2. المطلب الثاني ــ دور المنظمات المتخصصة في حماية البيئة .

أدَّت الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة بوصفها منظمات دولية متخصصة دورا كبيرا في السعي من أجل إيجاد آليات دولية للحفاظ على البيئة وحمايتها، ومن أبرز هذه المنظَّمات :

الفرع الأول ــ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. ( FAO)

من ضمن اهتمامات هذه المنظَّمة حماية البيئة، وهذا من خلال رفع مستوى المعيشة والتغذية لسكان العالم، والعمل على زيادة الانتاج الزراعي والحفاظ على المصادر والموارد الطبيعية، وذلك بالحرص على احترام المعايير والمستويات المتعلقة بحماية المياه والتربة والأغذية من التلوث بواسطة بقايا المبيدات الزراعية، أو عن طريق المواد المضافة للأغذية للمساعدة في حفظها. وانطلاقا من هذا قرر مجلس المنظمة في سنة 1982 بأن الأنشطة التي تقوم بها للمحافظة على القدرة الإنتاجية للثروات الطبيعية للزراعة، والغابات والأسماك ذات علاقة وثيقة بالبيئة البشرية، لذلك أبرمت منظمة الأغذية والزراعة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات متعددة، منها التعاون لتطوير القانون الدولي للبيئة والمؤسسات، سواء على المستوى الدولي أو الوطني(2) .

        وفي إطار حماية التنوع البيولوجي، فقد أخذت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على عاتقها كذلك مهمة حمايته، ويظهر ذلك في اعتماد المنظمة في دورتها السابعة والعشرين (27)، في نوفمبر 1993 المدونة الدولية للسلوك حول جمع المادة الوراثية واستخدامها المستدام وتلافي أو منع تآكل المادة الوراثية، وحماية مصالح الجهات المتبرعة والجامعة للمادة الوراثية النباتية، حيث تنص المادة الثالثة من الفصل الثالث على أن الدولة لها حقوق سيادية على الموارد الوراثية النباتية في كامل إقليمها، وترتكز على مبدأ الحفاظ وتواصل توافر هذه المواد الذي يُعتبر الاهتمام المشترك للبشرية، ولا يجوز أن تستخدم الموارد النباتية الوراثية على نحو غير ملائم(1).

        وفي مجال حماية البيئة البحرية، تبنى مؤتمر المنظمة في 31/10/1995 مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد، التي تهدف إلى إرساء مبادئ الصيد الرشيد مع مراعاة الجوانب الإيكولوجية الأحيائية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والتجارية، وقواعد القانون الدولي، ومن أهداف هذه المدونة إرساء مبادئ ومعايير لإعداد وتنفيذ سياسات وطنية لصيانة الموارد السمكية ومصائد الأسماك وإدارتها وتنميتها، وأن تشجع حماية الموارد المائية الحية وبيئتها المائية والمناطق الساحلية، إضافة إلى وضع معايير سلوك لجميع المشتغلين بقطاع مصائد الأسماك(2).

        وفي نفس السياق عقدت منظمة الأغذية والزراعة مؤتمرا، خصص لبحث إسهام مصائد الأسماك في الأمن الغذائي في مدينة كيوتو (اليابان) لسنة 1995، وتناول هذا المؤتمر سبل الإدارة السليمة لمصائد الأسماك والتربية الصحيحة للأحياء المائية، وناقش مؤتمر ريكيافيك للصيد الرشيد في النظم الإيكولوجية البحرية بإيسلندا خلال الفترة من 01 إلى 04 أكتوبر 2001 عدة محاور، أهمها إلتزامات حماية النظم الإيكولوجية البحرية بموجب الاتفاقيات الدولية والصكوك القانونية الأخرى، وإدراج اعتبارات النظم الإيكولوجية في إدارة المصائد، ومنظور حماية البيئة بشأن المصائد الرشيدة، تأثير الصيد على الأنواع والتنوع الوراثي ....الخ(3)

        كما ساهمت المنظمة سنة 1991 في التحضير لعقد مؤتمر الأمم المتحدة، الخاص بالبيئة والتنمية المستديمة، وشاركت في العديد من مجموعات العمل المعنية بالتلوث البيولوجي والمحيطات والغابات والأرض والزراعة، كما شاركت في الصياغة المقترحة للإعلان الصادر عن قمة الأرض " أجندة القرن الواحد والعشرين"، وشاركت نفس المنظمة في انعقاد المؤتمر العالمي السادس للغابات في باريس سنة 1991، حيث تمت دراسة أسباب التصحر ومنها قطع الغابات.

