2. الحريات المتعلقة بنشاط الانسان

وهي بدورها تنقسم إلى حريات يغلب عليها الطابع الفكري وأخرى يغلب عليها الطابع المادي

وهي بدورها تنقسم إلى حريات يغلب عليها الطابع الفكري وأخرى يغلب عليها الطابع المادي

2-1 الحريات التي يغلب عليها الطابع الفكري:  والتي نذكر من أهمها:

حرية العقيدة:  تعد الشريعة الإسلامية أول من أقر بهذه الحرية إذ يقول تعالى( لا إكراه في الدين) الآية من سورة البقرة، ويقول ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) الأية من سورة يونس ،فيستطيع غير المسلم أن يعيش في الدولة الإسلامية  فيعلن عن دينه ويمارس شعائره دون خوف أو اضطهاد ، وبذلك فحرية العقيدة يقصد بها أن تكفل الدولة لكل فرد أن يعتنق الدين الذي يشاء ويماس شعائره بحرية تامة، وعليه فهي تتكون من ثلاثة عناصر:

-التفكير الحر دون الخضوع للتقليد

-منع الإكراه على عقيدة معينة

-ان يكون الإنسان حر في عمله دون اضطهاد أو خوف للعمل بمقتضى شرائع دينه.

لذلك دعا الإسلام التحرر والتأمل والتفكير على أساس الدليل والبرهان.

وعلى المستوى الوضعى فقد كان إعلان فرجينيا 1776 السباق لإقرار المبادئ الأربع ومنها حرية العقيدة تلاه فيما بعد الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن حيث جاء في المادة 10 منه( لا يجوز التعرض لأي شخص كان بسبب آرائه وحتى الدينية منها إذا كانت لا تقضي في مضمونها ما يخالف النظام العام الذي يقيمه القانون).

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 فقد نص في المادة 48 منه( لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير الديانة والعقيدة وحرية التعبير عنها بالتعليم والممارسة و إقامة الشرائع الدينية سواء كان ذلك بالسر أو مع الجماعة). ونصت المادة 36 من الدستور الجزائري ( لا مساس بحرية المعتقد)، إضافة إلى نصوص المرسوم التنفيذي06/02 المتضمن ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين.

حرية التعليم: أعطى القرآن الكريم  أهمية بالغة للتعليم والعلم والعلماء حيث جاءت أول آية تحث على القراءة (إقرأ) ثم الكتابة كما دعى الإسلام إلى إقامة الحياة على أساس العلم حيث يكون التعليم واجب على الأفراد بالإقبال عليه و على الدولة توفيره و تيسيره للجميع دون تمييز ثم تهيئة فرض التعليم في مراحل متقدمة أما في الدول المعاصرة حاليا فتعتبرها حرية بديهيةوقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 26 (لكل شخص الحق في التعليم يجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى على الأقل مجانا و أن يكون التعليم الأول إلزامي و يجب أن يعمم التعليم الفني والمهني و أن يسهل الدخول للتعليم العال تطبيقا تطبيقا لمبدأ المساواة التامة و على أساس الكفاءة ،و لقد كرس المشرع هذه الحرية في المادة 53 .

حرية الصحافة و وسائل الإعلام: تعتبر الصحافة من أبرز مظاهر الرأي العام و يقصد بحرية الصحافة و وسائل الإعلام حرية التعبير عن طريق الكتب و الصحف و المجلات و الإعلانات المختلفة وكذا الإذاعة والتلفزة والعروض والمسرحية والسينمائية، وقد أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لهذه الحرية في المادة 19 و كذلك الدستور كرس هذه الحرية في المادة 38 منه

حرية التجمعات : لقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد حرية الإجتماع قد يكون إقتصادي إجتماعي سياسي و مهما إختلفت الأهداف و الأغراض فإن حرية التجمعات تؤثر في الحريات الفردية وفي حرية التفكير والحرية بهذا المعنى إما أن تكون حرية إنضمام ومشاركة وإما أن تكون حرية إجتماع وتظاهرات .

