لعله من المهم أن نشير في بداية الحديث عن المقاومة الشعبية الى ان الشخصيات البارزة في الجزائر العاصمة او أعيان المدينة لم تكن لهم القوة الكافية للضغط على الجيش الفرنسي كما و قد كانت معزولة تماما عن أبناء الشعب و ينتمي معظم هؤلاء الأعيان إلى مهاجري الاندلس و الطبقة الغنية التى تمتلك الأرض في سهول متيجة و تسيطر على التجارة كل هذه الأسباب دفعت الفرنسيين إلى الامتناع عن التحالف معهم حيث عملت فرنسا على تشتيت شملهم و نفيهم و تسليط الطائفة اليهودية عليهم و الشيء الذي فتح أعينهم على الخطأ الذي وقعوا فيه حيث تعاونوا مع قوات الاحتلال في غزو وطنهم.
أ-مقاومة الأمير عبد القادر و مشروع بناء الدولة الجزائرية الحديثة:
بالنسبة للغرب الجزائري فإن الباي حسن الذي كان يحكم بايلك الغرب آنذاك قد تخلى عن الحكم في 07جانفي 1831 و ذهب للعيش في المنفى . إذ لم يستطع مقاومة الاحتلال الفرنسي عاش في المنفى بالإسكندرية ثم مكة جاء هذا الاستسلام بعد قيام الجيش الفرنسي باحتلال المرسى الكبير يوم 04 جانفي 1831 م . فقام الجنرال كلوزال بتعيين باي تونسي لكي يحكم بايلك الغرب بحيث يكون المقر في الجزائر العاصمة و يدفع أموالا كبيرة مقابل ذلك لفرنسا انسحبت القوات المغاربية من مدينة تلمسان في شهر مارس 1831 بسبب مقاومة السكان و نظرا لوجود قوات الاحتلال و تصميم قادتها على افتكاك الأرض و ابتعاد أبناء الجزائر طلب سكان غرب البلاد من الشيخ محي الدين المصطفى ( اب الأمير عبد القادر) أن يقود المعركة ضد القوات لكنه اعتذر و نصحهم بمبايعة ابنه عبد القادر و هو ما حصل في 27- 11- 1932 م و شرع بعدها في تنظيم الدولة الحديثة تكون معسكر هي مقرها و عاصمتها إضافة إلى تشكيل الحكومة قام الأمير عبد القادر بتكوين مجلس الشورى يشتمل على 11عضوا برئاسة القاضي أحمد بن الهاشمي المراجي و قد قام التنظيم السياسيي للدولة الامير على اساس فدرالية . يتمثل في وجود ثمانية مقاطعات أدارية يرأس كل مقاطعة خليفة للأمير و يتواجد هؤلاء الخلفاء في :
1- تلمسان .
2- معسكر
3- مليانة
4- التيطري
5- مجانة
6- بسكرة
7- برج حمزة
8- المنطقة الغربية من الصحراء .
و بايجاز فقد شرع الأمير في تكوين جيش وطني و إنشاء المؤسسات ووضع قوانين جديدة مستمدة من الشريعة الإسلامية و صك عملة تكمل اسمه و عند تأسيسه لدولة جزائرية حديثة قام الأمير عبد القادر بتحديد الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها من خلال تنظيم المقاومة الجزائرية و هي :
1- نشر الامن و تأديب الخونة.
2- توحيد القبائل حول مبدأ الجهاد.
3- مقاومة الفرنسيين بكل الوسائل.
4- دفع الفرنسيين إلى الاعتراف بالجزائر كدولة و بعبد القادر أميرا لها.
