المحور الثالث: الدور الاجتماعي والاقتصادي للمقاولاتية.

للمقاولاتية أدوار كثيرة في المجتمع، كما انها تسهم بشكل كبير في الاقتصاد وهذا ما سنشير اليه في هذا المحور في عنصرين اثنين.

أولا /الدور الاجتماعي للمقاولاتية:

ان تطور المجتمعات عبر تاريخ البشرية يكشف أن لكل مجتمع خصائص تميزه عن غيره، خاصة ما تعلق بدرجة تطوره وكيف هي علاقته مع قيمة العمل، وطبيعة تعامله مع الطبيعة. فالمجتمعات تطورت من مجتمع الصيد والقنص الى مجتمع الزراعة والفلاحة ثم مجتمع الصناعة والتجارة والمال والاعمال وصولا الى مجتمع التقنية (التكنولوجيا) ، وأخيرا مجتمع الخدمات الرقمية ثم مجتمع المعرفة والذكاء الصناعي(المجتمع المستقبلى).

إن أهمية المقاولاتية تظهر في دعم حركية المجتمع ونشاط أفراده سواء في سوق العمل أو  العقود المبرمة لإنجاز المشاريع، وهذا ما جعل المشرع الجزائري في التقنين المدني وبخاصة في المادة 594 منه ينص على  تعريف المقاولة بـ "عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئا أو أن يؤدي عملا مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر"

كما عددت المادة الثانية من القانون التجاري المقاولات كالتالي:

-كل مقاولة  لتأجير المنقولات  أو  العقارات.

-كل مقاولة للانتاج أو التحويل او الاصلاح.

-كل مقاولة  للبناء أو الحفر أو لتمهيد الأرض.

- كل مقاولة للتوريد أو الخدمات.

-كل مقاولة لاستغلال المناجم أم المناجم السطحية أو مقالع الحجارة أو منتوجات الأرض.

-كل مقاولة لاستغلال النقل او الانتقال.

-كل مقاولة لاستغلال الملاهي العمومية أو الانتاج الفكري.

-كل مقاولة للتأمينات.

-كل مقاولة لاستغلال المخازن العمومية.

-كل مقاولة لبيع السلع الجديدة بالمزاد العلني بالجملة أو الأشياء المستعملة بالتجزئة.

-كل مقاولة لصنع او شراء او بيع و اعادة بيع السفن للملاحة البحرية."

لا يخفى الدور المهم التي تقوم به المقاولاتية في تنشيط الحياة الاجتماعية في البلاد، خاصة اذا علمنا ان الاهتمام بالمجتمع المقاولاتي أصبح هدف الحكومات، فالبرامج الداعمة للتنشئة المقاولاتية تسهم في التقليل من البطالة، وتشغيل اليد العاملة ، وخلق الثروة  والابتكار والابداع لجميع الفئات، وخاصة الشباب منهم وللجنسين في المدينة وفي الريف على حد سواء.

-فالإنسان ابن بيئته – فكلما كانت  بيئة  مناسبة وداعمة  ومشجعة على الابداع والابتكار وعلى تقديس قيمة العمل، ورعاية الأفكار واحتضان المشاريع؛ كانت فرص ظهور صفات المقاول أكثر، والعكس بالعكس اذا كانت البيئة مثبطة والتشريعات معيقة  ومقيدة للمشاريع والمرافقة غائبة، سنلاحظ غياب المقاولاتية.

وفي الآونة الأخيرة نشهد تطورات كثيرة من حيث الاهتمام بالمؤسسات الناشئة والثقافة المقاولاتية في المجتمع، من خلال  القوانين (القانون 17-02 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قرارات عديدة على مستوى وزارة التعليم العالي متعلقة باستحداث مذكرة تخرج مؤسسة ناشئة- القرار الوزاري  رقم1275 -  لربط الشباب الجامعي بسوق العمل، قانون المقاول الذاتي بموجب القانون رقم 22-23 المؤرخ في 18 ديسمبر 2022- (ج ر رقم 85 ) ، احداث وزارة خاصة بالمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، تعديل قوانين العمل والوظيفة العمومية للسماح( للعمال في القطاع الخاص وللموظفين العموميين ) بإنشاء مؤسسات ناشئة .....الخ) .

