الدرس
نماذج التكامل في افريقيا:
ساهم الانتقال من الاقتصاد المحلي إلى الاقتصاد الإقليمي ضمن إطار عولمة الاقتصاد العالمي في التّغيير من سمات ومعالم التّجارة الدّولية، التي بدورها حفزت الدّول الإفريقية للمساهمة في تحقيق مستويات عالية من التّنمية والحصول على حصة وفوائد كبيرة من التّجارة الدّولية والانفتاح على الأسواق العالمية حتى لا تكون عرضة لمزيد من التّهميش، ما توّج بإنشاء جماعات اقتصادية إقليمية، عكفت على وضع العديد من التّرتيبات الإقليميّة وجعلت من هياكلها كأدوات لزيادة نسبة الاستثمار وتعزيز النّمو الاقتصادي للوصول إلى سوق واحدة مشتركة.
ويمكن إرجاع الإرهاصات الأولى لمحاولة دمج القارة الإفريقية اقتصاديًا إلى خطة عمل لاغوس (خطة عمل لاغوس هي مبادرة من طرف منظمة الوحدة الإفريقية، اعتمدها الأعضاء في عام 1980، وكان هدفها هو تحقيق الوحدة الإفريقية Pan-Africanism والنّهوض بالتصنيع القاري عن طريق تقسيم القارة إلى مجموعات اقتصادية إقليمية من شأنها أن تشكل اقتصادًا موحدًا) التي تمّ من خلالها التّصريح بوجود المجموعات الاقتصادية كجزء لا يتجزأ من منظمة الوحدة الإفريقية المهتمة بمعالجة القضايا الاقتصادية والأمنية، نتج عن هذا الجهد اعتماد معاهدة أبوجا المؤسسة للجماعات الاقتصادية الإفريقية 1991، والتي تعتبرها الوسيلة الوحيدة للتّغلب على التّخلف والنّهوض بالتّنمية ومعالجة التّحديات الأمنية في القارة الإفريقية، وتوضّح ضمنيا أنّها بمثابة لبنة البناء المناسبة للتّكامل الاقتصادي، والأساس الذي يؤدي إلى ما يسمى بالوحدة الإفريقية، وعليه فقد قدّمت خطة عمل لاغوس ومعاهدة أبوجا إطارًا وقاعدة لعملية تنفيذ التّكامل الاقتصادي في إفريقيا من القاعدة إلى القمة، حيث تبدأ على المستويات دون الإقليميّة ممثلة في إقليم إفريقيا الوسطى والشّرقية والشّمالية والجنوبية والغربية، لتتطوّر تدريجياً إلى سوق واحد مشترك على مستوى القارة، وتبرز في:
- السّوق المشتركة لشرق إفريقيا وجنوبها Common Market for Eastern and Southern Africa –COMESA-
- الهيئة الحكومية للتّنمية Intergovernmental Authority on Development –IGAD-
- مجموعة التّنمية لجنوب إفريقيا Southern African Development Community –SADC-
- تجمّع دول السّاحل والصّحراء Community of Sahel-Saharan States –CEN SAD-
- الجماعة الاقتصادية لوسط إفريقيا East African Community –EAC-
- اتحاد المغرب العربي the Arab Maghreb Union –AMU-
- الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا Economic Community of West African States –ECOWAS-
- الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا Economic Community of Central African States –ECCAS-
غير أنّ ما أعاق أهدافها في تحقيق التّنمية الاقتصادية ومشاريع تعزيز التّجارة البينية هو تفشي النّزاعات داخل الدّول، بالنّظر إلى أنّ عددها كان أكبر من عدد الحروب الدّولية في إفريقيا، حيث يؤكد بينيكتيك فرانكي Benyctic Franky في هذا الصّدد أنّ النّزاعات التي تكشّفت في رواندا والصّومال وجمهورية الكونغو الدّيمقراطية أبرزت الحاجة لضرورة وجود قاعدة أمنية إقليمية جماعية لتسويتها وحلها، وكانت سببا في تغيير استراتيجيات الأعضاء التي كانت تركّز على الجانب الاقتصادي فقط إلى حركة من الإصلاح تضمّ أبعاد أمنية في إطار المنظمات الإقليميّة.
