محاضرة الأولى : تعـــريف و تطـــور القــانون التجـــاري
أولا – التــــعريف :
يعتبر القانون التجاري حديث النشأة و الاستقلال ، فلم يتم تقنينه إلا في عهد " نابوليون "عام 1807 ، و قد اختلف الفقه في تعريف القانون التجاري لذا ظهرت نظريتان هما :
1 – النظرية الموضوعية ( المادية ) :
ترى أن القانون التجاري هو قانون الأعمال التجارية ، فإذا قام شخص بعمل تجاري فإن هذا العمل تحكمه قواعد القانون التجاري سواء كان القائم به تاجر أم غير تاجر، و حتى و لو قام به مرة واحدة.
لأن هذه النظرية تهدف إلى تدعيم مبدأ الحرية الاقتصادية الذي قضى على نظام الطوائف لأنه كان يعوق ازدهار التجارة و تقدمها بسبب منعه لغير طائفة التجار من ممارسة الأعمال التجارية.
2 – النظرية الشخصية ( الذاتية ) :
ترى أن القانون التجاري في أصله قانون مهني ينظم نشاط من يحترفون التجارة دون غيرهم ، لذلك فلا بد من تحديد المهن التجارية على سبيل الحصر، فإذا قام شخص غير تاجر بعمل من طبيعة تجارية فإن هذا العمل يخرج عن دائرة العمل التجاري ، لأن أصل نشأة هذا الفرع من القانون تعود إلى القواعد و العادات و النظم التي ابتدعها التجار الأمر الذي أصبح به قانونا مهنيا.
3 – موقف المشرع الجزائري :
إن المشرع الجزائري جمع بين النظريتين ، حيث عرف التاجر في المادة 01 ( ق ت ج ) التي تنص : " يعد تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا و يتخذه مهنة معتادة له ما لم يقضي القانون بخلاف ذلك." فنلاحظ أن المشرع الجزائري قد استند على العمل التجاري في تحديد وصف التاجر( النظرية الموضوعية ).
و أشار في المادة 01 مكرر : " يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار، و في حالة عدم وجود نص فيه يطبق القانون المدني و أعراف المهنة عند الإقتضاء." نلاحظ أنه اعتمد على(النظرية الشخصية) أما في المادتين : 02 – 03 فقد عدد الأعمال التجارية بحسب الشكل و الموضوع ، فنلاحظ أنه استلهم ذلك من (النظرية الموضوعية).
أما في المادة 04 فأخذ فيها ب (النظرية الشخصية) عندما عدد الأعمال التجارية بالتبعية ، حيث ينقلب العمل المدني إلى تجاري بالتبعية إذا قام به تاجر بمناسبة مباشرته لنشاطه التجاري ، فيستمد العمل الصفة التجارية من صفة الشخص القائم به .
إن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج ، فلا نجد قواعده كلها من طبيعة واحدة إنما استلهمت بعض أحكامه من النظرية الشخصية و البعض الآخر من النظرية الموضوعية ، و عليه فيمكن تعريف القانون التجاري بأنه :
" مجموعة من القواعد القانونية التي تطبق على طائفة معينة من الأشخاص يحترفون الأعمال التجارية و هم التجار ، و على طائفة معينة من الأعمال التجارية .
ثانيا – نشأة و تطور القانون التجاري :
إن تاريخ القانون التجاري مرتبط بتاريخ التجارة و يمكن تقسيم مراحل تطوره إلى ثلاثة عصور :
1 - العصر القديم : يتمثل خاصة في قانون "حمورابي" الذي صدر 1700 سنة قبل الميلاد و له قواعد خاصة مثل : القرض بفائدة ، عقد الوديعة ، عقد الوكالة بالعمولة ، عقد الشركة...
2 - العصر الوسيط : في هذا العصرظهرت قواعد تجارية حديثة منها : التعامل بالسفتجة ، نظام الإفلاس ، ظهور قضاء خاص يتولاه التجار و يطبقون القواعد العرفية ، ظهور نظام التوصية مكان القروض بالفوائد ، قاعدة حرية الإثبات في المواد التجارية...إلخ.
3 - العصر الحديث : يمكن اعتبار العصر الحديث في هذا المجال منذ إكتشاف القارة الأمريكية و الفتح الذي قام به العثمانيين للقسطنطينية ،
هذا الحدث الذي يقابله تقهقر ايطاليا في التحكم الجيد في التجارة التي بدأت تتحول إلى غرب أوروبا ( إنجلترا – فرنسا – هولندا – البرتغال ) و هي الدول التي تقع معظمها على المحيط الأطلسي أين ظهرت بنوك و شركات عملاقة مما ساعد على تزايد النشاط التجاري و استعمال نظام القروض أو الأوراق التجارية و نظام البورصات و إنشاء شركات متعددة الجنسيات.
و نظرا لتعدد الأعراف و العادات التجارية في مختلف المدن بدأ التفكير في كيفية توحيدها و جعلها تشريعا موحدا يحكم التجارة عموما ، فصدر في فرنسا قانون للتجارة سنة 1673 يعرف ب " لائحة جاك سافاري".
و نتج عن الثورة الفرنسية صدور" قانون شابولي " في 14 جوان 1791 و مفاده إنهاء نظام الطوائف و تقرير حرية التجارة و الصناعة.
و في سنة 1801 انتهت اللجنة المختصة من تحضير مشروع القانون التجاري الذي أصبح سنة 1807 تقنينا يحتوي على أربعة أجزاء ، الأول في التجارة بوجه عام ، و الثاني في التجارة البحرية ، و الثالث في الإفلاس و الرابع في القضاء التجاري ، و يعتبر هذا التشريع بمثابة عمل جبار لا يضاهيه عمل على المعمورة ، بل أصبح مصدرا لمعظم التشريعات الوطنية منها القانون التجاري الجزائري الصادر بموجب الأمر رقم 75 / 59 المؤرخ في 26 / 09 / 1975 ، و الذي عدل خاصة عن طريق المرسوم التشريعي رقم 93 / 08 الصادر بتاريخ 25/04/1993، أما بالنسبة لآخر تعديل فكان بموجب القانون رقم 05/02 المؤرخ في 06 / 02 / 2005 .