-1 النظام التهامي resystème accusatoi
يعتبر هذا النظام أقدم الأنظمة التي عرفتها البشرية في عصورها الأولى فقد كان سائدا في العديد من التشريعات القديمة كالشريعة الفرعونية و البونانية و الرومانية و الجرمانية ويمتاز هذا النظام بأن الدعوى فيه
منافسة بين خصمين هما المدعي والمدعى عليه، إذ كان هو الاتهام حقاً خالصاً للمضرور من الجريمة يباشره
بنفسه ولا يباشره عنه غيره. ويمتاز هذا النظام بالخصائص التالية:
أ عبء الاتهام للمجني عليه أو المضرور من الجريمة أو لمن شاهد الجريمة، فا تتدخل -
السلطات العامة في الاتهام وجمع الأدلة، إذ لم تكن النيابة العامة موجودة.
يفصل في الخصومة الجنائية قاضي يعد بمثابة حكم يختاره الطرفان في بعض الأحيان أو -
يترك أمر اختياره لتقاليد معينة في أح وال أخرى. ويوصف دور القاضي في الدعوى في هذا النظام بانه على
الحياد يمثل في إدارة الجلسة و تلخيص موضوع الدعوى، و من ثمة يعد دور القاضي دوراً سلبي اً إذ يكتفي بالموازنة بين الإدانة المقدمة من طرف الأطراف فقط.
ج يغلب على إجراءات الدعوى طابع الشفهية والعلنية والحضو رية في مواجهة الخصوم، كما يكفل هذا -
النظام ضمانات الحماية وحرية الدفاع للمتهم. فهناك تساو تام بين الدفاع والاتهام 2 .
إن آثار النظام الاتهامي لا تزال قائمة إلى اليوم في بعض الشرائع الجزائية المعاصرة، خاصة في تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية، و إنجلترا. ففي إنجلترا مثلا يقع على المجني عليه عبء تحريك الدعوى الجنائية، غير أنه يوجد مع ذلك نائب عام يمثل المجتمع في مباشره الدعوى كما ينو عنه وكيل الدعاوي العام، لكنه لا يتدخل إلا في القضايا الخطيرة. أو تلك التي يتخلى عنها المجني عليه لأسبا مادية.
وبهذا تفادى النظام الإنجليزي عيب النظام الاتهامي الذي يترك أمر رفع الاتهام لمطلق حرية الفرد الذي قد يتخلى عن ذلك لكونه ضعيف الجانب كما أن عملية البحث عن الأدلة عمليه دقيقة و شاقة ليس من حسن السياسة تركها في يد المجني عليه.
نظام التنقيب والتحري
يعد هذا النظام أحدث من سابقه، ويرجع أصله إلى عهد الإمبراطورية الرومانية وكان هذا النظام يقتصر تطبيقه في بداية الأمر على فئة المتهمين العبيد فقد كان يمتاز بالقسوة والشدة. وقد ارتبط ظهور هذا النظام بظهور الدولة وتزايد قوتها ومن مظاهرها بروز ما يسمى باحق الاتهام التلقائي والقضائي حيث يمكن للقاضي من متابعة المجرم بنفسه بمجرد علمه بارتكابه الجريمة وهذا ما أدى إلى ظهور نظام الاتهام العام فيما بعد ويتمي زهذا النظام ببعض المميزات منها:
أ- إن المبادرة بالاتهام تكون دائماً لسلطة عامةّ، التي تمثل السلطة المركزية فهي التي تتهم وتبحث عن الأدلة و لا يترك ذلك للأفراد، فليس للفرد في هذا النظام إلا دوراً ثانوياً في تحريك الدعوى، وينتج عن هذا عدم توازن في الحقوق بين الاتهام والدفاع وهذا تغلبيا لمصلحة المجتمع على حسا مصلحة الفرد.
- يغلب على هذا النظام طابع الأدلة القانونية ، خاصة في بداية نشوئه، فكان مثلاً الإعدام لاينطق في جرائم معينة إلا إذا ت وافر اعتراف المتهم. كما ان التعذيب كان يعد وسيلة مشروعة للوصول إليه.
ج- يفصل في الخصومة قاض تعينه السلطات العامة، لا إلى حكم يختاره أطراف الدعوى خلافا لما كان عليه الوضع في النظام الاتهامي.
د- كان الإجراءات فيه كتابية، وكما اشتهر هذا النظام بالسرية في مباشرة إجراءات الدعوى حيث تمتد هذه السرية لتشمل حتى الخصوم انفسهم ، حيث يظل التحقيق سرياً إلى نهاية المحاكمة، وهذا ما يشكل انتهاكا و مساسا و إهدا را للمصلحة الفردية.