وعلى غرار مخلّفات الاستعمار التي ساهمت في تغذية النّزاعات داخل الدّول في إفريقيا، هناك أيضا قضايا وإشكالات كانت في مقدمة اهتمام المنظمات الإقليميّة في إفريقيا كالحكم السّيئ، انتهاك حقوق الإنسان، والفقر والتّخلف، والتّدهور البيئي، ما أدى إلى ضرورة إعادة تكييف مبادئها وأسسها للتّعامل مع مثل هذه المسائل الأمنية، وتقليل الاعتماد والتّدخل الخارجي تماشيا مع مبدأ حلول إفريقية لمشاكل إفريقية، باعتبار أنّ قربهم من مناطق النّزاع يسمح لهم بالاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية ويساعد في تقديم حلول تتوافق ومسببات تشكله.
وما أكّد على دور هذه المجموعات في المجال الأمني هو أنّه ومنذ انعقاد قمة لومي لعام 2000 التي أرست الأساس لاعتماد القانون التّأسيسي للاتحاد الإفريقي، تمّ التّأكيد على دور المجموعات الاقتصادية في:
_ تعزيز التّنمية الاقتصادية للقارة من خلال تسهيل عمليات التّكامل والتّعاون بين الدّول الإفريقية.
_ منع وإدارة النّزاعات وتعزيز الأمن السّلام والاستقرار السّياسي في جميع أنحاء القارة.
_ التّأكيد على تعزيز العلاقات بينها وبين الاتحاد الإفريقي في مجال الأمن، وجعلها جزءًا أساسيًا من هيكل السّلام والأمن الإفريقي The African Peace and Security Architecture (APSA).
إلاّ أنّه على الرّغم من هذه الجهود التي بذلتها مختلف المجموعات الاقتصادية في إفريقيا من النّاحية الأمنية أو الاقتصادية، سواء من حيث إنشاء بُنى أمنية أو من خلال اتخاذ إجراءات وسياسات تدعم مساعيها للتّدخل في تسوية النّزاعات في إقليمها، قصد الوصول إلى أمن إقليمي يضمن استتباب الاستقرار في الدّول الأعضاء، يبدو أنّ هناك إجماعًا على أنّ نجاح جميع المجموعات الاقتصادية الإقليميّة في تحقيق أهدافها كان محدودا، ومن أهم هذه الأسباب عدم رغبة الأعضاء في:
_ التّنازل عن السّيادة لصالح سلطة فوق قومية وتقديم الدّعم المادي والسّياسي الكافي للهياكل فوق الوطنية، حيث أنّ قادة الدّول الإفريقية بعد الاستقلال كانوا متردّدين في تشجيع تآكل السّيادة الوطنية وظهور سلطة فوق وطنية ومازالوا متخوفين من التّنازل الكلّي عنها، ما أدى إلى التّأثير السّلبي على عمل الهيكل التّنظيمي، حيث أنّ سبب ضعف عمل الهياكل الأمنية كآلية الإنذار المبكّر للنّزاعات والاستجابة لها يعود إلى نقص الموارد المالية، إضافة إلى أنّ كلّ سياساتها التي تشمل الدّبلوماسية الوقائية والمساعي الحميدة والوساطة أصبحت مقيدة بسبب ذلك.
_ مواجهة تكاليف الاستهلاك المحتملة التي قد تنشأ عن الاستيراد من بلد عضو مرتفع التّكلفة.
_ قبول التّوزيع غير المتكافئ للمكاسب والخسائر التي قد تتبع اتفاقية التّكامل.
_ وقف العلاقات الاقتصادية القائمة مع غير الأعضاء.
_ بالإضافة إلى تداخل العضويات عبر المجموعات الاقتصادية الإقليميّة المختلفة، ما يعقّد من مهمة تنسيق السّياسات ويبطئ محاولات التّكامل العميق الذي يطمح لتشكيل مجموعة اقتصادية واحدة، حيث أنّ العضوية المتداخلة بين الأعضاء تجعل من الصّعب التّوصل إلى توافق في الآراء لتفويض السّلطة إلى الهيئات الإقليميّة، على سبيل المثال تعدّ زامبيا عضوا في الاتحاد الجمركي للـ COMESA، الذي يتطلّب تطبيق التّعريفة الجمركية الخارجية المشتركة على غير الأعضاء، وفي نفس الوقت عضو في اتفاقية التّجارة الحرّة لمجموعة تنمية الجنوب الإفريقي SADCC، مما يضع البلاد في حالة من التّضارب حول تطبيق هذه الإجراءات، ويجعلها منشغلة بالعمل في مجموعة على حساب الأخرى.