تميزت دولة الأمير عبد القادر بالتنظيم المحكم ففي العادة يتعين على جميع المسؤولين في دولته أداء القسم في حفل ترسيمهم ، و فيما و فيما يتعلق بالمقاومة العسكرية فقد بدأ الأمير هجوماته ابتداءا من 04- 02 - 1833 م حيث حارب القبائل المتمردة و حاول توحيد الصفوف من جهة و من جهة أخرى ضد الاحتلال الفرنسي و بالفعل تمكن في المرحلة الأولى من هزيمة الجيش الفرنسي و إجباره على التمسك و الاكتفاء بالبقاء في مدن مستغانم، أرزيو، وهران ؛ المرسى الكبير و اضطر الجنرال الفرنسي ديميشيل ان يبرم معاهدة مع الأمير عبد القادر في 1833 م و التزم فيها الطرفان بما يلي:
1- يعين الأمير عبد القادر وكلاء له في مدن مستغانم و آرزيو كما تعين فرنسا وكيلا لها في معسكر .
2- احترام الديانة الإسلامية
3- التزام الطرفان برد الأسرى.
4- إعطاء الحرية التامة للتجارة .
5- التزام كل طرف بإرجاع من يفرإلى الطرف الآخر.
6- لا يسمح لأي اوربي ان يسافر داخل البلاد الا اذا كان يحمل رخصة من وكلاء الأمير و موافقة الجنرال الفرنسي .
تعتبر النكسة الكبيرة التي أضعفت الأمير عبد القادر هي الصراع الداخلي بين القبائل و بين بعض القادة ففي يوم 12 أفريل 1834 م وقعت معركة كبيرة بين قبائل بن عمرو و القائد مصطفى بن إسماعيل رئيس الدوائر في دولة الأمير عبد القادر و انتهت بانهزام الاخير و في 12 – 07 – 1834 م تمكن الأمير عبد القادر من إخراج انتصار كبير في هذه المعارك و السيطرة على الموقف ؛ بعد ازدياد نفوذ الأمير عبد القادر في المنطقة بدأ العسكريون الفرنسيون يشعرون بالخوف فقررت السلطات الفرنسية ان تنقل ديميشيل إلى فرنسا ليخلفه تريزل و أتفق مع والي الجزائر دورلون على خلق ذريعة لمحاربة الأمير و محاضرته و بعد توالي الأحداث و التي من بينها الضغوط الكبيرة الممارسة ضد الأمير عبد القادر وقعت في 26 جويلية 1833 معركة المقطع الشهيرة والتي استطاع الجيش الفرنسي الانتصار فيها في بداية الأمر لكن بعد إعادة تنظيم الجيش ثم إلحاق هزيمة لجيش تزيزل وهو ما دفعه الى الانسحاب من مدينة آرزيو.
وفي سنة 1835 م قرّرت فرنسا الثأر لنفسها من الأمير عبد القادر وأعادت تعيين المارشال للوزيل المعروف بميولاته القوية لإخضاع الجزائر والسيطرة على خيراتها وفي يوم 3 ديسمبر 1835 نشب القتال بين الجيش الفرنسي وجيش الأمير عبد القادر في هذه المرحلة وقاوم الأمير عبد القادر مقاومة هائلة لكن سوء تنظيم الجيش وخوفهم على الأموال جعلهم يتركون الأمير عبد القادر وأنصاره يواجهون الجيش الفرنسي القوي بهزمهم واستطاع المارشال كلوزيل أن يتفوق أخيرا على الأمير وأن يجبره على الإنسحاب من مدينة معسكر وبعد إنسحابه منها وبجيشه الصغير قاوم جنرالات فرنسا في تلمسان سنة 1836 م وتمكن من هزيمتهم في معركة تافنة المشهورة ولكن قلة الخبرة وعدم انضباط المقاومين الجزائريين دفع الأمير عبد القادر للقبول بمعاهدة تافنة في 30 ماي 1837
بالنسبة للحكومة الفرنسية أدركت أنه من مصلحتها مهادنة الأمير عبد القادر لثلاث أسباب:
1- تخفيف شدة الحصار الجزائري على المراكز الفرنسية.
2- التفرغ للقضاء على مقاومة أحمد باي في شرق البلاد.
3- إعداد فرق خاصة لحرب الجبال والعصابات.