        وينحصر دور هذه المنظمة في إطار تطوير القانون الدولي للبيئة، في أربع مجالات هي جمع ونشر المعلومات التشريعية، الدراسات القانونية بشأن المجالات الخطرة للغذاء والزراعة والبيئة، تقديم المساعدات الغنية للدول الأعضاء، وأخيرا فقد قامت المنظمة بإعداد الإتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالبيئة، مثل اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث سنة 1976، إلى جانب العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى المتعلقة بالأسماك وحماية الزراعة ومحاربة الفقر(1).

الفرع الثاني ــ دور المنظمة العالمية للصحة في حماية البيئة.

        تعتبر منظمة الصحة العالمية وكالة حكومية متخصصة تابعة للأمم المتحدة، بموجب إتفاق التعاون والتنسيق المقرر من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة والجمعية العامة للصحة وفقا للشروط الواردة في المادتين 57 و 63 من ميثاق الأمم المتحدة، وتتمتع المنظمة بالشخصية القانونية الدولية التي تخول لها الحق في الدخول مع الأشخاص الدولية الأخرى في إتفاقيات تعاون .

        تقوم منظمة الصحة العالمية بضمان التعاون فيما بين الدول في مجال مكافحة الأمراض الوبائية، خاصة وأن هذه الأخيرة لا تعرف الحدود، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود دولية(2)، وتقوم كذلك بتقييم الآثار الصحية لعوامل التلوث والمخاطر البيئية الأخرى في الهواء والماء والتربة والغذاء، ووضع المعايير التي توضح الحدود القصوى لتعرض الإنسان لهذه الملوثات.

        ومن ذلك ما نشرته المنظمة حول حماية الصحة من تغير المناخ،بقولها أنه حتما يؤثر تغير المناخ على المتطلبات الأساسية التي تحافظ على الصحة البشرية، من هواء نظيف وماء وغذاء مناسب وكافي، حيث يتوفى كل سنة ما يقدر بـ 12 مليون شخص نتيجة تلوث الهواء الحضري، وحوالي 22 مليون شخص بسبب الإسهال الذي يكون نتيجة النقص في الحصول على إمدادات المياه النقية، وتصريف المياه القذرة،وحوالي 3,5 مليون شخص من سوء التغذية وإلى ما يقارب 60,000 شخص نتيجة حالات الكوارث الطبيعية، كما يكون تغير المناخ من أهم الأسباب للوفاة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة أو هطول الأمطار، والتي تؤدي إلى أمراض الكوليرا والإسهال والملاريا وغيرها من الأمراض(1) .

        وينحصر دور منظمة الصحة العالمية في تولي القيادة بشأن المسائل الحاسمة للصحة، والدخول في الشراكات التي تقتضي القيام بأعمال مشتركة، تصميم برنامج البحوث، وحفز توليد وترجمة ونشر المعارف المقيدة، وضع القواعد والمعايير وتعزيز رصدها وتنفيذها، توضيح السياسات الأخلاقية المسندة بالبيانات، رصد وتقييم الوضع الصحي (2).

وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية ضمن أهداف برنامجها المعروف باسم " البرنامج العام السادس للعمل " Sixth General Programme Of Work" ( 1983-1978)، مسألة تطوير برامج الصحة البيئية لتحقيق أربعة أهداف رئيسية في مقدمتها:

-         تقديم المعلومات حول العلاقة بين الملوثات البيئية وصحة الإنسان .

-         العمل على وضع مبادئ توجيهية، لوضع الحد الفاصل بين المؤثرات الملوثة تتلاءم مع المعايير الصحية، وبيان الملوثات الجديدة من الصناعة أو الزراعة أو غيرها .

-         إعداد البيانات بشأن تأثير تلك الملوثات على الصحة والبيئة .

-         الحث على تطوير الأبحاث في المجالات التي تكون المعلومات فيها ناقصة(3).

أما برنامج العام الحادي عشر للعمل ( 2006-2015)، والذي يتضمن في جدول أعماله سبعة أهداف هي :

-         الإستثمار في الصحة من أجل الحد من الفقر، باعتبار أن الفقر هو السبب الرئيسي لاسيما في وفاة الأطفال والأمهات وسبب الإصابة بالأمراض وسوء التغذية.

-         بناء الأمن الصحي الفردي والعالمي، حيث تزايدت الكوارث الطبيعية والنزاعات والأوبئة، وماساعد على انتشار الأمراض التجارة الخارجية للسلع، وكذلك سفر الأشخاص بين الدول.

-         تعزيز الاهتمام العالمي والمساواة بين الجنسين، الصحة كحق من حقوق الإنسان .

-         معالجة محددات الصحة، ومن هذه المحددات الدخل الفردي والقومي، دور الجنسين، التعليم، العرق ، شروط الحياة، العمل البيئي، وفرة الغذاء والماء إضافة إلى محدادات سياسية واقتصادية .