ان الجهود التشريعية والتنظيمية الخاصة بالمرافقة والداعمة للمقاولاتية لإنشاء المؤسسات الناشئة تصب من أجل تكوين أجيال تعتمد على الابتكار وخلق الثروة.

ثانيا/ الدور الاقتصادي للمقاولاتية:

للمقاولاتية آثار اقتصادية كبيرة ومهمة سواء على الصعيد الشخصي للمقاول وللمؤسسة التي ينشؤها( من خلال تحقيق الأرباح)، وكذا على مستوى الدولة حيث يحقق التنمية الاقتصادية المنشودة؛ وهذا من خلال سياسة التشغيل وتوفير اليد العاملة، واستغلال الموارد والمواد الأولية، وزيادة حجم الاستهلاك، وإيجاد فرص تطوير أدوات ووسائل الإنتاج، واستغلال تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تطوير وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، كما تسهم المقاولاتية في رفع مستوى التنافسية في تنويع وتوزيع السلع والخدمات.

ان المقاولاتية تسمح بالاستجابة السريعة لحاجيات المواطنين؛ وهذا من خلال الانشاء السريع   للمشاريع والمؤسسات (START UP)، وسهولة الإجراءات المتعلقة بها (إجراءات الإيداع والاعتماد  الكترونيا عبر الخط  EN LIGNE)، خاصة وأن التجارة تتميز بالسرعة والتنافسية والتي لا تحتمل التأخير.

كل ما سبق جعل الدول تلجأ الى دعم انشاء مثل هذه المؤسسات   الناشئة  والصغيرة والمتوسطة، لدعم اقتصادياتها بمشاريع كثيرة ولكنها صغيرة في حجمها، حيث ترافقها ببرامج  لتحقيق الأهداف الاقتصادية.

حتى ان البنك الدولي يعترف أن حجم رقم أعمال معتبر الذي تسهم به المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد العالمي.

 

 

المحور الثاني: ماهية المقاول.

لا يمكن الحديث عن المقاولاتية دون ذكر الشخص الذي المبدع صاحب الفكرة وصاحب المشروع ، فهو الذي تعهد وتحمل المخاطر وهو المسؤول عن استغلال الفرصة وو...الخ ، اذن المقاول( l’entrepreneur ) هو الشخص الذي له القدرة على القيادة  وهو ربان السفينة التي تمثل المشروع، يتخذ القرار المناسب بشأن الأنشطة المتعلقة بها. وهو المبادر لحل المشكلات التي تصادف مشروعه، كما يتميز المقاول بعدة خصائص ينفرد بها ليكون جديرا بهذا اللقب.

أولا/خصائص المقاول: 

من أهم خصائص المقاول ما يلي:

1- التنشئة الاجتماعية قائمة على تعزيز ثقة المقاول المستقبلي بنفسه؛ حيث يؤمن بإمكانية تحقيق أحلامه وآماله.

2- الخصائص النفسية الأخرى مثل: الصبر والانتباه والفطنة والذكاء...الخ، حتى لو لم تجتمع كلها فان البعض منها كفيل بتنمية الخصائص الأخرى أو تطويرها.

3- مهارات التعامل؛ ونقصد بها القدرة على تأليف الأشخاص والأفراد حول فكرة معينة وتشجيعهم على الانخراط فيها، كما تكون له القدرة على الاقناع وتعزيز روح العمل الجماعي.

4- الجدية والانضباط في العمل؛ حيث تجده يحترم المواعيد ويقدر الجهود ويقيسها بمقياس الربح والخسارة، ولا مجال للصدفة لديه.

5- القدرة على الابداع والابتكار والقدرة على التفاعل مع محيطه، فهو في حالة ملاحظة دائمة لبيئته؛ فتجده يبدع في طريقة حله لمشكلاته، فهو يتعامل مع حاجاته بطريقة مبتكرة.

