كانت المنطقة العربية والإسلامية الممتدة من هضبة إيران إلى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط مناطق جذب لعدة أقوام وأجناس أهمها العناصر التركية الوافدة من آسيا الصغرى، وهي عناصر وجدت القبول والاحتضان من المجتمع الإسلامي بما تميـز به من تسامح وما كان يسعى إليه من نشر للدين في الأوساط غير الإسلامية. وقد لعبت هذه العناصر الوافدة أدوارا هامة في الحياة السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بفضل تحولها بعد احتكاكها بالسكان في المناطق التي مرت بها أو استقرت فيها إلى اعتناق الإسلام، مساهمة في البناء الحضاري للـمسلمين ومجددة لروح الثقافة الإسلامية. وتعد العناصر التركية من آسيا الوسطى من أكثر الأجناس المحتكة بالإسلام والمسلمين، وأكثرها استقرارا في المناطق الإسلامية، ارتضت الإسلام دينا لها فجاهدت من أجل إعلاء شأنه ومواجهة أعدائه المتربصين به من المسيحيين والوثنيـين. وكان العثمانيون يشكلون إحدى تلك العناصر التركية التي وفدت إلى المنطقة الإسلامية، مستقرة في آسيا الصغرى بعد أن أتاحت لها إمارة قونيا السلجوقية سبل الاستقرار والتوسع على حساب الإمبراطورية البيزنطية غربا، وكان ذلك عاملا أساسيا ورئيسيا في قيام الدولة العثمانية، وقد شهدت توسعا في العديد من المناطق الأوروبية حتى وصلت أبواب فـيينا عاصمة النمسا، مما جعل أوروبا تصاب بفزع شديد تكتلت فيما بينها درءا لأخطارها وإيقافا لمزيد من تقدمها في أوروبا، ولكن الهزائم لحقت بها في معظم المواقع حتى أضحت أوروبا تنظر إلى العثمانيين كما لو كانوا قدرا سلط عليهم لكثرة ذنوبهم. وكما اتجهت الدولة العثمانية إل التوسع في أوروبا فقد اتجهت إلى التوسع في المنطقة العربية في المشرق والمغرب لأسباب عديدة ودوافع متباينة، استطاع من خلالها العثمانيون مدعومين بقوى محلية من إفشال الحلف البرتغالي الحبشي للسيطرة على الطرق التجارية ومحطاتها الرئيسية في شرق إفريقيا والبحر الأحمر، والاستحواذ على مصر والشام من قبضة المماليك والحجاز واليمن سلما، وبنفس القدر واجه العثمانيون والقوى المحلية الاحتلال الإسباني، البرتغالي للسـواحل المغربية وطردوهم منها ناقلين ميدان الحرب إلى جهاد بحري كان التفوق فيه في معظم الأحيان حليف المسلمين. غير أن الدولة العثمانية لاتساعها الكبير وجمعها في حكمها لأقوام وجنسيات وديانات ومذاهب مختلفة، سار عليها ما سار على الإمبراطوريات الكبرى من الاختلاف والتمزق والثورات والحركات الانفصالية والحملات والمؤامرات الخارجية، حتى لم تعد قادرة على تأمين الاستقرار والأمن الاجتماعي في كثير من المناطق والأقاليم الخاضعة لها في أوروبا، وفي العالم الإسلامي. وبالرغم من الإصلاحات التي اضطلعت بها منذ أواخر القرن 18م فإنها لم تنجح في ذلك لأن الوقت كان قد فاتها من جهة، وظهور فكرة التتريك كإحدى نتائج تلك الإصلاحات من جهة أخرى، منتهية بالضلوع في الخلافات الدولية المنتهية بالحرب العالمية الأولى.

آخر تعديل: Tuesday، 3 September 2024، 5:25 PM