-         تعزيز النظم الصحية، والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية .

-         تسخير المعرفة، العلوم والتكنولوجيا.

-           تعزير الحكم القيادة والمساءلة، يجدر بالسلطات الوطنية أن تكون الصحة لديها من أهم المواضيع والمسائل، وعلى وزارة الصحة أن تظهر القيادة في تعزيز الحوار بشأن السياسات في مختلف القطاعات(1)، كما تساعد منظمة الصحة العالمية الدول في وضع المستويات الوطنية لحماية البيئة وإعداد برنامج مكافحة التلوث وتقييم فعاليتها، وبذلك يعد دور هذه المنظمة هاما في تطوير المعايير الدولية المقبولة للحد من الملوثات الكيمائية وغيرها، وحماية البيئة البشرية بوجه عام(2) .

الفرع الثالث ــ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

        أنشأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 29 يونيو عام 1957 في فيينا، استجابة للمخاوف والتوقعات الناجمة عن اكتشاف الطاقة النووية، والجدل في توجيه هذه التكنولوجيا للإستخدام كسلاح بدلا من اعتبارها أداة مفيدة وعملية، ومن أمثلة استخدام هذه الطاقة بصورة عدائية، القنبلة النووية الأمريكية ضد اليابان في أغسطس 1945 وكذا التجارب النووية الفرنسية في جنوب الجزائر وقاع المحيط الهادي، والتي خلفت أثار مدمرة للبيئة لا تزال تبعاتها غير محصورة إلى يومنا هذا .

وتهتم هذه الوكالة بالحفاظ على البيئة من التلوث الناتج عن استخدام الطاقة الذرية، ووضع مستويات ومعايير دولية للحماية من الإشعاع، حيث تنص المادة الثالثة من نظامها الأساسي في فقرتها السادسة على وضع الموافقة على مستويات الأمان لحماية الصحة، والتقليل من المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص والممتلكات(1).

        وتعمل هذه المنظمة على تقييد الدول بمعايير السلامة وتطبيقها على العمليات والأنشطة التي تقوم بها بواسطة اتفاقيات ثنائية أو جماعية، وبموجب المادة الثالثة من نظامها الأساسي فإنه يحق للوكالة متابعة ومراقبة مدى تقيد الدول بإجراءات السلامة الواجب إتباعها للوقاية من الإشعاع عند استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية، ويقع على الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الذرية الإبلاغ دون تأخير عن الحوادث الرئيسية، التي تقوم الوكالة بتقديم المساعدات اللازمة في حالات الطوارئ لحماية الإنسان والبيئة من الإشعاع الذري، وبذلك فإن وكالة الطاقة الذرية تعمل من خلال استحداث معايير مختلفة للسلامة فيما يتعلق بالأنشطة أو بالمنشآت النووية، والحرص على تطبيق هذه المعايير للمحافظة على البيئة والإنسان والإسهام في زيادة أمن هذه الأنشطة أو المنشآت، وبالتالي الوقاية من أخطار النتائج الضارة أو الحد منها سواء على المستوى الوطني أو الدولي(2) .

 



(2)د. معمر رتيب محمد عبد الحافظ ـ نفس المرجع السابق ، ص 109.

(1)Article 03 «  the code recognizes that nation have sovereign rights over their plant genetic resources in their territories and it is basedon the principle according to which the conservation, and continued availability of plant genetic resources is a common concern of human kind. In exciting these rights, access to plant genetic resources should’t be unduly restricted.

(2)المادة 02 من مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ، سنة 1995 .

(3)منظمة الأغذية والزراعة تقرير حول مؤتمر ريكيافيك للصيد الرشيد في النظام الإيكولوجي البحري ، 2001 .

(1)د.معمر رتيب محمد عبد الحافظ ـ نفس المرجع السابق، ص 110.

(2)د. محمد سعيد الدقاق ـ نفس المرجع السابق ، ص 440.

(1)World Health Organization- Protecting Health From Climate-2009, page 02

(2)11thGeneral ProgrammeOf  Work 2006-2015 ( AGlobal Heath Agenda)

(3)د.معمر رتيب محمد عبد الحافظ ـ نفس المرجع السابق ، ص 112.

(1)WHO-Eleventh General Programme Of  Work 2006-2015- pages 13 to 21 .

(2)د. معمر رتيب محمد عبد الحافظ ــ نفس المرجع السابق ، ص 112.

(1)المادة 03 ف06 من النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية بصيغته المعدلة لديسمبر 1989 .

(2)د.معمر رتيب محمد عبد الحافظ ــ نفس المرجع السابق ، ص 114.