يضم هذا الدرس مجموعة من المحاضرات الموجهة أساسا إلى طلبة علم الاجتماع – تخصص علم اجتماع الاتصال، ضمن البرنامج الجديد الذي اعتمدته اللجنة الوطنية لموائمة برامج التكوين في علم الاجتماع.
في الواقع، إنه من المهم أن ننوه بأهمية ادراج مقياس حول الحركة الوطنية الجزائرية في مسار تكوين طلبة علم الاجتماع بشكل عام، وعلم الاجتماع الاتصال بشكل خاص. لأن التخصص في علم الاجتماع يتطلب أولا اكتساب معارف معمقة بخصوص التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمجتمع الباحث. لا يمكن أن نتصور طالب علم الاجتماع غير متمكن من تاريخ مجتمعه، وهنا تحديدا تكمن أهمية المقياس.
لا يتعلق الأمر هنا بمحاضرات في التاريخ، ولا بسرد مدرسي لتاريخ الحركة الوطنية الجزائرية. بل نأمل أن نقدم هنا عملا يكون في قطيعة مع منهجية تلقين التاريخ المدرسي أولا، بحيث سنحاول أن نتجاوز السرديات التقليدية التي كرستها السردية الوطنية حول تاريخ الجزائر بشكل عام، وتاريخ الحركة الوطنية بشكل خاص. يحتاج الطالب في علم الاجتماع إلى الذهاب أبعد من التعريفات المدرسية، والاختزالات البسيطة عند التطريق إلى الحركة الوطنية، بما أن هذا الموضوع تحديدا يعتبر من أكثر المراحل التي أثارت الجدل والخلافات بين المؤرخين بسبب الحضور الأيديولوجي المكثف عند تناولها، أو بسبب هيمنة فاعلين تاريخيين على المجال التأريخ في الجزائر.
إن المنحى الدي أخذته عملية بناء الدولة في الجزائر إنما يجد الكثير من تفسيراته ومعانيه في السياق التاريخي الذي أنتج الحركة الوطنية، ونشطت فيه، وتطورت فيه وأخذت به أشكالها التاريخية المعروفة. ولذلك، سنكون حذرين جدا فيما يتعلق باختيار المراجع المؤسسة والمغذية لهذا المقياس، خاصة وأن الأمر يتعلق ببناء سوسيولوجية للحركة الوطنية وليس مجرد سرد مدرسي لوقائع الأحداث. ولهذا السبب فإن هذه المحاضرات سوف تؤطرها مجموعة من الأسئلة أهمها: ماذا تعني الحركة الوطنية؟ ما أهمية دراسة الحركة الوطنية الجزائرية؟ كيف تشكلت الأمة الجزائرية الحديثة؟ وماهي تجلياتها داخل الحركة الوطنية؟
في الواقع، إن سؤال الحركة الوطنية هو في الأساس سؤال الأمة الجزائرية، ولهذا فإن كل الأفكار التي تضمنتها هذه المحاضرات سوف تتمحور حول إشكالية الأمة الجزائرية أولا، والدولة- الأمة الجزائرية ثانيا. هذا هو الخيط الموجه لهذه المحاضرات منذ بدايتها إلى نهايتها، ومن الواضح أنها تتجاوز الهدف التقليدي الذي يرسمه التاريخ المدرسي لموضوع الحركة الوطنية (كيف وصل الجزائريون إلى مرحلة اندلاع الثورة التحريرية الكبرى؟)، بل إن الهدف هو كيف تشكل الوعي القومي الجزائري؟ أي كيف تشكلت القومية(الوطنية) الجزائرية الحديثة؟ أي كيف أصبح سكان مختلف الأقاليم التي تتشكل منها الجزائر اليوم يعرفون أنفسهم جزائريين؟ ومتى حدث ذلك؟ وكيف حدث ذلك؟
سوف نقدم محاضرات هذا المقياس في ثلاثة محاور أساسية.
- محور مفاهيمي نشرح فيه مفهوم الامة، الدولة- الامة، الحركة القومية، النظام الوستفالي، الحركة الوطنية.
- في جذور القومية الجزائرية: وتناول فيه الممارسات الكولونيالية التي كانت تهدف إلى تفكيك المجتمع الجزائري التقليدي، وكيف أن تدمير البنى التقليدية أدى إلى نشوء وعي قومي بديل عن الانتماءات التقليدية، وكيف أن السياسة الاستعمارية كانت لها نتيجة معاكسة لما صممت لأجله،
- طلائع الحركة الوطنية الجزائرية في بداية القرن التاسع عشر، وكيف لعبت الهجرة دورا كبيرا في خلق الوعي القومي للجزائريين المهاجرين في فرنسا وأوروبا، ودور الحركة الإصلاحية العربية في تحول الحركة الوطنية الجزائرية، وكيف أن الوعي القومي الجزائري تشكل هو الآخر ضمن السياق العام الذي نشأت فيه الحركات القومية في العالم العربي بشكل خاص، والعالم الثالث بشكل عام.
- مرحلة ما بين الحربين والنضال السياسي الجزائري ضد الاستعمار، وتشكل الهوية الوطنية الجزائرية بأبعادها السياسية والهوياتية والثقافية.
- التيارات الكبرى للحركة الوطنية الجزائرية: التيار الراديكالي، التيار الإصلاحي، والتيار الثقافي.
- أحداث 8 ماي 1945، والتحول في الحركة الوطنية، وكيف انتصر التيار الراديكالي على التيارات الأخرى، وكيف بدأ التحضير للثورة التحريرية الكبرى، وماهي أهم المراحل التي مر بها الكفاح من أجل الاستقلال.