توطئة
على اعتبار أن شروط وإجراءات ابرام العقد الإداري الالكتروني لا تزال لغاية كتابة هذه الأسطر غامضة وغير متفق عليها سواء على المستوى الفقهي أو التشريعي المحلي منه والدولي، وعلى اعتبار أن أغلب الدول التي أخذت خطوة في مجال إبرام العقود الالكترونية عامة والإدارية خاصة لازالت تعتمد الإجراءات والشروط العامة المعروفة في إطار التعاقد الورقي وتغيير أساليب التعاقد من الأسلوب الورقي إلى الأسلوب الالكتروني فإننا سنحاول من خلال هذه الجزئية التفصيل في إشكالية زمان ومكان ابرام العقد الإداري الالكتروني فقط وهذا لكون التساؤلات المطروحة في هذا المجال كثيرة حول ما هو التاريخ المعتد به في ابرام العقد الإداري الالكتروني؟ هل هو التاريخ الذي تبت فيه الإدارة العمومية في العطاءات؟ أو تاريخ الإبرام الفعلي للعقد والذي يثبت من تاريخ التوقيع الالكتروني للعقد من كلا الطرفين؟
إجابة على هذه التساؤلات ذهب الفقه إلى القول بأن مسألة زمان ومكان إبرام العقد الإداري التقليدي لا تثير أي صعوبات أو إشكاليات، ذلك لكون زمان سريان العقد يبدأ من تاريخ الامضاء عليه من الطرفين، في حين أن مكانه هو مقر الإدارة العمومية أو الشخص المعنوي العام المتعاقد، وتكمن أهمية هذا التحديد في المساعدة على تحديد بداية إثارة النزاع في حال قيامه وتقادم الدعوى، إلى جانب تحديد قواعد الاختصاص القضائي في النظر في العقد الإداري، إضافة إلى أن مكان إبرام العقد يساعد في تحديد المحكمة المختصة إقليميا.
أما في مجال العقد الإداري الالكتروني فمن اتجاهات الفقه القول بأن اعلان القبول ينطلق من تأكيده من طرف مستقبل العطاء أو العرض، في حين أن تصدير القبول يكون من تأكيد الطرف الآخر ويكون القبول والتأكيد في هذه الحالة نهائيا لا يمكن التراجع عنه من الطرفين ويتأكد باستقبال رسالة الكترونية للتأكيد، كما أن إصدار الصيغة النهائية للعقد الإداري بالصيغة القانونية المنصوص عليها في إطار التشريعات والتنظيمات المعمول بها يتم بطريقة الكترونية ويتم الاحتفاظ بنسخة منه مرسلة عبر البريد الالكتروني للطرفين، ويخضع زمان ومكان العقد للقواعد العامة السارية على العقود الالكترونية المتعامل بها في القانون الخاص والتي حددها قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية والأحكام التي تسير العقود التجارية الالكترونية.
وبناءا عليه يكاد يجمع الفقه أن العقد الإداري الالكتروني لا يعدو أن يكون صورة حديثة للعقد الإداري الورقي ولا يختلف عنه إلا من حيث طريقة التعاقد والإجراءات المتبعة خلالها وذلك باعتماد العقد الإداري الالكتروني على الوسائل التكنولوجية الحديثة وعلى رأسها التواصل عبر الانترنت عن طريق الرسائل الالكترونية وباستخدام البريد الالكترونية والمواقع الالكترونية المستحدثة لهذا الغرض.
وفي الجزائر وبالرغم من أن تطبيق الإدارة الالكترونية أصبح يشكل توجها وطنيا لا رجعة فيه كما وضح الكثير من المسؤولين والمتحدثين الرسميين باسم الحكومة، وعلى الرغم من البرامج الوطنية المبذولة في سبيل التحول الالكتروني للإدارة العامة إلا أن بوادر الانتقال إلى الأعمال والتعاملات الالكترونية خاصة في المجال التعاقدي لا تزال غير واضحة ولا مفعلة خاصة وأن الجزائر لم تضع أي نص تشريعي خاص ومستقل للمعاملات الالكترونية.
إلا أن المشرع ومن خلال قانون الصفقات العمومية أشار ولأول مرة إلى نيته في التوجه نحو التعاقد الالكتروني بموجب الباب السادس من القانون 10-236 المعدل والمتمم (ملغى) والذي جاء تحت عنوان "الاتصال وتبادل المعلومات بالطريقة الالكترونية" وتضمن هذا الباب مادتين مقسمتين على قسمين فجاء في القسم الأول المعنون "بالاتصال بالطريقة الالكترونية" وبموجب المادة 173 أن "تؤسس بوابة الكترونية للصفقات العمومية لدى الوزير المكلف بالمالية" وأحالت نفس المادة تحديد محتوى البوابة وكيفيات تسييرها بموجب قرار من الوزير المكلف بالمالية، في حين جاء في القسم الثاني المعنون "بتبادل المعلومات بالطريقة الالكترونية" وبموجب المادة 174 أنه "يمكن للمصالح المتعاقدة أن تضع وثائق الدعوة إلى المنافسة تحت تصرف المتعهدين أو المترشحين للصفقات العمومية، بالطريقة الالكترونية، ويمكن أن يرد المتعهدون أو المرشحون للصفقات العمومية على الدعوة إلى المنافسة بالطريقة الالكترونية" وأحالت هي الأخرى تحديد كيفيات تطبيق هذه المادة إلى قرار من وزير المالية.