حرية الإنضمام و المشاركة : تعرف هذه الحرية تكوين الجمعيات والأحزاب والمشاركة فيها وتعرف بأنها إتفاقية يضع بمقتضاها أكثرإثنينمن الأفراد بصفة دائمة معارفهم ونشاطهم في خدمة هدف غير تحقيق الفائدة أو الربح.

و قد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 20 (لكل شخص الحق في حرية الإشتراك في الجمعيات و الجماعات السلمية و لا يجوز إرغام أحد على الانضمام لجمعية ما )

و كرس الدستور الجزائري هذه الحرية في المواد 33،41،42،43.

حرية الإجتماع و التظاهرات: ترى المجتمعات المتحضرة في حرية الإجتماع الحل الأمثل للتعبير عن الأراء اعتبار أن الديمقراطية قائمة على قاعدة التشاور والتداول بين مختلف أفراد المجتمع وإن التشريعات المختلفة لم تعرف الإجتماع وإنما توصل الإجتهاد الفقهي إلى تعريفها حسب الفقه ( الإجتماع هو الذي تنظم فيه مجموعة من الأفراد في مكان محدد مسبقا لمرة واحدة أو أكثر و تكون الغاية منه التشاور و تبادل وجهات النظر في مسألة معينة كما يعرفه جانب آخر ( الإجتماع  هو الحادث يتميز بالخصائص  الثلاثة فهو حادث عمدي يسعى إليه الأفراد عن قصد وهو بذلك يختلف عن التجمهر وهو حادث مؤقت لفترة معينة وهو بذلك يختلف عن حق الإشتراك في جمعية معينة وهو حادث يتميز بأن الغرض منه هو الدفاع عن رأي معين وإقناع الآخرين به)

والاجتماع قد يكون عاما أو خاصا فالأول يتم دائما في مكان مفتوح للجميع أم الإجتماع الخاص فيكون في مكان مغلق كذلك فإن الأول لا يتطلب دعوة فيما يتطلب ذلك الإجتماع الخاص من الصعب مراقبة شخصية الحاضرين في  الإجتماع العام في حين تسهل المراقبة و في معرفة المشاركين في الإجتماع الخاص.

و الإجتماع سواء كان عاما أو خاصا فإن القوانين الوضعية في الأنظمة المختلفة تخضعه لشرط الإعلان و الترخيص المسبق من المسبق من السلطة المختصة و يكون لها سلطة تقديرية في منح الترخيص أو رفضه على أن يخضع قرار الرفض لرقابة القضاء

حرية المظاهرات: المظاهرات والمسيرات والتجمهر تحصل غالبا في الطرقات والشوارع وفي الساحات العامة بما أن هذه الأخيرة مخصصة للأفراد من أجل التنقل والإستفادةمنها ووفقا لما تقرره الأنظمة القانونية في إطار احترام مبدأ حرية التنقل فإن التجمع عليها مبدئيا مباح إلا إذا كان تشكيل عائقا للغاية التي خصص من أجلها تلك الأماكن لذلك فإن الأنظمة التي تفرق بين المظاهرة و المسيرة و التجمهر.

المظاهرة هي تجمع لعدد من الأفراد في مكان معين مرخص به وتم الإعلان عن هذه المظاهرة والهدف منها التعبير عن الرأي (السياسي ،إنساني)بشتى الوسائل :

المسيرة :هي كالمظاهرة تختلف عنها في أن التجمع لا ينفى في مكان واحد و إنما ينتقل عبر الشوارع و الطرقات العامة في شكل موكب.

التجمهر: هو تجمع عفوي غير منظمالهدف منه غاية غير مشروعة يمكن لمصالح الأمن ولو باستعمال القوة بالتصدي لهذا التجمهر.

