أولا- تعريف مبدأ سلطان الإرادة
ثانيا- النتائج المترتبة على مبدأ سلطان الإرادة
ثالثا- القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة
أولا- تعريف مبدأ سلطان الإرادة:
يقصد بمبدأ سلطان الإرادة حرية الإرادة وكفايتها في إنشاء العقود وفي تحديد أثارها ، فالارادة هي أساس قدرة العقد على إنشاء الالتزام وأساس قوته الملزمة لعاقديه، ومن خلال هذا التعريف يتضح أن نبدأ سلطان الإرادة يتضمن قاعدتين أساسيتين هما:
1-قاعدة الرضائية: وتعني أن الإرادة وحدها كافية لإنشاء العقد والتصرف القانوني بوجه عام، دون حاجة لأ تفرغ في شكل معين.
2-حرية الإرادة في تحديد آثار العقد: فالإرادة المشتركة للمتعاقدين حرة في تحديد الآثار المترتبة على العقد (الالتزامات)، بحيث لا توجد هذه الالتزامات إلا بقدر وفي الحدود التي رسمها المتعاقدان ، وبمعنى أخر فإن بنود العقد هي فقط من وضع المتعاقدين دون تدخل من أي طرف كان. وهذا ما عبر عنه المشرع الجزائري بنص المادة 106 من القانون المدني:" العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون".
هذا ولم تعرف الشرائع القديمة كالقانون الروماني أو القانون الكنسي مبدأ سلطان الإرادة و لم يصل هذا المبدأ إلا بعد تطور طويل خاصة فيما يتعلق بالإرادة في حد ذاتها لإنشاء التصرف دون ضرورة أن يأتي في شكل أو في آخر.
ففي القانون الروماني لم يكن يكفي لإبرام العقود توافق الإرادتين بل كان لا بد من القيام بإجراءات شكلية لكي تنعقد العقود، و سادت هذه الفكرة في القانون الروماني في عصوره المختلفة رغم ظهور الرضائية التي يكفي توافق الإرادتين .
و خلال العصور الوسطى كانت الكنسية أكبر عون لمبدأ سلطان الارادة إذ تنادي باحترام العهود و المواثيق و قررت أن كل اتفاق يكون ملزما و لو تجرد من الشكلية. وفي القرن 17 أوضح المذهب الفردي مبدأ سلطان الارادة فكان سبب ازدهاره و ذلك من خلال تبجيله واحترامه للفرد و اعتبار محور القانون و أساسه بلغ أوجه في القرن التاسع عشر.
أما في العصور الحديثة فإن مبدأ سلطان الإرادة اهتز بظهور المذهب الاجتماعي حيث يرى أنصار المذهب الاجتماعي أن أساس القوة الملزمة للعقد يرجع إلى ضرورة الإنتاج و التوزيع التي تحتم إبرام العقود و ضرورات الاستقرار في التعامل فالإرادة في حد ذاتها أعمال النظام القانوني الذي أنشأه التاريخ لهذه الغرض فالإنسان كما يرى الفقيه "دي جي")يستطيع بإرادته وحدها أن يتحكم في حركات جسمه) و بتأثير المذاهب الاشتراكية التي أرجعت العقود الملزمة للعقد إلى القانون حيث يستهدف تحقيق مصلحة المجتمع و استقرار المعاملات و الأخذ بمبدأ وجوب الوفاء بالعقد كأساس أخلاقي يقوم عليه القانون و من هنا فإن للقانون أن يضع قيودا على حرية التعاقد إذا ظهرت اعتبارات اجتماعية تتطلب ذلك لتحقيق المصلحة الجماعية و خاصة الحالات التي لا تتحقق فيها المساواة فعلية بين طرفي العقد كما في العلاقة بين أصحاب العمل و العمال فظهرت العقود الموجهة و العقود الجبرية و خول للقاضي سلطة تعديل العقد في بعض الحالات فالإرادة يمكن أن تنشئ العلاقة القانونية لكن في حدود القانون كما ربط المشرع الجزائري ما بين الإرادة و القانون (العقد شريعة المتعاقدين)
ثانيا: النتائج المترتبة على مبدأ سلطان الإرادة
و تترتب على مبدأ سلطان الإرادة عدة نتائج هي:
- الالتزامات الإرادية هي الأصل: لا يلزم الشخص بحسب الأصل إلا بإرادته، و إذا اقتضت حاجات المجتمع في بعض الأحوال إنشاء التزامات تفرض عليه بالرغم من إرادته، فيجب حصر هذه الحالات في أضيق الحدود، فتقرير الالتزامات غير الإرادية لا يكون إلا استثناء إذ أن الفرد أعلم بما يحقق مصالحه، و لذا فالتزاماته الإرادية تكون عادلة بالضرورة إذ أنه تحمل هذه الالتزامات بإرادته.
