المعلومة مع توفير الجهد والوقت، وتفيد كذلك معنى ترتيب المادة المعرفية وتبويبها وفق أحكام مضبوطة." (محمد البدوي، 1998، ص: 9)
ولا ريبة، في أن المنهج "مثَّل بالنسبة للفكر الإنساني علامة على تميز الأفكار ومجالات المعرفة، بل إن اكتشاف العلوم ارتبط بنحت منهج سميت باسمه، إذ اصطلح على العلوم التي تستعمل المنهج التجريبي بالعلوم التجريبية وهو ما أكده الدكتور يوسف تيبس في مقال له بمجلة رؤى تربوية تحت عنوان منهج العلم، غير أن تاريخ المعرفة الإنسانية لم يعرف منهجا واحدا بعينه و‘نما عرف مناهج متعددة ومختلفة (عبد الحفيظ الفزازي، ص: 1) وهو ما سيتضح لنا فيما بعد من خلال معالجتنا للمناهج الفلسفية المتعددة.
2- قضاياه:
لا يوجد مجال بدون منهج ملائم له والأمثلة كثيرة على ذلك:
يمكن الحديث عن المنهج الرياضي والمنهج التجريبي والمنهج التماثلي والإحصائي ومنهج تصنيف النباتات في العلوم، ومنهج تقييم الحاجيات في الإقتصاد، والمناهج النفسية والتحليلية في علم النفس والتحليل النفسي، والمنهج المقارن ومنهج استطلاعات الرأي في علم الاجتماع ومناهج أخرى في مجالات عدة مثل الفنون الجميلة والإعلاميات والطب والبيداغوجيا واللسانيات والموسيقى والدين والتكنولوجيا... فما المقصود بالمنهج عموما؟ (محمد الهلالي، 2020، ص: 6)
المنهج هو عبارة عن قواعد تُفرض على الفكر دون أن تؤثر سلبيا على جوهره، هو خطوات تسمح بالنظرية بمواجهة الواقع، هو طريقة في التفكير، رابط يربط الفكر بالواقع من أجل إبراز حقيقته. وهو ضامن النظام والترتيب الفكري والارتباط بما يوجد خارج الفكر (المرجع نفسه).
لهذا السبب، نحكم أن المنهج يتضمن النظام والترتيب وإجراءات تفرض التتبع والتطبيق، بغية خدمة الإنسان والإنسانية قاطبة.
وتعرف جماعة (بور- روايال) المنهج أنه "فن الترتيب والتنظيم الصحيح لمجموعة من الأفكار للكشف عن الحقيقة أو البرهنة عليها." (المرجع نفسه، ص: 7)
ويمكن القول أن هذا التعريف ينطبق على جميع المناهج: المنهج التحليلي، المنهج الإستنباطي، المنهج الجدلي، المنهج التجريبي، المنهج الفينومينولوجي.
3- آلياته:
في الحقيقة، شهد البحث العلمي، في أوروبا، نقلة نوعية مهمة على يد الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت، إذ حان الوقت الذي يجري فيه النص على أن من طبيعة آداب البحث، أو من شروطه (باقر جاسم محمود، 1013) "صياغة نظرية يستفيد منها الإنسان." (René Descartes, 1637.) في حياته اليومية وفي تعامله مع الطبيعة الخارجية.
لكن التفكير العلمي الدقيق والمنهجي في المنهج، وفي مشكلات المنهج تحديدا، قد تأخر كثيرا حتى حوالي القرن الثالث عشر. وكان اسهام روجير بيكونفي التوكيد على أهمية الرياضيات والنزعة التجريبية في دراسة العلوم مهمًا في هذا المجال. وكان من أثر عمل بيكون أن شاع مصطلح استخدام العلوم التجريبية في الغرب تأثرا بكتاباته قبل ظهور العلم الحديث. (أحمد عُلَبي، 1999، ص: 26)
فضلا عن ذلك، كان هناك اسهام مهم للفيلسوف ديكارت الذي أصدر أول عمل فلسفي عام 1637، تحت عنوان: "مقالات فلسفية" تضمن أربع مقالات:
الأولى في الهندسة والثانية في البصريات والثالثة في النيازك والشهب والرابعة عنونت ب: مقالة في المنهج.
وقد احتفظت الأخيرة بأهميتها بعد أن فقدت المقالات الثلاث أهميتها حينما تقدم العلم في الحقول التي ركزت عليها. ولعل أهمية المقالة الرابعة ترجع إلى أنها كانت تبحث في أصول التفكير العلمي وآلياته. وهي مسألة نظرية مهمة في كل عصر وأوان. (المرجع نفسه)
وقد تضمنت هذه المقالة مبدأ الشك العقلي المفضي إلى تحقيق اليقين العلمي، وهو مبدأ علمي مهم، كما تضمنت المقالة الرابعة أربعة قواعد أعتبرها بمثابة الآليات التي تقوم عليها المناهج العلمية العقلية والتجريبية المعاصرة نظرا للتقدم الذي عرفته مختلف هذه العلوم بعد ادماجها الرياضيات في أنساقها المختلفة والمتنوعة.