وتشكل المادتان أعلاه بوادر التوجه إلى انتهاج نظام الإدارة الالكترونية في الأعمال والمعاملات الإدارية التعاقدية وتوجهها نحو اعتماد المبادئ المعمول بها دوليا في إطار العقود الإدارية الالكترونية وذلك من خلال الاحتفاظ بالقواعد والإجراءات التقليدية المعمول بها في إطار العقود الورقية وانتهاج الأساليب الالكترونية في التعامل.
ومع بداية ظهور التفعيل الفعلي لنظام الإدارة الالكترونية في الجزائر وانتشار بوادر تطبيقها تزايد الاهتمام أكثر بالعقود الإدارية الالكترونية مجسدة في الصفقات العمومية فجاء بذلك المرسوم الرئاسي 15-247 ليلغي أحكام المرسوم الرئاسي 10-236 (المعدل والمتمم) ويرسي توجه الدولة في اعتماد نظام التعاقد الالكتروني، ويفصل من خلال القسم الثاني من الفصل السادس في أسس "تبادل المعلومات بالطريقة الالكترونية" بصورة أكثر دقة ووضوح، بحيث أكدت المادة 204 منه أن وضع وثائق الدعوة للمنافسة من طرف المصالح المتعاقدة بالطريقة الالكترونية يجب أن يتم حسب جدول زمني يتم تحديده من طرف وزير المالية، ويتم الرد على الدعوة للمنافسة من طرف المتعهدين والمترشحين حسب نفس الجدول وبطريقة الكترونية أيضا، وأكد أن كل العمليات الخاصة بالإجراءات على حامل ورقي سيتم تكييفها بما يتوافق والإجراءات الجديدة المعتمدة في إطار الطريقة الالكترونية، ولاختصار الإجراءات الروتينية المعهودة في التعاقد الورقي نصت المادة 205 أن المصالح المتعاقدة وفي إطار التعامل الجديد لا تطلب من المتعهدين الوثائق التي يمكنها طلبها بالطريقة الالكترونية.
وفي تأكيد أكثر لتحول الدولة من التعامل الورقي إلى الالكتروني أخذ المشرع ولأول مرة من خلال قانون الصفقات الجديد بنظام المزاد الالكتروني ونظام الفهارس الالكترونية للمتعهدين وهو الأمر الذي من شأنه اختصار العديد من الإجراءات الروتينية التي كانت تشهدها التعاقدات الإدارية لمختلف المصالح المتعاقدة وما يترتب عنها من بطء في الابرام وتأخر في تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية المسطرة، كما أن من شأن هذه الإجراءات الجديدة اقتصاد الكثير من الأموال التي كانت تضيعها الدولة في إطار الإجراءات الورقية السابقة في جميع مراحل التعاقد بداية من الإعلان عن الصفقات وإلى غاية تنفيذها ونفاذها، وفي انتظار التجسيد الفعلي لهذا النظام الجديد في التعاقد الإداري وتعميم استعماله على مستوى المصالح المتعاقدة الوطنية والمحلية فإن هذه المبادرة تحسب لصالح المشرع الجزائري والحكومة وتعتبر خطوة هامة في مسار تطبيق الإدارة الالكترونية في الجزائر.
3. الأساليب الحديثة لإبرام العقود الإدارية الإلكترونية
تتمثل الأساليب الحديثة لإبرام العقد الإداري الإلكتروني في المزايدات الإلكترونية والتي سنقوم بتعريفها ومن ثم نسلط الضوء على إجراءاتها، والمناقصات الالكترونية علاوة على ضرورة الحديث عن البوابة الالكترونية للصفقات العمومية المستحدثة من طرف قانون الصفقات العمومية.
1-تعريف المزايدات الإلكترونية: يقصد بالمزايدات الإلكترونية ذلك الإجراء الذي يتقدم بموجبه المرشح لإبرام العقد الإداري بعطاء الثمن عن طريق وسيط الكتروني، وفي مدة زمنية يحددها الشخص العام ويعلم بها مسبقاً جميع المرشحين.