- حرية التعاقد: وفقا لمبدأ سلطان الإرادة للفرد كامل الحرية في أن يتعاقد أو أن لا يتعاقد بحيث لا يمكن اجباره على الدخول في علاقة تعاقدية دون رضاه، كما أن حرية اختيار الشخص الذي يتعاقد معه.
كما يقصد بمبدأ سلطان الإرادة أيضا أن إرادة الفرد وحدها تكفي لإبرام العقود، و بالتالي تستطيع هذه الإرادة إنشاء الالتزامات العقدية بمجرد تبادل الايجاب والقبول دون حاجة لأن تفرغ في شكل معين . وحرية عدم التعاقد تقتضي بأنه لا يمكن اجبار الفرد على الدخول في علاقة تعاقدية لا يرغب فيها دون رضاه حتى ولو كان في ذلك مصلحة أكيدة له، وبهذا يرفض مبدأ سلطان الإرادة وجود ما يسمى بالعقود الجبرية.
- الحرية في تحديد آثار العقد: إذ دخل شخصان في رابطة عقدية ، فإن لهما كامل الحرية في تحديد آثار هذه الرابطة وذلك بتحديد محتوى وشروط العقد ، بحيث لا يلزم كل منهما إلا بما أراد الالتزام به ، فالفرد حر أن يتعاقد وفقا لما يريد و بالشروط التي يرتضيها.و إذا كان المشرع قد تدخل فنظم طائفة من العقود ( العقود المسماة)، فان تدخله هذا يجب أن يكون بموجب قواعد مفسرة ومكملة لارادة المتعاقدين عند عدم الاتفاق على خلافها. وللمتعاقدين كامل الحرية في الأخذ بهذا التنظيم النموذجي أو تركه ووضع تنظيمات أخرى، وان وجدت بعض القواعد الآمرة في هذا الشأن فيجب أن تكون بمثابة استثناء وأن يكون هدفها حماية ارادة المتعاقدين ذاتها، كما في القواعد المتعلقة بالأهلية وعقود الاذعان...
- القوة الملزم للعقد: و المقصود بذلك أن العقد يلزم المتعاقدين كما يلزمهما القانون، وأساس هذه الإلزامية هو مبدأ سلطان الإرادة نفسه، لأن بنود العقد وشروطه هي من صنع الإرادة الحرة للمتعاقدين ولهذا يعتبر العقد شريعة المتعاقدين، فإذا كان الشخص حر في الدخول في العقد بإرادته وحده، فانه غير حر في الخروج من العقد أو تعديل بنوده بإرادته وحده لان العقد وليد إرادتين فلا تنقضه إرادة واحدة.
وكذلك لا يجوز للقاضي أن يقوم بذلك، فلا يحق للقاضي وفقا لهذا المبدأ تعديل العقد أو إنهاءه بحجة أنه غير عادل أو أن الظروف التي ابرم في ظلها قد تغيرت ويقتصر دوره فقط على تفسيره وتكييفه.
- مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: يقتضي مبدأ سلطان الإرادة أن الإرادة لا تلزم إلا صاحبها وعليه فالعقد لا ينشئ الالتزام إلا في ذمة أحد المتعاقدين أو كلاهما بحيث لا يجوز أن ينشأ الالتزام في ذمة الغير الذي لم يكن طرفا بالعقد وهذا ما يعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد.
