المحاضرة الثامنة

  أدب الطفل والخيال العلمي

عناصر المحاضرة

ü    مقدمة

ü    مفهوم الخيال.

ü    مزايا الخيال العلمي في الأدب.

ü    أهمية الخيال العلمي في أدب الطفولة.

مقدمة:

أدب الخيال العلمي أدب إنساني يستجيب لطموح الإنسان وإشباع فضوله المعرفي، واستكشاف المجهول، وقصصه تجمع بين الخيال والأدب والعلم في نظام سردي مشوق وجذاب، وعلى الرغم من أن الخيال يدرس غالبا على أساس أنه جنس أدبي، ولاسيما في مناقشات الكتب التي ترتكز على الخيال العلمي، واستخدام الخيال بوصفه عنصرا أدبيا في النشر والشعر والدراما التي كانت ومازال اتجاه مناسبا خلال العديد من الأجناس الأدبية ولقرون عدة،ففي القرن العشرين احتل الخيال العلمي مكانا مركزيا في الأدب، وبالتحديد بوصفه عنصرا بنائيا مجازيا يسمح للمؤلف أن يروي حكايته من خلال خلفيات متعددة لجمهور عالمي.

1/   مفهوم الخيال العلمي:

  لا يمكن تحديد مفهوم للخيال وضبطه بتعريف واحد، لكن هناك مجموعة من التعاريف والمفاهيم يمكن أن توفر مقاربة هذا المفهوم، حيث يعرفه يوسف مارون انه:" الملكة العقلية التي تتصور منها التصورات الحسية والأشياء الغائبة وكأنها ماثلة أمام أحاسيسنا ومشاعرنا، القدرة الذهنية التي تساعد على تكوين صورة جديدة، عالج موضوعا متصلا بالماضي أو الحاضر أو المستقبل."[1]

   و يعرفه ماهر شفيق فريد فيقول:" هو ضرب من القصص يوظف فيه الأدب منجزات العلم، أو يستشرف ما يمكن أن يأتي به المستقبل من تكنولوجيا، عندما يطوع العقل الطبيعة لخدمة الإنسان وتقدمه، بعد فهمه قوانينها ، من ثم تتخذ هذه القصص بيتها في أماكن غير تقليدية كالكواكب، وأعماق البحار، وباطن الأرض، ويصبح السفر في الفضاء والغوص في البحار، والمغامرات وسائل لإقامة هيكل الحكاية، مع استفادتها من الفروض العلمية."[2]

  ويرى هيثم هلال أن الخيال هو " القوة الموجودة في الدماغ، يجمع صور المعاني الجزئية وتركيبها على نحو الأنحاء."

2/ أنواع الخيال العلمي:

تتعدد أنواع الخيال والصور الذهنية التي ينتجها العقل، ولعل أهمها:

  الخيال غير النشط: حيث تأتي الصور من تلقاء نفسها إلى الذهن ويتم دمجها تلقائيا في المخ دون نشاط واع من العقل.

الخيال النشط الفعال: على عكس النوع السابق، فإن العقل يقوم بدور النشط في هذا النوع، حيث يبذل جهدا لتذكر واستخلاص التجارب والخبرات السابقة وجمعها في أنماط جديدة، فدمج الصور في هذا النوع من الخيال يتم بصورة واعية حيث يرفض العقل صورا ويقبل أخرى.

الخيال التقديري: وفيه يبذل العقل جهدا لتصور موصوف، وترتيب الخيال ومزجه بعد تلقي مثيرات خارجية، مثل قراءة القصص والروايات والمسرحيات والقصائد، أو دراسة التاريخ والجغرافيا، حيث يتلقى العقل وصفا خارجيا ويقوم بتخيله.

الخيال الإبداعي: في هذا النوع يبني العقل من داخله، وينتج صورا جديدة ويرتبها ترتيبا جديدا مثل تصميم المهندس لمبنى، أ كتابة الروائي لقصة.

الخيال المعرفي: ويرتبط بالتفكير والمعرفة والتعلم، ومن أشهر أمثلته: قصة اكتشاف نيوتن لقانون الجاذبية بسقوط التفاحة، وهذا النوع يرتبط غالبا غما بالخيال التقديري أو الإبداعي.

3/ أهمية الخيال في الأدب:

     للخيال أهمية كبيرة ومكانة بارزة في مجال الإبداع الأدبي، إذ إنه" من العوامل الأساسية في تحديد النص الأدبي، نحو الفاعل الحقيقي في وجود النص، فلا يمكن أن يكون هناك نص أدبي دون أن يكون وراءه خيال"، ولتوضيح دور الخيال وأهميته في الأدب، اعتمد هذا القول على تناسب الخيال؛ إذ أن الغرض الأساسي له في الأدب هو الحقيقة، يشبه الغرض من الواقعية، ماعدا أن أدب الخيال يرتبط غالبا بالقصص المنطقية من منظور الخيالية، وهو ما يلاحظ في الأدب عموما.

