مفهوم الأحزاب السياسية.
الأحزاب السياسية، مفهوم لا يقل أهمية عن باقي المفاهيم الأساسية الأخرى في ميدان العلوم السياسية، فلاهتمام به لم يقتصر على جهود الباحثين والمفكرين المختصين في العلوم السياسية فقط، بل تعدى ذلك ليشمل اهتمامات الباحثين في العديد من التخصصات، بما فيذلك المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، الاقتصاد، وعلم النفس وغيرها....الخ. من هنا برزت العديد من الدراسات التي تناولت الظاهرة الحزبية من مختلف المجالات ما أدى إلى بروز اختلافات في معالجة الظاهرة الحزبية. على هذا الأساس بات من الضروري البحث في مفهوم البحث في مفهوم الأحزاب السياسية، من خلال التطرق إلى التعريف، الخصائص، الأهداف والشروط الواجب توفرها في الأحزاب السياسية حتى يمكن تمييزها عن غيرها من الفواعل.
تعريف الأحزاب السياسية:
عند البحث عن تعريف للأحزاب السياسية من خلال التصفح الكرونولوجي للدراسات والأبحاث التي ركزت على هذا المصطلح، يلاحظ الاختلاف بين الباحثين القدامى والمحدثين حول أهمية تقديم تعريف للأحزاب السياسية. فالباحثون القدامى لا يعطون أهمية كبيرة في تحديد تعريف للحزب بقدر ما يهتمون بجوانبه الأخرى. إلا أن البحثين المعاصرين يولون أهمية قصوى لتقديم لعريف له في دراساتهم.
فإذا رجعنا إلى كتاب المفكر الفرنسي موريس ديفرجيه الموسوم "بالأحزاب السياسية" الذي صدر أول مرة سنة 1951. لا يكاد يوجد تعريف واضح للحزب السياسي. نفس الملاحظة يمكن تسجيلها في مؤلف المفكر الإيطالي جيوفاني سارتوري تحت عنوان "الأحزاب والنظم الحزبية" الصادر عام 1976، إذ قام فيه باستعراض التعريفات التي وضعها عدد من الدارسين وتساءل عن جدوى التعريف وأهميته.
وسبب عدم الاهتمام بتقديم تعريف للحزب السياسي في دراسات الباحثين المحدثين أو القدامى، يعود لطبيعة الأحزاب السياسية التي كانت تتميز بالبساطة والوضوح في أدوارها. لكن مع تطور الأوضاع لسياسية، الاجتماعية والاقتصادية وتراجع دور الدولة في القيام بالتزاماتها أمام شعوبها، برزت كيانات أو فواعل جديدة ليس لها نفس الأهداف التي تصبو إليها الأحزاب السياسية، إلا أنها تتقاطع معها في العديد من الأدوار والخصائص. وبالتالي أصبح من الضروري البحث عن اتفاق جماعي لتقديم تعريف موحد يمكن الإجماع حوله للحزب السياسي حتى يمكن التفريق بينه وبين الفواعل الأخرى المشابهة له، وكان المفكر جيوفاني سارتوري من أبرز الباحثين الذين تراجعوا عن إهمال أهمية تقديم تعريف للظاهرة الحزبية بعد تعقدها وتشابكها مع فواعل أخرى.
إلا أن التعريفات المقدمة، كانت مرتبطة بحقبة زمنية معينة. فمواصفات الحزب السياسي في القرن 19 تختلف كثير عن ما هي عليه في الوقت الحالي. وبالتالي يتوجب عرض بعض من التعريفات في إطار الترتيب الزمني الذي عرضت فيه.
يعرف هارولد لاسويل ومورتن كابلان الحزب السياسي على أنه: "مجموعة من الأفراد تصوغ القضايا الشاملة، وتقدم مرشحين في الانتخابات" يلاحظ من هذا التعريف، أنه يستبعد الفواعل الأخرى التي تؤثر في عملية صنع القرار وتعمل على التأثير في صنع السياسات العامة إلا أنها لا تقدم مرشحين في الانتخابات وليس لها صلاحية صياغة الساسة العامة ولا تسع للوصول إلى السلطة.
أما سيغمون نيومان يرى أن الحزب هو: "تنظيم للعناصر السياسية النشطة في المجتمع، والذي عادة ما يتنافس سعيا للحصول على التأييد الشعبي. أما هذا التعريف يضيف خاصية التنظيم للحزب السياسي الذي تفقده بعض المكونات الاجتماعية الأخرى. إلا أنه لم يحدد الغاية من التأييد الشعبي، وبهذا يمكن أن تشترك هذه الخاصية مع عدد من الفواعل الأخرى كالمجتمع المدني الذي يسعى لخدمة المجتمع بدون مقابل إلا أنه يسع لكسب ثقة الناس وتأييده حتى يستمر في تقديم أدواره.
في نفس التعريف السابق، يذهب كل من كولمان وروزبرغ إلى أن الأحزاب السياسية هي: "اتحادات منظمة رسميا، ذات غرض واضح ومعلن يتمثل في الحصول على السيطرة الشرعية والحفاظ عليها (سواء بشكل منفرد أو بالتآلف أو التنافس الانتخابي مع اتحادات مشابهة ". إلا أن هذا التعريف لا يتطابق مع الدول التي انتهج نظام الحزب الواحد وبالتالي فهو يستثني هذا النوع من الأحزاب السياسية لأنها تُغيِبُ البيئة التنافسية النوع التنافسية التي من خلالها يدافع كل حزب عن توجهاته وآرائه.
وفقا لمفهوم الحزب يعطي سارتوري الحد الأدنى لتعريف الحزب السياسي في قوله: " أنه أي جماعة سياسية تتقدم للإنتخابات وتكون قادرة على أن تقدم من خلال تلك الانتخابات مرشحين للمناصب العامة.
من مجمل هذه التعريفات يمكن تحديد تعريف إجرائي شامل للحزب السياسي من خلال القول أنه عبارة عن تنظيم سياسي الذي يتميز الاستمرار والديمومة ويضم عدد من الأفراد تتوافق في الأهداف والمبادئ والرؤى تمخضها في مشروع سياسي يكون كاستراتيجية للحزب وبرنامجا له يتم الترويج له لكسب التأييد الشعبي لتوسيع قاعدته الشعبية حتى يتمكن من الوصول إلى السلطة وممارستها أو على الأقل التأثير ومتابعة ومراقبة السياسة العامة للدولة والقيام بدور الوساطة بين السلطة والمجتمع.
آخر تعديل: Thursday، 22 December 2022، 8:45 PM