واستغل الأمير هذه الهدنة لتجديد إتصالاته مع المسؤولين الجزائريين في جميع المناطق (بلم الشمل) لكن الفرنسيين استطاعوا خلال هذه الفترة من القضاء على مقاومة أحمد باي في قسنطينة فأدرك الأمير عبد القادر أن هذا التوسع الفرنسي هو معارض لما تم الإتفاق عليه في معاهدة تافنة وما هو إلا بداية لاستئناف الحرب بين الجزائريين والفرنسيين وبعد مراسلات عديدة مع المسؤولين الفرنسيين وتذكيرهم بضرورة احترام الاتفاقيات المبرمة بينهما والتي كانت دون جدوى فأعلن الأمير في نوفمبر 1839 الحرب على فرنسا وفي21 نوفمبر قاموا بهجوم على العسكر ثم وادي العلايق و تم القضاء على 108 من الجنود و الضباط الفرنسيين .
و بما أن الأمير عبد القادر كان يخوض حرب العصابات ضد الفرنسيين و يسيطر على مناطق واسعة من خلال هذه الحرب قررت فرنسا بقيادة بيجو ان تكون الحرب عبارة عن ابادة و بعد تشديد الخناق عليه ألجأ إلى المغرب الأقصى في أكتوبر 1843 م و لكنه اضطر إلى مغادرتها في سبتمبر 1845 م بعد أن ارغمت فرنسا سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان على عدم السماح الأمير عبد القادر بالبقاء في المغرب ؛ ثم وجد الأمير نفسه مضطرا 1847 م ان يقبل بالشروط التى فرضها عليه القائد الفرنسي لامورسيار شريطة السماح له بالسفر الى البلد الذي يريد أن يهاجر إليه ( اختيار المنفى) لكن فرنسا لم تفي بذلك فقامت بسجنه لمدة 5 سنوات بفرنسا في سجن امبواز ثم سمحت له في نهاية الأمر بالسفر إلى دمشق في سوريا حيث عاش هناك إلى أن وافاه الاجل في 24 ماي 1883 م و دفن هناك و عند استقلال الجزائر نقل جثمانه الر مقبرة العالية بالعاصمة يوم 5 جويلية 1966 م .
مقاومة أحمد باي :
بالنسبة لهذه المقاومة لم تكن اقل ضراوة او شدة او عنفا من تلك التي حصلت في البلاد و قد كان يقودها الحاج احمد بن شريفة من عائلة ابن قامة شريف أحد مشايخ الصحراء و يعتبر كرغليا و يلاحظ أن الحاج احمد كانت له علاقة مودة و مصاهرة مع عائلة ابن جاية و المقراني بقصد الحصول على دعم العرب و القبائل . أثناء استقبال الداي حسين عام 1830 م للحاج أحمد طلب منه أن يتهيأ لمحاربة الفرنسيين و نصحه ان يقوم بتحصينمناش عناية تهييئه لوجوده بالعاصمة اثناء الهجوم فقد ساهم الحاج احمد باي بالاقتراحات لمواجهة الغزو الفرنسي لكن خطته القاضية بعد مواجهة فرنسا بالمدافع الثقيلة رفضت الآن الباشا ابراهيم اعتبر أن عدم مجادلة العدو ليس من عمل الرجال و بعد انهزام جيش الباي في معركة سطاوالي توجه الباي احمد الى قسنطينة و معه حوالي 16000 شخص من الاهالي الفارين من الاستعمار الفرنسي و فيما بعد حدث انقلاب ضد الباي احمد في قسنطينة من طرف خصومة و خاصة الذين ينحدرون من أصل تركي فتمركز في الحامة التى تبعد بصح كيلومترات عن مدينة قسنطينة و قام بالاتصال بأنصارهو خليفته ابن عيسى و بعض العلماء و استطاع أن يستعيد بساطته و يتخلص من الأتراك اعتمادا على الجيش العربي الذي أخذ في تكوينه .