حرية الرأي : حرية الرأي في الإسلام :جاءت الشريعة الإسلامية معلنة حرية التفكير محررة للعقل من الأوهام و العادات و التقاليد داعية إلى رفض كل ملا يقبله العقل و تدعو إلى الاستقلال بالرأي و قد كفلت الشريعة الإسلامية حرية التفكير للناس فلم تجعل حرية الرأي و الفكر حقا لكل إنسان فحسب بل جعلته واجبا على الإنسان في كل ما يمس بالأخلاق و بالمصالح العامة و بالنظام العام لقوله تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون....) وكذا قوله (ص) أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائز) ( من رأى منكم منكر فليغيره..)أما بالنسبة للمجتمعات الحديثة فإن حرية الرأي تحتل المقام الأول في سلم الحريات العامة و قد أكد الإعلان العالمي لحماية حقوق الإنسان والمواطن على أنه لا يجوز التعرض لأي شخص كان نتيجة لأرائه وكذا المادة 11 ( تجربة تبادل الأفكار والآراء إنما هذه  من أهم حقوق الإنسان أما الإعلان العالمي فقد تضمن بموجب المادة 18 ( لكل شخص الحق في حرية التفكير والتعبير) و المادة 19 تضيف ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير والدستور الجزائري يضمن هذه الحرية في المادة 36.38.41 على الرغم من أن حرية الرأي في التعبير تعد من الحريات الأساسية فإنها مشروطة  بأن تكون في إطار النظام الربيعي والنظام العام والآداب.

2- الحريات التي يغلب عليها الطابع المادي: ومن أهمها

-حرية العمل: لقد اهتم الإسلام بالعمل لان قيمة الإنسان لاتقاس إلا بالعمل بل رفع الإسلام من شان العمل إلى مرتبة العبادات والواجبات الدينية الأساسية فالشريعة دعت الناس جميعا للعمل صيانة لكرامة الإنسان ولذا كان الإسلام قد اعتبر العمل  واجبا  على الفرد فانه جعله من واجبات الدولة ان تهيئ للفرد العمل المناسب وان تقوم بحماية حقوقه وتكوين أفراد فنيا و علميا وفي القوانين الوضعية فان لكل إنسان الحق في العمل الشريف كما له الحق في اختيار العمل بكل حرية من اجل تامين حياته و حياة أسرته و تقع على الدولة المعاصرة واجب كفالة العمل المناسب لكل مواطن وواجب تولي الوظائف العامة لمن تتوفر فيهم الشروط و كذلك تأمين الأجر العادل  عن كل عمل مؤذي و أكدت على هذه الحرية المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( لكل إنسان حق العمل وحرية اختيار له وله الحق في العمل في ظروف عادلة ملائمة و حق الحماية من البطالة) .

المادة 23 /2(لكل عامل الحق في تقاضي أجور متكافئة دون تمييز بينهم )

المادة 23/3( لكل عامل الحق أن يتقاضى عن عمله أجرا عادلا مناسبا يكفل له و لأسرته حياة كريمة يضاف إلى هذا الأجر وسائل الحماية الإجتماعية إن إقتضى الأمر.

المادة 23/4( لكل شخص حق تكوين نقابات و الانضمام إليهاحماية مصالحهم كذلك تضمن الدستور الجزائري في المادة 55 ( لكل المواطنين الحق في العمل )

المادة 66 ( الحق النقابي معترف به في إطار النقابات )

المادة 67 (الحق في اللجوء إلى الإضراب  وفقا للقانون)

المادة 68 ( المساعدة الاجتماعية)

-حرية التجارة والصناعة: تضمن هذه الحرية حرية مباشرة الإنسان للأنشطة الصناعية والتجارية و ما يتفرع عنها من تبادلات و إبرام العقود و الصفقات و غيرها من مستلزمات هذه الأنشطة، و يرجع أصلها  إلى المذهب الفردي الذي أطلق الحرية الكاملة لنشاط الأفراد في العمل الصناعي و التجاري طبقا لمبدأ آدم سميث ( دعه يعمل دعه يمر)، إلا أن هذه الحرية تم تقيدها في الكثير من الدول حيث امتد نشاط الدولة إلى الكثير من المسائل التي كانت تعد من حرية التجارة و الصناعة ، وقد نص عليها بموجب المادة 37.38 من الدستور.

-حرية التملك: يمثل حق الملكية ثمرة النشاط الفردي ويعبر حق التملك عن حرية اقتناء الأموال من عقارات و منقولات و حرية التصرف فيها و في إنتاجها دون قيد، إلا أن الدول الحديثة فرضت القيود على حق الملكية أهمها: فرض الضرائب و نزع الملكية للمصلحة العامة ( المادة 52 من الدستور تؤكد على الملكية الخاصة مضمونة).