ثالثا- القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة:
بعد الانتشار الواسع للمذاهب الاشتراكية والاجتماعية، وبعد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين، فرض بعض القيود على مبدأ سلطان الإرادة نذكر منها:
-القيود الواردة على حرية التعاقد و عدم التعاقد :
إذا كان منطق سلطان الإرادة يقضي بحرية الفرد في التعاقد و حريته في عدم التعاقد إلا أنه وردت القيود الآتية على هذه النتيجة و يتمثل ذلك في:
أ. حرية التعاقد تجد قيدا في النظام العام و الآداب، فإذا ما أبرم عقد يخالف النظام العام و الآداب في المجتمع فإنه يكون باطلا بطلانا مطلقا أي لا أثر له، و هذا القيد موجود منذ زمن بعيد، وفكرة النظام العام هي نسبية و متطورة و في الوقت الحاضر نجد توسعا كبيرا في نطاقها، خاصة كلما ساد الاتجاه الاشتراكي في الدولة يزداد النظام العام اتساعا.
ب. حرية عدم التعاقد قد قيدت مع ظهور صورة العقود الجبرية، التي يجبر الشخص على إبرامها كعقود التأمين الجبرية مثل تأمين عن حوادث السيارات، و من القيود الجبرية أيضا إلزام الإرادة التشريعية في بعض الأحوال، الأشخاص أو الهيئات التي تقدم الخدمات للجمهور أو تبيع السلع ففي كل الحالات السابقة يكون العقد مفروضا لا يستطيع المتعاقد رفضه.
- القيود على حرية تحديد آثار العقد
إذا كان المبدأ سلطان الإرادة يتطلب أن يترك أمر تحديد بنود وشروط العقد للارادة الحرة والمشتركة للمتعاقدين دون تدخل من طرف المشرع الا أن هذا المبدأ قد شمله بعض التقييد، حيث كان من تأثير الأفكار الاشتراكية، أن قامت القوانين بتحديد تلك البنود والشروط في بعض العقود بقواعد آمرة، و من ذلك عقد العمل الذي يكاد تكون كل أحكامه منظمة بموجب قواعد آمرة، و كذلك أيضا بالنسبة لعقد الشركة والتأمين...
-القيود الواردة على مبدأ القوة الملزمة للعقد: فقد أجازت القوانين الحديثة تدخل المحاكم في كثير من الحالات لتعديل بنود العقد أو لإعفاء أحد طرفي العقد من بعض الشروط، و من ذلك نص القانون المدني الجزائري على تحويل القاضي سلطة إعادة النظر في التزامات المتعاقدين إذا وقعت أثناء تنفيذ العقد ظروف طارئة غير متوقعة من شأنها جعل التزامات أحدهما مرهقة و هي نظرية الظروف الطارئة مادة (107/3) و من ذلك أيضا إعطاء سلطة القاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان مادة (110)قانون المدني.
- القيود الواردة على مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: فاذا كان مبدأ سلطان الإرادة يتطلب بان لا يكون للعقد قوة ملزمة الا لمن كانوا أطرافا فيه، أي لمن شاركت ارادتهم في انشائه فانه استثناء من ذلك فان القانون في حالات خاصة يجعل آثار العقد تمتد إلى الغير بقوة القانون ومن ذلك نص المادة 565 قانون مدني، المادة 580 من القانون المدني، المادة 507 ...
- تراجع مبدأ الرضائية في العقود:إذا كان مبدأ سلطان الإرادة يتطلب كفاية الإرادة وحدها لانعقاد العقد بحيث يكفي توافق الإرادتين لقيام العقد، الا أن المشرع في حالات معينة يقر عدم كفاية الإرادة لانعقاد العقد، طبقا للمادة 59 من ق م" يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية"، وبالتالي قيد مبدأ الرضائية بمبدأ أخر هو مبدأ الشكلية فتطبيقا لنص المادة 324 مكرر من القانون المدني تحرير العقود المتعلقة بالعقار في شكل رسمي والا كانت باطلة كما اشترط لترتيب أثارها ( نقل الملكية) أن تخضع لإجراءات الشهر العقاري.