وبالتالي فإن هذا النوع من المزايدات لا يختلف عن المزادات العلنية المعروفة في القانون المدني، من خلال التنافس بين المرشحين على منقولات معينة وأثمان مختلفة تكون في جلسة علنية يعرفها جميع الموردين، في حين تختلف مع المزايدات الإلكترونية بأنها منصبة على عقود التوريد وتريد الإدارة الحصول على ثمن أقل لتوريد منقولاتها، الأمر الذي دعا الفقه الفرنسي إلى تسمية هذا النوع من المزادات بالمزايدات الإلكترونية المعكوسة.
ولقد ظهر هذا النوع من المزايدات لأول مرة في هولندا، إذ يتقدم المرشحون بعطاءاتهم في مظاريف مغلقة وبطريقة سرية إلى الإدارة، ويقوم محافظ البيع بالمزاد العلني بالإعلان عن بدء المزاد العلني عن طريق شبكة الإنترنت، ثم يبدأ التنافس بينهم حتى التوصل إلى الثمن الأقل ورسوا المزاد على ذلك، والجدير بالملاحظة أنه يتوجب على الإدارة في أسلوب المزايدات الإلكترونية إتباع جميع الإجراءات الخاصة بالإعلان عن المزايدة، فضلاً عن إتباع إجراءات الممارسات والتحاور التنافسي والاتفاق المباشر.
2-إجراءات المزايدة الإلكترونية: تكمن إجراءات المزايدة الإلكترونية من خلال التزام الإدارة بالإعلان عن المزايدة عن طريق شبكة الإنترنت، يتضمن هذا الإعلان موضوع المزايدة، مع ضرورة ذكر كل المعلومات والشروط الفنية والقانونية ولاسيما المدة التي تجري المزايدة خلالها، فضلاً عن تاريخ بدء المزايدة والثمن المبدئي للعقد، أما إذا كانت المزايدة محدودة، فيتطلب الأمر القيام بنشر قائمة المرشحين على شبكة الإنترنت. أما بالنسبة لتقديم العطاءات فإنه وتأسيساً لهذا الأسلوب فإن الأمر يستوجب إرسال المرشحين توقيعاتهم الإلكترونية، ويجب على الإدارة توفير الحماية لهذه التوقيعات.
وبعد ذلك تجري المزايدة، ويتوجب على الإدارة إعلام جميع المرشحين بعروض الثمن المقدمة في كل مرحلة في مراحل المزايدة، وبعد ذلك يتم ترتيب الموردين من الثمن الأعلى إلى الثمن الأقل، دون أن تعرف هويتهم في كراسة الشروط. فضلاً عن ذلك فإنه يجوز تمديد المدة القانونية للمزايدة بشرط أن ينص على ذلك في كراسة الشروط الخاصة بالمزايدة الإلكترونية مع بيان أسباب التمديد وكيفية طلب التمديد من المرشحين. وتستطيع الإدارة غلق باب التنافس من خلال التوصل إلى العطاء الأفضل من الناحية المالية والفنية، وعدم وجود عطاءات جديدة تحقق الغاية من المنافسة، وأخيراً يمكن للإدارة غلق باب التنافس إما بتحديد مدة معينة للمزايدة في كراسة الشروط أو في الخطابات التي يرسلها إلى المرشحين في مرحلة الإعلان عن المزايدة. ويعد الإيجاب المقدم من طرف المرشح الفائز بمثابة الإيجاب الإلكتروني، الذي يجب أن يتطابق مع القبول الذي يكون باعتماد السلطة المختصة بإبرام العقد الإداري، وإخطار المتعاقد معها من خلال الوسيط الإلكتروني.
3-المناقصة الالكترونية: تعتبر المناقصة الالكترونية الأسلوب الأكثر استخداما في التعاقد الإداري وهي مجموعة الإجراءات التي رسمها القانون بقصد الوصول إلى أفضل المتنافسين سعرا وشروطا وتوطئة للتعاقد معه وتعرف المناقصة أو طلب العروض في المرسوم 15/247 هي إجراء يستهدف الحصول على عدة عروض من عدة متعهدين متنافسين مع تخصيص الصفقة للعارض الذي يقدم أفضل عرض، وعلى هذا الأساس فطلب العروض الالكتروني هو إجراء يتم عن طريق استعمال الشبكة الالكترونية أو شبكة الأنترنت أين تفصح الإدارة عن إرادتها لإبرام العقود الإدارية عن طريق المناقصة الإلكترونية، فالإدارة هنا طرف أساسي من خلال الإفصاح عن إرادتها وذلك عن طريق الدعوة للتعاقد تحدد فيها نوع العقد المراد إبرامه ووجود الإعلان الذي يظهر النية الصريحة في التعاقد ويتعين من هذا الإشارة إلى انه لا يوجد نموذج وحيد لعقد الدخول وانما توجد صور عديدة للعقود حيث تتم المشاركة في هذا العقد الالكتروني عن طريق شبكة الاتصال التي تبين الخدمات في الشبكة العالمية الانترنت.