عندما استقر في مدينة قسنطينة اجتمع احمد باي بأعضاء الديوان و تباحث معهم في المسألة المتعلقة باعتراف فرنسا به كبار لبايلك الشرق على ان يوقع معاهد الاستسلام و يواصل دفع الجزية إليه فتم الرفض من طرف الديوان و كان رد جميع أعضائه بأن قسنطينة تابعة الباشا الجزائر و تتمثل لأوامره كما تتمثل لاسنبول و لهذا لابد من الكتابة إلى السلطان محمود الثامن و الحصول على موافقته و في تلك الأثناء تم عزل احمد باي من طرف القائد الفرنسي و عين في مكانه سي مصطفى شقيق باي تونس و أصبحت قسنطينة تابعة لتونس حسب رأي الجنرال كلوزيل الذي كان يحكم الجزائر آنذاك .
وعندما تمكنت فرنسا من احتلال ميناء عنابة بدأت تهدد الباي احمد و ارسلت جيشا بقيادة كلوزيل للقضاء عليه فقام احمد باي بتجنيد 1500 رجل من المشاة 500 من الفرسان و استعد لمواجهة الجيش الفرنسي في واد الكلاب ( واد الاحد الذي يوجد حاليا تحت منطقة سيدي مبروك ) لكنه انسحب إلى مدينة قسنطينة بعد تيقنه بعدم قدرته على محاربتهمفقام باسدرتجهم إلى المدينة و مباغتتهم من الخلف و من داخل المدينة فألحق هزيمة بالفرنسيين الذين قهرتهم الطبيعة.
ان هذه الهزيمة الثقيلة التى الحقها احمد باي بالفرنسيين سنة 1836 م دفعت الجيش الفرنسي إلى إعداد جيش ضخم يتكون من 16000 جندي تحت قيادة كبار جنرالات فرنسا في مقدمتهم دام ريمون و رئيس الأركان بيريقو اللذان بدأ في 01 أكتوبر 1837 العمليات العسكرية ضد قوات احمد باي انطلاقا من سطح المصورة المطلة على مدينة قسنطينة فحاول احمد باي ان يعتمد لى نفس الخطة الأولى لكنه لم ينجح لان عدد جنود فرنسا كان كبيرا جدا و تمكنوا من معرفة الفجوة التى ساعدتهم على التسرب إلى المدينة و احتلالها و استشهدت في تلك الأثناء شخصيات كبيرة من المدينة من بينهم محمد بن البجاوي قائد الدار و بالنسبة للباي احمد احتلال مدينة قسنطينة في 1837 ماهو الا بداية للمقاومة الجزائرية ضد قوة الاحتلال الفرنسي فتوجه فيما بعد احمد باي الر الصحراء و دخل مع سعيد بن فرحات الذي انضم الر الفرنسيين و تحالف معهم في معركة حامية و لكنه انهزم و هرب إلى واد السوق ، يعتبر مرض احمد باي و عدم قدرته على جمع و توحيد صفوف المحاربين ضك فرنسا و تمركز جيشه المستعمر في كل المناطق قد انهكت قواه و اجبرته على المفاوضة و الاستلام يوم 05 جوان 1848 و رفض التوجه إلى فرنسا و مات بمدينة الجزائر سنة 1850 و تم دفنه بزاوية سيدي عبد الرحمان، و باختصار فإن احمد باي قاوم الفرنسيين لمدة 18سنة و ظن الفرنسيون انه ضعيف بسبب عدم وجود قبيلة تحميه ، و لكن فاجأهم و تحدى جبهة الخونة في الداخل و جبهة باي تونس قاوم حتى النهاية ، و يلاحظ هنا :
1- ان احمد باي هو الوحيد الذي اعترف له الشعب بالقيادة و اعلن تنصيبه بعد انهيار الادارة التركية بالجزائر.
2- انه استفاد من ثقة الشعب فيه و مبايعته على الجهاد دون أن تدعمه قبيلة او مركز ديني .
3- ان احمد باي الذي هو كرغلي دافع عن المنطقة المتواجدة فيها حتى النهاية و لم يقبل ان يضع سلاحه الا يوم تقدم به السن واشتد عليه المرض .