6- المخاطرة والقدرة على المجازفة والمحاولة؛ فالمقاول يحاول دائما ولا يمل ولا يكل، فهو دائم التجريب واقتناص الفرص، فكلما أتيحت له كان مستعدا لها وبالمرصاد.

7- المقاول يؤمن بعملية التدريب والتطوير المستمر-مثل الباحث الذي يؤمن بقيمة التعلم المستمر- فهو يكون نفسه مهنيا واداريا ومهاريا وتكنولوجيا حتى يساير التطور الذي يناسب مشروعه ومؤسسته (مثلا: الاعتماد على تكنولوجيا الاعلام والاتصال TIC).

8- المقاول الناجح يجد البيئة الرشيدة- والمجتمع السند والدولة المرافقة- التي تعينه على تحقيق مشاريعه ولا تعيقه ولا تدفن أحلامه وطموحاته. وبغير ذلك سنقضي على جميع الابتكارات والاختراعات.

9- الشباب: من أهم خصائص المقاولاتية أن القائمين بها يكونون شباب على اعتبار أن هذه الفئة طموحة وهي عماد البلاد: فكريا ذهنيا وجسديا وعلميا، فوجب استغلال هذه الفترة من العمر لإطلاق الطاقات الكامنة فيهم، لأن بعد هذه الفترة ستفتر الهمم والقدرات الشبابية.

10-       القيادية: المقاول له نزعة قيادية leadership فهو يميل الى إدارة العلاقات الإنسانية بكفاءة، واتخاذ القرارات الحازمة، والمحاسبة والمقيمة للمشروع.

11-       القدرة على مواجهة الفشل واقتراح الحلول لمواجهة أو تغيير أسلوب التفكير، أو التخلي عن الأخطاء الممكن ارتكابها في أثناء انجاز المشروع.

12-       تقبل المقاول النقد والتوجيه (الانفتاح الفكري) حتى  على الأفكار السلبية القادمة من الغير، وهذا في سبيل نجاح مشروعه الذي يؤمن به.

13-     L’essence de l’entrepreneuriat se situe dans la perception et l’exploitation de nouvelles opportunités dans le domaine de l’entreprise [...] cela a toujours à faire avec l’apport d’un usage différent de ressources nationales qui sont soustraites de leur utilisation naturelle et sujettes à de nouvelles combinaisons. (Schumpeter(

وفي هذا الصدد لا يمكن ذكر جميع الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المقاول، لكن يبقى اتصافه بعدد أكبر منها يسمح له بالمضي بمشروعه الى أبعد الحدود، ولا يمكن اغفال دور تنشئة النشأ (الطفولة المبكرة والشباب والطلبة في الجامعات خاصة في  برامج التدريس، والانخراط في جمعيات المجتمع المدني، وتطوير المهارات الحياتية... )على الفكر الإبداعي والابتكاري والاعتماد على النفس منذ الصغر، حتى تتكون أجيال  عاملة  وليست خاملة، تنهض بالدولة وباقتصادها وتنميتها  ورفاهيتها. فحيث لا يمكن أن يكون كل المواطنين لهم ثقافة مقاولاتية، فمن المهم أن يكون كل أفراد المجتمع يحبون هذه الثقافة، ويدعمونها بكل السبل، ولا يقفون حجر عثرة ضد من يريد أن يصبح مقاولا مبدعا منتجا للثروة.

وفي  الحديث المشهور أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه". وهذا دليل على حث الإسلام على السعي والجد والاجتهاد وعدم سؤال الناس، كما حث في أحاديث أخرى على الفطنة والكياسة واتقان العمل. كما اشتغل النبي في شبابه في التجارة، وما من نبي الا وامتهن مهنة وكان النبي داوود- عليه السلام- يأكل من عمل يده.  فهذه الآثار تدل على استحباب العمل والتجارة والابداع والابتكار والسعي والاجتهاد.

 

Modifié le: mardi 6 juin 2023, 06:55