وقد أدخل على هذا النظام عدة تعديلات منها جواز الطعن في أحكام القاضي أمام المحاكم الأعلى درجة. غير أنه لم يكن يحقق ضمانات جدية للمتهمين، بل يفتح الباب للتنكيل بخصوم الحاكم السياسين، و ذلك للسرية التي كان تميز الإجراءات فيه حتى على أصحا القضية، فضلا على اعتماد مشروعية التعذيب في الوصول الى الحقيقة .
1 خلافا لما كان عليه الأمر في السابق ، يسود اليوم غالبية التشريعات الجزائية الحديثة و منها التشريع الإجرائي الجزائري نظام الأدلة المعنوية(نظام الأدلة الحر) و هذا كقاغدة عامة مع بعض الاستثناءات الصيقة حيث يفرض المشرع فيها ضرورة توافر أدلة معينة بذاتها لاثبات الجريمة و يعد هذا الاستثناء أعمالا و تطبيقا لظام الأدلة القانونية و منها ما كرسة المشرع الجزائري من صرورة توافر الأدلة التي نص عليها المادة 341 من قانون العقوبات الجزائري في جريمة الزنا .
النظام المختلط:
حاول هذا النظام تفادي عيو الأنظمة الإجرائية السابقة، مفضلا الإبقاء على الإيجابيات التي كان تطبعهما و تميزهما، فلا يوجد اليوم تشريع إجرائي يوصف بأنه اتهامي محض، أو تنقيب وتحري محض، بل كلها بين بين، أو نظاماً مختلطاً مع تغليب جانب على آخر.
ومن ملامح هذا النظام المختلط هو الفصل بين سلطة الادعاء وسلطة الحكم، ومن التحقيق الابتدائي إلى التحقيق النهائي. وبصفة عامة فإن النظام المختلط يحاول احترام ضمانات الحرية الشخصية، كما يكفل حق المجتمع في ذات الوق . وقد أخذت معظم التشريعات المعاصرة به.
موقف المشرع الجزائري:
تأثر المشرع الجزائري بهذه الأنظمة الإجرائية السالفة الذكر، إلا أنه ركز على إيجابيات كلامنهما وتبنى نظاماً إجرائياً مختلطاً وبالرغم من ذلك فقد سار على نفس نهج المشرع الفرنسي في الإجراءات الجزائية.ويتضح
ذلك مما يلي:
أ- تتولى النيابة العامة مهمة الإتهام والمتابعة الجزائية حيث نص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه:" الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها و يباشرها رجال القضاء أو الموظفين أو المعهود إليهم بها بمقتضى القانون.."، وقد نص المادة 29 من نفس القانون على مايلي "تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع...".
غير أن النيابة العامة لا تستأثر كلية بتحريك الدعوى العامة بل يمكن للفرد المتضرر من الجريمة أن تحرك الدعوى و هذا ما أكدته المادة الأولى الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري:"...كما يمكن للطرف المضرور أن يحرك هذه الدعوى أيضا طبقاً للشروط المحددة في هذا القانون" وهذا ما يعتبر أثر من آثار النظام الاتهامي الذي كان يتسم برفع الاتهام الفردي. وقد تأثر المشرع الجزائري بنظام التحقيق (التنتقيب و التحري)بشكل جلي في أحوال اخرى، فالتحقيق كتابي كول الإجراءات فيه مدونة من استجوا للمتهم وسماع الشهود... و هذا ملا بتولاه كاتب التحقيق الذي يرافق قاضي التحقيق و يدون كل الإجراءات التي يقوم بها، كما ان التحقيق غير علني للجمهور إذ يمتنع عليه الاطلاع على سير التحقيق ، كما ان القرارات و الأوامر التي يصدرها قضاة التحقيق ليس علنية بل تصدر في غرفة المشورة كما نص المادة 184 من ق إج ج كما أن المادة 11 من ق إ ج ج نص على انه :"تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ودون إضرار بحق الدفاع، كما أن التحقيق الابتدائي ليس وجاهياً".
ويغلب على التشريع الجزائي الجزائري في مرحلة المحاكمة الطابع الاتهامي، فالإجراءات فيه شفافية بحسب الأصل، وعلنية للجمهور وحض و يرة للخصوم لا يمكن أن تقرر سريتها عنهم مهما كان الظروف. وييمكن أن تقرر سريتها عن الجمهور فقط لاعتبارات تتعلق بالنظام العام والأد العامة كما هو الحال في بعص الجرائم الماسة بالأخلاق و غيرها . وفقا لأحكام المادة 285 . من قانون الإجراءات الجزائية .
ومن ثمة فالنظام الإجرائي الجزائري يمكن اعتباره نظاماً مختلطاً أخذ نسبة متفاوتة من النظامين وفي صور شتى.