    يعد الخيال من أهم العناصر في الجهود التي يبذلها المؤلف لنقل أفكاره للمتلقي، فتأثير الخيال يرتكز  على حقيقة أن العالم المتمثل في هذه القصص يبدو وكأنه حقيقي، على الرغم من أن كل شيء فيه مختلف تماما، فانعدام الاتصال هذا يرسخ كل عبارة ويعمق جميع الصور في النص بحشد المعاني والتداعيات التي تبعث أو تخلق في الغالب لغة جديدة، إذ يرى ابن سينا" أن الأديب صانع ولكنه يعتمد على الخيال، فالعلاقة التي يعقدها الأديب بين الأشياء تحتاج منه إلى كيفية معينة."[3]

وللخيال دور كبير في العملية الإبداعية، فهو " الذي يوسع دائرة الإبداع لدى الأديب، وهو الذي يزوده ببصيرة خاصة، تمكنه من إدراك كل الأشياء والعلاقة التي يمكن أن تجمع بينهما، فينتقي ما يشاء ليركب النص الأدبي" واستحضار الخيال عنصر أساسي في الكثير من الأعمال الأدبية بمختلف أنواعها، وان أعمال أدب الخيال العلمي المماثلة وأدب الرعب بوصفها شطحات علمية في أدب الخيال، تشترك في الكثير من الصفات، وقد رسم "كورنويل" الفرق بين النوعين في الكتابة، موضحا أن الأعمال التي تنسب إلى عالم الخيال الخالص غالبا ما تركز وتشدد على عوالم متداخلة" تبدو؛ وكأنه تقع في مكان آخر، رغم ذلك فإنها تصنع علاقة اتصالات مبهمة وغير واضحة مع عالم الواقع.

   وهناك من يحاول التفرقة بين " القصص العلمية" وقصص الخيال العلمي" على أساس ان النوع الأول وصفي " بتتبع أبحاث العلماء"، وجهود المخترعين والمبتكرين، وقصص مخترعاتهم ومبتكراتهم، وما كان لها من تأثير في حياة الناس[4]  

 بينما قصص الخيال العلمي تقوم على خيال ولكنه مدعم بنظريات علمية قد تكون سائدة ف يعصر الكاتب أو المؤلف، أو تكون هذه النظريات العلمية غير منتشرة في عصره، ولكنها معروفة لدى مؤلف هذه القصص، وليس من الضروري أن يكون مؤلف قصص الخيال العلمي من العلماء

4/ مزايا الخيال العلمي في أدب الطفولة:

    من أهم مزايا قصص "الخيال العلمي" للأطفال إسهامه في تنمية القدرة على استحضار صور لم يسبق إدراكها من قبل إدراكا حسيا متكاملا" وذلك ينمي خيال الطفل والقارئ عموما، ويصقل هذه المقدرة التي لا يستغني عنها أديبا أو عالما. ومن هذه المزايا أيضا:

-          الخيال ضروري في الحياة فهو الطي يضفي قيمة ومعنى على خبراتنا، ويثري مفاهيمنا ويرتقي بسلوكنا.

-          يسمح لنا التغلغل خلال الأشياء، متجاوزين النظرة السطحية، ومن ثم فهو وسيلة لاستكشاف المجهول، ومحاولة الوصول إلى غير المألوف والغامض في الحياة.

-          يمكن للإنسان من خلاله على السيطرة على قوى الطبيعة، إذا أحسن استثمار  الخيال للوصول إلى مغاليق الحياة.

-          إثراء إحساس الأطفال بالتغلب على المشكلات، إضاءة ما حولهم من عوالم خفية، وليس ذلك ضربا من الأحلام أو الأوهام، لأنه لا قيمة للخيال إذا لم يعتمد على العقل والمنطق والعلم ومعطيات الواقع المحسوس.

-          تكمن قيمة قصص الخيال العلمي كونها تتجاوز وسيلة لتوصيل المعلومات إلى إشباع مخيلات الأطفال، وتهيئة عقولهم للتفكير، وتنمية مقدرتهم على البحث والتأمل، وتجديد طاقاتهم بتفاعلهم مع هذه القصص، وبذلك يثرى التخيل مقدرة الأطفال على الابتكار وفعل التقدم، والعطاء المبدع.

-          تنمي قصص الخيال العلمي ثقافة الأطفال، بما تزودهم به من معلومات ومعارف وخبرات، ووسائل تعين على تجديد التفكير، وحيوية البحث، وشمولية النظرة والبعد عن الجمود والتحجر، وتأصيل وغرس عادات سلوكية إيجابية، تتصل بحب العلم والتقصي، وخلق الرغبة في الابتكار.

         ومما سبق فغن إحساس السعادة والفرح والبهجة التي تغمر الأطفال، وهو إحساس مرتبط بالانتصار والتغلب على المشكلا ت، إثر قراءة أو سماع قصص "الخيال العلمي" وتفاعلهم معها، ويتضاعف هذا الإحساس بما تتضمنه النماذج الناجحة من بنية فنية قصصية، ووسائلها التعبيرية، الكاشفة عن إمتاع وجدان الأطفال، وجلب السعادة لهم، وغير ذلك مما يهيئهم نفسيا وفكريا للتصدي بصفاء لحياتهم ومتغيراها، وقد صقلت مشاعرهم، ونمت إحساسهم بالجمال.

Modifié le: Thursday 21 December 2023, 23:35